الفصل الثالث: شهود ضد المسيح - نظرية يسوع رئيس الملائكة
نظرية "يسوع رئيس الملائكة"
قالوا: "هنالك صلة بين يسوع ومركز رئيس الملائكة. تذكر ١ تسالونيكي ٤:١٦ ... «الرب نفسه سينزل من السماء بنداء آمر، بصوت رئيس ملائكة»... تصف صوت يسوع بأنه صوت رئيس ملائكة... يسوع هو ميخائيل رئيس الملائكة ".
" يُخبر الكتاب المقدس أن «ميخائيل وملائكته حاربوا التنين ... وملائكته». (رؤيا ١٢:٧) ... ويسوع أيضا موصوف في سفر الرؤيا بأنه قائد جيش من الملائكة الأمناء. (رؤيا ١٩:١٤-١٦) ".
"والرسول بولس يذكر بالتحديد «الرب يسوع» و «ملائكته الأقوياء». (٢ تسالونيكي ١:٧)...كلمة الله لا تذكر مطلقا أن هنالك جيشين من الملائكة الأمناء في السماء، واحد بقيادة ميخائيل والآخر بقيادة يسوع، فمن المنطقي أن نستنتج أن ميخائيل هو نفسه يسوع المسيح في دوره السماوي."[45]
نقول: لقد تاهوا في مفهومهم لشخص المسيح وتضاربت آراؤهم. فتارة يدعونه "إلهاً" وتارة أخرى "ملاكاً". وإني استهل الرد بتوضيح موقفنا من نظرية "المسيح الملاك"، ثم استعرض أسباب رفضنا لها:
1 - الآية المشار إليها (1 تسالونيكي 4 : 16) لا تُبّين في حال من الأحوال أن صوت رئيس الملائكة هو صوت المسيح، ولا إشارة إلى ذلك في مجمل الترجمات العربية:
ترجمة فانديك: "لأن الرب نفسه بهتافٍ، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء".
اليسوعية: "لأن الرب نفسه، عند إعلان الأمر، عند انطلاق صوت رئيس الملائكة والنفخ في بوق الله، سينزل من السماء".
المشتركة: "لأن الرب نفسه سينزل من السماء عند الهتاف ونداء رئيس الملائكة وصوت بوق الله".
البولسية: "لأن الرب نفسه، عند إصدار الأمر، وعند صوت رئيس الملائكة، وهتاف بوق الله، سينزل من السماء".
الحياة: "لأن الرب نفسه سينزل من السماء حالما يدوي أمرٌ بالتجمع، وينادي رئيس ملائكة، ويبوق في بوق إلهي".
جميع الترجمات، ومن ضمنها ترجمتهم، لا تجيز الاستنتاج بأن المسيح هو ميخائيل، لكنها تعلن ثلاثة أفعال ترافق مجيئه: هتاف، وصوت رئيس الملائكة، وبوق الله. مع عدم التأكيد أن المسيح هو الفاعل في واحدة منها. فإن نسبنا له "صوت رئيس الملائكة" انبغى أيضاً أن ننسب له "الهتاف" و "بوق الله"، فالأفعال الثلاثة في حلقة متصلة لا يفصلها في الأصل اليوناني نقطة أو فاصلة، إذ لا علامات وقف أو حروف ابتداء في اليونانية القديمة. لكن كلمة الله تقف حائلاً دون ذلك، فتؤكد أن النفخ بالبوق هو من عمل الملائكة، كما في القول "ويبصرون ابن الإنسان آتيا...فيرسل ملائكته ببوق عظيم"(متى 24 : 31 )، وفي هذا تمييز واضح بين المسيح والملائكة.
2 - الآية في تسالونيكي الثانية تقول: "عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته"، وهي كسابقاتها ليس فيها ما يدل على كون المسيح هو ميخائيل رئيس الملائكة، فاستنتاجهم مبني على أوهام وظنون.
