Skip to main content

الفصل الثامن عشر: المسيح كفادينا

نتعلم من قراءتنا للكتاب المقدس أن السيد المسيح أنجز عمله الفدائي بواسطة دفع الفدية. فقد صرّح السيد له المجد: "كما أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَمَ بل ليبذل نفسه فدية عن كثيرين". (من الإنجيل حسب متى 20: 28) وقال في مناسبة أخرى: "لأن ابن الإنسان أيضاً لم يأتِ ليُخدَمَ بل ليَخدُمَ وليبذل نفسه فدية عن كثيرين". (من الإنجيل حسب مرقس 10: 45) ولابد أن هذه الكلمات الربانية كانت تجول في فكر الرسول بولس عندما كتب إلى ابنه الروحي تيموثاوس في الرسالة الأولى: "لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلّصنا الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون, لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع". (2: 3 – 5).

وكتب الرسول بولس إلى أهل الإيمان في مدينة كورنتوس وفي الرسالة الأولى: "وأنكم لستم لأنفسكم, لأنكم قد اشتُريتُم بثمن". (6: 19 و20). وتطرّق الرسول إلى الكلام عن ذات الموضوع في كلماته الوداعية التي تفوّه بها أمام شيوخ وقساوسة الكنيسة المسيحية في مدينة أفسس الواقعة في إقليم آسيا الصغرى: "احترزا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه". (سفر أعمال الرسل 20: 28).

وكتب الرسول بولس أيضاً عن هذا الموضوع في رسالته إلى المؤمنين في إقليم غلاطية: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا". (3: 13) وكتب إلى ابنه الروحي تيطس: "لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلِصة لجميع الناس, معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقّلِ والتقوى  في العالم الحاضر, منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويُطهّر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة". (2: 11 – 14).

وبينما يتطلّب من التلميذ المنخرط في سلك التلمذة المسيحية بأن يخسر حياته في خدمة ربه وفاديه المسيح, نرى أن نصيب المسيح كان بأن يبذل نفسه باختياره لأجل شعبه.

وبحث في موضوعنا هذا الرسول بطرس أيضاً عندما كتب في رسالته الأولى:" عالمين أنكم افتُديتُم لا بأشياء تُفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تَقَلّدتموها من الآباء, بل بدم كريم من حَمَلٍ بلا عيبٍ ولا دنس: دم المسيح". (1: 18 و19). أما في رسالته الثانية فإن بطرس الرسول حذّر المؤمنين من أولئك الذين "يدوسون بدع هلاك وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم …" (2: 1) ويخبرنا يوحنا الرسول في سفر الرؤيا أن الخالصين من سائر الشعوب والأقاليم ينشدون قائلين: "مستحق أنت أن تأخذ السِفر وتفتح ختومه لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة, وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة, فسنملك على الأرض … مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة". (5: 9 و10 و12).

ومعنى كلمة افتداء هو شراء الشيء من جديد أو الإنقاذ بواسطة الشراء. ومعنى كلمة فداء هو الإنقاذ بواسطة دفع الفدية. وتعليم الكتاب هو أن المسيح صار فادينا وأنه افتدانا أو اشترانا بثمن باهظ للغاية ألا وهو دمه الكريم. وهكذا نكرر ما ذكرناه مراراً بأن رسالة المسيح الرئيسية كانت موته أي بذل حياته كفدية ونيابة عن الآخرين الذين كانوا يستحقون الموت كل الاستحقاق. لو لم تكن مهمة المسيح الرئيسية عمله الفدائي على الصليب لما كان قد جاء إلى عالمنا هذا, لأنه كان من الممكن لله أن يستخدم إنساناً من بيننا ليقوم بمهمة تعليمنا عن الله وعن شريعته المقدسة, خاصة وأنه قد سبق وأقام أنبياء من بين البشر. لكنه من المستحيل لنا ونحن نواجه الأمر الواقع إلا وأن نقول بأن تجسّد كلمة الله وصلبه وموته … جميع هذه الأمور تبقى مجرد ألغاز إن لم نُقر أيضاً مع الكتاب بأن المسيح قام بها من أجل فدائنا نحن بني البشر.

وقد قال أحد رجال الله الأتقياء وهو طبيب جراحي وخادم الكلمة الإلهية في آن واحد, كتب ما يلي عن موضوعنا هذا: "لست أنا الذي أقرر بأن المسيح سيكون ربي, إنه تمجّد اسمه ربي وسيدي منذ الآن! لقد كنت عبداً للخطية والشيطان. مهما حاولت وجاهدت فإني لم أتمكن من الحصول على حريتي. إني لم أكن قط إنساناً حراً!" هأنذا بالإثم صُوِّرتُ, وبالخطية حَبِلَت بي أمي كما قال النبي داود في المزمور الحادي والخمسين. نعم لقد كنتُ عبداً ولبقيتُ عبداً لو لم يأتِ المسيح "ويشتريني بثمن". فماذا إذن؟ يقول الرسول: "فأنتم لستم لأنفسكم". نعم لست أنا بعد حراً إذ أني قد اشتُريتُ من قبل سيدٍ جديد, أنا عبد للمسيح. هو ربي لأنه اشتراني, وهو لا يطلب مني نفسي وحياتي وكل مالي …. إنها له, فهو له المجد قد اشتراها كلها, فهي له. أنا له لأنه ربي ومالكي, أنا له لأنه قد اشتراني بدمه الكريم".

وهذه ترنيمة تصف لنا آلام السيد المسيح وموقف المؤمن من عمل المسيح الفدائي والكفّاري:

كم ذُقتَ من عـذاب

 

يـا رأس قُدس اللـه

ها الشوك فيك يفـرى

 

مشـوَّه الجبـــاه

تترك أســنى تـاجٍ

 

يـا رأسُ في عُـلاك

وبالهــوان ترضـى

 

أذوب في رضــاك

يـا أيهـا المُحيَّــا

 

يـا بهجـة الأفـلاك

كيف تخـور تَعيــا

 

قـد فاتـني الإدراك

مجـدُ ضياك الأسـنى

 

نضارةُ الشِّـــفاه

ولّـت بل اضمحلّـت

 

لـم يبقَ مـا نـراه

وإن تكــن مُهانــا

 

يـا رأس غِبطَــتي

كـلُّ افتخـاري أنـي

 

أدعـكَ حِصَّــتي

فقد شَقِيـتَ عــنّي

 

قد كـان لي القصاص

فَديتــني من بؤسـي

 

وهبتـني الخــلاص

بالشكر فاض قلــبي

 

بالحَمــدِ والمديـح

لـكَ وَقَفـتُ عُمـري

 

يا راحِمـي الذَبيـح

جَـدّد غـيّر شـكلي

 

ذِهنــاً وخِدمــةً

وقـطُّ لا تدعـــني

 

أحيــدُ خُطــوة

  • عدد الزيارات: 3356