أمور الآخرة
إن الله، في وقته المعين وبطريقته الخاصة، سيأتي بالعالم إلى نهايته المناسبة. والرب يسوع المسيح، بحسب وعده، سيعود إلى الأرض شخصياً وعلنياً في مجده. وسيُقام الأموات، ويدين المسيح جميع البشر بالبر. أما الأشرار فسوف يُرسلون إلى الجحيم، مكان العقاب الأبدي. وأما الأبرار بأجسادهم المُقامة والممجدة فسينالون مكافآتهم ويسكنون إلى الأبد مع الرب في السماء.
أشعياء 2: 4؛ 11: 9؛ متى 16: 27؛ 18: 8 و9؛ 19: 28؛ 24: 27، 30، 36، 44؛ 25: 31- 46؛ 26: 64؛ مرقس 8: 38؛ 9: 43- 48؛ لوقا 12: 40، 48؛ 16: 19- 26؛ 17: 22- 37؛ 21: 27 و28؛ يوحنا 14: 1- 3؛ أعمال 1: 11؛ 17: 31؛ رومية 14: 10.
"الأُخرَويّات" اصطلاح يُطلق على العِلم بأمور الآخرة. ومما يؤسف له أن هذا التعبير يُركز على انقضاء الدهر، في حين أن "الأُخرَويّات" تتضمن معنى أشمل بالفعل. فهي تشير إلى غاية التاريخ أو نهايته. ولكنها تعني أيضاً أن الله فعال في التاريخ، يوجهه نحو تلك الغاية.
يتحدث الناس عما تم من الأُخرَويّات، وما لم يتم منها. ويُقصد بالشق الأول أن ملكوت الله قد جاء فعلاً. فبتجسُّد المسيح تدخل الله في مجرى التاريخ الطبيعي ليوجهه إلى الغاية الموافقة لقصده الفدائي. أما الشق الثاني فيُشار به إلى تحقيق ذلك القصد نهائياً، عندما يعود المسيح ليفدي المخلصين الفداء الكامل ويدين الهالكين. بهذا المعنى الثنائي يمكن للمرء أن يفهم حضور المسيح الآن وعودته الموعودة. ويتحدث كتّاب العهد الجديد عن العيشة في "الأيام الأخيرة". وينبغي لنا ألا نفهم هذا فقط في ضوء روزنامة البشر، بل بالأحرى في ضوء قصد الله. فقد يُشير التعبير "الأيام الأخيرة إلى آخر الزمان، أو قد يُعتبر شاملاً للفترة الممتدة من قيامة المسيح وصعوده إلى عودته المرئية في المجد. ولابد لنا من النظر في بضع نقاط تخص رجوع الرب وانقضاء الدهر، على أن تبقى الأمور المذكورة هنا مائلة في أذهاننا.
تعليم المسيح في هذه القضية
واضح تماماً أن المسيح علّم برجوعه عند انقضاء الدهر (متى 16: 27؛ يوحنا 5: 28 و29؛ 14: 2). وقد نشأ جدال حول متى 16: 28: "إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي مَلَكُوتِهِ". فبعضهم يأخذون الكلام على حرفيته ويذهبون إلى أن المسيح أخطأ في تقدير الوقت. ولكن يجب ألا ننسى أن أية حادثة في التاريخ كانت تُعتبر في الفكر اليهودي دخولاً من قِبل الله في التاريخ. من هذا المنظور يربط آخرون بين هذه الآية وحادثة تجلي المسيح، أو قيامته، أو خراب أورشليم السنة 70 م. غير أن الاثني عشر تلميذاً كلّهم عاشوا إلى ما بعد الحادثة الأولى من هذه الثلاث، وجميعهم ما عدا يهوذا ظلوا على قيد الحياة على ما بعد الثانية. إلا أن بعضاً منهم فقط كانوا أحياء عند حصول الثالثة. فيبدو مرجحاً أن هذه الحادثة الأخيرة تفي بكلام المسيح، إذ بسقوط أورشليم صارت المسيحية تُعتبر منفصلة عن اليهودية. ولما تحررت المسيحية على هذا النحو، باتت قادرة على الانتشار بقوة أعظم.