3 - لا علاقة أو تشابه بين الأشخاص في الرؤيا. ففي الإصحاح 12 يُذكر ميخائيل باسمه الحرفي، بينما الإصحاح 19 يأتي الحديث عن شخص راكب على فرس أبيض، اسمه "كلمة الله" الصادق الأمين، "متسربل بثوب مغموس بالدم"علامة الفداء، وعلى فخده اسم "رب الأرباب وملك الملوك" وهو سيرعى الأمم بعصا من حديد . فهل هذه صفات وأعمال الملاك ميخائيل ؟
4 - وظنوا أن الأجناد في رؤيا 12 هي ذاتها في رؤيا 19، ثم قالوا باستحالة وجود قائدين لجيش واحد؛ وعليه استنتجوا، بكل بساطة ومن غير تكلّف، أن قائد الجيش في رؤيا 19 هو نفسه في رؤيا 12 أي ميخائيل. لكن السياق يعلن حقيقة ناصعة تتعلق بالأجناد التابعة لراكب الفرس الأبيض. فيصفهم "لابسين بزا أبيض ونقيا"، والثوب الأبيض علامة البر والقداسة التي تميز كنيسة المفديين. والعدد 8 يؤيد ذلك بالقول عن الكنيسة عروس المسيح "وأعطيت أن تلبس بزا نقيا بهيا، لأن البز هو تبررات القديسين". فليس من شك البتة أن الأجناد في رؤيا 19 هم جماعة المفديين وليسوا أجناد من الملائكة. هذا الحق يتأكد لنا عند الرجوع للقرائن، وفيها القديسون الأبرار يرافقون المسيح في مجيئه الثاني مع الملائكة. "مجيء ربنا يسوع المسيح معجميع قديسيه" ( 1 تسالونيكي 3 : 13 ). "متى اظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون انتم أيضا معه في المجد"( كولوسي 3 : 4 ). فالملائكة والمؤمنون بالمسيح سوف يأتون معه.
منذ بدايتها قاومت الكنيسة وأبعدت كل فكرة عن "يسوع الملاك" للأسباب التالية:
1- لأنه المخلّص، ولا يجوز بالتالي أن يكون مخلّص البشرية وحامل ذنوبها ملاك، وإلا لكان الخلاص غير مضمون، لكون الملاك معرضاً كالإنسان للسقوط في الخطية (2 بطرس 2: 4). كذلك لو كان يسوع مجرد ملاك وليس هو الله، لا تعود ذبيحة جسده على الصليب قادرة على تكفير كامل ذنوب البشرية.
2 - لأنه كلمة الله، الذي به أعلن الله ذاته لخليقته وعبّر لهم عن فكره ومحبته. فإن سلّمنا أن كلمة الله هو ملاك، يكون الله، وحاشاه من هذا، إلهاً ضعيفاً يتحكم به ملاك. ثم إن الكلمة هي لسان حال صاحبها التي تعلن ذاته؛ وعليه فإن المعلن لذات الله يجب أن يكون كلمته. "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر" (يوحنا 1: 18 ).
3 - لأنه اللاهوت متجسدا، وقد قال الرسول بصريح العبارة "الله ظهر في الجسد"، وليس ملاكاً (1 تيموثاوس 3: 16). وفيه "يحل كل ملء اللاهوت جسديا "( كولوسي 2 : 9)، وما "كل الملء" إلا الله بملئه.
4 - لأن الآب أشرك الابن في كل أمجاده، وكل ماله هو لابنه (يوحنا 17: 10)، وقد جعله "وارثا لكل شيء"(عبرانيين 1: 2)، وهو الجالس مع الله على عرش واحد يقال له "عرش الله والحمل"(رؤيا 22: 1). فإن جاز قول الشهود، أن المسيح هو ميخائيل، يكون الله قد أشرك ميخائيل في أمجاده، وهذا لا يعقل.
5 - لأنه الخالق، الذي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان"( يوحنا ٣:١ )، ومن يقول أن ميخائيل هو الخالق يجيز للخلائق عبادة خالقها الملاك، وهذا إجحاف.
