بشارة مرقس: المسيح كخادم
يشرح هذا البشير مقام المسيح كخادم متطوع صرف كل دقيقة من حياته على الأض في إتمام مشيئة الذي أرسله عاملاً بنشاط وسرعة. كتب مرقس بشارته في إيطاليا لإفادة الرومانيين، وتلقى معلوماته المتضمنة فيها من بطرس الرسول. ولذلك نجد خلاصتها في مقدمة كلامه إلى كرنيليوس "يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه" (أع 10: 38). ويفتتح مرقس بشارته عن المسيح لا بسلسة أنسابه ولا بسيرة أيامه الأولى بل بخدمته. ومقدمة مرقس الوجيزة تفيدنا عن موضوع بشارته أي "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" البدء لا الانتهاء. فقد نقضي الأبدية دون أن نتوصل إلى نهاية إنجيل يسوع المسيح ابن الله.
ِنصفُ هذه البشارة سَردٌ لأعماله، والنصف الآخر لتعليمه. وأما بشارة متى فثلاثة أرباعها للتعليم، وبشارة لوقا ثلثاها، وبشارة يوحنا خمسة أسداسها.
كلمة "للوقت" الواردة كثيراً في بشارة مرقس نستفيد منها الطاعة السريعة. إن متى ولوقا أخبرانا بأن الروح قاد يسوع إلى البرية، أما مرقس فقال "أخرجه الروح إلى البرية". وزاد مرقس أن التجربة استمرت أربعين يوماً وأنه "كان مع الوحوش وصارت الملائكة تخدمه". إن الأمثال الأربعة الواردة في الإصحاح 4 تشرح عمل الإنجيل. ومَثَلُ رجوع السيد لم يذكره غير مرقس، وفيه شرح واف عن خدمته.
أكثر مرقس من ذكر تكبد المسيح مشقات الخدمة: الجموع تجمهروا عليه ليسمعوه، فطلب من تلامذته سفينة صغيرة لسبب الجمع كي لا يزحموه. المدينة كلها اجتمعت على باب البيت الذي كان فيه. كثيرون اجتمعوا حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب. تراكض كثيرون إليه من جميع المدن مشاة وحملوا مرضاهم على أسرة وجدّوا في أثره. كثيرون لمسوه وبرئوا من أمراضهم الخ: كان المسيح يؤدي خدماته على جناح السرعة ومع ذلك لم يترك سائلاً ولا محتاجاً إلا أجابه إلى طلبه.
وتفرّد هذا البشير بذكر أعجوبتي شفاء صنعهما المسيح بمعزل عن الجمع وهما حل عقدة لسان الأصم وفتح عيني الأعمى الذي كان في بيت صيدا. ومرقس وحده ذكر عن يسوع أنه احتضن الأولاد عندما باركهم. هذه البيانات تعطي بشارته شكلها الخاص وتزيد كل حادثة من حوادثها تأثيراً جديداً ولا شك أن بطرس لاحظ ذلك.
وفي كل بشارة من البشائر الأربع كُتِبَ بالتفصيل خبر الذبيحة العظيمة التي كفرت عن خطايا العالم. ولما قام المسيح من القبر سلم تلاميذه مأموريته الوداعية وهي في بشارة مرقس أدل منها في بشارة متى على تعميم الخدمة والتحريض عليها، إذ لم يعفهم من أية بقعة على سطح الكرة الأرضية ولا من تبشير أية نفس من الجبلة البشرية.
أول عبارة في بشارة مرقس "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" وهنا في ختام البشارة لا نبلغ إلى منتهى إنجيل المسيح إذ نراه موالياً عمله برفقتنا وعلى ذلك قوله "ثم إن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبّت الكلام بالآيات التابعة".
- عدد الزيارات: 4160