Skip to main content

شهود العيان

"تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة" مت 18: 16. وأيضاً 2كو 13: 1.

وفي إثباتنا لحقيقة أن المصلوب هو المسيح نقدم عدة شهود لحوادث الصلب المختلفة من ساعة القبض على المصلوب حتى بعد قيامته من الموت:

أ-شهود العيان أثناء القبض على المسيح:

كان التلاميذ مع المسيح في البستان عندما جاء الجنود للقبض عليه (مت 26: 45-50) وقدم المسيح نفسه للجنود طالباً منهم أن يدعوا تلاميذه يذهبون (يو 18: 8-9). ونرى في المشهد بطرس يستل سيفه ويقطع أذن عبد رئيس الكهنة (يو 18: 10)

فالتلاميذ الذين سجلوا لنا فيما بعد في الأناجيل والرسائل كانوا شهود عيان لعملية القبض على المسيح. فكيف نشكك في شهادة شهود العيان ونصدق أقوالاً تقال بغير دليل. ونجد في المشهد أيضاً يهوذا, التلميذ الخائن يقود شرذمة من الجنود للقبض على المسيح, ولست أدري كيف تحول المرشد والدليل إلى شخص مقبوض عليه,إنه لشيء مستحيل أن يخطئ الجنود فيقبضون على يهوذا بدلاً من المسيح.

ب-شهود العيان أثناء المحاكمة:

1-التلاميذ: بعد القبض على المسيح اقتادوه إلى دار رئيس الكهنة, وقد ذهب إلى هنا تلميذ كان محبوباً ومقرباً لدى المسيح وهو يوحنا وكان معروفاً عند رئيس الكهنة (يو 18: 15). وأيضاً بطرس وقد تبعه من بعيد. فوجودهما يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح.

وقد قال يوحنا "الذي رأيناه بعيوننا,الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو 1:1) وقد نظر المسيح إلى بطرس بعد أن أنكره نظرة عتاب فخرج إلى الخارج وبكى بكاء مراً (مت 26: 75). فلو أن المقبوض عليه كان شخصاً غير المسيح, ما الذي يدفع بطرس إلى البكاء, وهل عندما التقت العيون, لم يكن في إمكان بطرس أن يتعرف على هذا الشخص لو لم يكن هو المسيح. ولا سيما أن يهوذا شخص معروف لديه.

وهل لم يكن لدى يوحنا التلميذ المحبوب والذي كان قريباً جداً منه قدرة على تمييز شخصه.

2-رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ: كان المسيح في الهيكل, عديداً من المرات محاوراً ومعلماً وموبخاً. وهذا يؤكد أنه كان شخصية معروفة لدى الكثيرين منهم, وحيث أن المسيح قد حوكم لفترة طويلة أمامهم فلو أن هذا الشخص لم يكن المسيح لأمكنهم اكتشاف ذلك بسهولة.

3-الشهود الذين شهدوا عليه زوراً: عند محاكمة المسيح "تقدم شاهدا زور وقالا: هذا قال إني أقدر أن أنقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه" (مت 26: 60-61).

ومما لاشك فيه أن هذين الشاهدين قد سمعا يسوع في الهيكل عندما تفوه بهذا القول ولكنهما شوَّها هذا القول وقدماه بما يخدم الاتهام المطلوب. ورغم هذا فقد عرفا المسيح وسمعاه, فإذا لم يكن هو الماثل أمامهما, لكانا قد عرفاه.

جـ-شهود عيان لأحداث ما قبل الصلب:

بعد المحاكمة الدينية أمام حنان وقيافا والسنهدريم, ثم المحاكمة المدنية أمام بيلاطس, صدر الحكم بصلب المسيح, وهناك عدة أمور قد حدثت منها نستطيع أن نعرف شخص المصلوب:

أ-طبقاً لقانون الجزاء الروماني كان المصلوب يحمل آلة عذابه وموته, ويُطاف به وهو حامل صليبه في شوارع المدينة ليكون عبرة للآخرين[1]. وقد أخذوا المسيح ومضوا به "فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة .... حيث صلبوه... وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب وكان مكتوب يسوع الناصري ملك اليهود. فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود, لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة. وكان مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية" يو 19: 17-20.

من هنا نرى أن المسيح, وهو حامل صليبه إلى خارج المدينة (عب 13: 12) رآه الكثيرون ومن المؤكد أن بعضهم قد عرفه وتعرف عليه, ثم أن المكان الذي صلب فيه كان قريباً من المدينة, فهل عميت عيون الجميع فلم يعرفوا هل هذا يسوع المسيح أم يهوذا الاسخريوطي؟                       

ب-النسوة الباكيات على المصلوب:

وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كنَّ يلطمن أيضاً وينحن عليه, فالتفت يسوع وقال: يا بنات أورشليم لا تبكين علي بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن... لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس" (لو 23: 27, 28, 30).

