سفر أعمال الرسل
الفصل الرابع
يليق بنا أن نضع سفر أعمال الرسل في بحثنا الآن بعد بشارة لوقا لأن كاتبهما واحد وهو لوقا الإنجيلي، والشخص المكتوب إليه في كليهما وهو واحد أي ثاوفيلس. ويظهر من فاتحة هذا السفر أن المكتوب فيه هو تتمة لما كتب في بشارة لوقا (راجع ص 1:1).
وبما أن بشارة لوقا تنتهي بقيامة المسيح وظهوره بعض المرات لتلاميذه وصعوده، وذلك كله بهيئة مختصرة، قد ابتدأ هذا السفر بذكر المدة التي صرفها المسيح بعد قيامته على هذه الأرض. وبما أنه ذكر في بشارته وعده لهم بأن يُلبسوا قوة من الأعالي فابتدأ في هذا السفر أن يفسّر معنى تلك القوة وأخذ في أن يري تفصيلاً كيفية إتمام الوعد بإرسال الروح القدس.
وهذا السفر يتضمن تاريخاً عن خدمة الرسل وأعمالهم وما احتملوه، ولذلك دعي بهذا الاسم. وهو تذييل حسن للبشائر الأربع، ومقدمة ضرورية للرسائل. فإن البشائر تختم بإشارات ونبوات عن أمور كثيرة وبالوعد بحلول الروح القدس، وهذا السفر يتضمن إتمام ذلك (انظر مر 16: 17 ولو 24: 47- 49 ويو 14: 12- 17). أما الرسائل فهي مملوءة بالإشارات إلى الحوادث المذكورة في هذا السفر التاريخي.
وهذا السفر يبتدىء بذكر صعود المسيح، ويمتد في أخباره إلى نهاية السنة الثانية من سجن بولس في رومية (أع 28: 30) وذلك يحيط بنحو ثلاثين سنة. والسبب الأكثر احتمالاً لانقطاع الكلام هناك هو أنه قد كتب ونشر في تلك السنة عينها.
إن لوقا يخبرنا فيه عن أول غرس الديانة المسيحية في العالم، وتأليف كنائس المسيحيين بين اليهود والأمم، وانتشار الإنجيل في جهات عديدة من العالم، وصبر بعض الرسل وجراءتهم في البلايا التي أصابتهم بسبب الإنجيل، ونجاحهم الغريب ونحو ذلك من الأمور التي هي برهان على صحة الديانة المسيحية وصدورها من الله. ومع أن هذا السفر معنون باسم أعمال الرسل فهو لا يتضمن تاريخاً تاماً عن أتعاب واحد منهم، فكم بالحري عن جميعهم؟ وكما أن البشائر الأربع لا تتضمن تاريخاً عن أعمال ربنا المجيد وتعاليمه بل ذكر شخصه ووظيفته وتأسيس النظام المسيحي الذي هو موضوعه الأعظم على أسلوب مختصر (دا9: 24 و2كو 1: 20 و1يو 5: 11) فكذلك هذا السفر يتضمن ذكر بعض أخبار عن قيام ذلك النظام وتوطيده في العالم. وهو يطيل الكلام نوعاً عن ذكر تلك الصفات الخصوصية التي تميّزه عن الديانة اليهودية التي بسببها أثار البشر على المسيحيين الأولين تلك المقاومات والاضطهادات العنيفة ولا سيما التبشير بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يستقصى.
