الفصل 11: لبنان
لأن ظلم لبنان يغطّيك... (حبقوق 2: 17)
تُبيّن لنا هذه الآية بأن لبنان سيُظلم... سيُضرب... سيُذل الخ... لكن هذا الظلم سيرتّد بدون أدنى شك على مسبّبه كما تقول الآية...
وهل اللّه بظالم ليسمح أن يمر لبنان بكل هذه الاختبارات القاسية بدون سبب...؟
كلنا يتذكر عصر الازدهار الذي تمتع به لبنان منذ ما بعد الاستقلال حتى (1975), سنة بدء الحرب اللبنانية التي حصدت كل هذا المجد وكأنه لم يكن, وهل كان هذا عفويا, أم كان ضمن مخطّط اللّه العجيب الذي أعطى فرصة ذهبية لهذا الشعب ولهذا البلد ككل, هذا البلد المحسوب وحده مسيحياً بين (21) دولة تدين بالإسلام..؟
نعم, إن اللّه جعل لبنان في صميم النبوءات التي تحدثت عن مجيء المسيح وعن آخر الأيام.
كيف لا والرب نفسه زاره حتى حدود صيدا وصور, فمسّت بطون قدميه المباركتين أرضنا حين زارنا قبل نحو ألفي سنة من الآن, فكان لبنان البلد الثالث بعد فلسطين الذي امتازبهذه الزيارة المباركة, وكيف لا يزورنا في بلد الأرز الذي نصبه هو بيديه المباركتين كما جاء في (المزمور 104: 16): تشبع أشجار الرب أرز لبنان الذي نصبه...
فقبل أن يضربه ويذلّه بسبب كبريائه, وعده بالازدهار والغنى, فكتب في ذلك النبي اشعيا قائلا: أليس في مدة يسيرة جداً يتحوّل لبنان بستاناً (أشعياء 29: 17).
تحوّل لبنان إلى ذلك البستان البهيج, إذ في أقلّ من عشر سنوات فتحت كبريات الشركات العالمية فروعا لها في لبنان.
شهد مرفأ بيروت الدولي حركة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المرافئ والمطارات, أضحى مطار بيروت واحداً من ثلاثة مطارات الأكثر حركة في العالم.
تهافت الأجانب للمجيء إلى لبنان بأعداد لا تحصى حتى اكتظّت الفنادق بالسياح ورجال الأعمال, مما اضطر الشخص أن يحجز قبل أشهر عديدة مكاناً له في الفندق.
انتصبت أجمل فنادق الشرق, بل العالم على ربوع هذا البلد الجميل.
جاء إلينا جيراننا الأمراء العرب والملوك من مختلف الدول العربية واستثمروا أموالهم الطائلة في مشاريع عمرانية ضخمة وشادوا القصور الفخمة على تلالنا وصرفوا أموالهم بلا حساب عندنا, فكان غنى لم يكن مثله من قبل.
تصوّر عزيزي, إني شاهدت سنة (1972) بأم العين في أحد شوارع مدينة بحمدون الجبلية, سيارة مطليّة بالذهب الصافي!!! أين هي بحمدون الآن..؟
فبدل أن يحافظ اللبناني على النعمة كما يقول المثل العامي, تصلّف, تكبر, تشامخ وازدرى بنعمة اللّه, نسي إن اللّه تكارم عليه بكل هذه الخيرات, وأعمى المال بصره عن رؤية ذلك, والرب الذي شاءت مشيئته أن يجود على هذا البلد بنعمه, كان كل قصده أن يلفت نظر بنيه إلى بركاته الروحية التي لا تقاس بالبركات الأرضية وخصوصاً للمسيحي الذي دعي اسمه عليه, فكان من المفروض أن يكون اسم إلهنا بركة للكثيرين الذين أتوا إلينا من كل مكان, لكن للأسف الشديد كنّا سبب لعنة ونقمة, فجدفوا على هذا الاسم الحسن الذي دعي علينا, اسم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح المبارك.
سمعت أحد رجال الدين يقول مرّة: على المسيحي الحقيقي أن يعدي غيره...
فهل نقلنا عدوى المسيحية إلى الآخرين ونحن في وسط بركات الرب الأرضية..؟
تصوّر أن الرب لم ينتظر منا الذهاب إلى الدول العربية لكي ننشر عقائدنا المسيحية الثمينة هناك, بل سخّرهم هم كي يأتوا إلينا وننقل إليهم عدوى المسيحية, لكن للأسف الشديد, بدلاً من أن تفوح منا رائحة المسيح الذكية, فاحت رائحة كل شيء عداها, فأبدعنا بنشر تعاليم السكر والعربدة والفحش على أنواعه, فوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
تصوّر عزيزي القارئ, إن (90 %) من أصحاب الملاهي والبارات والكباريهات وأندية القمار, هم من المدعوين مسيحيين, إنه شيء مخز للغاية...
