الوكالة
إن الله هو مصدر كل بركة، زمنية وروحية، ونحن مدينون له بكل ما نحن عليه وبكل ما نملكه. فالمسيحيون المؤمنون هم في دين روحي للعالم أجمع، وهم مؤتمنون على الإنجيل كوديعة مقدسة، وملزمون أن يمارسوا الوكالة الأمنية على ممتلكاتهم. وعليه، فمن واجبهم أن يخدموا الرب بوقتهم ومواهبهم وممتلكاتهم المادية. وينبغي لهم أن يدركوا أن هذه كلها هي عبارة عن أمانة مودعة لديهم كي يستخدموها لمجد الله ونفع الآخرين. وبحسبما جاء في الكتاب المقدس، يجب أن يتبرع المسيحيون المؤمنون من خيراتهم بسرور وانتظام، وبصورة منهجية ونسبية وطوعية، لأجل تقدم قضية الفادي على الأرض.
تكوين 14: 20؛ لاويين 27: 30- 32؛ تثنية 8: 18؛ ملاخي 8: 8- 12؛ متى 6: 1- 4، 19- 21؛ 19: 21؛ 23: 23؛ 25: 14- 29؛ لوقا 12: 16- 21، 42.
كان الوكيل، في الكتاب المقدس، شخصاً مسؤولاً عن شيء يخص غيره (تكوين 15: 2؛ 43: 19؛ 44: 4؛ متى 20: 8). وقد كان في العادة عبداً مقاماً على عبيد آخرين وعلى أملاك سيده (لوقا 16: 1). وأشار بولس إلى نفسه وإلى أبلوس وبطرس باعتبارهم "وكلاء سرائر الله" (1 كورنثوس 4: 1 و2). وبهذا المعنى يُعتبر الأسقف (الراعي) "وكيل الله" (تيطس 1: 7). وجميع المؤمنين يجب ان يكونوا "وكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة" (1 بطرس 4: 10).
الوكلاء والمسؤولية
عرّف أحدهم الوكالة بأنه قبول المرء من الله المسؤولية الشخصية عن الحياة بكاملها وعن شؤون الحياة كلها. وهذا يتفق سمع منطوق الكتاب المقدس الذي يعلّم أن الإنسان هو وكيل على كل ما في حياته، أي على الوقت والمواهب والممتلكات المادية، فالوكالة الصحيحة تتضمن اعترافاً بأن الله هو مصدر كل بركة، وأنه مُعطي البركات ومالكها، وأن الإنسان هو وكيل على تلك البركات كي يستخدمها لخير الإنسان ومجد الله.
عند بحث مسألة الوكالة سأل بولس: "أي شيء لك لم تأخذه؟" (1 كورنثوس 4: 7). إذاً مهما كان المسيحي المؤمن يمتلك من مقتنيات مادية أو شخصية أو روحية، فيجب ألا تكون مدعاة إلى الافتخار بالذات بل بالأحرى وسيلة لإعطاء المجد لله. ويقيناً أن استعمال الممتلكات على نحو صحيح سيلقى المكافأة من عند الله، كما أن إساءة استعمالها يستنزل عقاب الله (متى 25: 14- 30؛ 24: 45- 51). وهذه الآيات المشار إليها تُلمّح إلى أن كون المرء وكيلاً أميناً هو دليل على أنه مسيحي حقيقي، وأن إساءة استخدام الوكالة تُبين أنه ليس مسيحياً بالحق. إنها لمسألة تستدعي التفكير الجدي (راجع لوقا 16: 1- 14).
وبخصوص الوكالة على الإنجيل قال بولس: "إني مديون" (رومية 1: 14). فهو لم يكن في دين للناس لأجل شيء ناله منهم، بل بسبب ما ناله من عند الله. وقد كان بولس تحت التزام بأن يُشرك جميع الناس في ما أعطاه الله.
هذا الالتزام فرض على كل مسيحي مؤمن. فعليه أن يُشرك الآخرين في بركة الإنجيل بالشهادة الشخصية والقدوة الشخصية أيضاً. ذلك أن المسيح طلب من أتباعه أن يشهدوا، كما طلب منهم أيضاً أن يكونوا شهادة. فحياة المرء بالذات ينبغي أن تشهد لقوة المسيح المخلّصة. وينبغي للمسيحي أن يقدم من ممتلكاته المادية ليتسنى للآخرين أن يكرزوا ويعلّموا بالإنجيل حيث يقدر هو شخصياً أن يذهب.