  • تبع يسوع –وهو حامل صليبه- جمهور كثير من الشعب والنساء, فهل في كل هذا الجمهور لم يوجد شخص يستطيع أن يعرف هل هذا هو المسيح أم شخص غيره؟

-وعندما تحدث إلى النسوة[2], هل لم يستطع الجمهور أن يميز صوته الذي قد سمع كثيراً من خلال عظاته وتعاليمه؟ وأعتقد أن يسوع كان له صوت مميز بدليل أن مريم المجدلية لم تتعرف عليه عند قيامته, ولكن عندما خاطبها يا مريم, عرفته من صوته (يو 20: 16).

-ما قاله الشخص المصلوب هنا هو نبوة عن خراب أورشليم بعد أربعين سنة وكما كان الرومان آلة بيد اليهود لموت المسيح (العود الرطب), سيكون الرومان انفسهم أيضاً آلة بيد الله للانتقام وإحراق العود اليابس (اليهود).

د-شهود الصلب:

كان عند الصليب أحباء المسيح وأعداؤه, وهم شهود عيان لما حدث.

أ-تلاميذه وأحباؤه: "كانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية, فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً, قال لأمه: يا امرأة هوذا ابنك ثم قال للتلميذ: هوذا أمك ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته" (يو 19: 25-27).

فإذا جاز الخطأ والاشتباه على الغرباء, فهل يجوز على الأقارب والأحباء؟ هل يجوز الخطأ على العذراء مريم, فلا تتعرف على ابنها؟ أعتقد أن هذا مستحيل, ويوحنا وقد كلمه المصلوب وأسلمه أمه, يسجل لنا كشاهد عيان لموت المسيح على الصليب, وهذا القول "والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (يو 19: 35).

ب-شهود عيان آخرون للصليب:

1-الكهنة والكتبة والمارة والمجدفون:

 "كان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رأسهم قائلين: ياناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين أما نفسه فلا يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به" (مت 27: 39-42, وأيضاً مر 15: 29-31, لو 23: 35-37). فهل لم يتصادف أن يكون بين هؤلاء شخص واحد يستطيع أن يتعرف على المصلوب إذا لم يكن هو المسيح؟

2-قائد المئة والذين معه من الجنود:

هل لم يكن أحد منهم بالمسيح عارفاً, إن قائد المئة عندما رأى ما رافق الصليب من أحداث, ارتبطت بشخص المسيح قال: "حقاً كان هذا ابن الله" متى 27: 54.

  • ثم إن رفض المصلوب أن يشرب المخدر يؤكد أنه هو المسيح.

"ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة وهو المسمى موضع الجمجمة, أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ولما ذاقه لم يرد أن يشرب" متى 27: 33-34.

"كانت العادة عند اليهود, كما كانت عند سائر الشعوب القديمة, أن يعطى المحكوم عليه بالموت شراباً مخدراً, يلطف من ألمه, ذلك هو الشراب الذي ذكره متى, أن المسيح ذاق ولم يرد أن يشرب, لأنه أخذ على نفسه أن يشرب الكأس التي أرادها له الآب لتكون الفداء"[3].

ويصور جيم بيشوب هذا الموقف بأسلوبه الرائع قائلاً: "وقبل أن تبدأ عملية الصلب, اخترقت جماعة من النسوة اللاتي ينتمين لهيئة الإسعاف والرحمة, وهن يحملن إبريقاً من رحيق مخدر وبضع كؤوس. ولقد كانت هذه هي إحدى عمليات الرحمة, التي يسمح بها الرومان لأولئك الذين على وشك الموت .... واتجهت جماعة النسوة إلى الأسير الأوسط, يسوع وصببن الخمر له في الكأس, ونظر السيد بتقدير إلى عواطف أولئك النبيلات, وإلى دموعهن السائلة, وإلى عمل الرحمة الذي يتقدمن به, ولكنه هز رأسه ولم يشأ أن يذوق شيئاً, لقد فضل أن يتجرع كأس الألم حتى الثمالة, دون أن يخفف ذرة من أثرها المرير"[4] فالمصلوب لم يشرب لأنه المسيح, ولو كان يهوذا أو آخر لشرب وطلب المزيد ليشرب ليخفف من آلامه.

هـ-شهود العيان لعملية الدفن:

بعد موت المسيح تقدم يوسف الرامي وطلب جسد المسيح لتكفينه ودفنه (مر 15: 42-43) وكانت الشريعة الرومانية تبيح أن تعطى أجساد المحكوم عليهم لمن يطلبها ليقوم بدفنها وأخذ يوسف الرامي ونيقوديمس جسد يسوع ولفاه في أكفان مع أطياب وحنوط وتم دفن الجسد في قبر يوسف الرامي (مت 27: 57-61, مر 15: 42-47, لو 23: 50-56, يو 19: 38-42) فهل هذان أيضاً عميت عيونهما فلم يفرقا بين المسيح ويهوذا أم أنهما اشتركا في الخدعة وقاما بتكفين جسد يهوذا على أنه هو المسيح, إن الصفات التي ذكرت عنهما في الكتاب تجعلهما بمنأى عن هذه الشبهات. فيوسف الرامي, تلميذ ليسوع (مت 27: 57) وهو مشير شريف (مر 15: 43) كان رجلاً صالحاً باراً (لو 23: 50), أما نيقوديمس فهو فريسي رئيس لليهود ومعلم إسرائيل (يو 3: 1, 10).

