Skip to main content

الفصل الثامن والعشرون: السيد المسيح أتمّ طقوس العهد القديم (2)

لقد وصلنا إلى القول بأن مجيء السيد المسيح إلى العالم وتتميمه للعمل الكفّاري الذي أسنده إليه الله الآب قد جعل رموز وطقوس نظام العهد القديم غير ضرورية. فكما أننا لا نحتاج إلى نور القمر والنجوم لدى بزوغ نور الشمس, هكذا أيضاً نقول: لسنا بعد بحاجة إلى تلك الطقوس التي كانت سارية المفعول في أيام العهد القديم. فقد جاء المسيح وقام بكل شيء كانت ترمز إليه تلك الطقوس. وهذا الذي يدعونا إلى تسمية الأيام التي ابتدأت بقدوم المسيح بأيام نظام العهد الجديد مُظهرين اختلافها عن أيام ما قبل المسيح: أيام العهد القديم.

وبما أن هذا التعليم هو هام وجذري في تطبيقه لابد لنا من اللجوء إلى الوحي الإلهي ونحن نتكلم عن هذا الموضوع لِئلا نظهر وكأننا قد ابتدعنا المبادئ التي تكلّمنا عنها في درسنا السابق. وهناك سفر خاص في الكتاب يتكلم بصورة كبيرة عن موضوعنا هذا وسنستقي منه بعض الشواهد الكتابية. يُعلِّم الكتاب بكل وضوح أن المسيح يسوع كان يمارس وظيفة كاهن عظيم, فقد ورد ما يلي في الرسالة إلى العبرانيين: "وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد, أي الذي ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس, فوجد فداءً أبدياً". (9: 11 و12) "ومن ثم كان ينبغي أن يشبه أخوته في كل شيء لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله, حتى يُكفّر خطايا الشعب, لأنه فيما هو قد تألم  مجرّباً, يقدر أن يُعين المجربين". (2: 17 و18). 

"لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس في ما لله لكي يُقدّم قرابين وذبائح عن الخطايا, قادراً أن يترفّق بالجُهَّّّال والضَّالين إذ هو أيضاً مُحاط بالضعف. ولهذا الضعف يلتزم أنه كما يُقدَّم عن الخطايا لأجل الشعب, هكذا أيضاً لأجل نفسه, ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه, بل المدعو من الله, كما هارون أيضاً. كذلك المسيح أيضاً, لم يُمجِّد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذي قال له: أنت ابني أنا اليوم ولدتك, كما يقول أيضاً في موضع آخر: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. الذي في أيام جسده إذ قَدَّّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرّعات للقادر أن يخلصه من الموت وسُمع له من أجل تقواه. ومع كونه ابناً, فقد تعلّم الطاعة مما تألّم به, وإذ كُمِل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي, مدعواً من الله, رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق". (5: 1- 10).

وقد أشار أيضاً كاتب الرسالة للعبرانيين إلى تفوّق المسيح على جميع كهنة النظام القديم, فقال مشيراً إلى السيد له المجد: "وأما هذا (أي السيد المسيح) فمن أجل أن يبقى إلى الأبد, له كهنوت لا يزول. فمن ثم يقدر أن يُخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدّمون به إلى الله, إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس, بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات, الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه, ثم عن خطايا الشعب, لأنه إذ فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه. فإن الناموس (أي الشريعة الموسوية التي نظّمت العبادة الطقسية والرمزية في أيام موسى النبي) فإن الناموس يقيم أناساً بهم ضعف رؤساء كهنة, وأما كلمة القسم (أي كلمة الله الآب التي تفوه بها بخصوص إقامة المسيح كاهناً لا على رتبة بني هارون, بل على رتبة ملكي صادق الذي كان ملك وكاهن القدس.) وأما كلمة القسم التي بعد الناموس, فتُقيم ابناً مُكمّلاً إلى الأبد". (7: 24 – 28).

وأما كون السيد المسيح الذبيحة المُعدَّة من قبل الله, فإنه يُعلَّم بكل وضوح في سائر أسفار الكتاب المقدس. ونقتبس هذه الآيات الهامة: "لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد, أشباه الحقيقية, بل إلى السماء عينها, ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا ولا ليقدّم نفسه مراراً كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر (فإذ ذاك كانيجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم) ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه". (الرسالة إلى العبرانيين 9: 24 - 28).

"لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبِح لأجلنا". (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 5: 7) وقال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح : "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم". (الإنجيل حسب يوحنا 1: 29) وناشد بولس الرسول أهل الإيمان في مدينة أفسس قائلاً: "واسلكوا في المحبة كما أحبّنا المسيح أيضاً, وأسلم نفسه لأجلنا تقدمة وذبيحة لله, رائحة طيبة". (5: 2) .

وقد تكلم السيد له المجد عن موته وعن عمله الكفاري عندما أنشأ فريضة العشاء الربّاني فقال عن الخبز: "هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم". (الإنجيل حسب لوقا 22: 19) وعن  الخمر قال المسيح: "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا". (الإنجيل حسب متى 26: 28) ...

  • عدد الزيارات: 3706