الفصل 1: المقدمة
إن من يتصفح الكتاب المقدس بإمعان، يندهش إذ يرى أن عدد الآيات والعبارات التي وردت فيه عن المجيء الأول والثاني للمسيح، هي أكثر كثيراً من أي موضوع آخر، إذ أنه ذكر عنهما ما يزيد عن الـ (1525) مرة في العهد القديم و318) مرة في العهد الجديد.
إن موضوعاً هاماً بهذا المقدار، ينبغي أن يكون موضوع الساعة في الوسط المسيحي ككل، في وسطنا نحن الذين ائُتمنا على كلمة الله التي من أهم أهدافها أن ترشدنا وتقودنا إلى الخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع ربنا.
إن كل ما يدور حولنا من أحداث مرعبة وكوارث تعمّ العالم، الإرهاب، الحروب في كل مكان، حتى أنه لا تكاد تخلو منها منطقة، الكوارث الاقتصادية والطبيعية ومنها العلمية التي كان آخرها انفجار المفاعل النووي في تشيرنوبيل بالقرب من مدينة كييف في ولاية أوكرانيا السوفياتية، مما أرعب أوروبا والعالم أجمع.
إنه واقع لا يستطيع أحد إنكاره والذي يحاول، يشبه رجلاً ينكر الشمس وهي في رائعة نهارها.
أما الأسئلة التي تطرح نفسها هنا فهي:
إلى أين...؟
وهل سنبقى مكتوفي الأيدي حيال كل ذلك....؟
أنتصرف أم لا....؟
ما عسانا نفعل أمام كل ذلك وكيف علينا التصرف....؟
إنها بالحقيقة أسئلة هامة جداً وهي بحاجة إلى أجوبة دقيقة وبالأهمية ذاتها وليس هناك غير الكتاب المقدس الثمين، كلمة الله الحية والفعالة، الذي يتكفل بإعطائنا الجواب الصحيح لهذه المعضلات والتي أقل ما يقوله في هذا الأمر مرشداً: ومتى ابتدأت هذه تكون (أي الضيقات والكوارث) فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب (لوقا21: 28).
لماذا يا ترى علينا أن نرفع رؤوسنا إلى فوق...؟ لأنه وعد بأنه سيرجع لكي يأخذنا إليه ولكي ينقذنا من الغضب الآتي وهكذا نكون معه كل حين:
ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا: أيها الرجال الجليلون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء (أعمال الرسل1: 9- 11).
عن مجيء المسيح ثانية، ركن من أركان الإيمان المسيحي في كل الأجيال وعقيدة ثابتة تتمسك بها الكنيسة على مرّ العصور وهو رجاؤها الوحيد الأسمى بينما هي في بريّة هذا العالم الشرير.
كل النبوءات في الكتاب المقدس التي تتكلم عن الأحداث العتيدة أن تحدث قبل مجيء المسيح ثانية. قد تمت بدقة متناهية لا تعلوها دقة وهي التي سنتحدث عنها في بحثنا الطويل هنا وبالتفصيل.
لن نأخذ مكان النبي في التكلم عما سيحدث مستقبلاً بعد أن يكون المسيح قد أتى واختطف كنيسته المحبوبة، بل سنؤكد في بحثنا هذا أقوال الأنبياء القديسين وصدق كلمة الله التي تكلمت وحددت أموراً مستقبلية كعلامات مميزة قبل رجوع الرب وكلها قد تمت وبشكل مدهش لم يسبق له مثيل.
عندما نقول أن تعليم مجيء المسيح ركن من أركان الإيمان المسيحي وعقيدة ثابتة تتمسك بها الكنيسة، لا يسعنا إلا أن نرجع إلى سنة (325) ميلادية لكي نؤكد قولنا هذا، عندما انعقد أول مجمع مسكوني في مدينة نيقية وفيه أُقر قانون الإيمان الشهير الذي تعترف به جميع الطوائف المسيحية بدون استثناء بجميع بنوده كما صدر آنذاك وأحد هذه البنود يقول: الذي سيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات....
ظهرت على مسرح التاريخ المسيحي بدع عديدة، منها جماعة أطلقت على نفسها اسم شهود يهوه، ركزت هذه البدعة على موضوع مجيء المسيح في تعليمها، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك فعينت عدة مواعيد لمجيئه وزعمت أن الحل الوحيد للهرب من الضيق الذي سيحل على العالم هو بالانضمام إلى حركتهم؟؟؟؟
صحيح أننا قد اقتربنا من النهاية، بل إنني أؤكد كما سيتبين لنا لاحقاً أننا على أبوابها، لكن يا ترى هل الحل هو في الانضمام إلى هذه الجماعة أو تلك...؟
سنة (1980) وفي مدينة تورنتو الكندية اجتمع ما يزيد على الـ (5000) ساحر ومنجّم وعالم غيب في مؤتمر هو الأول من نوعه في العالم، جاؤوا من (40) بلداً ومقاطعة من العالم وكان الهدف من هذا المؤتمر الغريب العجيب من نوعه هو البحث في النبوءات المستقبلية العتيدة أن تحدث والتي تخص عالمنا هذا، فخرجوا بهذه النتيجة: أن العالم متجه نحو الكارثة... وفسّروا الماء بالماء !!!
