الفصل الرابع: شخصية الروح القدس
إنّ مفهوم شهود يهوه لشخصية الروح القدس يختلف تماماً عن مفهوم المسيحيين له. وكما جرّدوا ابن الله في أذهانهم من مجده وجلاله وأنزلوه إلى مستوى الملائكة والبشر، هكذا فعلوا بالروح القدس الذي هو واحد مع الآب والابن في الجوهر.
قوة فعّالة أم كائن حي؟
قالوا: "أمّا بالنسبة للروح القدس...أنه ليس شخصاً، بل قوة الله الفعّالة - ليهوه جسم، لكنه ليس كجسمنا. يقول الكتاب المقدس: «الله روح."... ولكن ما هو الروح القدس؟ انه ليس شخصا كالله. وبالأحرى، هو قوة الله الفعَّالة". [68]
كلام لا ينطق به قارئ للكتاب المقدس مهما تدنى مستواه الروحي وعلمه الكتابي. وللرد نقول: أنّ الله لا جسم له، كما أن الروح القدس ليس مجرد قوة فعّالة أو تأثير أو طاقة، وإنما أسمى من ذلك بكثير. فهو يتّصف بكل صفات الشخص العاقل، وما القوة إلا إحدى صفاته الكثيرة. و فيما يلي بعض ألقابه وصفاته وأعماله، كما يذكرها الكتاب المقدس:
1 - ألقابه: "روح الآب" (متى 10: 20)، "روح الابن" (غلاطية 4: 6؛ 1 بطرس 1: 11)، "روح الحياة" (يوحنا 6: 63؛ رومية 8: 2)، "روح الحق" (يوحنا 15: 26)، "روح الحكمة والإعلان" (أفسس 1: 17)، "روح المجد" (1 بطرس 4: 14).
2 - صفاته: الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة (أشعياء 11: 2).
3 - أعماله: يعزّي يعلّم ويذكّر ويرشد ويتكلّم ويبكّت ويمكث مع المؤمنين (يوحنا 14؛ 16و17و26؛ 16: 7و8)، ويحزن (أفسس 4: 30)، ويعمل في إحياء الخطاة وتجديدهم (تيطس 3: 5) يسكن في المؤمنين ويشهد لأرواحهم أنهم أبناء الله (رومية 8: 16). يدعو الرسل ويرسلهم (أعمال 13 : 2-4).
أيجوز أن تكون هذه كلّها من خصائص قوة فعّالة أو طاقة كالكهرباء أو الماء أو الريح؟ وهل للطاقة مشاعر وأحاسيس كالتي للشخص العاقل، فتتكلّم وتحب وتحزن؟
قالوا: "والناس يجري حثهم على الامتلاء بالروح القدس ... بالطريقة نفسها التي بها يمتلئون بصفات كالحكمة، الإيمان، والفرح ( أعمال 6:3، 11:24،13:52)".[69]
نقول: الروح القدس ليس مجرد صفة بل هو شخص، وما الحكمة والإيمان والفرح والسلام والمحبة سوى البعض من صفاته وثماره، (غلاطية 5: 22).
اعتراض: "عندما جعل الله ابنه يسوع المسيح يسكب الروح القدس على التلاميذ...فهل امتلئوا من شخص؟ كلاّ بل من قوة الله الفعّالة- أعمال 2: 4، 33."[70]
الردّ: إن أهم وظائف الروح القدس على الأرض هي تمجيد المسيح في الكنيسة وتوحيد المؤمنين في عبادتهم. وهذه لا تتمّ إلا بسكناه فيهم، لذلك يقول الرسول: "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (1كورنثوس 6: 19)، "وأمّا أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكناً فيكم" (رومية 8: 9). لكن هذا الحق لا يروق لمعشر شهود يهوه لأنه يتعارض مع منطقهم البشري تماماً؛ وبدلاً من تغيير مفهومهم ليتوافق مع كلمة الله حرّفوا كلمة الله لتوافق مفهومهم. فحولّوا في ترجمتهم للكتاب المقدس العبارات التي تقول إنّ "الروح القدس فينا" إلى العبارة "في اتحاد معنا". وللتوضيح نقول، إن الميت لا يحيا بوجود إنسان حي قربه، لكنه يحيا إن سكنت فيه حياة الحي. وهكذا فإن الأموات بالذنوب والخطايا لا يحيون بوجود الروح معهم بل بسكناه فيهم.