6 -لأنه المتسلط على العالمين. وقد جاء في كلمة الله: "فإنه لملائكة لم يخضع العالم العتيد الذي نتكلم عنه" (عبرانيين 2: 5). أما عن المسيح فقيل: "وأخضع (الآب) كل شيء تحت قدميه" (أفسس 1: 22). لذلك من المحال أن يكون المسيح، "الذي هو في يمين الله...وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له" (1 بطرس 3: 22) مجرّد ملاك.
7 - لأن كلمة الله تميزه عن ميخائيل، فتأتي إلى ذكرهما في آية واحدة "وأما ميخائيل رئيس الملائكة، فلما خاصم إبليس ... قال: لينتهرك الرب" (يهوذا 9). وللتعتيم ترجموا العبارة الأخيرة "لينتهرك يهوه"، رغم غياب الاسم يهوه في الأصل اليوناني الذي يستخدم كلمة "كيريوس"، أي الرب. لكن مع ذلك تبقى الحقيقة ناصعة، إذ أن الصيغة الكلامية التي يستخدمها ميخائيل تدل على ضعف وعجز في القدرة الذاتية على مقاومة إبليس، وهذه ليست من صفات ابن الله الذي مجرد حضوره يرعب إبليس وأجناده.
8 - لأنه المعبود والمستحق لكل سجود. "وأما عن الابن: كرسيك يا ألله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك" هو "أعظم من الملائكة" (عبرانيين 1: 4)، والكلام يشمل أيضا ميخائيل. وأيضا "لتسجد له كل ملائكة الله" (عب 1: 6)، بما فيهم ميخائيل. "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك ... ثم لمن من الملائكة قال قط اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك"(عب 1 : 5 ، 13). هو السيد الجالس "على كرسي عال ومرتفع" (اشعياء 6: 1) وفي محضره الملائكة تخدم وتسجد. ولا يترك يوحنا مجالاً للشك، فيشرح بالقول: "قال اشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه".(يوحنا 12 : 41 ). فالابن أعظم من الملائكة وميخائيل بما لا يقاس، والملائكة بكل رتبها تسجد وتسبح له، فهل يجوز بعد ذلك القول، أن المسيح هو ميخائيل؟
والبشر أيضا قدمت له السجود، فالمجوس"خروا وسجدوا له" (متى 2: 11)، "والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له" (متى 14 : 33)، والمريمات "أمسكتا بقدميه وسجدتا له" (ومتى 28: 9 )، والتلاميذ "سجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم" (لوقا 24: 51و 52). لم يرفض المسيح ولا في مرة واحدة السجود المُقدم لشخصه، بينما الملاك يرفضها في الرؤيا 19 و 22، مما يدل على عظم الفرق بين الملاك، مهما فاقت رتبته، والمسيح الذي تسجد له الملائكة والبشر. فإن لم يكن المسيح هو الله، كيف يمكن التوفيق بين التحذير "لا تسجد لإله آخر"، وبين إعلانات العهد الجديد عن صحة السجود للمسيح؟
في ختام هذه المسألة يأتي القول من دانيال، "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه,فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دانيال 7: 13– 14). من قال، أن كل الشعوب تتعبد لميخائيل إلى الأبد، يكون قد بلغ من الانحراف أقصاه. وبهذا يكون زعمهم عن " يسوع الملاك" هو الآخر قد أبطل، لأنه غير مؤسس على كلمة الله.
تجسّد المسيح وطبيعته
تعمُّداً يتغاضى الشهود عن كل ما يشير في كلمة الله إلى طبيعة اللاهوت في المسيح ويحرصون أن يلفتوا أنظار الناس إلى النصوص التي تشير إليه كابن الإنسان المعين من الله ملكاً ونبياً وكاهناً، ليبرهنوا أنه مجرد إنسان عادي كسائر البشر.
