المسيحي والنظام الاجتماعي
كل مسيحي مؤمن هو تحت التزام بأن يسعى إلى إعطاء مشيئة المسيح المحل الأول في حياته الخاصة وفي المجتمع البشري. فالأساليب والوسائل التي تُستخدم لتحسين حال المجتمع وتوطيد العدالة بين الناس لا يمكن أن تكون نافعة بصورة حقيقية ودائمة ما لم تكن جذورها ضاربة في تجديد الفرد بنعمة الله المخلّصة في المسيح يسوع. وعلى المسيحي أن يعارض، بروح المسيح، كل نوع من أنواع الجشع والأنانية والرذيلة. وينبغي له أن يعمل لأجل سد حاجات اليتيم والفقير والمسن والمريض والمتروك.
وعلى كل مسيحي مؤمن أن يبذل جهده لتصير صناعة البلاد، وحكومتها، ومجتمعها ككل، تحت سيادة مبادئ البر والحق والمودة الأخوية. ولبلوغ هذه الغايات ينبغي أن يكون المسيحيون على استعداد لأن يعملوا مع ذوي الإرادة الحسنة لنصرة أية قضية عادلة، متنبهين دائماً إلى ضرورة التصرف بروح المحبة دون مساومة على ولائهم للمسيح وحقه.
خروج 20: 3- 17؛ لاويين 6: 2- 5؛ تثنية 10: 12؛ 27: 17؛ مزمور 101: 5؛ ميخا 6: 8؛ زكريا 8: 16؛ متى 5: 13- 16، 43- 48؛ مرقس 1: 29- 34؛ لوقا 4: 18- 21؛ يوحنا 15: 12؛ رومية 12- 14؛ 1 كورنثوس 5: 9- 10.
لا يؤمن المعمدانيون عموماً بإنجيل اجتماعي، ولا بأن ملكوت الله يمكن أن يؤتى به بمجرد الإصلاح الاجتماعي للفرد أو للمجتمع ككل. غير أنهم يؤمنون حقاً بإنجيل روحي ذوي مضامين اجتماعية، لهذا السبب يعتقدون أن "كل مسيحي مؤمن هو تحت التزام بأن يسعى إلى إعطاء مشيئة المسيح المحل الأول في حياته الخاصة وفي المجتمع البشري". فمن واجبه أن يصلّي- وأن يعمل- لأجل الغاية المعبر عنه بالدعاء "لتكن مشيئتك... على الأرض".
التجديد الشخصي عنصر أساسي
لما كان كل ظلم اجتماعي متأصلاً في الخطية الكامنة في القلب البشري، فإن الجهود الهادفة إلى تحسين النظام الاجتماعي وتوطيد العدالة يجب أن تنطلق من تجديد الإنسان الفرد. بهذه الطريقة وحدها تُثبت مثل هذه الجهود أنها ذات نفع صحيح ودائم. وقد صدق أحدهم إذ قال إن المسيح كان ثائراً، لكنه لم يكن داعية ثورة. فإنجيله إنجيل حياة، وقد كان دينامياً لا ديناميتاً (dynamic not dynamiet). ذلك أنه استهدف تغيير بطريقة بناءة ومسؤولة، لا بطريقة هدّامة ولا مسؤولة البتة.
انطلق المسيح من الإنسان الفرد إلى العمل في المجتمع. فهو مثلاً لم "يطوّق" سبيت زكا، بل دخله واقتاد صاحبه لأن يصير تلميذاً له. وبذلك حول العشار المحتال السارق إلى مفوّض ضرائب محسن (لوقا 19: 1- 10). وبينما كان نيقوديموس مواطناً نموذجياً، قال له المسيح مع ذلك إنه ينبغي أن يولد من الروح ليختبر ملكوت الله (يوحنا 3: 3- 8). وقد رفض المسيح مراراً وتكراراً أن يكون مسيحاً سياسياً وعسكرياً ومهتماً فقط بالأمور المادية (متى 4: 1- 4؛ 8- 10؛ يوحنا 6: 5- 15، 24- 85). بل إنه بالأحرى جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك (لوقا19: 10). ومع ذلك تبين تعاليمه بوضوح أنه كان يقصد تحويل أتباعه إلى مسيحيين تساعد حياتهم على تغيير النظام الاجتماعي إلى الأفضل (متى 5: 13؛ 7: 24).
