الفصل الخامس والعشرون: طقوس خيمة الاجتماع والهيكل (3)
ذكرنا حتى الآن كُلاً من المنارة الذهبية ومائدة خبز الحضور اللتين كانتا في خيمة الاجتماع. نأتي الآن إلى ذكر مذبح البخور الذي كان في منتصف الطريق بين المنارة الذهبية ومائدة خبز الحضور.
كان مذبح البخور هذا عبارة عن صندوق مغطّى بالذهب ومصنوع من خشب السّنط, طوله ذراع وعرضه ذراع وارتفاعه ذراعان. وفوق المذبح هذا كان هناك طأس من ذهب يحتوي على بخور متألّف من أربعة عقاقير عطرة التي كانت تعطي رائحة لذيذة للغاية لدى حرقها. وهذا كان رمزاً لاستحقاقات السيد المسيح التي تصعد عليها صلواتنا والتي يقبلها الله إكراماً لعمل المسيح الخلاصي والكفّاري.
وكان الله هو الذي قد أعطى أولاً التركيب الخاص للمواد المُشكّلة للبخور المقدّس وكل محاولة من قِبَل أفراد لتقليد هذا البخور كانت تُعَدّ جريمة كبرى إلى درجة أنها تستحق الإعدام. وهذا علّم الشعب أنه لاشيء سوى استحقاقات المسيح تُجدي نفعاً لخلاصنا وأننا إذ كُنّا نتّكل على أعمالنا الصالحة أو على أي شيء آخر ما عدا دم المسيح وبرّه, فذلك هو مكروه لدى الله ويُسبب موت النفس.
نأتي الآن إلى وصف الغرفة الأخيرة في خيمة الاجتماع وهي قدس الأقداس. كان هذا المكان مسكن الله بين الناس. كان مُكعّب الشكل (وذلك يرمز إلى الكمال) وأبعاده نحو خمسة أمتار. وهذا ما يطابق وصف السماء الرمزي المعطى لنا في آخر سفر من أسفار الكتاب وهو سفر الرؤيا. ولم يكن لهذه الغرفة نوافذ ولا شموع ولا أي نور ومع ذلك فقد كان قدس الأقداس المكان الوحيد في العالم حيث لم تكن فيه أية ظلمة. نعم كان مجد الله يضيء على الدوام من فوق الغطاء. ونجد في سفر الرؤيا هذا الوصف للسماء الذي يُذكّرنا بقدس الأقداس:
"والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها, لأن مجد الله قد أنارها والخروف (أي السيد المسيح الذي صُلِبَ ومات كذبيحة عن الخطايا) سِراجُها. لأن ليلاً لا يكون هناك". (سفر الرؤيا 21: 23 و25).
ولم يكن يُسمح لأي إنسان بالدخول إلى قدس الأقداس ما عدا رئيس الكهنة, وذلك مرة واحدة في السنة فقط. ودخول رئيس الكهنة لم يتمّ إلا بعد القيام بخدمة دينية خشوعية للغاية في يوم الكفّارة العظيم.
وفي قدس الأقداس كان يوجد تابوت العهد كالقطعة الوحيدة من الأثاث. وهذا كان صندوقاً صغيراً مغطّى بالذهب طوله نحو 1132 سم وعرضه 67 سم وارتفاعه 67 سم. وكان ضمن تابوت العهد لوحا الوصايا العشر اللذان استلمهما موسى النبي من الله (أي خلاصة الشريعة الإلهية التي تُكيّف حياة كل إنسان والتي تُعطينا معرفة صحيحة لحالتنا الروحية). ولم يكن لتابوت العهد غطاء مُعلّق به, بل كان فوق تابوت العهد غطاء مصنوع من ذهب خالص متين طوله 112 سم وعرضه 67 سم.
وورد في الكتاب: "وصنع كروبين من ذهب صنعة الخراطة صنعها على طرفي الغطاء. كروباً واحداً على الطرف من هنا وكروباً واحداً على الطرف من هناك ... وكان الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظلّلين بأجنحتهما فوق الغطاء ووجههما كل واحد إلى الآخر, نحو الغطاء كان وجها الكروبين". (سفر الخروج 37: 7 – 9).
وكان الكروبان يرمزان إلى الحضور الإلهي, والغطاء كان الغطاء الوحيد في خيمة الاجتماع وكان مجلس الله وعرشه. وكان الغطاء فوق الشريعة وهذا يرمز إلى أن ملكوت الله مؤسَس على القداسة. كان رئيس الكهنة يأخذ في يوم الكفّارة الدم من الذبيحة ويرشّه سبع مرات على الغطاء وهكذا فإنه كان يُغطي أو يمحو الشريعة وبذلك يعمل كفّارة عن نفسه أولاً ثم عن الشعب.
وقد كتب أحد علماء اللاهوت الأتقياء قائلاً عن موضوعنا: "عندما كان الله ينظر إلى شريعته التي كان يرتكز عليها عرشه كانت تلك الشريعة تتطلب إجراء العقاب لكل معصية ارتكبها الإنسان. ولكن عين الله تعالى كانت تقع أولاً على الغطاء الحامل لدم الذبيحة, وهكذا كانت الخطايا تُغطّى وكان الله يتصالح مع الخاطئ".
وهذا الطقس الديني المتعلّق بخيمة الاجتماع أولاً ثم بالهيكل في مدينة القدس, علّم شعب الله في سائر العصور والأزمان وشتى الأمكنة بأننا نستطيع الآقتراب من الله لا بأعمالنا الصالحة وبحفظ الشريعة بشكل تام (وهذا أمر مستحيل لنا نحن الخطاة), بل بنعمة الله فقط, تلك النعمة المجانية التي تغفر كل تَعَدٍّ على الشريعة الإلهية. ومع أننا لا نستطيع الاقتراب من الله بواسطة أي بر أو صلاح ذاتي, إلا أنه يتوجب علينا أن نجوع ونعطش من أجل البر, أي أن تتوق أنفسنا إلى البر الذي يعطينا إياه الله.
ولو كان لوحا الشريعة الإلهية قد وضعا عند عتبة الخيمة عوضاً عن قدس الأقداس, لكان من الممكن للإنسان التصوّر بأنه يقدر أن يحظى بالاقتراب إلى الله بواسطة حفظ الشريعة. لكن الترتيب الإلهي الرمزي لم يعلّمنا بأن نحفظ الشريعة وبعد ذلك يسمح لنا بالدخول إلى قدس الأقداس. بل ترتيب الله هو: ادخل أولاً فيعطيك الله نعمة وقوة لكي تحفظ الشريعة وتُكيّف حياتك حسب المشيئة الإلهية المقدّسة.
وتعليم العهد الجديد هو واضح للغاية: "فإنكم بالنعمة مُخَلَّصون, بواسطة الإيمان, وهذا ليس منكم, بل هو عطية الله. وليس هو من أعمال, كي لا يفتخر أحد. فإننا نحن صُنعه, مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد أعدّها الله من قبل لكي نسلك فيها". (الرسالة إلى أفسس 2: 8 – 10).
- عدد الزيارات: 5894