الفصل السابع والعشرون: السيد المسيح أتمّ طقوس العهد القديم (1)
لقد انتهينا من بحثنا في تعاليم طقوس ورموز خيمة الاجتماع التي كان الله قد أمر بها في أيام موسى النبي والتي حلّ محلّها هيكل القدس في أيام سليمان الحكيم.
ومن المهم أن نذكر أننا نحن الذين نعيش في ظل النظام الجديد لا يمكننا مطلقاً تجاهل الحقيقة العظمى ألا وهي أنّ المسيح قد جاء وأنه قد أتمّ جميع نبوّات العهد القديم والتي لها علاقة حميمة بخلاصنا من الخطية والشيطان. فعندما نُلقي نظرة على طقوس العهد القديم وعى العبادة التي كانت مرتكزة على خيمة الاجتماع ثم الهيكل المقدّس, فإننا نرى بكل وضوح ونظراً لنور الوحي الإلهي الكائن في أسفار العهد الجديد, أنّ السيد المسيح قد أتمّ وأنجز جميع طقوس العهد القديم. والبرهان على هذا الأمر ساطع للغاية لا يمكن إنكاره بدون أن ينكر الإنسان جميع تعاليم الكتاب وسلطة الوحي الإلهي (أي سلطة الله وهو صاحب الوحي).
يقدم لنا السيد المسيح ويُرمز إليه في العهد القديم كذبيحتنا وجميع القديسين (أي المؤمنين) في أيام نظام العهد القديم إنما كانوا يتطلعون إلى المستقبل ويتوقعون قدوم الذبيحة الكاملة التي كان سيقوم بها المسيح المنتظر. بينما نحن الذين سمح لنا الله بأن نولد في أيام نظام العهد الجديد ننظر إلى الماضي ونقول: لقد جاء المسيح المنتظر وأنجز العمل الخلاصي الذي أسنده إليه الله تعالى اسمه. نحن لا نستطيع أن نفهم أي شيء عن عمل السيد المسيح الخلاصي إن لم نكن قد تلقنّا دروس العبادة الطقسية والرمزية التي سادت أيام العهد القديم. وفي نفس الوقت يمكننا القول: بدون المسيح المنتظر والعمل الخلاصي الذي كان سيقوم به, لا نستطيع فهم معنى وغاية العبادة التي سادت لدى بني إسرائيل.
وقد كتب هذا الموضوع أحد علماء الكلمة الإلهية قائلاً : "إن نظام وقانون الجاذبية كان ساري المفعول قبل أن يُكتشف من قبل الإنسان وهكذا أيضاً الكفّارة التي أتمّها المخلص المسيح فإنها كانت تشرق بنورها على الأجيال المتعاقبة حتى يمكننا القول أن أثر دم الذبيحة التي قدمها المسيح على الجلجثة ابتدأ بالظهور خارج أبواب جنة عدن (أي حالما سقط الإنسان في الخطية). ويمكننا اقتفاء أثر دم المسيح بدون خطأ حتى الصليب الذي عُلّقَ عليه المُخلّص. وكما ورد في الكتاب: "ولكنه (أي السيد المسيح الموعود به في الكتب النبوية) الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليُبطل الخطية بذبيحة نفسه". (الرسالة إلى العبرانيين 9: 26).
ومن المهم جداً أن نذكر أيضاً أن المسيح كان في عملية الكفّارة الذبيحة والكاهن مُقدّم الذبيحة. لم يكن لدينا نحن بني البشر أي شيء لنُقدّمه فنحن جميعاً تحت سلطة الإثم والدينونة , إننا عاجزون وليس لدينا رجاء في أنفسنا. فما حدث إذن صار بأمر الله وحسب تدبيره العجيب للخلاص. وقد ورد في الكتاب: "لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المُعيّن لأجل الفُجّار". وورد أيضاً في الكتاب: "لأنه وإن كنّا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه, فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلُص بحياته". (الرسالة إلى رومية 5: 6 و10).
وقد قلنا بأن السيد المسيح هو كاهننا وبالأصح أنه رئيس كهنتنا العظيم. وحسب تعليم الوحي: الكاهن هو الذي يُمثّل الإنسان أمام عرش الله. الكاهن هو الذي يقوم بتقديم ذبيحة لله عن الإنسان وعلى أساس هذه الذبيحة كان يقدر أن يتشفّع بالإنسان. أما النبي, حسب تعليم الوحي الإلهي, فإنه ممثل الله لدى الإنسان. النبي هو المتكلم عن الله للإنسان, ولذلك دُعي موسى مثلاً بكليم الله. وعندما ننظر إلى حياة المسيح وإلى الوظائف التي مارسها له المجد فإننا نقول أنه لم يكن فقط رئيس كهنتنا بل أنه مارس أيضاً وظيفة النبي ووظيفة المَلِك. وكان هذا الترتيب بخصوص السيد المسيح ضرورياً بالنسبة إلينا نحن الخطاة. فالإنسان الخاطئ لا يقدر أن يأتي إلى حضرة الله, ولذلك عيّن الله الكهنة ورؤساء الكهنة في أيام نظام العهد القديم إلى وقت مجيء الكاهن الحقيقي أي السيد المسيح. ولذلك نقول أن كهنة بني إسرائيل لم يكونوا كهنة حقيقيين بل كانوا رموزاً وظلالاً للذي كان مزمعاً بأن يأتي من الله. فالسيد المسيح وحده كان يتمتع بالمؤهلات التي تُتطلّب من الكاهن الحقيقي: أي أنه له المجد كان الوحيد الذي في مقدوره التوسّط بين الله والإنسان. ولذلك فإنه كما جاء وأنجز عمله الكفّاري والخلاصي على الصليب فإنه أبطل الكهنوت اللاّوي. (وهذا الاسم يُنسب إلى لاوي بن يعقوب والذي انحدر منه سائر الكهنة وخُدّام العبادة الإلهية في أيام النظام القديم).
فبقدوم السيد المسيح وبإنجازه لعمله الكفّاري أُبطِل الكهنوت اللاّوي مع ذبائحه وطقوسه وأُلغي إلى الأبد. إذ أن السيد المسيح قد جاء وقدّم جسده كذبيحة مقدّسة متمّماً بذلك جميع نبوّات العهد القديم ولم يعد هناك لزوم لخدمة الكهنوت اللاّوي.
وهكذا عندما ننظر إلى تعاليم الكتاب في أسفار العهد القديم من وجهة نظر السيد المسيح وتتميمه للعمل الخلاصي الذي قام به فإننا نفهم تماماً معنى جميع هذه الطقوس الدينية التي عاش ضمنها بنو إسرائيل. ومع كثرة وتعداد هذه الطقوس فإنها اشتركت جميعها في تلقين الكبار والصغار من شعب الله بأن الله قد أعدّ بنفسه طريقة فعّالة للخلاص, وأنه كان سيرسل كاهناً عظيماً وذبيحة مقدّسة للقيام بمهمّة التكفير عن خطايا الناس.
وبما أننا نعيش في أيام التتميم والتكميل فإننا لا نكتفي بالرموز أو الأشباح, بل نفرح ونتهلّل لأن المسيح يسوع قد أتمّ كل شيء يتعلّق بخلاصنا وأنه فتح لنا الباب لندخل منه إلى السماء وأنه من الآن يجوز لنا, بل من امتيازنا أن نتقدّم من اله مباشرة بدون وساطة أي بشري, ومُتّكلين فقط على وساطة رئيس كهنتنا العظيم يسوع المسيح.
- عدد الزيارات: 4306