Skip to main content

مهاجمة العالم المسيحي

ولا يحتاج المرء إلى عقل نير ليرى أن الناس يؤثرون أن يجانبوا اتخاذ مثل هذه الوثبة، وثبة الإيمان. غير أنهم يتحرجون أن يظهروا بمظهر الرفض العلني للعقيدة المسيحية. وهكذا اكتشفت الكنيسة والمجتمع أسلوباً جديداً لتخليص البشرية من هذه الورطة. وذلك أن الكنيسة والمجتمع آخذاً تدريجياً في تغيير شكل المسيحية كي تصبح في معناها وجوهرها شكلاً من العقيدة على نقيد ما هي المسيحية في العهد الجديد. فقد استحالت المسيحية على يد الكنيسة والمجتمع إلى حياة تقليدية هانئة يسيرة يتمنى كل امرئ أن يحياها عوضاً عن أن تكون حياة تزهد وشجاعة وطاعة للسيد المسيح.

وقد أصبحت العبادة ضرباً من الرياء، وصار الواعظ الهانئ العيش محدثاً يحدث معشر الناس ممن ينتمون إلى كنيسته عن روعة التضحية وعن التواضع وانكسار القلب، والغريب، كما يقول كير كغارد، أن أحداً من المستمعين لا يقهقه ضحكاً. وكل ما كان الواعظ بليغاً فصيحاً في وصفه ما قاساه المسيح من ألم وشقاء كان واعظاً ناجحاً غنياً هانئاً في عيشه.

وهكذا نجد أنفسنا نحوك مؤامرة تستهدف الهزء بالله سبحانه أو خدعه. وتسفر النتيجة عن كون هذه المؤامرة أمراً يسيراً - أيسر من خدع رجل جاهل، لأن الله في جلاله الذي لا يعتريه تغيّر ولا زوال يبدو بعيداً عن متناولنا، وفي مأمن من الطعن والتجريح، لكنه يسمح لنا أن نسيء إليه تماما كما فعل في الجلجثة. إنه يسمح لنا أن نهزأ به.

ولكن كير كغارد يقول: "إني أوثر أن ألعب الميسر، وأن أعبث، وأن أزني، وأن أسرق، وأن أقتل على أن اشترك بمؤامرة الهزء بالله." إن عبادتنا المغلفة بالرياء، وافتراضنا بيسر ولين أننا مسيحيون ينقلبان علينا ويصبحان من أفظع الخطايا التي نقترفها.

إن السؤال الحميم الذي يراود كير كغارد في كتاباته هو: "كيف يستطيع المرء أن يصبح مسيحياً في عالم مسيحي؟ إن العالم المسيحي قد زايل المسيحية وهو لا يعلم أنه قد زايلها فإننا لو لم نكن قد سمعنا شيء عن المسيح، لكانت دعوته لنا أحدثت في نفوسنا هزة وإثارة، فإما أن نخلص الولاء له، أو أننا نرفض دعوته. ولكننا الآن في مأمن من شر هذا كله، لأننا نظن أنفسنا مسيحيين ونصدق ظننا فنبدو كأننا ننعم بالطمأنينة والهناء.

في الأشهر الأخيرة من حياته راح كير كغارد يحاول أن يحدث تلك الهزة والإثارة. في سلسلة من المقالات الصحفية والمنشورات أخذ كير كغارد يهاجم فيها الرياء والكذب المغلف بالديانة المنظمة تارة بأسلحة خفيفة وتارة بأسلحة ثقيلة. فكان القارئ يعجب بمهارته في ساحة المعركة وفي الوقت ذاته كان يشعر بألم الجراح.

وكان هجوم كير كغارد على المسيحية أحياناً على كثير من المرارة والعنف، وكاد يكفر بالقول أن هذا العالم عالم شرير فاسد. وكاد أن ينسى، على ما يبدو، أن لفظة (أنجيل) تعني البشارة والخبر السار.

ولكنه كان يحسن الكلام عن الإنجيل وعن مضمونه فإنه كتب في صحيفته قائلاً: "هذا هو الشيء الذي أنا متيقن من صحته وهو أن الله محبة. حتى وإن كنت قد أخطأت هنا ولم أصب هناك فأني أعلم، بعد كل ما قيل ويقال، أن الله محبة."

  • عدد الزيارات: 2866