قالوا: "لم يكن يسوع نصف إله ونصف إنسان، ولم يكن الله في الجسد. كان عليه أن يصير إنساناً كاملاً لا أكثر ولا أقل. فإن الله القادر على كل شيء جرد الابن من وجوده السماوي ونقل حياته إلى رحم مريم. وهكذا لم يكن يسوع خليطاً ولم يكن شخصاً روحانياً مسربلاً بجسد، لكن يوحنا 1: 14 يقول إنه "صار جسداً" أو جُعل جسداً. لقد كان إنساناً بكليّته." [46]
نقول: لم يؤمن المسيحيون يوماً بمسيح هو نصف إله ونصف إنسان، أو خليط من لاهوت وناسوت، بل بالحري بالمسيح الإله الكامل والإنسان الكامل بكل ما للكلمة "كمال" من معنى، مستندين بذلك على إعلان الكتاب، بأن "كل ملء اللاهوت" حلّ في المسيح جسدياً، لا نصفه ولا جزء منه (كولوسي 2: 9). لكن على الرغم من حلول اللاهوت في الجسد واتحاده به كلياً، لم يحدث اختلاط أو امتزاج بين الطبيعتين أو يطرأ أي تغيير على اللاهوت. فالآية "والكلمة صار جسداً" لا تفيد تحول الابن إلى جسد، بل بالحري اتخاذه جسداً واتحاده به تماما ًمن غير أن يلاشي الناسوت اللاهوت أو العكس.
يؤكد اغسطينوس هذا الحق بقوله عن المسيح: "هو لم يصر إنسانا بطريقة جعلته يخسر ما هو الله بل أضيف الإنسان له دون أن يخسر الله". والرب نفسه يؤكد لنا من فمه الكريم أنه لم يجرد نفسه من الوجود السماوي، بل كان رغم وجوده على الأرض حاضراً أيضاً في السماء (يوحنا 3: 13). فليعلم شهود يهوه أن مسيحنا لا يتغير في طبيعته من إله إلى ملاك إلى إنسان، لكنه يبقى "هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عبرانيين 13: 8)، وامتلاكه لطبيعتي الناسوت واللاهوت أمر جوهري يتوقف عليه خلاص البشرية. وفي الرد على آريوس الهرطوقي يقول اثناسيوس أسقف الإسكندرية "أن الألوهية دون بشرية لا تخلص، والبشرية دون ألوهية لا تفدي".
قالوا: "وبما أنّه أولاً، إنسان كامل كما كان آدم، دُعي يسوع آدم الأخير (1كورنثوس 15: 45)...فكان معادلاً لآدم". [47]
قلنا: ليس المقصود بتسمية المسيح "آدم الأخير" معادلته بآدم من حيث الطبيعة والكمال البشري، لأنّ المسيح ابن الإنسان يسمو عن آدم كلّ السمو للأسباب التالية:
آدم |
|
سماوي مولود من عذراء |
أرضي مخلوق من التراب |
صورة الله الحقيقية |
خلق على صورة الله |
تغلب على تجارب إبليس |
سقط في تجارب إبليس |
وهبنا بفدائه الحياة |
أورثنا بمعصيته الموت |
بناءً على عظم الفرق بين المسيح وآدم يكون المقصود بتلقيبه "آدم الأخير" الإعلان عنه بصفته المتقدّم على خليقة الله الروحية تماماً كما كان آدم المتقدّم في الخليقة الترابية. ويوضح النص الذي أشاروا إليه أن "الإنسان الأول من الأرض ترابي؛ الإنسان الثاني الرب من السماء. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي" (1 كورنثوس 15: 47 و49).