ظنّوا أن اللّه لا يحاسب, ظنّوا أن سكوته نسيان, اسمعه يقول: هذه صنعت وسكتّ ظننت إني مثلك أوبخك وأصف خطاياك أمام عينيك... افهموا هذا يا أيها الناسون اللّه لئلا افترسكم ولا منقذ. (مزمور 50: 21- 22).
فعلى ضوء كلمة اللّه المباركة هذه, حدث ما قد حدث من خراب ودمار وانهيار على كل الصعد ... ويقطع غاب الوعر بالحديد ويسقط لبنان بقدير (اشعياء 10: 34).
ويكون في آخر الأيام... فإن لرب الجنود يوماً على كل متعظم وعال وعلى كل مرتفع فيوضع وعلى كل أرز لبنان العالي المرتفع (اشعياء 2: 2 و12- 13).
فتمّ ذلك على أحسن وجه وأُذِل لبنان واللبنانيين المرموز إليهم بالأرز..!
فتح لبنان أبوابه واستقبل ما هبّ ودبّ من الشعوب ظنّاً منه أن ذلك يؤول عليه بالخير والبركة, لكن قصد الرب كان عكس ذلك, إذ النبوءة التي تمّت في أيامنا هذه تقول: افتح أبوابك يا لبنان فتأكل النار أرزك. (زكريا 11: 1).
إنه من الصعب جداً عزيزي, أن تدرك أن كل ما حدث في لبنان هو من محبة ومن رحمة الرب علينا, إذ إنه يحبنا ويريدنا أن نترك شرورنا هذه ونرجع إليه بتوبة صادقة, فلم يكن منه إلا أن هزّ عصاه وكان الذي كان.
تذكر يا عزيزي, إن الذي يحبه الرب يؤدبه (عبرانيين 12: 6).
إن الرب يحب لبنان واللبنانيين ويريدهم أن يتوبوا عن كبريائهم وتشامخهم وتعجرفهم إلى ما هنالك من الصفات البشعة التي هي مكرهة الرب.
يريدنا نحن الذين دعي اسمه علينا أن نتعلم منه الوداعة والتواضع, أليس هو القائل: احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم (متى 11: 29).
لكن, رغم هول الكارثة التي حلّت بنا, نرى للأسف الشديد إننا لم ندرك هذه المحبة حتى الآن, إذ أن الشر يزداد ونستطيع أن نقول, إنه وصل إلى القمة واللّه ينجّينا من الأعظم..؟
قبل الحرب, كان هناك قانون يحظّر بيع المجلات الجنسية والخلاعية في لبنان, بعد الحرب نراها معروضة للبيع علناً دون أية رقابة تذكر...
ومثلاً آخر أيضاً, فيما يخص الأفلام السينمائية: كانت هناك أيضاً رقابة مشدّدة على جميع الافلام بدون استثناء, أما اليوم, فأفلام الجنس والخلاعة, منتشرة في كل دور السينما.
تصوّر عزيزي, أن الملصقات الدعائية التابعة لهذه الأفلام والحاملة صوراً ومشاهد إباحية عن الفيلم, تعرض على الطرقات ومفارق الدروب والجدران بشكل جذّاب ووقح دون أية رقابة تذكر أو أي شعور بالذنب وهذا الأمر ممنوع حتى في بلاد الغرب التي تُصدر لنا هذه الأفلام, تأمل..!
قبل الحرب كان عندنا كازينو واحد... بعد الحرب أصبح عدد الكازينوات يفوق أو يعادل عدد كازينوات لاس فيغاس!!!
هذا قليل من كثير من الأمور التي أوصلت هذا البلد إلى ما هو عليه اليوم وحجّتنا أن هذه الأمور هي دليل حضارة وتمدّن, ناسين أن الغرب نفسه الذي سبقنا إليها قد وصل إلى حافة الانهيار الكلّي حيث فقدت الأخلاق والقيم الروحية والاجتماعية, العائلة مفكّكة والفساد يعمّ مجتمعهم على كل الصعد والمستويات الخ...
ورغم مرور ما يزيد على العشر سنوات من حرب قذرة وبالرغم من كل الذيول التي خلّفتها من دمار مادي وخلقي, ما تزال رحمة الرب تنتظر, إنها تنتظر منا أن نتجاوب معها وعلى رغم كل المآسي التي حلّت بنا ومقارنة مع ما هو حاصل في العالم من حولنا اليوم وما قد يحصل في المستقبل, إننا ما نزال مرحومين..!
