التعاون
ينبغي لشعب المسيح، بحسبما تدعو الضرورة، أن ينظّموا من الجمعيات والمجامع ما يضمن على أفضل وجه توفير التعاون في ما بينهم لخدمة الأهداف العظيمة المختصة بملكوت الله. وليس لمثل هذه المنظمات سلطان الواحدة على الأخرى أو على الكنائس. فهي هيئات طوعية واستشارية مصممة لتفعيل طاقات رعايانا وتوحيدها وتوجيهها على أفعل نحو. وينبغي لأعضاء الكنائس في العهد الجديد أن يتعاونوا بعضهم مع بعض للمضي قُدماً بالخدمات التبشيرية والتربوية والخيرية، لأجل امتداد ملكوت المسيح.
والوحدة المسيحية بمفهوم العهد الجديد هي الانسجام الروحي والتعاون الطوعي في سبيل غايات مشتركة بين جماعات شتى من شعب المسيح. والتعاون بين مختلف الطوائف المسيحية أمر مرغوب فيه، ما دامت الغاية المرجو بلوغها مبررة في حد ذاتها، وما دام مثل هذا التعاون لا ينطوي على أي انتهاك للضمير أو أية مساومة على الولاء للمسيح وكلمته كما هي معلنة في العهد الجديد.
خروج 17: 12؛ 18: 17 وما يليها؛ قضاة 7: 21؛ عزرا 1: 3 و4؛ 2: 68 و69؛ متى 10: 5- 15؛ مرقس 2: 3؛ لوقا 10: 1 وما يليها؛ أعمال 1: 13 و14؛ 2: 1 وما يليها؛ 1 كورنثوس 1: 10- 17.
المعمدانيون أناس مستقلون، لكنهم متعاونون. ويشهد لهذه الحقيقة تعبير "البرنامج التعاوني"، وهو تعبير يستعمله المعمدانيون الجنوبيون، أكبر مجموعة معمدانية، للإشارة إلى برنامجهم المختص بالعطاء لدعم عمل المسيح في طول الأرض وعرضها. وهذا التعاون يُبذل طوعاً وعلى نحو مستقل، ومن شأنه أن يصون الحكم الذاتي لكل جماعة من الجماعات، وفي الوقت نفسه يمسك بزمام الطاقات الروحية والمواد المادية عند المعمدانيين الجنوبيين لاستخدامها في سبيل توجيه طاقات الطائفة لأجل نشر الإنجيل.
أسس التعاون الكتابية
في الكتاب المقدس أُسس للمساعي التعاونية في القضايا ذات المصلحة المشتركة. وأول جهد من هذا القبيل كان يتعلق بنقاوة التعليم، كما يظهر في المجمع الأورشليمي الذي عُقد سنة 49 م (أعمال 15؛ غلاطية 2). فقد اجتمع ممثلون للكنيسة من أورشليم ومن أنطاكية للبحث في نشاط المهوّدين الذي أثار الجدل. وكان هذا المجمع مؤتمراً طوعياً صان بكل عناية موقف كلتا الكنيستين. إلا أن النتائج آلت إلى وحدة داعمة لإنجيل الخلاص بالنعمة من طريق الإيمان في مقابل الدعوة إلى أعمال طقسية فضلاً عن الإيمان.
وثمة جهد تعاوني آخر يظهر في جولة بولس الرسول على كنائس مكدونية واليونان لجمع تقدمة لإعانة المسيحيين المؤمنين الذين في فلسطين (1 كورنثوس 16: 1؛ 2 كورنثوس 8 و9). وإن دراسة للآيات المشار إليها في رسالتي كورنثوس تبين أن هذا الجهد التعاوني كان طوعياً.
هذان مثلان وحسب، لكنهما يقدّمان أُسساً كافية يمكن إرساء العمل التعاوني عليها.
تاريخ التعاون المعمداني
للمعمدانيين تاريخ حافل بالتعاون. فقد تكتّلوا حول العالم طوعاً للقيام بأشياء لا تستطيع الكنائس أن تقوم بها منفردة، كإرسال المرسلين ودعم المدارس وخدمة المحتاجين.
يعتقد المعمدانيون أن مثل هذا التعاون ينبغي أن يكون طوعياً، حيث تبقى كل كنيسة مستقلة، ومديرة لشؤونها بنفسها، ضمن النشاط التعاوني. فالقرارات التي تتخذها مجموعة ما، ينبغي ألا ترغم غيرها على تبنّيه.
من خلال الاتحاد المعمداني العالمي يتعاون المعمدانيون عالمياً في شركة محبة وصلاة واهتمام متبادل لتلبية حاجات البشر باسم المسيح وبروحه. هذا هو نوع الوحدة التي يعتقد المعمدانيون أن المسيح صلى لأجلها (يوحنا 17: 21).