موته وقيامته
قالوا: "لو أنّ المسيح هو الله لكان الله قد مات لثلاثة أيام؛ ويا لها من فرصة عظيمة يتسلّم فيها الشيطان السلطة على الكون. ثم لو كان المسيح هو الله، فلمن وجّه هده الصرخة على الصليب: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" وإضافة إلى ذلك كلّه، هل الله يموت؟"[48]
الردّ: اختبر المسيح الموت بصفته ابن الإنسان، ومشهد الصليب هو عن يسوع، رجل الأوجاع والأحزان، حمل الله الذي ارتضى طوعاً أن يرفع خطية العالم بالموت. وإذ أخذ المسيح موضع الخطاة، كابد في جسده الطاهر قصاص الخطية بديلاً عنا، وهكذا عانى فراق الآب له واختبر مرارة الوحدة وتحمّل الآلام المبرحة. وبحقّ قيل فيه: "مجرّب في كل شيء مثلنا بلا خطية...لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين" (عبرانيين 4: 15 ؛ 2: 18).
لكننا نقول، رغم أن الذي قام بعملية الفداء والخلاص كان يسوع الإنسان، إلا أن الله الذي كان فيه، مع أنه لم يصلب أو يموت، فقد قبل حكم الصلب والموت في الناسوت. وهكذا يكون الله بثالوثه الآب والابن والروح القدس قد اشترك في الخلاص؛ وعليه فإن الدم المسفوك على الصليب هو دمه (أعمال 20: 28). ويجدر بنا أن نقر بعجزنا عن إدراك كل ما يتعلق بموت المسيح، فهو يبقى، بالرغم من كل الشروحات والتفسيرات، سراً نعجز بعقولنا المحدودة عن سبر أغواره، ولذا ينبغي لنا أن نقبله بالإيمان.
قالوا: "يسوع مات فعلا وكان في حالة عدم الوعي في القبر".[49]
نقول: المنطق البشري والروحي يخطئان هذا الكلام. وكما أسلفنا، المسيح مات بناسوته وليس بلاهوته، فلا سلطان للموت على اللاهوت. أما اعتقادهم بأن المسيح تحول كليا من إله إلى إنسان فقد أظهرنا بطلانه. وليس من دليل كتابي لدى شهود يهوه يؤكد نظريتهم هذه، كما ولا إشارة في كلمة الله عن مصير جسد المسيح مابين الصلب والقيامة، فنرى أنهم يبنون على ظنون وتخمينات. كل ما لدينا من معرفة في هذا الشأن مصدرها قول المسيح للص قبيل تسليم الروح "اليوم تكون معي في الفردوس"، وهذا القول يهدم نظريتهم بالتمام ( لوقا 23 : 43 ) .
قال تشارلز رصل: "في الصليب أبيدت طبيعة المسيح البشرية- وفي القيامة نال المسيح روحاً إلهية وجسداً إلهياً ورفع إلى مستوى الله"، ويعلّل عدم عثور التلاميذ على جسد المسيح في القبر بالقول: "رفع جسد يسوع بمعجزة من القبر...تحلل وأصبح غازاً". [50]
نقول: يدحض الرب هذا المعتقد في حديثه مع اليهود فيشير إلى قيامته في الجسد بالقول: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه". ولو أن الكتاب المقدس توقف عند هذه الكلمات لصار لنا حق الأخذ بتعليم رصل، لكن الوحي يتابع موضّحاً ومؤكّداً: "وأمّا هو فكان يقول عن هيكل جسده" (يوحنا 2: 19 و21). وفي موضع آخر يصف الوحي ظهور المسيح في الجسد لتلاميذه فيقول: "جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً"، لكن يسوع طمأنهم بالقول: "جسّوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه...فأخذ وأكل قدّامهم" (لوقا 24: 37، 39 ، 40، 43). وكذلك توما أيضاً تحقق من قيامة يسوع في الجسد إذ دعاه الرب أن يبصر يديه وأن يلمس جنبه فخرّ أمامه قائلاً له: "ربي وإلهي".