الوكالة على الممتلكات
شدد المسيح كثيراً، في ما شدد عليه، على الإنسان وممتلكاته المادية. فإذ إنه عالم بطبيعته الأنانية، سعى إلى إنقاذ طغيان الأشياء المادية، وإلى اقتياده لاستعمال هذه الأشياء لإعانة الآخرين، مادياً وروحياً معاً. وقد تناول قسم كبير من العظة على الجبل موضوع المسيحي والمال (متى 6: 19- 34).
فبدلاً من جمع الكنوز على الأرض، ينبغي للإنسان أن يكنز كنوزاً في السماء؟ (الآيات 19- 21). وكيف يستطيع الإنسان أن يكنز كنوزاً في السماء؟ إنه يستطيع أن يفعل ذلك بوضع الكنوز عند أناس ذاهبين إلى السماء. ولا يليق بالمسيحي أن يكون نظره مزدوجاً، بأن يضع عيناً على السماء وعيناً على أمور الأرض.
"لا يقدر أحد أن يخدم سيدين [يكون لهما عبداً]؛ لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (الآية 24). فإن كلا السيدين يطلبان الولاء المطلق والخدمة الدائمة؛ ولا يستطيع المرء أن يُعطي الأمرين معاً لسيدين في وقت واحد. ومن الواضح أن المسيحي ينبغي أن يكون عبداً لله، فهو لا يستطيع أن يخدم الله والمال معاً، إلا أنه يستطيع أن يخدم الله بواسطة المال.
وينبغي للمسيحي المؤمن ألا يقلق كثيراً بشأن الماديات. لكن عليه بالأحرى أن يثق بالله لأجل الحاجيات ويُعنى كلياً بخدمة الله (الآيات 25- 32). فاهتمامه الأول يجب أن يكون منصرفاً نحو استخدام الحياة بكل ما فيها لتعريف الآخرين بحكم الله الملكي (الآية 33).
علم المسيح خُبث الأشياء المادية حين لا تُستعمل لمجد الله. ذلك هو مغزى مثل الغني الغبي (لوقا 12: 16- 21). فقد ضرب الرب هذا المثل في معرض الإجابة عن سؤال يتعلق بخلاف بين أخوين على ميراثهما (الآيات 13- 15). وحذّر المسيح الجميع من الطمع، أو الجشع، أي الرغبة في اقتناء المزيد. وخلاصة المسائل كلها واردة في الآية 20: "يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون؟". أما الشاب الغني فكان غبياً أيضاً لسببين: إنه كان يعتقد أنه يمتلك الأشياء، فيما الأشياء تمتلكه كل حين؛ ثم إنه يدل استخدام هذه الأشياء لخدمة الله والإنسان كان يكدّس المال ليختلف عليه وارثوه. أضف إلى هذا أن حادثة هذا الشاب الغني هي أيضاً مثل رائع على أن محبة المرء للمال واتّكاله عليه يُبعدان عن الله (لوقا 18: 18- 25).
وبيت القصيد في مثل وكيل الظلم الداهية هو أن على المسيحي المؤمن أن يستخدم وكالته على نحو يُتيح له عند وصوله إلى السماء أن يلقى ترحيباً من قِبل الذين يسبقونه إليها نتيجة لاستخدامه وكالته استخداماً صحيحاً (لوقا 16: 1- 9). على هذا المنوال يستطيع المؤمن أن يكنز له كنوزاً في السماء.
معيار الوكالة:
إن حقيقة كون كل شيء ينتمي إلى الله تعني أن كل شيء يجب أن يُستعمل لمجده. حتى المال الذي ينفقه المسيحي المؤمن على حاجاته الخاصة ينبغي أن يكون خدمه لله في حياة المؤمن. ولكن ما هو الجزء الذي يجب أن يُعطى في سبيل الدعم المباشر لعمل الله في العالم؟
علّم العهد القديم بوضوح أن عُشر الغلة (أي جزءاً من عشرة أجزاء) يُعطى للرب. والواقع أن ناموس موسى يشتمل على ثلاثة أعشار (لاويين 27: 30- 33؛ عدد 29: 39، تثنية 12: 5 و6). أما العُشر الأول فكان لتمويل اللاويين وخيمة الاجتماع. وأما العشر الثاني فكان لتوفير الطعام. أما العشر الثالث، وكان يُقدّم كل ثلاث سنوات مرة، فكان للإحسان. ويتكلم ملاخي عن "العشور والتقدمات" (3: 8)، مشيراً على الأرجح إلى العُشر الأول بالإضافة إلى التبرعات.
