الفصل السادس والعشرون: طقوس خيمة الاجتماع والهيكل (4)
كانت إذن خيمة الاجتماع مقسوم إلى قسمين: القسم الأول يدعى بالقُدس, والقسم الثاني يدعى بقُدس الأقداس. ولم يكن يجوز لأحد ما دخول هذا القسم الأخير إلا رئيس الكهنة والذي كان يدخله مرة واحدة في السنة وفي يوم الكفّارة وبعد أن يكون قد قدّم ذبيحة عن نفسه وعن الشعب بأسره. أما الموضع الأول المُسمّى بالقدس فإن الكاهن كان يقوم بالخدمة فيه وكان يُقد البخور الكائن على مذبح البخور والذي كان يرمز إلى شفاعة السيد المسيح وإلى أن صلوات المؤمنين مقبولة لدى الله نظراً لعمل المسيح الكفّاري على الصليب.
ومن المهم جداً أن نرى أن هذه الأمور الطقسية والرمزية كانت تُشير إلى السيد المسيح الذي كان سيأتي في اليوم المُعَدّ له من الله للقيام بالتكفير عن خطايا الناس وذلك بواسطة ذبيحة جسده. تلك الذبيح التي كانت ستُقدّم خارج المحلّة, أي خارج مدينة القدس, على أكمة الجلجثة (أي الجمجمة).
بين القدس وقدس الأقداس كان هناك ستار فاصل أو حجاب, وقد قال الله بهذا الصدد لعبده موسى: "وتصنع حجاباً من أسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص مبروم, صنعة حائك حاذق يصنعه بكروبيم. وتجعله على أربعة أعمدة من سنط مغشّاة بذهب, رززها من ذهب, على أربعة قواعد من فضة. وتجعل الحجاب تحت الأشظة, وتُدخل إلى هناك داخل الحجاب تابوت الشهادة, فيفصل لكم الحجاب بين القدس وقدس الأقداس". (خروج 26: 31 – 33).
وكان هذا الحجاب يمثّل بشكل رمزي الطبيعة البشرية للسيد المسيح تلك الطبيعة التي ازدانت بأفخر العطايا والنعم والتي بواسطتها فتح لنا الطريق إلى السماء. وقد كتب بهذا الصدد صاحب الرسالة إلى العبرانيين قائلاً: "فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع, طريقاً كرّسه حديثاً حيّاً بالحجاب أي جسده, وكاهن عظيم على بيت الله, لنتقدّم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقيّ. لنتمسك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذي وعد هو أمين". (10: 19 – 23).
وعندما مات السيد المسيح على الصليب "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل" كما يخبرنا الرسول متى في الإنجيل ودلّ ذلك على أن الله كان مزمعاً بأن يترك هيكله الأرضي وأن وقت العبادة الرمزية والطقسية كان قد انتهى لأن المسيح كان قد أتم عمله الخلاصي والكفاري بموته على الصليب فاتحاً للجميع الطريق إلى العبادة الحقيقية التي تتم في أيام العهد الجديد بالروح والحق.
وعلينا أيضاً ونحن نقوم بدراسة خيمة الاجتماع أن نلاحظ أمراً هاماً جداً وهو أن الأثاث المقدس كان مرتباً بشكل صليب. فقد كان المذبح المقدس القاعدة, والحوض الساق, ومائدة خبز الحضور الذراع اليمنى, والمنارة الذراع اليسرى, ومذبح البخور هو الوسط حيث يلتقي الكتفان والتابوت هو الرأس. وكان هذا الترتيب الإلهي مهيأًً بالحجاب حتى ساعة موت السيد المسيح على الصليب. وإذ ذاك انشقّ الحجاب لا بيد بشرية, بل بيد الله نفسه, وهكذا صار قدس الأقداس مفتوحاً. وحينئذ إذ نقف عند المذبح النحاسي وننظر نحو تابوت العهد يظهر لنا شكل الصليب بكل وضوح وجلاء.
فلا بد لنا من القول ونحن قد انتهينا من هذا البحث أنّ تركيب وطقوس خيمة الاجتماع مثلت الإنجيل بطريقة تصورية ورمزية, مثّل المذبح النحاسي الكائن في الساحة الخارجية الجلجثة (وهو المكان الذي صُلِب فيه السيد المسيح), وكان هذا المذبح في المدخل تماماً وكان دم الذبيحة يُرش على كل الأشياء حتى الغطاء الكائن في قدس الأقداس وإذ كان العابد يجتاز هذا الممر العجيب فإنه كان يشاهد اسم السيد المسيح مطبوعاً بشكل رمزي على كل شيء, ولقد لقن الشعب هذا الدرس العظيم من أيام موسى النبي حتى أيام السيد المسيح. ومع أنه له المجد كان يعلم أن هذه الطقوس كانت وقتية ورمزية وأنها كانت على وشك بأن تزول لدى تتميمه لعمله الخلاصي والكفاري, إلا أنه منحها كل إطاعة أثناء حياته على الأرض وهكذا فإنه أظهر تكاتفه وتضامنه مع شعب الله ورغبته في حفظ جميع الأمور المتعلقة بالشريعة حفظاً تاماً وكاملاً.
ولكن طقوس ومراسيم خيمة الاجتماع والهيكل كانت مثل نور القمر الذي يضيء في الليل. فكما أن القمر لا يضيء من ذاته بل يعكس نور الشمس على الأرض, هكذا أيضاً مراسيم وطقوس العهد أو النظام القديم. لم يكن لتلك الطقوس والمراسيم قيمة ذاتية بل رمزية فقط. وقد استمدت قيمتها وفاعليتها من يسوع المسيح الذي يدعى في اللغة الكتابية بشمس البِر. وإذ ظهر سيدنا المسيح وأنجز عمله الكفّاري حسب مشيئة الله القدوس, فإن جميع الرموز والطقوس اليهودية ولّت وزالت أزهار النبات لدى ظهور الثمر, أو كما يختفي نور القمر والنجوم عندما تشرق الشمس.
- عدد الزيارات: 3432