وفي الغاية المقصودة من هذا السفر أربعة أمور مهمة:
الأمر الأول: إصلاح الفكر اليهودي عن المسيح المنتظر:
أنهم جميعاً كانوا يفتكرون أن المسيح هو لليهود فقط، ولا يأتي إلا لليهود، وليس لأحد من غير اليهود نصيب في المسيح. وحتى رسله الذين عاش معهم المسيح أكثر من ثلاث سنين وسمعوا كل تعاليمه وإرشاداته نهاراً وليلاً- لم يفهموا إلى ما بعد صعوده بل إلى ما بعد حلول الروح القدس بسنين- لم يفهم الرسل أن المسيح لكل العالم على السواء. ويدهشني كثيراً أنه مع أن يوحنا المعمدان كانيكرز لليهود قائلاً "لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم" ومع أنه كان ينادي "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (وليس خطية اليهود فقط) ومع أن المسيح علّم كثيراً أن "كل من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية"، وفي أمثاله خصوصاً مثل الكرامين الأردياء حيث قال أن ملكوت الله ينزع من اليهود ويعطى لأمة تعمل أثماره (مت 21: 43)، ومع أن كلامه الأخير الذي أرسله كان " هكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث ويكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم فاذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وتلمذوا جميع الأمم... وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض "- فمع كل هذه التصريحات- لم يفهم الرسل أن خلاص المسيح هو لجميع الأمم بحيث أن بطرس الرسول لم يكن ليذهب إلى كرنيليوس الأممي لو لم يعلن له المسيح ذلك بطريقة بارزة خصوصية بل جميع المؤمنين كانوا لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط (أع 11: 19).
فأظهر هذا السفر أن المسيح هو للجميع وخلاصه مقدّم للجميع على السواء حتى شهد بطرس أن الله لم يميّز بين اليهود وبين الأمم بشيء إذ طهّر بالإيمان قلوبهم (أع 15: 9) وهكذا إلى أن قام رسول الأمم العظيم وفسّر وعد الله لإبراهيم أن في "نسله تتبارك جميع قبائل الأرض" وبيّن أن نسل إبراهيم ليس أولاده المتناسلين حسب الجسد بل هو شخص المسيح معبّراً عن ذلك بقوله " لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح " وقد وضّح بهيئة لا تقبل الشك أو الريب أن إبراهيم هو أب لجميع الذين يؤمنون بالمسيح من كل أمة تحت السماء حتى أن اليهود أنفسهم لعدم إيمانهم بالمسيح لا يحسبون عند الله أولاداً لإبراهيم أبي المؤمنين ولا أولاداً لسارة أم المؤمنين بل بالحري يحسبون أولاداً لهاجر الجارية التي ولدت حسب الجسد وليس حسب الموعد فقال " اعلموا إذاً أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم " والذين هم من الإيمان يتباركون مع إبراهيم المؤمن... لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع... لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضاً من موعد. ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد... لأنكم جميعاً (أي المؤمنين من اليهود والأمم) أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع... ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى... فإن كنتم للمسيح فأنتم إذاً نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة " إلى أن قال " فإنه مكتوب أنه كان لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة. لكن الذي من الجارية ولد حسب الجسد وأما الذي من الحرة فبالموعد. وكل ذلك رمز لأن هاتين هما العهدان أحدهما... الذي هو هاجر... يقابل أورشليم الحاضرة فإنها مستبعدة مع بنيها. وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعاً فهي حرة... وأما نحن... فنظير اسحق أولاد الموعد... لكن ماذا يقول الكتاب. أطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذاً أيها الإخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة” (طالع غلاطية، الأصحاح 3 و4).
وهكذا بيّن هذا السفر أن بطرس الرسول فهم أقوال الأنبياء فهماً صحيحاً وليس كما كان يفهمها هو أولاً أو كما يفهمها بقية أمة اليهود فقال عن يسوع "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا".