لقد رفض المسيح بذل أي جهد لإقامة ملكوته بالعنف أو بالإصلاح الكُرهي المفروض من الخارج (متى 11: 12). وإنما كان قصده أن يفتدي أناساً ومن ثم يُرسلهم إلى المجتمع كي يغيروه بمقتضى مشيئة الله وطريقته. ويجب ألاّ يكون المسيحيّون من العالم، بل بالأحرى أن يكونوا فيه وأن يغيِّروه بحسب مقاصد المسيح (يوحنا 17: 15- 18).
المسيحي المؤمن والمجتمع
علّم المسيح بأنه ينبغي للمسيحي أن يكون في العالم ملحاً ونوراً. فوجود المسيحي بحد ذاته يجب أن يكون دينونة على كل ما هو فاسد وشرير. ومن الواجب أن يشعر الجميع بتأثير المؤمن عندما يعارض، بروح المسيح، كل شكل من أشكال الجشع والأنانية والرذيلة.
كان المسيح حرباً على كل نوع من أنواع الظلم يُلحقه الإنسان بالإنسان. وقد تكشّفت له الأنظمة الشريرة التي انتهكت كرامة الشخصية الإنسانية (كالعبودية). غير أنه هاجم تلك الأنظمة من الداخل، ساعياً إلى تغيير قلوب الناس بحيث يعيش المفديون معاً بسلام ومحبة (أفسس 2: 14- 22). وقد اتبع بولس، وهو أعظم شارح لكلام المسيح، المثال عينه (أفسس 6: 5- 9؛ فيلمون). والنموذج عينه يجب أن يتبع كل مسيحي حقيقي.
ومن الناحية الإيجابية، ينبغي للمسيحي أن يساهم في سد حاجات اليتامى والأرامل (يعقوب 1: 27)، وجميع الفقراء والمرضى والمتروكين (متى 25: 34- 40؛ لوقا 10: 25- 37). وعليه أن يبذل جهده لحمل المجتمع كله على الحياة بحسب مبادئ البر والحق والمحبة، إنما ينبغي له أن يفعل ذلك بوصفه مسيحياً، لا مجرد متطوع للخدمة الاجتماعية (يعقوب 2؛ 1 يوحنا 4: 7- 21).
المواطنية المسيحية
بينما المسيحي مواطن في ملكوت الله، هو أيضاً مواطن في بلد ما. وينبغي له أن يكون مواطناً صالحاً في كلا الوطنين (22: 21).
إن الحكومة هي مؤسسة مرتبة عن الله. ولذلك يجب أن تخضع كل نفس لسلطان الحكومة (رومية 13: 1). ربما لا يمكن للمرء أن يوافق دائماً على قانون من القوانين. ولكن مادام القانون لا ينتهك علاقة المسيحي المؤمن بالله، فعليه أن يطيعه (الآيات 2- 4). قد يطمح المؤمن إلى تغيير قانون ما، من طريق العمل المشروع، ولكن عليه أن يطيع القانون مادام معمولاً به، لا خوفاً من العقاب بل بدافع من ضميره المسيحي (الآية 5). حتى لو اضطر المؤمن إلى احتمال الآلام وهو يطيع القانون، فيجب أن يكون ذلك في سبيل إيمانه، لا كمذيب (1 بطرس 4: 15 و16).
وقد عاش المسيحيون على مر العصور في ظل أنواع شتى من الحكومات. وقد لقوا الاضطهاد إبان حكم كثير منها، كما تمتعوا بالبركة في ظل أخرى. ولكن مهما كان شكل الدولة، تظل كلمات المسيح واضحة وصريحة: "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات" (متى 5: 16).
التعاون الاجتماعي
في سبيل إحداث أبلغ الأثر في المجتمع "ينبغي أن يكون المسيحيون على استعداد لأن يعملوا مع ذوي الإدارة الحسنة لنصرة أية قضية عادلة، متنبهين دائماً إلى ضرورة التصرف بروح المحبة دون مساومة على ولائهم للمسيح وحقه".
وفي سبيل بلوغ هذه الغاية ما برح المعمدانيون يعملون، على مر السنين وإلى جنب هيئات مختلفة، على حل المشكلات الاجتماعية ذات الاهتمام المشترك.
للمراجعة والبحث
1- ما الفرق بين إنجيل اجتماعي وإنجيل ذي مضامين اجتماعية؟
2- أعلى المسيحي أن يطيع فقط القوانين التي يوافق عليها؟ متى يكون مبرراً في رفضه إطاعة قانون ما؟
3- ما هي بعض الطرائق الإيجابية التي بها يستطيع المسيحي أن يحسّن النظام الاجتماعي؟
4- على أي أساس ينبغي للمعمداني أن يعمل مع جماعات أخرى في المجال الاجتماعي؟
- عدد الزيارات: 5830