وأوفى خطاب تعليمي قدّمه المسيح بخصوص انقضاء الدهر نجده في متى 24 و25 (راجع أيضاً مرقس 13؛ لوقا 21: 5- 36). هذه المقاطع المتماثلة تتناول الحوادث التالية: خراب أورشليم ؛ رجوع الرب، انقضاء الدهر.
وقد حذّر المسيح من العلامات الزائفة على مجيئه (متى 24: 4- 7). وقال إنه عندما يأتي يراه الجميع (24: 23- 31). وأفاد أن مجيئه الثاني، مؤكد، مثله مثل سقوط أورشليم (24: 32- 35). غير أن الوقت المحدد لذلك هو في فكر الآب (24: 36؛ مرقس 13: 32؛ أعمال 1: 7). ويُلاحظ أن المسيح قال إنه حتى هو لم يعلم الوقت المعين (الآية 36). ففي ناسوته قبل مثل هذه الحدود. وقد تكلم فقط بما قاله له الآب (يوحنا 5: 30؛ 7: 16؛ 8: 26). والآب لم يقل له ما يختص بهذا. وإذا كان المسيح، بوصفه ابن الإنسان، لم يعلم الوقت المعين لهذا، فمن العبث أن يحاول الناس تحديده. وقد قال المسيح إن الحياة ستستمر في مجراها العادي، وفي أثناء ذلك تأتي الآخرة (متى 24: 37- 41). وعليه، فإن عودة الرب يسوع قريبة الحدوث في كل حين. لذاك السبب ينبغي أن يكون المؤمنون أيقاظاً ومشتغلين بأمور الرب كل حين (24: 42- 46). كذلك قدم المسيح في متى 25 أمثالاً تختص بانقضاء الدهر.
لم يتكلم المسيح قط عن عودته من حيث الوقت بل من حيث الظرف: "متى جاء ابن الإنسان في مجده" (متى 25: 31). فعندما يصير الظرف مؤاتياً، يكون قد آن الأوان (راجع أيضاً متى 24: 15، 23، 33؛ 26: 29). إذاً، عندما يرى الله أن الظرف بات مناسباً، فآنذاك يكون وقت الرب. ونجد في متى 24: 14 الكلمة الفصل التي قالها المسيح بخصوص وقت عودته: "وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى". ولكن الوقت هنا أيضاً مرهون بالظرف. فينبغي للمسيحيين المؤمنين أن يجتهدوا لتوفير الظرف، تاركين الوقت المعين في يد الله.
إذاً، علّم المسيح بأن عودته مؤكدة ووشيكة، وأنها ستكون مفاجئة وكونية، وأن على شعبه أن يكونوا أيقاظاً ومجتهدين لتوفير الظرف المناسب في قلوب البشر، وأن الآب وحده يعرف الوقت المحدد. وعندما يرجع المسيح ستحدث القيامة التي ستعقبها الدينونة والخلاص، تبعاً لعلاقة المرء بالمسيح. وقد كان الرب يسوع واضحاً في تعليمه عن مجيئه الثاني.
رجاء المؤمنين المبارك
كتب بولس إلى تيطس أن علينا نحن المسيحيين المؤمنين أن: "نَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (تيطس 2: 12 و13). أما أن هذا "الرجاء المبارك" كان حقيقة ملموسة عند مسيحيي القرن الأول، فذاك أمر واضح جلياً من سفر الأعمال حتى الرؤيا. وقد نظر كاتب الرسالة إلى العبرانيين للوراء بإيمان إلى مجيء المسيح أول مرة وللأمام بيقين إلى مجيئه ثانية (عبرانيين 9: 28). وبدأ قوم مستهزئون يشكّون في مسألة رجوع الرب وهم يحكمون بحسب روزنامة البشر. إلا أن بطرس أكد أن رجوع الرب حتمي وفقاً لجدول الله الزمني، وعلى ذلك الأساس حرّض المؤمنين على عيشة القداسة (2 بطرس 3).