هل العشور مُلزمة بالنسبة إلى المسيحي المؤمن؟ هذه مسألة فيها نظر ما دامت العشور جزءاً من ناموس موسى. ولكن يجب أن نلاحظ أن العُشر سابق لهذا الناموس (تكوين 14: 18- 20؛ 28: 22). أضف أن الرب يسوع ما خفّض قط من مستوى وصية من العهد القديم. بل إنه رفع الوصايا من الحرف إلى الروح (متى 5: 20- 48). وقد أطرى الفريسيين على تقديم العشور، لكنه شجب انعدام الرحمة لديهم (متى 23: 23).
لا يذكر الكتاب المقدس شيئاً عن تقديم يسوع عشوراً. ولكن من المؤكد أن يوسف، وقد كان "باراً" (أي ملتزماً الناموس بحذافيره)، كان يقدم العشور. ويُحتمل كثيراً أنه علّم يسوع أن يقدّمها. ويسوع، بوصفه يهودياً، لم يخالف وصية واحدة من ناموس موسى. وقد كان التعشير تعليماً مألوفاً لدى الفريسيين. ومعلوم أنهم انتقدوا يسوع لتجاهله أصول السلوك عندهم، إلا أن الكتاب لا يذكر قط أنهم انتقدوه لعدم التعشير. كثير مما تقدم هو مجرد استنتاج، لكنه استنتاج لحقيقة متضمنة.
ولكن لا يفوتنا أساساً أن المسيح قد علّم أن الله هو المالك لكل شيء وما الإنسان إلا وكيل عنده، وأن كل شيء يجب أن يستعمل لمجد الله. وهو، له المجد، لم يعد التقدمة ولا وزنها، بل سبر غورها إلى المحبة الكامنة خلفها. ففي حادثة فلسي الأرملة (وهو مبلغ زهيد لا يكاد يساوي شيئاً)، لم يعلّق المسيح بشيء على تقدمات الأغنياء الضخمة، بل قال إن تلك الأرملة أعطت أكثر منهم جميعاً (مرقس 12: 41- 44). فهي ألقت "كل معيشتها" وربما باتت بلا عشاء تلك الليلة من جراء ذلك.
إن الرب يقيس العطية بحسب المحبة والتضحية اللتين تتضمنهما. فهو لا ينظر إلى ما يكون عند المرء قبل أن يُعطي، بل إلى ما يبقى عنده بعد أن يُعطي. وما من أحد يجوز أن يدّعي أنه تبرع بفلسي الأرملة ما لم يكن قد أعطى كل ما عنده. حقاً "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أعمال 20: 35).
تقدم كلمات بولس إلى كنيسة كورنثوس أُنموذجاً للعطاء المسيحي (1 كورنثوس 16: 2): "في كل أول أسبوع [يوم العبادة المسيحي] ليضع كل واحد منكم عنده خازنا ما تيسر حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ". لنلاحظ في الآية فترة الجمع، والأشخاص القائمين به، ومكانه، ونسبته، وإعداده، وغايته. والآيتان 3 و4 ترسمان الخطة لحماية المبلغ المجموع. إذاً، تنطبق الوكالة أيضاً على إدارة مال الرب.
يُشير بعضهم إلى أن بولس هنا لا يورد أي ذكر للعشر. إلا أن هذا النوع من التقدمات من شأنه أن يُقدّم لدعم عمل الرب بصورة عادية. فالمسألة المطروقة في هذا الفصل هي التقدمات المجموعة كهبة خاصة لإغاثة مؤمني أورشليم. غير أن المبدأ المرسوم هنا يُمكن أن يُطبّق على كل عطاء مسيحي.
"فحسبما جاء في الكتاب المقدس، يجب أن يتبرع المسيحيون المؤمنون من خبراتهم بسرور وانتظام، وبصورة منهجية ونسبية وطوعية، لأجل نُصرة قضية الفادي على الأرض".
للمراجعة والبحث
1- ما هو نطاق الوكالة في الكتاب المقدس؟ ضع لائحة تذكر فيها الأمور التي أنت وكيل عليها.
2- بأي معنى أنت مديون مسيحياً للآخرين؟ أذلك بسبب ما تناله منهم أم تناله من عند الله؟
3- هل ينبغي أن يكون العُشر هو الغاية أو نقطة الانطلاق في الوكالة المسيحية؟
4- تباحث مع الراعي أو رئيس اللجنة المالية بشأن الموازنة المالية في الكنيسة التي تنتمي إليها.
- عدد الزيارات: 8393