الأمر الثاني: هو برهان الرسل في كلامهم ومباحثاتهم على أن يسوع الذي اضطهده اليهود وصلبوه كمجرم هو ذات المسيح ملك إسرائيل الموعود به لآبائهم أنه يأتي ليجلس على كرسي داود. فاعتقد اليهود أن المسيح هو ملك أرضي أتى ليملك ملكاً جسدياً على هذه الأرض ويردّ الملك لأمة اليهود ويرجع بهاء مملكة داود وسليمان فيأتي ليجلس في أورشليم على كرسي داود المصنوع من العاج والذهب ويجعل اليهود أعظم أمم العالم. ولكن الرسل، في تبشيرهم بالمسيح، تكلموا عنه أنه هو الملك الموعود وأن الله جعله رباً ومسيحاً. وبيّنوا أن اليهود قد ارتكبوا أشنع الآثام في رفضهم ملكهم يسوع المسيح. كأن داود الذي أقامه الله ملكاً على شعبه ما هو إلا رمز لداود الآخر الذي يملك على شعبه إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. وعليه نجد بطرس الرسول في أول موعظة ألقاها على أمة اليهود يوم حلول الروح القدس (وهي مذكورة في هذا السفر) قصد أن يفهمهم أن يسوع هو ذات داود المتنبأ عنه في النبوات أنه يأتي ليملك عليهم فقال " إن داود مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم " أي أنه لم يقم من الموت ليملك عليكم حسب وعد الله لكم في حزقيال 34: 23 و24 حيث قال "وأقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدي داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً... وعبدي داود رئيساً في وسطهم" أو كما قال إرميا 30: 9 "بل يخدمون الرب إلههم وداود ملكهم الذي أقيمه لهم" "فإذ كان (داود) نبياً وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح... فيسوع هذا أقامه الله... لأن داود لم يصعد إلى السموات. وهو نفسه يقول قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً ". وثاني موعظة تكلم فيها بطرس، وهي مذكورة في هذا السفر، بيّن أن نبوات جميع الأنبياء- من موسى فصموئيل وما بعد- جميع الذين تكلموا سبقوا فأنبأوا عن هذه الأيام (أيام يسوع المسيح) وأن يسوع قد جاء لكي يبارك الذين يؤمنون به بردّهم عن شرورهم ليتم الوعد الذي كان لإبراهيم أن في المسيح تتبارك جميع قبائل الأرض. وبيّن أن يسوع ليس هو الملك من نسل داود فقط بل أيضاً هو النبي الذي تكلم عنه موسى أن كل نفس لا تسمع له تباد من الشعب وأن الغاية من مجيء ذلك النبي هي الخلاص فليس بأحد غيره الخلاص وفهموا أن هذا هو المتنبأ عنه في المزمور الثاني أنه مسيح الرب الممسوح على صهيون جبل قدسه والذي قيل عنه لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل قامت ملوك الأرض واجتمع الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه وطبقوا هذه النبوة على الأحوال التي أعلنوها بالروح القدس وقتئذ قائلين " بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل" وهكذا شهدوا بأن يسوع هو المسيح المنتظر من أمة إسرائيل كما سبق وشهد زكريا (أبو يوحنا المعمدان) بالروح القدس أن الله أقام لهم قرن خلاص من بيت داود فتاه كما تكلم بفم أنبيائه القديسين خلاص من أعدائهم ومن أيدي جميع مبغضيهم وأن الله به ذكر عهه المقدس (لو1: 69). وكما سبق فقال سمعان الشيخ الذي كان ينتظر تعزية إسرائيل ووعد بأنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب إذ قال عن يسوع عندما أخذه على ذراعيه أنه خلاص ونور إعلان للأمم ومجد لشعبه (لو 2: 32) فشهد الرسل بهذه الشهادة بكيفية واضحة حتى أن رؤساء الكهنة الذين صلبوا يسوع كمضلّ كأنهم يخدمون ناموسهم (تثنية 13: 1- 5) شعروا بأنهم صلبوا مسيحهم المنتظر حتى قالوا للرسل: تريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان " فأجابوهم قائلين - إن إله آبائنا أقام يسوع... هذا ورفّعه الله بيمينه رئيساً ومخلصاً (أع 5: 27- 31). وهكذا حتى قام شاول الطرسوسي وآمن أن يسوع الذي كان يضطهده هو ذات المسيح المنتظر من أمته. فعند إيمانه صار يدخل مجامع اليهود ويكرز أن يسوع الذي صلبه اليهود كمجرم هو ذاك الذي قيل عنه في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك (أع 9: 20) فظاهر أن المزمور قال ذلك عن الذي مسح على صهيون جبل قدس الرب ليكون ملكاً، وكان يحقق في كلامه بكل برهان ممكن أن يسوع هو المسيح الملك المنتظر. لاحظ بانتباه قوله " يكرز... أن هذا هو ابن الله... محققاً أن هذا هو المسيح” (ص9: 20-22) وقوله " كان باشتداد يفحم اليهود جهراً مبيناً بالكتب أن يسوع هو المسيح” (18: 28).
