Skip to main content

الفصل العشرون: المبدأ التمثيلي: شواهد كتابية

رأينا قي درسنا السابق أن الله خلق الإنسان ووضع في صُلبِ نظام حياته المبدأ التمثيلي, بحيث أن ما قام به آدم كان له تأثير فعلي في حياة جميع المنحدرين من آدم. ومع أن هذا المبدأ كان بمقدوره إعطاء الحياة الأبدية (فيما لو أطاع آدم الله) لسائر الذين ينحدرون من آدم (أي لجميع أفراد الجنس البشري), إلا أنه تاريخياً صار المبدأ الذي بواسطته حُسِبت خطية آدم للجنس البشري بأسره – إذ أنه ويا للأسف الشديد لم يَثبُت آدم على حالته الأولى في الطهارة والبر, بل ثار على الله وجلب على نسه وعلى ذريته دماراً شاملاً. لكننا قلنا أن الله وضع مبدأ التمثيل في صُلب حياة البشرية وهكذا نراه تعالى اسمه يلجأ إلى تخليص الناس من الخطية بواسطة المسيح الذي تجسّد وأخذ على عاتقه بأن يعيش حياة كاملة لحساب البشر وليموت عنهم نيابياً وكفّارياً.

وهكذا فان مبدأ التمثيل الأساسي كان ساري المفعول في موضوع الخلاص من الخطية وليس فقط في موضوع الوقوع في الخطية. وعلينا الملاحظة تواً أن جميع الناس ينحدرون من آدم (إذ أن العلاقة معه هي علاقة بشرية محضة)و بينما لا يمكن حسب تعليم الكتاب بأن يقال أن جميع الناس هم في المسيح (إذ أن العلاقة مع السيد له المجد هي ذات طابع روحي ورابطتها اٌلإيمان الحي).

لنأتي الآن إلى الاستشهاد ببعض الآيات الكتابية لأننا لا نريد مطلقاً أن نظهر وكأننا نتكلم عن موضوع خطير كموضوع التمثيل النيابي في أمور الحياة والموت ونحن مدفوعين من قبل آراء وفلسفات بشرية. وقد كتب الرسول بولس في رسالته إلى أهل الإيمان في مدينة رومية والتي كانت عاصمة العالم المتمدن في تلك الأيام قائلاً عن موضوعنا هذا:

"من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم, وبالخطية الموت, وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع لكن قد مَلَكَ الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يُخطئوا على شبه تعدّي آدم الذي هو مثال الآتي ... لأنه إن كان بخطية الواحد قد مَلَكَ الموت بالواحد, فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح. فإذا كما بخطية واحدة صار الحُكم إلى جميع الناس للدينونة, هكذا ببر واحد صارت الهِبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرون خطاة, هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبراراً". (5: 12 – 19).

وعندما بحث الرسول في موضوع القيامة من الأموات, كتب في رسالته الأولى إلى أهل الإيمان في مدينة كورنثوس اليونانية قائلاً:

"لأنه كما في آدم يموت الجميع, هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (15: 22) والمعنى هنا, كما تُوضِّح تماماً القرينة, هو أنه كما أن كل الذين انحدروا من آدم يشتركون في خطيته ويموتون, هكذا أيضاً كل من هم بالإيمان في المسيح سيحيون أيضاً به. وعبارة في المسيح تعني في كتابات الرسول: أن يكون الإنسان متصلاً حيوياً بالمسيح فيَخلُص إذ ذاك من الخطية ومن سطوتها الغاشمة. حسب تعليم الرسول إذن إن الذين هم في المسيح هم أحياء روحياً, أما الذين ليسوا في المسيح فهم بعد أموات روحياً.

وبناءً على وحدة الجنس البشري كان ممكناً للإنسان بأن يكون موضوع فداء وبواسطة عمل بديل عنه. لكن هذا الأمر لم يكن ممكناً بالنسبة إلى الملائكة. فنحن نقرأ عنهم مثلاً في رسالة يهوذا: "الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم, حفظهم (أي الله) إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام". (عدد 6) أما صاحب الرسالة إلى العبرانيين فإنه بعد أن قال بأن المسيح قد تجسد لكي يستطيع أن يُنجز عمله الفدائي لصالح البشر, أردف قائلاً: "لأنه حقّاً ليس يُمسك الملائكة بل نسل ابراهيم". وفي الأصل اليوناني تعني هذه الكلمة المعربّة بيُمسِك (أي يساعد), أي أن المسيح الذي تجسّد قام بذلك من أجل بني البشر لا من أجل الملائكة. فعندما امتُحن الملائكة بخصوص ولائهم وطاعتهم لله تعالى فإن كل واحد منهم كان مسؤولاً فردياً وشخصياً عن موقفه من الله. بينما نجد أن بني البشر سقطوا في الخطية بواسطة عمل ممثل أو نائب عنهم وبدون جرام شخصي. وهذا إذ صار لهم فيما يتعلّق بالسقوط يصير لهم أيضاً فيما يتعلّق بالنجاة من السقوط أي أن بني البشر هم قابلون بأن يُفدوا من قِبَلِ ممثل أو نائب بدون استحقاق شخصي لذلك الفداء. وهذا بالفعل ما قام به السيد المسيح في عمله الفدائي الذي أتمَّه على الصليب.

  • عدد الزيارات: 3360