Skip to main content

الفصل الثالث والعشرون: طقوس خيمة الاجتماع والهيكل (1)

لقد بحثنا في درسينا السابقين عن طقوس ورموز نظام العهد القديم وعن يوم الكفّارة في تلك الأيام. ومع أننا نعيش في ظل نظام العهد الجديد إلا أنه يليق بنا أن نفهم تعاليم الوحي الإلهي المتعلّقة بالمؤمنين في أيام ما قبل المسيح لكي نفهم تماماً معنى الخلاص العظيم الذي أتمّه لنا الرب يسوع المسيح. وقد ذكرنا سابقاً أن المؤمنين في أيام النظام القديم كانوا يعيشون في أيام الرموز والطقوس الدينية التي كانت تشير إلى المسيح المنتظر وإلى عمله الخلاصي والفدائي الذي كان سيقوم به بموته على الصليب. وسنبدأ في هذا الفصل بدراسة لخيمة الاجتماع التي كان الله قد أمر بها والتي كان محلّها الهيكل المقدس في مدينة القدس في أيام الملك العظيم سليمان بن داود.

نلاحظ في تركيب وطقوس خيمة الاجتماع وجود نظام رمزي فائق للغاية. وكانت غاية هذه الخيمة إعطاء الشعب فهماً واضحاً للتعاليم المختصّة بحقائق الفداء. نرى أهمية هذا الموضوع بالنسبة لله تعلى وللمؤمنين في أيام النظام القديم في أن نحو ثلث سفر الخروج (وهو الكتاب الثاني من التوراة) وكل سفر اللاويين (وهو الكتاب الثالث من التوراة) وجزء مهمّ من سفر العدد (وهو الكتاب الرابع من التوراة) كل ما تقدّم كان مكرّساً لأمور خيمة الاجتماع والطقوس الدينية المتعلّقة بها. وكان القصد من هذه التعاليم أن يتعلم شعب الله في تلك الأيام بأن الله تعالى يرغب في أن يسكن مع شعبه, وكيفية الحصول على هذا الامتياز العظيم أي التقرُّب منه تعالى. وكما لاحظنا في فصل سابق كانت هذه الطريقة للتعليم مشابهة لتلك الطريقة التي اعتاد عليها بنو إسرائيل أثناء إقامتهم الطويلة في أرض مصر.

وعندما نُصبت خيمة الاجتماع كان مسكن الله في المكان المدعو بقس الأقداس, بينما كان الإنسان يبقى خارج الساحة المقدّسة والتي كانت تحيط بخيمة الاجتماع. وكان الطريق أي طريق الاقتراب من الله واضحاً خطوة فخطوة من الباب الخارجي إلى المقدس الأعظم إلى تابوت العهد والغطاء ونور الحضرة الإلهية أي الحضور المنظور لله تعالى. وهكذا تُرينا خيمة الاجتماع والطقوس الدينية التي كانت تجري فيها, كيف يمكن لإله قدّوس أن يسكن مع الإنسان الخاطئ كيف يمكن للإنسان الخاطئ أن يأتي إلى حضرة الله القدّوس. وكانت خيمة الاجتماع هذه منصوبة على بعد كيلومتر واحد خارج المحلّة التي كان يُقيم فيها بنو إسرائيل. فنرى بشكلٍ رمزي أن الله كان يدعو الشعب إليه وكل من يودُّ الاقتراب من الله عليه الخروج من المحلّة إلى خيمة الاجتماع. وهذا كان يرمز إلى أن الله تعالى هو في المسيح وعندما نقترب منه تعالى يتوجّب علينا أن نخرج من "العالم" وأن نُلقي جانباً طُرق العالم وتصرّفاته الخاطئة لنذهب إلى الله الذي يدعونا في المسيح. وفي هذا العهد أو النظام الجديد المسيح هو "خيمة الاجتماع" لنا نحن المؤمنين, وكما كتب الرسول يوحنا في الإنجيل: "والكلمة – أي السيد المسيح صار جسداً وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الأب مملوءاً نعمة وحقّاً". (1: 14) وفي اللغة اليونانية (وهي لغة جميع أسفار العهد الجديد) نلاحظ أن الكلمة التي تُعرِّبها بـ"حل", هي حسب معناها الأصلي, نصب خيمته. وهذا يُشير بشكل قوي إلى أن الله في هذه الحقبة من التاريخ (أي في أيام العهد الجديد) حلَّ بيننا أو سكن وسط عالمنا بواسطة السيد المسيح متمّماً جميع نبوات الكتاب في العهد القديم.

وتكلّم مرة السيد المسيح مشيراً إلى جسده قائلاً: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه". (الإنجيل حسب يوحنا 2: 19) فجسد المسيح هو مسكن الله. وبطريقة مشابهة نوعاً ما سكن الله في خيمة الاجتماع أولاً وفيما بعد سكن هيكل مدينة القدس ذلك الهيكل الذي بناه سليمان الحكيم. وكان الله يُعلّم شعبه في أيام النظام القديم بواسطة خيمة الاجتماع والطقوس الدينية التي كانت تجري بها, كان الجميع يتعلّمون من الله (الصغار والكبار, المُتعلّمين وغير المُتعلمين) الحقائق الروحية الهامة عن موضوع الخلاص والقبول لدى الحضرة الإلهية.

وهذه بعض الأمور الهامة عن شكل وأبعاد وقيمة خيمة الاجتماع: كانت هذه الخيمة المقدسة صغيرة نسبياً إذ بلغ طولها نحو 2/1 13 متراً وعرضها 2/1 4 أمتار وارتفاعها 2/1 4 أمتار. وكانت نفيسة للغاية إذ بلغت قيمتها نحو مليون جنيه أو دينار. وتمّ تجهيز خيمة الاجتماع بواسطة تبرعات الشعب الذي أعطى بهكذا سخاء حتى أن موسى النبي اضطرّ أن يقول للشعب: "كُفُّوا"!....

أُحيطت خيمة الاجتماع بسياج بلغ طوله 45 متراً وعرضه 2/1 22 متراً. وكان هذا السياج يتألف من عواميد وستائر جميلة. وهكذا أظهر الله أن مسكنه كان منفصلاً ومقدساً ومنعزلاً عن بقية العالم وعن الخطية. وكان المدخل الوحيد لهذه الساحة الخارجية في الشرق وكان يُسدَل عليه ستار جميل للغاية وهو أزرق وقرمزي وأرجواني, وهذا كان يرمز إلى السماوي والأرضي والملوكي. وبشكل خاص كان الله يسكن ضمن أو وسط خيمة الاجتماع في قدس الأقداس وكان يرمز إلى حضور الله بواسطة ما سُمِّي بعد ذلك بنور السكينة أو الحضور الإلهي.

وعندما نمرُّ بالباب المثلّث الألوان إلى الساحة الخارجية نجد مذبحاً مربّعاً أبعاده 2/1 7 أقدام وارتفاعه 2/1 4 أقدام وهو فارغ مصنوع من خشب مطلي بالنحاس. وفي كل زاوية نتوء أو قرن لربط الحيوانات المُعَدَّة للذبيحة. وكان هذا المذبح أهمّ وأكبر شيء في الساحة الخارجية المحيطة بخيمة الاجتماع.

  • عدد الزيارات: 6899