ومرة أخرى لما كان في المجمع في أنطاكية ووعظ لدى أمة اليهود كان كلامه كله عن أن يسوع هو المسيح الوارث لكرسي داود وأنه المرسل لإتمام وعد الله لهم، وبشّرهم بالبشارة المفرحة أن الله أكمل الوعد الذي صار لآبائهم ذلك الوعد المذكور في مز 132: 11 "أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك" وقال عنه داود أيضاً مشيراً إلى وقت إتمامه أنه في يوم قيامة المسيح من الأموات يكون قد مسح ملكه على صهيون جبل قدسه.
ويذكر هذا السفر أيضاً من هذا القبيل أن بولس كان يحاج اليهود في مجامعهم من الكتب. ولما كان يتغلب عليه اليهود ويقولون له لو كان يسوع الذي تنادي به هو المسيح ملكنا المنتظر ما كان قد تغلّب عليه شعبنا وأماتوه، فكان يرد عليهم ويقول: إنه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات قبل أن يدخل مجده (ملكوته) وبما أن يسوع قد مات وقام فهذا هو المسيح ملك إسرائيل لا سواه (راجع أعمال 17: 2و 3).
ويقول هذا السفر أيضاً أن أبلوس كان باشتداد يفحم اليهود جهراً مبيّناً بالكتب أن يسوع هو المسيح (ص 18: 28) وهذا واضح أن اليهود كانوا ينكرون أن يسوع هو المسيح ملكهم المنتظر ولكن أبلّوس بعدما كشف الله عن عينيه وأزال البرقع عن روحه قدر أن يرى أن يسوع هو ذات المسيح. ولما اقتنع اقتناعاً حقيقياً بأن يسوع هو المسيح ابتدأ أن يقنع اليهود بما اقتنع هو به ويفحمهم من كتبهم مبرهناً أن يسوع الذي رفضوه وطلبوا صلبه هو ذات ملكهم المنتظر لأن الفرق بين اليهودية والمسيحية هو هذا دون سواه أي أن اليهود يقولون عن يسوع أنه ليس المسيح أما المسيحيون فهم الذين يقولون أن يسوع هو المسيح. والمسيح بنى كنيسته على هذا الأساس أي أن الذي يؤمن أن يسوع هو المسيح ملك إسرائيل يكون مبنياً في الكنيسة على الأساس والذي ينكر ذلك فهو ليس من كنيسة المسيح مهما كان (راجع مت 16: 13- 20).
وهكذا أوضح هذا السفر أن رفض اليهود ليسوع هذا لا يتخذ برهاناً على أنه ليس هو المسيح الملك المنتظر بللأنهم تقسّوا وأحبّوا مجد الناس أكثر من مجد الله وأنهم حسبوا غير مستحقين للحياة الأبدية ولذلك قد أرسل خلاص الله إلى الأمم وهم سيسمعون. (وكل من يدرس كتابات لوقا البشير بإمعان يرى فيها نحو ماية وخمسين موضوعاً يقصد بها إصلاح الفكر اليهودي وإثبات أن يسوع هو المسيح).
