الإصحاح الحادي والأربعون: لوياثان – كبرياء المخلوق ظاهرة تماماً - تحليل أجزاءه المختلفة
(ع 12- 24) تحليل أجزاءه المختلفة.
وإذ نأتي إلى التفاصيل نرى الرب. يبين ليس فقط أن هذا الحيوان جامح لا يقاوم في مجموعة، بل إن كل واحد من أعضائه يعلن عن القوة ذاتها، المنتصرة على طول المدى. وإذ نبدأ بفمه المخيف بما يحتويه من أسنان قاطعة حادة، يعلمنا الرب أن لها جميعاً نفس الطابع المميز، والحرشف الذي على رأسه وجسمه هو كفخر متكل الكبرياء. سلاح لا يمكن لشيء أن ينفذ من خلاله "فخره أتراس (أو مجان) مغلقة محكمة كما بخاتم قريب وثيق" – وكل واحد متصل بالآخر بحيث لا يمكن للسهم أن ينفذ من بينها، بل إن عطس هذا الكائن يشبه الضوء الكبريتي متصاعداً من نيران مخبوءة في داخله (ع 18-21)، وعيناه تومضان كأشعة الشمس الخارجة من خدرها، وفمه – مثل خيل البوق السادس (رؤيا 9: 17) تخرج من "نار ودخان وكبريت". أما عنقه فهو مكمن القوة، يجعل اليأس – لا الفرح – يرقص أمامه: ذلك أنه نذير البؤس، وهذا هو مفهوم العدد (22) "في عنقه تبيت القوة وأمامه يرقص الهول". أما خاصرتاه – وهما في كل الحيوانات عرضة للسهام السهلة لأنهما لا تغطيهما عضلات. فإنهما متماسكتان ولا يمكن النفوذ منها. أما في الداخل فهناك قلب كالحجر لا يبالي بالمخاوف.
هذه أوصاف الحيوان ذاته، ولنكن على يقين من أن الحقيقة الروحية أشد رعباً بما لا يقاس. إمبراطور عالم شيطاني. مفترس، جامح "ينفث تهدداً وقتلاً!" من يقوى أن يتحداه في وجهه؟ أي سهام يمكن أن تخترق عدته؟ فإن نيران الهاوية تومض في "عطاسه" تهديداته وأقواله، "فتح فمه بالتجديف على الله ليجدف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء" (رؤيا 13: 6). ويا لها من صلابة عنق متقسّ تلك التي تجعل الكل ينحنون أمامها مالئين الأرض خراباً وقلوب الناس ويلاً، عربدة البؤس والشقاء كرنفال من رقصات اليأس الطروب أمامه: سيف ووباء وموت، تلك الظواهر التي لا مفر منها والتي تصاحب قوة وسلطان الشيطان المستبد. لن تكون في "الوحش" خاصرتان يمكن للسهم أن ينفذ منهما، بحيث يرجع الحيوان كما ينهزم الجيش عند خاصرتيه أي جناحيه، كلا ولا هو يعرف الشفقة. فمن قلبه الصوانيّ تخرج الكراهية والسخرية والموت. وأولئك الذين رفضوا جميعاً أن يستمعوا إلى توسلات قلب المحبة الرقيقة، قلب ذاك الذي قال: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". سوف يسحقهم ذاك القلب القاسي، قلب الإمبراطور العالمي الذي لا يعرف محبة ولا عطفاً.
فهل يخفي أيوب جرثومة هذا الرعب والهول في حضنه؟ هل يجد الاستقلال والإرادة الذاتية ملجأ في حضنه تفرغ في زواياه بالتهم القاتلة؟ وهذا في الواقع جوهر مشيئة الإنسان الاستقلالي. وهذه مردّه تطورها. نعم فإنه تحت مظاهر الإنسان اللطيفة تكمن هذه الإمكانيات المخيفة، حتى في أي من أولاد الله هناك طبيعة لها هذه الخصائص.
- عدد الزيارات: 16428