Skip to main content

الفصل التاسع والعشرون: السيد المسيح أتم طقوس العهد القديم (3)

ذكرنا في الدرس السابق أن موت السيد المسيح كان ذبيحة كفّارية وأن هذا التعليم الهام مُستقى من الكتاب ولقد استشهدنا بعض آيات الكتاب عن هذا الموضوع. ونعود إلى ذات الموضوع فنقتبس من الكتاب هذه الشواهد:

"فإن الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرق أجسادها خارج المحلّة. لذلك يسوع أيضاً لكي يُقدِّس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب. فلنخرج إذن إليه خارج المحلة حامين عاره, لأن ليس لنا هنا مدينة باقية, لكننا نطلب العتيدة. فلنُقدِّم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح: أي ثمر شفاء مُعترِفة باسمه". (الرسالة إلى العبرانيين 13: 11- 15).

وكتب الرسول بولس عن هذا التعليم قائلاً: "إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب". (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 15: 3)" الذي فيه – أي السيد المسيح – لنا الفداء بدمه". (الرسالة إلى أفسس 1: 7).

وإذا عدنا إلى تعاليم كلمة الله في أيام العهد القديم فإننا نرى أن عمل المسيح الكفّاري أو ذبيحته الكفّّارية قد وُصِف بكل دقة وبلغة واقعية للغاية. فقد كتب النبي العظيم أشعياء بوحي من الله واصفاً آلام وموت المسيح وقائلاً:

"لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها, ونحن حسبناه مصابا مضروباًً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لأجل آثامنا, تأديب سلامنا عليه, وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا, مِلنا كل واحد إلى طريقه, والرب وضع عليه إثم جميعنا... من الضغطة ومن الدينونة أُخِذ, وفي جيله من كان يظن أنه قُطِع من أرض الأحياء وأنه ضُرب من أجل ذنب شعبي... أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً, تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدي البار بمعرفته يُبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها... هو حمل خطية كثيرين, وشفع في المذنبين". (نبوة أشعياء 53: 4- 12).

وهكذا نجد أن العبارات المستعملة لوصف موت السيد المسيح مأخوذة في أكثرها من الطقوس المألوفة في الذبيحة ولذلك بناء على هذا التشديد الكتابي, فإن المسيحية كانت منذ نشأتها ديانة فدائية. والعهدان القديم والجديد (أي الكتاب بأسره) يتفقان كل الاتفاق على لأن المسيح يسوع يفدي المؤمنين به بواسطة موته الكفّاري على الصليب. وكان العهد القديم (أي الوحي الإلهي في أيام ما قبل الميلاد) يُشير نبوياً إلى المستقبل أي إلى أيام المسيّا المنتظر بينما نجد أن العهد الجديد (أي الوحي الإلهي في أيام ما بعد الميلاد) هو عهد تتميم وتكميل النبوّات المتعلّقة بالمسيح وبعمله الفدائي. وفي حياة الكنيسة المسيحية في عهدها الأول كان الانتقال من العهد القديم إلى العهد الجديد مُمهّداً وطبيعياً مثلما يحدث في نمو البرعم إلى الزهرة فالثمر. وكذلك علينا أن نذكر أن المسيحيين في القرن الأول من الميلاد كانوا معتادين على العبادة بواسطة الذبائح ولذلك فهموا تماماً تعليم الرسول بأن المسيح – نظير حمل الفصح – مات لكي تُغفر خطاياهم. وكذلك نجد التعليم العام بأن الخلاص من الخطية إنما يتمّ بنعمة الله لا بواسطة الأعمال. وبالرغم من كل هذا التشديد الذي نجده في الكتاب, نجد الكثيرين من الناس في أيامنا هذه ينقادون إلى تعاليم مبتكرة من قِبَل لاهوتيين غير مؤمنين ومُنكرين بأن المسيح إنما مات للتكفير عن خطايانا وأن الديانة التي أنشأها له المجد إنما هي فدائية بشكلٍ سامٍ.

ومهما حاول المبدعون بالظهور وكأنهم جادّون وراء الحق الإلهي إلا أنه يجدُر بنا أن نتذكر أن الحق الإلهي ليس بأمر يُكتشف من قِبَل الإنسان, بل هو عبارة عن وحي من الله, وحي مكتوب ومدوّن في أسفار أو كتب نبوية. ندعو أسفار الوحي باسم الأسفار المقدّسة أو الكتاب المقدس. فعندما نخضع خضوعاً تاماً لتعاليم الكتاب لابد لنا من القول بأن المسيح ترك لنا إيماناً لا يمكن فصله عن عمله الكفّاري الذي قام به على الصليب. وعبر العصور والأجيال المتعاقبة في القرون الماضية اعترفت الكنيسة المسيحية المؤمنة بأن السيد المسيح: "من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد بالروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنساناً, وصُلِبَ أيضاً عنّا على عهد بيلاطس البنطي, تألم وقُبر وقام ي اليوم الثالث كما في الكتب, وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب, وسيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات, الذي ليس لملكه انقضاء. (من قانون الإيمان).

ولم تكتف الكنيسة الأمينة بالاعتراف الشفوي بهذه الحقيقة الهامة بل استشهد العديدون من المؤمنين والمؤمنات في سبيل هذا المُعتَقَد لأنهم علِموا كل العلم بأن المسيح الفادي والمُحرِّر يطلب من المؤمنين به الطاعة التامة والأمانة الكُلّية.

وهكذا بالرغم من الابتعاد الهائل الذي نجده في أيامنا في أواسط عديدة كانت تدعى فيما مضى بمسيحية, وبالرغم مما يخبّئه لنا المستقبل من أمور صعبة, فإن الله تعالى يطلب من المؤمنين بأن يتسلّحوا بالإيمان القويم: إيمان الرسل والأنبياء وينظروا دوماً "إلى رئيس الإيمان ومُكمِّله: يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مُستهيناً بالخِزي فجلس في يمين عرش الله". (الرسالة إلى العبرانيين 12: 2).

  • عدد الزيارات: 3359