وقد كان المسيحيون الأولون متيقنين تماماً من قرب عودة الرب حتى إنهم فكروا في إمكان حدوثها إبان حياتهم. وهم لم يكونوا على ضلال في هذا، كما يرى بعض الشكاكين، بل كانوا يفعلون تماماً كما أوصى به المسيح (1 كورنثوس 15: 51). فلابد أن يكون جيل ما على قيد الحياة عندما يعود المسيح. وكان جيل بولس هو الجيل الوحيد على قيد الحياة آنذاك. ومتى حدث ذلك فإنه يكون "في لحظة" (الآية 52). ففي وقت أصغر من أن يُقسم، سيظهر المسيح. وسيكون ذلك "في طرفة عين"، أي في لُحيظة، أو بسرعة خاطفة. عند ذاك "يُقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير" (الآية 52). وهنا أيضاً نلاحظ الضمير "نحن".
وكان مؤمنو تسالونيكي في غمّ، ظناً منهم بأنهم سيؤخذون ليكونوا مع الرب عند عودته فيتركون موتاهم الأحباء المؤمنين يتخلفون عنهم (1 تسالونيكي 4: 13- 18). فطمأنهم بولس إلى أنه في تلك الحادثة "الأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً" أي قبل أخذ الأحياء (الآية 16). "ثُمَّ نَحْنُ [لنلاحظ استعمال "نحن" هنا أيضاً] الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ" (الآية 17).لسنا نلمح هنا أي ظلٍّ للشك. وهذا يجب أن يكون هو "الرجاء المبارك" لكل مسيحي حقيقي.
مسائل تختص بأمور الآخرة
بما أن العهد الجديد يرسم فقط الخطوط العريضة في ما يتعلق بأمور الآخرة، فمن المتوقع أن تنشأ بعض المسائل المتعلقة بتفسير التفاصيل. فالمفسرون مثلاً يختلفون حول عدد المجيئات والقيامات والدينونات، وبشأن الملك الألفي وتفاصيل أخرى معينة متعلقة بانقضاء الدهر. ولكن مجال الكتاب الحالي لا يتسع لمناقشة هذه الاختلافات. إنما يكفي أن نقول إن موقف المرء من التفاصيل ما كان قط امتحاناً لصحة العقيدة بين المعمدانيين.
يؤمن المعمدانيون أن المسيح آتٍ ثانية. والأموات سيُقامون. وفي أعقاب الدينونة، سوف يكون المخلّصون مع الرب إلى الأبد في المجد، فيما يكون الهالكون مع إبليس إلى الأبد في الجحيم (رؤيا 20: 10 إلى 22: 5). أما مصير المرء، أي ذهابه إلى السماء أو الجحيم، فلن يُحدد عند الدينونة، إذ إنها ستُعلن فقط الحالة التي يقيم فيها المرء منذ موته، أو الحالة التي سيُقيم فيها الأحياء عند رجوع الرب. ولسوف تكون تلك الحالة أبدية. أما الدينونة فتحدد درجات المكافأة في السماء أو العقاب في جهنم.
وفي هذه الأثناء، فإن "الرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ». وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّاناً" (رؤيا 22: 17).
والرب يقول: "ها أنا آتي سريعاً". كما أن جميع من عندهم الرجاء المبارك يقولون: "آمين، تعال أيها الرب يسوع" (رؤيا 22: 20).
للمراجعة والبحث
1- ما الفارق بين ما تم من الأُخرويّات وما لم يتم؟
2- ما هي العلامات التي حذّر المسيح منها بخصوص انقضاء الدهر؟
3- ما علاقة قُرب الحدوث بعودة المسيح؟ فارق في هذا المجال بين الظرف والوقت المعين؟
4- إذا عاد المسيح اليوم، فماذا يجدك تفعل؟
- عدد الزيارات: 3684