الأمر الثالث: إظهار إثبات النصرانية العجيب بمواهب الروح القدس ونعمته على الرسل والكنائس حسب مواعيد المسيح. فأنّا نقرأ في هذا السفر عن عمل الروح القدس العجيب مراراً كثيرة- فنقرأ عن حلوله بهيئة واضحة ومؤثرة في يوم الخمسين، وعن تأثيره في المؤمنين، وعن تقويته للكنيسة، وعن إعطائه شعبه كلاماً عند افتتاح أفواههم حسب وعد المسيح الصريح لهم ومساعدتهم للتكلم بكلام الله بكل مجاهرة، وعن تذكيره لهم بأقوال ربهم التي قالها لهم لما كان بالجسد على الأرض. ونقرأ عن حلوله على الذين يؤمنون سواء أكانوا من اليهود أو من الأمم، وعن ارشاده لخدامه في كل شيء وإرساله للكارزين باسم المسيح حيثما أراد، وبالإجمال عن عمله المستمر في الكنسية لتوسيع نطاقها وامتداد ملكوت الفادي.
والأمر الرابع: كشف مقاصد الرحمة الإلهية بإرشاده الأمم إلى كنيسة مطابقة لنبوات العهد القديم.
وأما لاهوت الابن ووظائفه فهي منصوص عنها بكل وضوح في هذا السفر أكثر من كتب البشيرين ما عدا بشارة يوحنا، على أن تسمية المسيح بالأسماء والألقاب الإلهية أكثر بكثير منه. ولأجل ذلك قصدنا أن نشير إلى الأماكن المثبتة لهذه الحقيقة في هذا السفر. ولكن قبل أن نأتي على الجدول، كما سبقنا في البشائر، نشير إلى تقديم استفانوس العبادة الإلهية للمسيح ص 7: 59 و60 حيث يقول "فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول أيها الرب يسوع اقبل روحي. ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية. وإذ قال هذا رقد". فإن هذا الشهيد المائت قد نصّ عنه في عدد 55 و56 من الأصحاح المذكور أنه امتلأ من الروح القدس وتمتع برؤية العالم السماوي ومجد الله والمخلّص الذي كان هناك قائماً عن يمين العظمة الإلهية. وقيل عنه في ص 6: 5 أنه كان مملوءاً من الروح القدس والحكمة الإلهيين، وهنا يقال عنه أنه عندما كانت حجارة الاستشهاد تنهال عليه وشعر في نفسه أنه قد بلغ الدقيقة الأخيرة من حياته ووصل إلى باب الأبدية أسلم نفسه المنطلقة من هذا العالم في يدي الرب يسوع بذات الألفاظ والثقة اللتين أسلم بهما الرب يسوع نفسه وهو على الصليب في يدي الله الآب وكان أيضاً يطلب الغفران لقاتليه من الرب يسوع كما فعل هو له المجد مع قاتليه وهو على الصليب إذ طلب لهم الغفران من الله أبيه. فهل تستودع النفس الذاهبة من هذه الحياة أو ترجى المغفرة ممن ليس حاضراً في كل مكان وقادراً على كل شيء؟ وهل يقدر شهيد مائت مملؤ من الحكمة الإلهية والروح القدس نظير استفانوس أن يدعو ويصلي بغير الصواب وعيناه شاخصتان مملوءتان برؤية الله؟
ونرى أيضاً النص على ضرورة الصلاة باسم المسيح لأجل الخلاص (ص2: 21)، وأيضاً أن حنانيا يذكر الصلاة باسمه كعلامة مميزة للمسيحي (ص 9: 14 مع 1كو 1: 2)، وأيضاً أن بطرس ينص على أن يسوع هو رب الكل (ص10: 36، انظر أيضاً ص 14: 23 و20: 28 و32)، وأيضاً أن كلمة رب مستعملة كثيراً في هذا السفر لله الآب ولله الابن بدون تمييز بينهما (انظر 10: 36، و9: 34 و35 و42 و11: 16 و20 و21 و23 و13: 2 و7 و10- 12 و48).