الله روح والروح القدس هو الله
قالوا: "يخبرنا الكتاب المقدس...بأنّ الله روح (يوحنا 4: 24)...وقد أنجز الخليقة، لا بأدوات كالتي يستعملها الناس، بل بروحه القدوس، الذي هو قوّته الفعّالة غير المنظورة." [71]
الرد: اقروا أن الله روح، ثم قالوا أن الروح قوة فعالة، وبهذا جعلوا من الله مجرد قوة. نرى في هذا الرأي عن ذات الله خليطاً من المسيحية والوثنية، بل هو توافق فكري مع الغنوسيين وفلاسفة الإغريق كأفلاطون وأفلوطين وغيرهم في اعتقادهم أن قوة ما انبثقت عن الله وخلقت العالم المادي. أما الكنيسة فقد آمنت بالله غير القابل للتغيّر والتفكّك في ذاته وتمسّكت بالحق القائل، أنّ الروح هو نفسه الله، وليس قوة خارجة عنه. وهذا الإيمان مؤسّس على إعلانات الله في كتابه العزيز. وأشير إلى بعض النصوص التي تتجلّى فيها منزلة الروح القدس كالله القدير:
1 - "فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس...أنت لم تكذب على الناس بل على الله" (أعمال 5: 3و4). واضحٌ من مقارنة الشطر الأول والأخير، أن الروح القدس الذي كذب عليه حنانيا ليس مجرّد قوة، بل هو الله ذاته.
2 - حذّر موسى الشعب قديماً من العصيان والتمرّد على الله فقال لهم: "لأني أنا عارف تمرّدكم ورقابكم الصلبة...قد صرتم تقاومون الرب" (تثنية 31: 27). لكن عندما وقف استفانوس أمام المجمع اليهودي وذكّرهم بعصيان آبائهم هذا، جعل الروح القدس موضع الله بالقول: "أنتم دائماً تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك أنتم" (أعمال 7: 51). فهذا أيضاً كبطرس الذي أشرنا إليه من قبل لم يفرّق بين الله وروحه إذ أنهما ذات واحدة وجوهر واحد.
3 - يصف أشعياء ظهور الرب له، فيقول: "ثم سمعت صوت السيد قائلاً من أرسل ومن يذهب من أجلنا. فقلت هاأنذا أرسلني" (أشعياء 6: 8 و9). لكن حين أشار الرسول بولس إلى هذا النص لم يقل: "كلّم الله آباءنا"، بل "حسناً كلّم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبي" (أعمال 28: 25 و26). فبولس أيضاً، كبقية الرسل والتلاميذ آمن بأن الروح القدس هو الله ذاته. وهذا الإيمان المبارك عينه سلّمه الرسل لمؤمني العصور اللاحقة إلى أن وصل إلينا. فنحن نتمسّك بإعلانات الله "كما سلّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة" (لوقا 1: 2).
4 - تكلّم المسيح عن الروح القدس بصفته "المعزّي" الذي يرسله إلينا من عند الآب (يوحنا 14: 26). والمعروف أنّ تعزية المؤمنين عمل خاص بالله وحده، الذي هو "أبو الرأفة وإله كلّ تعزية الذي يعزّينا في كلّ ضيقتنا" (2 كورنثوس 1: 3 و4). وقد قال جلّ اسمه: "أنا أنا معزّيكم" (أشعياء 51: 12). فلا ريب أبداً بأن الروح القدس المعزّي هو شخص الله ذاته.
5 - اقتبسنا في ما سلف آيات تدلّ على سكنى الروح القدس في المؤمنين بالمسيح. ويوضح الوحي في أماكن أخرى أنّ الساكن في المؤمنين هو الله، فيقول: "فإنّكم أنتم هيكل الله الحي كما قال الله إني سأسكن فيهم" (2 كورنثوس 6: 16). وفي هذا إعلان صريح، أن الروح القدس هو الله.
6 - وقد حاز الروح القدس الصفات والأمجاد التي يملكها الآب والابن. فهو "الرب" (2 كورنثوس 3: 17 و18)، "الأزلي" (عبرانيين 9: 14)، "القدير" (زكريا 4: 6)، "الحق" (1 يوحنا 5: 6)، "الحي" (2 كورنثوس 3: 3)، "العليم بكل شيء" (1 كورنثوس 2: 10)، "الموجود في كل مكان" (مزمور 139: 7 و8).
7 – ومن أعماله التي تجعله بلا منازع مساو لله، أنه مصدر المسحة والقوة والسلطان، "مسحه الله بالروح القدس والقوة" (أعمال 10: 38) "فرجع يسوع بقوة الروح" (لوقا 4: 14) "لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس" (رومية 15: 13) "بقوة آياتٍ وعجائب بقوة روح الله" (رومية 15: 19). "ببرهان الروح والقوة" (1كورنثوس 2: 4). ونرى هنا أن الكتاب يقول تارة "قوة روح الله" وتارة أخرى "قوة الروح القدس"، مما يعلن أنه الله ذاته.والآيات تميز بشكل واضح بين الروح كشخص وبين القوة كصفة.
أمام هذه الإعلانات الكتابية عن شخصية الروح القدس لا يبقى أيّ مجال للشك أو للاعتراض على كونه الله ذاته، وتكون دعوى الشهود، بأنّ المسيحيين نسبوا اللاهوت للروح القدس بقصد تثبيت عقيدة الثالوث، محض افتراء.
- عدد الزيارات: 7378