الفصل الثاني والعشرون: يوم الكفّارة في نظام العهد القديم
كان الله قد أمر شعبه في أيام موسى النبي بأن يُقدّموا الذبائح والقرابين عن خطاياهم وكان بنو إسرائيل يُقدّمون الذبائح في كل يوم من أيام السنة. ولكنه كان هناك يوم قد عيّنه الله ليكون يوم الكفّارة عندما كانت تُعمَل فيه ذبيحة لخطية عن الأمة بأسرها وهكذا كانت العقيدة الكتابية للكفّارة (تحت مظهرها الرمزي والطقسي) تظهر بكل جلاء. كان يُؤخذ تيسان من الماعز من مقتنيات بني إسرائيل وكانت تُلقى القرعة لمعرفة أي منهما يجب أن يُقدّم كذبيح. ولدى ذبح التيس كان يُحمل جزء من دمه إلى أهم مكان في بيت الله (أي إلى قدس الأقداس) فيُرشّ فوق غطاء تابوت العهد. وأما التيس الآخر فإنه لم يكن يُذبح ب كان رئيس الكهنة يضع يديه على رأسه ويعترف فوقه بخطايا الشعب وينقلها إليه رمزياً, ثم يُرسله بيد خادم إلى البرية أو لمكان منفرد حيث يتوه التيس. وكان الشعب يتعلّم أن موت التيس الأول كان يرمز إلى دفع العقاب المفروض على الخطية. وكان الحيوان بالفعل يصيبه ما كان الشعب قد استحقّه: أي الموت. وكان الشعب يتعلّم من مصير التيس الثاني وبصورة رمزية لأن خطاياهم قد حُمِلت بعيداً وأنها أُزيحت من نظرهم ومن حضرتهم ومن نظر وحضرة الله الساكن في وسطهم. وقد تمّت في هذين التيسين ذبيحة واحدة للخطية. وكان الاثنان ضروريين لأنه لم يكن من الممكن إظهار الأمرين الهامين في حيوان واحد: أولاً التكفير عن الخطية بواسطة الموت, وثانياً نسيان الخطية وطرحها خارج المحلة, ذاك الأمر الذي أشير إليه في التيس الذي كان يساق إلى البرية ليترك تائهاً فيها.
وهكذا كانت الخطية تزاح عن الجماعة بواسطة تلك الذبيحة, ومن ثم عامل الله الجماعة وكأنها بدون خطية – وكأن الخطية قد أزيحت بالفعل. ليس فقط كأنها قد أزيحت على أن لا تعود قط فيما بعد. هذا كان جوهر التعليم الرمزي: لقد تمت الكفّارة وقد كفر عن الخطية وصار الخاطئ في نظر الله باراً.
نَخلُصُ إذن إلى القول أن فكرة الذبيحة النيابية والكفّارية وبكلمة أخرى عقيدة البدَل بواسطة كفّارة الدم, هي منسوجة في نفس سُداة ولُحمة النسيج العقائدي لنظامي العهد القديم والجديد. وتظهر بصورة خاصة في سفر موسى الثالث والذي ندعوه بسفر أو كتاب اللاويين وفي أقسام أخرى من الكتاب المقدس حيث نتعلم عن وظيفة الكاهن لدى بني إسرائيل. وليس هناك أي تناقض بين أسفار الكتاب المقدس وإن كان الأنبياء قد أعطونا تحذيرات متكررة بأن مجرد ممارسة الطقوس بدون توبة قلبية لا يمكن أن يُفيد التقدمة أو مُقدّمها بأي شيء. وكان الكهنة (الذين كانوا بالحقيقة أمثلة فقط لرئيس الكهنة العظيم الذي كان مزمعاً بأن يأتي), كان يسمح لهم بأن يدخلوا المقدس بواسطة الدم. فتعلّّم المؤمنون بأنه بواسطة ذبيحة نفس أخرى فقط كانوا هم ينالون النجاة.
وهناك هذه الظاهرة الهامة في ديانات الشعوب القديمة, إن كانت ديانات عابدي الأوثان أو ديانة بني إسرائيل – انتشرت عادة الذبائح بين جميع أهل الأديان وذلك أظهر شعور الإنسان بأن الخطية تُعرّضه لغضب الله وأن ذلك الغضب يُزاح فقط حينما يحدث تكفير بواسطة فدية نفس, إما نفس الإنسان أو نفس بديل شرعي عنه.
وهذا هو الوصف الذي يعطينا إياه كاتب الرسالة إلى العبرانيين بخصوص ذبائح العهد القديم: "ثم العهد الأول كان له أيضاً فرائض خدمة والقدس العالمي. لأنه نُصِبَ المسكن الأول الذي يقال له القدس الذي كان فيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة. ووراء الحجاب الثاني السكن الذي يقال له قدس الأقداس: فيه المبخرة من ذهب وتابوت العهد مغشّى من كل جهة بالذهب الذي فيه قسط من ذهب, فيه المَنّ وعصا هارون التي أفرخت ولوحا العهد. وفوقه كروبا المجد مظلّلين الغطاء. ثم إذ صارت هذه مهيأة هكذا, يدخل رئيس الكهنة فقط مرة في السنة, ليس بلا دم يقدّمه عن نفسه وعن جهالات الشعب, معلناً الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس لم يُظهر بعد ما دام المسكن الأول له إقامة, الذي هو رمز للوقت الحاضر الذي فيه تُقدّم قرابين وذبائح لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الذي يَخدُم. وهي قائمة بأطعمة وأشربة وغلات مختلفة وفرائض جسدية فقط موضوعة إلى وقت الإصلاح.
"وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة, فبالسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد, أي الذي ليس من هذه الخليقة, وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس, فوجد فداءً أبدياً. لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجَّسين يُقدِّس إلى طهارة الجسد, فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب, يُطهِّر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي؟ ....
"فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التي في السماوات تُطهَّر بهذه وأما السماويات عينها فبذبائح أفضل من هذه. لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة, بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا. ولا ليقدم نفسه مراراً كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر (فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم) ولكنه الآن قد أُظهِر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه". (الرسالة إلى العبرانيين 9: 1 – 14 و23 - 26).
- عدد الزيارات: 4447