أما الجدول فكما يأتي:
تسمية المسيح بالأسماء والألقاب الإلهية في سفر الأعمال
أع 1: 6 "أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل" فناداه تلاميذه "يا رب"، وكذلك 9: 6و10و13و22: 10و19، وكذلك يقول عنه بطرس " الرب يسوع المسيح " في 1: 21 و1: 24 "صلوا قائلين أيها الرب العارف قلوب الجميع عيّن أنت من هذين الاثنين أياً اخترته. ليأخذ قرعة هذه الخدمة... التي تعدّاها يهوذاً فهو الرب الذي تقدم الصلاة له. وكذلك في 2: 20 و21و47و4: 33و5: 14و7: 31 (راجع ما قلناه في بشارة لوقا بهذا الخصوص صفحة 219و220 الخ) وكذلك في 8: 25 و9: 1و 9: 5 و6و10و11و15و17و27و28و31و35و42و11: 16و17و20و21 (مرتان) و23و24و12: 7و11: 17و13: 2و11و12و47و49و14: 3و23و15: 11و17 (مرتان) و18و35و36و16:10و14و15و31و32و18: 8و9و25 (مرتان) و26و19: 5و10 و13و17و20و20: 19و24و35و21: 13و14و20و22: 10و16و23: 11و28: 31- في كل هذه يسمّى الرب، والرب يسوع المسيح، والرب الذي يؤمن به، والذي يعمّد باسمه، والذي يتعظّم اسمع، والرب صاحب الكلمة، ومجري الأعمال بقوته وإرادته وسلطانه - فهي ألقاب لا يمكن أن تنسب إلا لله جلّ جلاله. ولا يبرح من البال أن كتبة العهد الجديد هم عبرانيون عندما يكتبون أو يتكلمون بالكلمة " الرب" يقصدون ذلك " الرب " المعروف في العهد القديم بإسم أدوناي أي يهوه. فلا غرابة إذا وجدنا لوقا البشير يسمّيه في 3: 14 باسم " القدوس " وفي 4: 19و5: 29و16: 34 و20: 28 يسمّيه " الله "، وفي 2: 34 يسمّيه " رب داود "، و15: 26و20: 21 يسميّه "ربنا"، وفي 10: 36 يسمّيه " رب الكل "، وفي 7: 32 يقول عنه " إله أبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب " (راجع ما قلناه في لوقا عن هذا الموضوع). وهكذا نجده يسميه في 8: 37 و9: 20 و13: 33 باسم " ابن الله "، وفي 2: 27 و4: 26 و13: 23 يسمّيه بوظيفته الفدائية قدوس الله ومسيح الرب ومخلصاً. ولأنه كان يستعمل الكلمة "الرب" بمعنى يهوه لذلك يذكر بطريقة واضحة صلاة الشهيد استفانوس وهو يرجم بالحجارة وعلى باب الأبدية قائلاً " فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول أيها الرب يسوع اقبل روحي ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية " ص 7: 59و60
نسبة الصفات والأعمال الإلهية للمسيح في سفر الأعمال
أع 1: 2 أوصى بالروح القدس، و1: 9 صعد إلى السماء بقوته، وفي 1: 11 يرجع من السماء بقوته كذلك، وفي 2: 21 نرى أن الذي يدعو باسمه يخلص، و2: 34 جالس عن يمين الله، وفي 2: 36 رباً ومسيحاً، 2: 38 المعمودية على اسمه، 2: 38يهب غفران الخطايا، 3: 6 تعمل المعجزات باسمه، 3: 13 ممجّد، 3: 15 رئيس الحياة، 3: 16 يؤمن باسمه، 3: 20 مبشّر به قبل تجسّده، 3: 23 من لا يسمع له يباد، 3: 24 موضوع نبوات الأنبياء، 3: 25 نسل إبراهيم الذي تتبارك به جميع قبائل الأرض، 3: 26 يبارك ويردّ عن