الفصل 2: في النبوءات
يقول الوحي الإلهي في (سفر الجامعة3: 11): صنع الكل (أي الله) حسناً في وقته وأيضاً جعل الأبدية في قلبهم التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي عمله الله من البداية إلى النهاية.... بتعبير آخر، الله وضع داخل قلب الإنسان فراغاً مزعجاً ألا وهو التفتيش عن المستقبل ولاسيما المستقبل البدي.
حسب الظاهر، إنه شيء وهمي ليس له صلة بأية حقيقة لكن، على الرغم من وهميته، نرى الإنسان يبحث عنه بشتى الطرق، تارة بالدين وطوراً بالشعوذة على أنواعها.
إن تجارة المشعوذين مزدهرة في يومنا هذا وبشكل لم يسبق له مثيل، لدرجة أنها أصبحت الخبر اليومي لأكثرية الناس، يتغذون بها من خلال الإذاعات، وقد أفردت لها صفحات خاصة في كبريات الصحف والمجلات... قال لي أحدهم: لا أستطيع أن أبدأ نهاري قبل أن أعرف طالعي من خلال ما يخبئه لي برجي (الأوروسكوب)، أكان عبر الإذاعة أم على صفحات جريدتي الصباحية.
إن كتب أولئك المشعوذين، تملأ رفوف المكتبات على الرغم من غلائها وإنها الأكثر مبيعاً في الأسواق.
تصور عزيزي، إنه طبعت مؤخراً آلاف النسخ من كتاب يتحدث عن الأبراج (؟؟؟؟) ولم تكد تصل تلك النسخ إلى الأسواق، حتى نفذت جميعها على الرغم من أن النسخة الواحدة، بيعت بأكثر من (100) ليرة لبنانية سنة (1983).
إن عرافاً شهيراً في قرية بيت شباب- المتنيّة، يتقاضى ما يزيد عن الـ (100) ليرة مقابل قراءة الطالع في فنجان من القهوة وزبائنه من أرقى الشخصيات، منهم السياسيون والمثقفون ورجال الأعمال الخ...
نعم، هذا واقع لا يستطيع أحد إنكاره أي أن الإنسان يميل بالغريزة إلى معرفة المستقبل ومن الطبيعي أن يلجأ هذا الإنسان إلى السحرة والمنجمين والعرافين الخ... لكن، الكارثة تكمن في أن يلقي رجاءه على هكذا أشخاص صنّفهم الكتاب المقدس بالأنبياء الكذبة، بدلاً من أن يلقيه على كلمة الله الصادقة والأمينة، التي أتانا بها رجاله القديسون وبإيحاء منه.
إن عامة الناس يفهمون أن النبي هو شخص يكشف لنا عن خفايا المستقبل فحسب... إن هذا التعبير صحيح، لكنه شقّ واحد من صفات النبي، فالنبي بحسب منطق الكتاب المقدس هو شخص يستحضر ضميرك إلى حضرة الله، فيكشف لك إعوازك إلى الحقائق المستقبلية. والنبوءة ليست ضوءاً يلقيه الله على دفائن المستقبل فقط، بل هي أيضاً نور يسلطه فاحص القلوب إلى أعماق قلبك، هي إعلان فكر الله وعمله المسبق المحيط بالأشخاص والحقائق والأزمنة وهدفها استحضار قلبك وانكساره أمامه وتسليمه الكلي لمشيئته.
من الناحية اللفظية، إن كلمة (نبوءة) تعني (فورة... اندفاق) دلالة على ما للنطق بالوحي الإلهي من قوة دافقة في الأنبياء الذين كان وجودهم هذه الغاية. وعلى ضوء هذا المفهوم الكتابي الصحيح، سنتحدث في بحثنا هنا عن النبوءة في ما أعلنته كلمة الله، لأنه لم تأت نبوءة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس (2بطرس1: 21).
إن كلمة الله واضحة وصريحة جداً بما يتعلق بالنبوءة وعلاقتها بالسحرة والمشعوذين، فتحذرنا على فم موسى قائلة: لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم... لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة (أي التبصير على أنواعه) ولا عائف ولا متفائل (أي الأوروسكوب- الأبراج) ولا ساحر ولا من يرقي رقية ولا من يسأل جانا أو تابعة ولا من يستشير الموتى (أي تحضير الأرواح) لأن من يفعل ذلك مكروه عند الرب (سفر التثنية 18: 12).
ثم يضيف موسى قائلاً: .... وإن قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي تكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه. (سفر التثنية 18: 20- 22).
إن مفسري الكتاب المقدس يدعون عامة: (سحرة الألفاظ) لأنهم يجاهدون كل الجهاد لكي يجعلوا الكلمات تعني ما يريدونه هم, وإلا لما كتبوا مفسرين.
إن بدعاً عديدة في التاريخ لم تستطع الصمود بدون إتباع مبدأ سحر الألفاظ, كل مفسر يعتقد أنه على حق في ما يفسره لكن, ليس كل مفسر يستطيع أن يثبت ذلك.
لكن هنا, مهما كان جهد الكاتب أو المفسر محدوداً, فإن إلهنا القادر على كل شيء, يستطيع أن يبارك هذا البحث لكي يجعل منه حافزاً لدراسة النبوءة علّنا نسبق الزمن قبل أن يسبقنا, فنكون نحن الرابحين, وعملياً في حالة الانتظار القلبي لمجيء المسيح الثاني المبارك.
- عدد الزيارات: 3773