تصوّر عزيزي, إن انقطاعا في التيار الكهربائي دام نصف ساعة في مدينة نيويورك الأميركية, تسبّب في آلاف السرقات, من سلب ونهب المحال التجارية وآلاف الجرائم الخلقية,لدرجة أنه بعد مرور تسعة أشهر على هذه الحادثة, هنالك (40000) فتاة سفاحاً..!
نعم, هذا ما حدث في غضون نصف ساعة في إحدى أكثر المدن تمدّناً في العالم.
فهل تستطيع أن تتصور عزيزي, عظم الكارثة لو حصل في أميركا مثلاً ما حصل في لبنان في أكثر من عشر سنوات من الزمن..؟
ومن يكفل عدم حصول ذلك..؟
هل تتذكر يوم كنت تقف لساعات تحت القصف العشوائي منتظراً دورك في أحد الأفران وذلك لكي تحصل ولو على ربطة خبز واحدة لك ولعائلتك..؟
هل تتذكر يوم كنت تقضي شهوراً بدون ماء ولا كهرباء وتسهر على ضوء الشموع, وكأنك في البادية..؟
هل تتذكر يوم كنت تقضي الأسابيع في الملاجئ مختبئاً من القصف ومن فتك القذائف المدمّرة والقاتلة..؟
هل تتذكر يوم كنت تتهافت على محطات البنزين, حيث كنت تنتظر لساعات تحت حرّ الشمس أو حتى هول القصف العشوائي وتسمع كلمات الإهانة من هنا وهناك وكل ذلك لكي تحصل ولو على ليتر واحد من البنزين. وفي بعض الأحيان, كنت لا تحصل عليه بالرغم من كل هذا الانتظار..؟
هل تتذكر يوم كان عندك بيتاً وقطعة أرض, تزرعها وتعيش من غلّاتها أنت وأهل بيتك؟
واليوم أنت مُهجّرٌ في بلدك..؟
هل تتذكر يوم كنت تريد أن تقطع مسافة ما يقارب الكيلومترين أو أقل, فتحتاج إلى أربع أو خمس ساعات لقطع هذه المسافة القصيرة جداً..؟
إن ما حصل في هذا البلد الصغير لبنان, ليس سوى عيّنة صغيرة لما قد يحصل في هذا العالم الواسع عما قريب, ابتداء بالذين تربّصوا شراً بهذا البلد.. لأن ظلم لبنان يغطّيك, يقول لهم النبي حبقوق: (حبقوق 2: 17).
نعم عزيزي, إن ما حصل على أرضنا المحبوبة ليس إلا من رحمة الرب علينا لكي نلتفت إليه جميعاً, كلبنانيين عموماً وكمسيحيين خصوصاً ونتوب عن شرّنا العظيم هذا, ألا وهو بعدنا عنه ونسياننا له وعصياننا لأوامره.
إن الكنيسة التي هي عروس المسيح كما يقول عنها الرسول بولس: لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدّم عذراء عفيفة للمسيح. (2 كورنتس 11: 2) هذه العروس, ستكون بأوج مجدها في لبنان عند مجيء عريسها المحبوب فيقول الكتاب في (نشيد الانساد 5: 8): هلمّي معي من لبنان يا عروس معي من لبنان. وكأن بالوحي الالهي يَعِدْ بانتعاش روحي لم يسبق له مثيل في هذا البلد, وذلك قبل مجيء العريس!؟!؟
فعليه, لِمَ لا تنطلق المسيحيّة الحقيقيّة من جديد, مسيحية الكتاب المقدس, لِمَ لا تنطلق من لبنان بالذات لتعمّ المسكونة إلى أن يشرق كوكب الصبح المنير الذي سيطل على العالم عما قريب, الذي ستجثو له كل ركبة ممن في السماء من فوق ومن على الأرض من تحت ولا سيما الذين رفضوا أن يملّكوه على قلوبهم ويسجدوا له ويعترفوا بأنه هو رب لمجد اللّه الآب, له كل المجد ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح.
هل أنت من العروس, أم مسيحي بالاسم فقط..؟
هل أنت من الذين سيساهمون في انطلاقة المسيحية الحقّة من هذا البلد وإلى العالم, ليكونوا عروساً مزيّنة بَهِجة وفرحة منتظرة عريسها لكي يأتي ويخطفها ويأخذها إلى بيت الآب, حيث لن يتركها إلى أبد الآبدين..؟
تعال إلى يسوع ولا تؤجل...
- عدد الزيارات: 7286