بشارة متى: المسيح كملك
نرى في هذه البشارة جلال ملكنا السماوي. إن متى كتب بشارته لليهود. فهي تشرح الشريعة، وفيها استشهاد كثير بأسفار العهد القديم. ويُظهر لنا متى كيف أن الشريعة والعهد القديم تمَّا في المسيح.
بدأ بشارته بهذه العبارة "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم" (1: 1). وهذا يدل على أنه صاحب العهد كابن ابراهيم، وصاحب الملك كابن داود "داود الملك" (عدد 6). وإسناد الملك إلى داود هنا يراد به توكيد مقامه الملوكي كما أسلفنا.
ودل البشير على لاهوت المسيح بهذه الأشياء: أنه وُلد بقوة الروح القدس، وأنه مخلص، وأنه إله متحد بالإنسان كما يظهر من تسميته عمانوئيل – الله معنا.
وذكر متى، دون غيره، زيارة المجوس المسيح. كان العالم حينئذ ينتظر ظهور رجل عظيم "أين هو المولود ابن ملك اليهود"؟ وسجودهم له يرمز إلى سلطانه العام. لاحظ أن متى أيضاً، دون سواه، شرح لنا كيف أن هيرودس المختلس لعرش داود اتخذ الوسائل لقتل الوارث.
ثم إن في هذه البشارة عرفنا يوحنا المعمدان المسيح باعتبار كونه قاضياً قديراً ينقي بيدره بأحكام مريعة، وفي قصة التجربة خالف متى النسق التاريخي فأخّر ذكر تجربة المسيح على الجبل بخلاف لوقا فإنه قدمها. وقصد متى بتأخيرها أن يميزها ويعلق عليها أهمية أكثر من غيرها. إن المسيح هو ملك العالم لكن إبليس اختلس عرشه ويريد أن يرده إليه تحت شرط واحد: أن يسجد له. وغاية إبليس من ذلك أن يحوّل المسيح عن الصلب، والكنيسة عن آلامها. وظاهر الأمر حسن ولكن حقيقته هلاك أبدي للجنس البشري. فانتصر عليه الملك انتصاراً باهراً. من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات". وردت لفظة "الملكوت" في بشارة متى خمساً وخمسين مرة، ووردت مضافة إلى السموات ثلاثاً وخمسين مرة. ولم ترد هذه العبارة في غير موضع من كل أسفار الكتاب المقدس. ووردت كلمة الملكوت فقط في خمسة مواضع من بشارة يوحنا.
الموعظة على الجبل (إصحاح 5 – 7) تدور حول شريعة الملكوت. وفي إصحاح 13 سبعة أمثال المكوت يبتدئ كل منها بهذه العبارة "يشبه ملكوت السموات" إلا مثل الزارع لم يبتدئ بها لكنها ذكرت في العدد الحادي عشر. وعلى هذا الأسلوب تبتدئ بقية أمثاله في هذه البشارة في حين أنها تبتدئ في بشارة لوقا غالباً بهذه الكلمة "إنسان". قابل بين مَثَلي العرس (مت 22 ولو 14) تجد صاحب العرس، حسب بشارة متى ملكاً، وحسب بشارة لوقا إنساناً. وفي مثل يوم الدين (مت 25) بيان صريح لسلطان المسيح وجلاله.
ويمتاز ما حكاه متى عن التجلي عما حكاه لوقا ومرقس بأن زاد هذا الإيضاح "وأضاء وجهه كالشمس" و "الذي به سُررت" إظهاراً لكماله في حفظ وصايا الله. وفي حكايته عن القيامة ذكر الزلزلة العظيمة والملاك الذي كان منظره كالبرق ومن خوفه ارتعد الحاس وصاروا كأموات.
وأخيراً ذكر لنا هذا البشير مأمورية المسيح الملوكية ولم يخبرنا بذلك أحد سواه من البشراء الأربعة "دفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم".
- عدد الزيارات: 5053