الشرور، 4: 10 باسمه تصنع القوات، 4: 10 هو صانع المعجزات ("بذاك")، 4: 11 رأس الزاوية، 4: 12 ليس بأحد غيره الخلاص تحت السماء، 4: 27 فتى الرب القدوس، 4: 27 ممسوح من الله، 5: 9 الروح القدس روحه، 5: 19 له ملاك يرسله لإتمام غرضه (مز 103: 20)، 5: 31 مرفّع بيمين الله، 5: 31 رئيس ومخلّص، 5: 31 يعطي التوبة وغفران الخطايا، 5: 41 يفرح المؤمنون عندما يهانون لأجل اسمه، 7: 34 و35 هو الذي أرسل موسى، 7: 35 هو الذي ظهر في العليقة (راجع خر 3: 4و5)، 7: 38 هو الذي كلّم موسى في جبل سينا، 7: 52 البار، 7: 55 قائم عن يمين الله، 7: 59 يصلّى إليه، 8: 16 المعمودية باسمه، 9: 13 القديسون قديسوه، 9: 14 الدعاء باسمه، 9: 15 الخدام آنيته ومختارون منه، 9: 15 اسمه يحمل أمام أمم وملوك، 9: 16 تألّم الخدام لأجل اسمه، 9: 22 المسيح، 9: 34 هو الشافي (انظر خر 15: 26)، 10: 38 ممسوح بالروح القدس والقوة، 10: 38 يشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، 10: 42 ديّان الأحياء والأموات، 10: 43 كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا، 10: 48 المعمودية باسمه، 12: 7و11 له ملائكة، 13: 23 مخلّص شعبه، 13: 35 قدوس الله، 13: 39 كل من يؤمن به يتبرّر من كل ما لا يمكن أن يتبرّر منه بناموس موسى، 13: 47 نوراً للأمم، 13: 47 خلاصاً إلى أقصى الأرض، 15: 17 الصانع كل شيء، 15: 18 جميع أعماله معلومة عنده منذ الأزل، 15: 35 صاحب الكلمة (كلمة الرب)، 16: 10 يدعو الخدام أن يذهبوا للتبشير، 16: 14 هو الذي يفتح القلوب، 16: 18 باسمه تخرج الشياطين من الناس، 16: 31 الرب الذي يجب أن يؤمن به من أراد خلاص نفسه، 17: 3 المسيح المنتظر من اليهود، 17: 31 الديان، 18: 28 يسوع هو المسيح، 19: 10 صاحب الكلمة (الإنجيل)، 20: 19 الرب الذي يخدم بكل تواضع، 20: 28 الله الذي اقتنى الكنيسة بدمه (حينما ظهر في الجسد)، 21: 13 خدامه مستعدون أن يموتوا لأجله، 22: 14 البار، 22: 19 المؤمنون ينسبون إليه ويؤمنون به، 22: 20 الشهداء هم شهداؤه، 22: 21 مرسل الرسل، 26: 16 ينتخب الخدّام، 26: 18 الإيمان به ينيل غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين، 26: 23 ينادي بنور للشعب وللأمم، 28: 22 كانت نبوات موسى والأنبياء عن يسوع المسيح موضوع كرازة بولس في رومية من الصباح إلى المساء.
خلاصة ما تقدم: قد أثبتنا لك، أيها القارئ الكريم، أنه لا يوجد فرق بين بشائر متى ومرقس ولوقا وبين سفر أعمال الرسل (بعد صعود المسيح أمام عيونهم) أعني لا يوجد فرق في الاعتقاد الراسخ بأن سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح هو الإله الأزلي الأبدي. الذي كان والكائن والذي يأتي، القادر على كل شيء، نور الدنيا والآخرة، الفادي الكامل، الديان العادل.
قد انتهى الباب السادس ويليه الباب السابع في شهادة يوحنا الرسول.
- عدد الزيارات: 6491