  • ولقد سجل أحدهم لاعتراض التالي على شهود العيان لعملية الدفن:

"يوسف الرامي كان يؤمن بالمسيح سراً (يو 19: 38). ومن ذلك نعلم أنه ما كان يعرف المسيح معرفة جدية, تمكنه من اكتشاف الحقيقة وخصوصاً بعد الموت, فإن هيئة الميت تختلف قليلاً عما كانت وقت الحياة ولا سيما بعد عذاب الصليب. أما نيقوديمس الذي ساعد يوسف في عملية الدفن (يو 19: 39) فقد قابل المسيح مرة واحدة في الليل (يو 3: 1-13). ومعرفته به قليلة جداً. وكانت ليلاً منذ ثلاث سنين تقريباً...فالشخصان الدافنان للمصلوب لم يكونا يعرفانه حق المعرفة. لذلك اعتقدا أنه المسيح"[5]

التعليق:

1-بالنسبة ليوسف الرامي فإنه كان تلميذاً للمسيح في السر, والإيمان في السر لا يعني عدم معرفة المسيح جيداً ولكن هو إخفاء هذا الإيمان وعدم إعلانه لأسباب خاصة (الخوف من اليهود).

2-وبالنسبة لنيقوديمس فكون أن الكتاب لم يذكر أنه قابل المسيح مرة ثانية وثالثة, فهذا لا ينفي حدوث لقاءات أخرى, وكونه قابل المسيح مرة واحدة فهذا لا يعني أن معرفته به قليلة, لأن من الممكن عملياً أن ترى شخصاً مرة واحدة ولا تمحى صورته من الذاكرة. ثم أن المسيح كان مرات عديدة في الهيكل معلماً (لو 14: 15, 19: 47, 21: 37-38) وقد قال بنفسه للذين جاؤوا للقبض عليه "كنت معكم كل يوم في الهيكل" لو 22: 53, وهذا يؤكد أنهما ربما كانا يريان يسوع كثيراً في الهيكل. أي أنهما يعرفانه حق المعرفة وقد قاما بعملية التكفين, أي نظرا يسوع عن قرب وتأكدا أنه هو. مما يؤكد أن الشخص الذي مات على الصليب هو المسيح.

و-شهود العيان لظهورات المسيح بعد القيامة من الموت:

لو كان المصلوب هو يهوذا أو أي شخص آخر, لم يكن هناك قيامة من الموت إلا يوم البعث والحساب, ولكن لأن المصلوب هو المسيح الذي سبق وأعلن لتلاميذه مرات أنه سوف يصلب وفي اليوم الثالث يقوم (مت 16: 21, 17: 9, 20: 17-19, يو 2: 18-20). فقد قام من الموت (مت 28: 6-7, مر 16: 6, لو 24: 7, يو 20: 9) وقد شهد لحقيقة قيامته كثيرون[6]. فقيامة المصلوب من الموت وظهوره لشهود عيان كثيرين يعرفونه جيد المعرفة يؤكد أن المصلوب هو المسيح.

إن شهادة شهود العيان من أقوى البراهين على أن المصلوب هو المسيح, وقد كان لنا في مراحل القبض والمحاكمة والصلب والقيامة شهود كثيرون, ولكن كما هي العادة عند غير المؤمنين بصلب المسيح التشكيك في أوضح البراهين. وما نستطيع أن نقوله: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

 

(9) يسوع المسيح. حياته ورسالته وشخصيته. الياس نجمة. ص360-361.

(10) كانت في أورشليم هيئة من السيدات النبيلات, وظيفتها القيام بأعمال الرحمة, وإغاثة المنكوبين, فهن يقدمن الهدايا للفقيرات, ويقمن بعيادة المرضى, ويواسين المصابين, ويسكبن الدموع مع الحزانى الباكين. ولقد كان من بين المتفرجين, جماعات من أولئك النسوة وحينما مر السيد أمامهن, بمظهره الذي يفتت الأكباد, انفجرن جميعاً في البكاء بصوت عالٍ ... وتوقف يسوع عن السير ونظر إليهن, نظرة عطف وقال: "يا بنات أورشليم.." (لو 23: 28-31). إن يسوع بالرغم من سحابة الألم التي تطغى عليه, ما زال هو النبي العظيم الذي يحتفظ بإنذاراته. ساعة بساعة اليوم الذي صلب فيه المسيح. ص24.

(11) يسوع المسيح. الياس نجمة. ص362.

(12) ساعة بساعة اليوم الذي مات فيه المسيح. ص247-248.

(13) عقيدة الصلب والفداء. ص65-70, 98.

(14) سبق أن درسنا هذا بالتفصيل في كتاب "قيامة المسيح حقيقة أم خدعة" 

  • عدد الزيارات: 1383