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إن كانت هذه الجماعة المشعوذة تدّعي معرفة الغيب ومشاكله مسبقاً وتزعم إعطاء الحلول لتلك المشاكل، نراها مغلوبة على أمرها ومحتارة جداً من أمر المستقبل، فما هو يا ترى شعور عامة الناس...؟
ومن أدرى من الرب يسوع نفسه بشعورهم، إذ أنه عندما كان يتحدث مع تلاميذه وهو يخبرهم عن علامات آخر الأيام، أعطاهم هذه العلامة: ويكون على الأرض كَرْب أمم بحيرة والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما سيأتي على المسكونة (لوقا21: 25- 26).
أوليست هذه العلامة ظاهرة بوضوح على وجوه الناس ومميزة هذا العنصر عن باقي العصور...؟
نحن في لبنان، لسنا ببعيدين أبداً عن هكذا شعور.
قال لي أحدهم وهو صديق هاجر مع عائلته إلى ألمانيا الغربية هرباً من الحرب: "إنني أفكر جدياً بالهجرة من ألمانيا إلى أستراليا..." قال لي هذا القول مرددّاً على مسمعي مثلاً عامياً لبنانياً: (هربنا من الدلفة لتحت المزراب)... وشرح لي السبب قائلاً: "إن الألمان في كَرْب وحيرة من أمرهم، إذ أن بلدهم هو خط الدفاع الأول في أوروبا في حال نشوب حرب نووية وذلك لمجابهة الاتحاد السوفياتي". أضاف قائلاً: "حفروا الملاجئ النووية ظناً منهم أن هذا الأمر يحل المشكلة لكن للأسف الشديد، الخوف والانتظار مما قد يطرأ، زادا في الكرب والحيرة...." قالوا: "نحسّن شبكة الدفاع الصاروخية، فنصبوا صواريخ نووية متطورة، فازداد الأمر تعقيداً، مما وسّع الشق بين الجبارين"، أضاف ذلك الصديق قائلاً بيأس: "إن الحل الوحيد المتبّقي أمامي الآن، هو في الهجرة إلى أستراليا، تلك البلاد الجنوبية البعيدة جداً عن أخطار الحرب النووية" وهكذا تفعل كل واحدة من خمس عائلات ألمانية بل وأوروبية أيضاً...
مسكين، بل ما أتعس ذلك الإنسان الذي يرجو خيراً من هذه الأرض، أين تراه سيهرب من الغضب الآتي...؟
إن الأرض كلها ستهرب من وجه الديّان العادل في ذلك اليوم المشؤوم.
إن المتطلع اللبيب، يدرك فظاعة ما سيأتي على المسكونة من أهوال وويلات وضيقات لم يكن مثلها ولن يكون لدرجة أن الناس يطلبون الموت لكن، الموت سيهرب منهم... وفي تلك الأيام سيطلب الناس الموت ولا يجدونه ويرغبون أن يموتوا فيهرب الموت منهم (رؤيا يوحنا9: 6).
هناك أشخاص ينتحرون ظناً منهم أن الانتحار يضع حداً لآلامهم...! فكم هو مقدار التعاسة والهول عندما لا يستطيع المرء أن يقتل نفسه هرباً من الضيق...؟
إلى أين تراهم سيهربون...؟
هل إلى الملاجئ النووية...؟
هل بالهجرة إلى الأقطار البعيدة...؟
إلى أين الهرب يا ترى...؟
الجواب هو في كلمة الله وفيها وحدها وهي القادرة أن ترشدك إلى كيفية الهروب، اسمعها تقول لك بكل بساطة على فم السيد نفسه: تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم (متى11: 28).
فما هو جوابك يا ترى وأنت في كرب وحيرة من أمرك أمام هذه الأخطار المحدقة بك...؟
أتلبي النداء وتهرع إليه ملقياً كل رجائك عليه وعليه وحده وبذلك تهرب من الغضب...؟
إن عقدة الخوف عند الإنسان تدفعه غريزياً إلى الهرب والنزوح إلى مكان آخر أكثر أمناً من المكان الخطر الذي هو فيه حالياً وهربه هذا يطمئنه لكن إلى حين، وسرعان ما يستفيق هذا الإنسان ويرى نفسه من جديد في دوامة العنف، محاطاً بالأخطار إلى أن يكتشف ويدرك أن لا مكان آمناً تحت الشمس بدون يسوع..!