قالوا: "لقد اتّخذ يسوع جسداً لحمياً، على غرار الملائكة في ما مضى. ولكي يقنع توما بشخصه استعمل جسماً بثقوب جروح فظهر أو بدا بشراً كاملاً، قادراً على الأكل والشرب". [51]
نقول: على الرغم من سخافة الاعتراض فهو لا يخلو من التهكّم، إذ يفهم منه، أن الرب أدى دور الممثل باتخاذه جسد مشابه للذي صلب به لكي يخدع تلاميذه ويقودهم إلى الإيمان بقيامته. وهكذا كرز الرسل والمؤمنون بالمسيح من بعدهم طيلة 19 قرناً بقيامة المسيح في الجسد، هذه القيامة التي، على حد قولهم، لم تكن إلا خدعة اكتشفها في الأزمنة الأخيرة المدعو تشارلز تاز رصل.
اعتراض: "لم يأخذ ثانية حياة بشرية، لأنّ ذلك يعني استرداد ثمن الفدية". [52]
الردّ: إن الفداء لم يتمّ بموت المسيح فقط، بل وبقيامته أيضاً (1 كورنثوس 15: 17). ولو أن المسيح لم يقم بجسده الذي بذله عنّا لكان مثله مثل الذبائح الحيوانية التي عجزت عن إحراز رضا الله. لكن شكراً لله، لقد قام منتصراً على الموت "ولا رأى جسده فاسداً" (أعمال 2: 31). وفي هذه الآية بالذات حجة دامغة ضد قولهم بتحلل جسد المسيح.
قالوا: "في اليوم الثالث أقامه يهوه شخصياً إلى الحياة الروحانية ومنحه خلوداً، وأعطاه مجدا أعظم مما كان له سابقا". [53]
نقول:
1 - لا اعتراضا لدينا على القول، إنّ الله أقام المسيح. ولكننا إلى جانب هذا نؤمن بسلطان ابن الله وقدرته على إقامة نفسه من القبر، ولنا برهان قاطع على ذلك في كلمة "أُقيمُه"، من قوله السالف، كما في قوله عن حياته: "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها" (يوحنا 10: 18).
2 - إن المسيح لا يحتاج لأن يعطيه الله خلوداً وحياة أبدية، إذ إنّه ربّ الحياة ورئيسها (أعمال 3: 15)، الذي "فيه كانت الحياة" (يوحنا 1: 4). فزعمهم أن الله أعطاه خلوداً هو طعن قبيح في أزليّة المسيح.
3 - إنّ الله لم يرفع ابنه من ناحية اللاهوت إلى درجة العظمة التي لم تكن قبلاً، لأن المسيح هو واحد مع الآب في الجوهر، وقد كان ممجداً عنده قبل إنشاء العالم، ولم يكن محتاجاً بأي حال من الأحوال إلى الرفعة والعظمة لأنها كانت أصلاً ملكه (يوحنا 17: 5). لكنّ الله رفع ابنه ومجده بصفته يسوع ابن الإنسان الكامل الذي أطاع حتى الموت موت الصليب (فيلبي 2: 9). وأضحى هو الشخص الأعظم المذخر فيه كلّ معاني الإنسانية وآمالها وأمجادها وانتصاراتها، وصارت قيامته رمز انتصارنا ومنبع رجائنا وأساس فخرنا، وسنبقى نحتفل بها أبداً.
اعتراض: "الأسفار المقدسة لا توصي ولا تجيز الاحتفال بقيامة يسوع. لذلك فإن الاحتفال بقيامة يسوع...أمر ينم عن عدم ولاء".[54]
الرد: لقد تعرض المسيح في كل أمجاده إلى طعنهم ولم يسلم من تحقيرهم شيئاً. إن الدلائل الكامنة في موقفهم من أمجاد المسيح هي بالنسبة للمسيحي أقوى بما لا يقاس من أية دلائل أخرى على انتمائهم للماسونية وغيرها من عبادات روحانية غامضة. وإننا هنا نلمس بكل وضوح روح ضد المسيح، الذي يسوقهم باستمرار إلى تحقير رب المسيحيين والتهجم على المسيحية ورموزها وأعيادها.
- عدد الزيارات: 15073