إن الوحدة المسيحية بمفهوم العهد الجديد هي الانسجام الروحي والتعاون الطوعي في سبيل أهداف مشتركة من قبل جماعات شتى من شعب الله.
وحدة، لا اتحاد
يتعاون المعمدانيون مع الطوائف الأخرى فقط في القضايا ذات الاهتمام المتبادل، شريطة ألا يُضطروا إلى المساومة على إيمانهم وممارستهم كما يفهمون تعاليم العهد الجديد. فمثل هذا التعاون ينبغي أن "لا ينطوي على أي انتهاك للضمير أو أية مساومة على الولاء للمسيح وكلمته كما هي معلنة في العهد الجديد".
يعتقد المعمدانيون أن يسوع صلى لأجل الوحدة الروحية وليس لأجل الاتحاد الاندماجي. "ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا" (يوحنا 17: 21). وجدير بنا أن نذكر أن "واحداً" في العبارة الأخيرة غير موجودة في أفضل المخطوطات.
إن الآب والابن واحد في الجوهر لكنهما اثنان في التجلي الظاهر. فبينهما وحدة في الروح والطبيعة والقصد. وقد صلى المسيح طالباً أن تسود مثل هذه الوحدة بين شعبه. إنه لم يطلب أن يصير تلاميذه الأحد عشر إنساناً واحداً ضخماً، بل أن يختبروا بوصفهم أشخاصاً أفراداً وحدة الروح والقصد كما تُرى عند الآب والابن. إنها وحدة "أنا فيهم وأنت فيّ" (يوحنا 17: 23). هكذا، وبفضل الروح القدس، يتسنى للتلاميذ أن يختبروا الشركة التي تجعلهم كياناً واحداً في الروح والقصد، لا اتحاداً اندماجياً.
أما أن المعمدانيين يشتركون فعلاً في وحدة روحية مع جميع الذين يؤمنون حقاً بالمسيح، فأمر يشهد له كلام سترونغ (A. H. Strong) الذي جاء في سياق حديثه بمناسبة المؤتمر المعمداني العالمي الأول عام 1905: "من المؤكد أنه واجب علينا أن نعترف في كل مكان ودائماً بأننا أولاً مسيحيون، وثانياً معمدانيون. فالرباط الذي يشدنا إلى المسيح أهم في أعيننا من ذاك الذي يربطنا بإخوتنا في العقيدة والطائفة. ونحن نحيا على رجاء أن يُحدث روح المسيح، الذي فينا وفي سائر الكيانات المسيحية جميعاً، نمواً في العقل والقلب من شأنه أن يجعل شعورنا بالوحدة في المسيح يتجاوز سياجات الانقسام ويطمسها، وليس هذا فقط، بل يؤول في آخر الأمر إلى إطاحة السياجات من أساسها". ولكن لنلاحظ أن هذه الغاية السامية يجب أن تتحقق من طريق الوحدة الداخلية، لا من طريق اتحاد يُفرض من الخارج.
وقد ضرب جورج تروويت (G. W. Truett) الوتر نفسه، إذ قال في أثناء انعقاد المؤتمر المعمداني سنة 1939: "إننا نبتهج جداً بوحدتنا الروحية مع جميع الذين يحبون الرب يسوع المسيح بأمانة وحق. إننا نودّهم كإخوة لنا بنعمة المسيح المخلّصة، وكوارثين معنا للحياة والخلود. نحب الشركة معهم، ونرى أن الوحدة الروحية لجميع المؤمنين الحقيقيين بالمسيح هي الآن حقيقة مباركة، وستبقى هكذا دائماً أبداً. هذه الوحدة الروحية لا تتعلق على الأمور التنظيمية أو الشكلية أو الطقسية. فهي أعمق من كل التنظيمات، وأسمى منها وأوسع وأثبت. ويطيب للمعمدانيين أن يبادلوا المودة جميع هؤلاء المؤمنين بالمسيح، باعتبارهم إخوة لهم في الخلاص المشترك، إلى أية جماعة انتموا، إنجيلية كانت أو كاثوليكية أو غير ذلك، ولو لم ينتموا إلى أية جماعة".
للمراجعة والبحث
1- أينبغي أن يكون التعاون داخل شركة الكنيسة المحلية فقط، أم ينبغي أن يتسع نطاقه ليشمل العلاقة بين الكنائس المعمدانية؟
2- ما هي طبيعة العلاقة بين الهيئات المعمدانية: الكنيسة المحلية، المجامع المحلية، الاتحاد المعمداني العام؟
3- أعلى الكنائس المعمدانية أن تسعى إلى طرائق للتعاون مع الجماعات المسيحية الأخرى؟ إن كان نعم، ففي أية مجالات وعلى أي أساس؟ ضع لائحة تذكر فيه المجالات التي يمكن أن يتم فيها التعاون.
4- ما الفرق بين الوحدة المسيحية واتحاد الكنائس الاندماجي؟
- عدد الزيارات: 14626