فلا عتب، لأن الإنسان الطبيعي ينظر إلى الحلول بالعين المجرّدة... ينظر، يلمس ويتفحص كل شيء وهذا أقل ما في المنطق البشري، هنا يكمن الخلل، إذ ليس كل ما هو منطقي مقبولاً، لأن المنطق مبني على الحكمة البشرية الزائلة وهي السبب في إبقائه في كربه وحيرته بدلاً من أن يتخطى الطبيعة إلى ما فوق الطبيعة وينظر بعين الإيمان التي ترى ما لا يُرى.
في أيام نوح وبينما كان الفلك يُبنى، كان العالم يمر بالظروف الصعبة نفسها التي يمر بها عالمنا الحاضر وقليلون جداً هم الذين كانوا ينظرون بالمنظار الذي كان ينظر نوح من خلاله.
آمن نوح فقط... صدّق وعد الله له بأنه قادر أن يحقق ما سبق فوعد به، أي حذّر بأنه سيرسل الطوفان الذي به سيهلك العالم، مع أن كل المعطيات التي أحاطت بنوح كانت تدل على عكس ذلك.
كان الناس يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوجون، يبنون بيوتاً ويزرعون كروماً، كل شيء كان طبيعياً للغاية، حتى أن السباب التي قد تؤدي إلى الطوفان لم تكن موجودة آنذاك إذ يقول الكتاب إنه لم يكن الإنسان يعرف ما هو المطر الذي هو المسبّب الأول للفيضانات... لأن الرب الإله لم يكن قد أمطر على الأرض.... ثم كان ضباب يطلع من الأرض ويسقي كل وجه الأرض (تكوين2: 5- 6).
ويقول أيضاً الباحثون ودارسو الكتاب المقدس، إن نوحاً بنى الفلك على مرتفع عال، مما كان عثرة في طريق الإيمان، إذ أن المنطق يقول: إن السفن تُبنى عادة على شط البحر ليسهل وضعها في الماء فيما بعد.
نعم، كان نوح ينظر إلى الأمور بعين الإيمان التي كانت ترى الطوفان قبل حدوثه بعشرات السنين وبالرغم من تلك المعوقات التي كانت تحاول إفشال إيمانه، صمد نوح في وجهها وكان سبب صموده: الاتكال على وعد الله الصادق والأمين له.
المنطق البشري كان حجر عثرة أمام إيمان الأكثرية الذين كانوا يقولون: كيف يمكن أن تهطل علينا هذه الكمية الهائلة من الماء وتسبب هذا الطوفان المزعوم ونحن لا نعرف المطر...؟
كان المنطق البشري يستهزئ ويضحك على نوح عندما كان يبني الفلك على تل عال.
لم يعطِ لهم نوح أذُناً صاغية، بل بنى الفلك وهرب إليه، فخلص هو وجميع أهل بيته. وها هو التاريخ يعيد نفسه حيث أن عالمنا الشرير هذا هو الآن في الوضع نفسه الذي سبق الطوفان....
الناس محبون لأنفسهم، محبون للمال، متعظمون، مستكبرون، مجدفون، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسون، بلا حنو، بلا رضى، ثالبون، عديمو النزاهة، شرسون، غير محبين للصلاح، خائنون، مقتحمون، متصلفون، محبون للذات دون محبة الله، لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها....
والله الكريم الذي أعطى الناس أيام نوح ما يقارب الـ (120) سنة لكي يتوبوا ويرجعوا عن شرورهم، هو هو نفسه الذي أعطاهم ما يقارب الـ (2000) سنة كي يرجعوا عن ضلالهم فيشفيهم ويشملهم بخلاصه العجيب.
إن الرب يسوع نفسه استشهد بحادثة طوفان نوح وكأنه يريد أن يرشدنا إلى ذلك الفلك الذي فيه نجاتنا وخلاصنا من العتيد أن يحصل.
إن يسوع المسيح هو فلك نجاتنا، اهرب إليه وادخله واختبئ فيه بالإيمان، فتنجو...!
أيها القارئ العزيز، نأسف جداً للخوف والرعب اللذين ابتدأا يتسرّبان قلبك واللذين سيزدادان مع قراءتك لكل صفحة من صفحات هذا الكتاب لكن، اعلم يقيناً أنه كُتب لأجلك، لكي يساعدك ويرشدك إلى طريق الخلاص الحقيقية لئلا تبقى مستلقياً على فراش الأمان الكاذب الذي يعزّيك به المشعوذون والمتفلسفون من حكماء هذا الدهر الفاني....
الق رجاءك على من هو قادر أن ينقذك من ساعة الدينونة الرهيبة، الق رجاءك على الرب يسوع المسيح، فُلكِ النجاة الوحيد الذي قال:
لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع... كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان (متى 38- 39).
- عدد الزيارات: 3654