الإصحاح الحادي والأربعون: لوياثان – كبرياء المخلوق ظاهرة تماماً - ضراوته غير المروضة
(ع 1- 11) ضراوته غير المروضة.
في هذا الإصحاح نجد وصفاً أطول للحيوان المسمى (لوياثان) وهو كما يُعتقد "التمساح" لأنه حيوان رهيب جداً. لا يخشى الجنس البشري بل على العكس ينقض على الرجال والنساء والأولاد ويفترسهم إن وقعوا في قبضته. فهو إذاً ليس غريباً كالبهيموث الذي كنا نتأمل فيه في الإصحاح السابق.
"أتصطاد لوياثان بشص". أنت الذي تستطيع أن تعمل مثل هذه العجائب، تتكلم عن الله، وتحكم على الله، وتستذنب الله! قل لي، أتستطيع أن تصطاد لوياثان بشص؟ كان ينبغي أن تستطيع ذلك "أوَتضغط لسانه بحبل؟" "هوذا الرجاء به كاذب".
إن السؤال الأخير الذي جاء بالشق الخاص ببهيموث يقود إلى سؤال شبيه به فيما يتعلق بلوياثان. فهل يمكن إمساكه بخزامة أو شص، أو حبل ضاغط على لسانه؟ أو يمكن تقييده كواحدة من الأسماك المألوفة بحبل من الأسل من خلال خياشيمه؟ هل هو حيوان جبان رعديد، أو مخلص مطواع؟ أنعده لعبة لتسلية الأطفال في البيت كالعصفور مثلاً؟ هل هو سلعة تتداولها الأسواق، تباع وتشترى؟ وإذا لم يكن اصطياده كسمكة، هل يمكن مهاجمته بالحراب، أو السهام؟ من ذا الذي حاول هذا؟ إنه حينئذ يستعيد لنفسه ذكرى معرفة مخيفة، بحيث لا يود تكرار هذه المحاولة. إنه يخيب رجاء كل مقاومة، ليس من يجسر على إيقاظه أي إثارته أو الوقوف قدامه.
إذا كان الأمر كما تبين، إزاء مخلوق – مجرد مخلوق – فمن يستطيع أن يقف أمام الخالق؟ من سبق فأعطى الرب أولاً حتى يطلب أن يسترد؟ أو (كما قال الرسول) "من أعطاه فيكافأ" (رومية 11: 35).
في هذا الجزء الأول من الوصف نقرأ عن صفات هذا الكائن المتوحش، ولا يمكن الدنو منها، وغير المروضة. والاستنتاج الواضح الذي نخرج به هو "كما بينّا قبلاً – إذا كان المخلوق من القوة بهذه الصورة فماذا عساه يكون الخالق؟ غير أن ما قرأناه يجعلنا نتوقع أكثر من هذا الإقرار بعظمة الله أو سلطانه. فالوصف ليس عن مجرد قوة مقتدرة، بل عن قوة الشر. وهكذا يتكلم الوحي عن الشيطان كالتنين (رؤيا 20: 2)، وكمتسلط على الأرض – عن طريق حاكم مصر – فيقال عنه: "في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية الهاربة، لوياثان الحية المتحوية ويقتل التنين الذي في البحر" (أشعياء 27: 1، 12، 13). وما أعجب أن يقال هكذا عن الحاكم العالمي. فهل يخوننا أن نلاحظ العلاقة بسلطان الشر الذي نراه في إصحاحنا؟.
هو أمر مألوف أن تكون حكومة الإنسان مناهضة لله، ففي نبوخذنصّر تتجلى هذه الكبرياء، في قمة العظمة البابلية، ومن يومه كم من ملوك كانوا ولا يزالوا يحلمون بالإمبراطوريات العالمية: أباطرة الماديين، والإغريق والرومان، والقياصرة الأقل عظمة ممن جاؤوا بعدهم. ما كان أقساهم! وكأنهم في يومهم جامحون وغير مروضين. وإلا فهل جرؤ أحد من الناس أن ينازعهم وهم في قمة السلطان.
"اذكر القتال – ولا تفعل هكذا بعد" (ع 8).
أفيريد أيوب أن ينضم بين هذا الفريق من الناس الذين يعملون على إشباع أطماعهم ويتمنون لو أنهم أقصوا الرب عن عرشه؟ يا له إثماً مرعباً، مدهشاً.
وإذ نأتي إلى التطبيق الفردي فإننا نجد في هذه "الحية المتحوية" أي الملتوية، صورة لإرادة الإنسان المنحرفة العوجاء، إن كل خطيئة لها أصلها وجذرها في العصيان، قد تسخر من هذا القول، ولكن ليس ما هو أكثر رعباً من هذه الإرادة الذاتية – الذهن الجسدي، لأن فكر الجسد، أي اهتمامه، إنما "هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله لأنه أيضاً لا يستطيع". وأي نفع يرجى من أية محاولة لإصلاح العالم أو ترويض التمساح؟ قد يحلم الناس ويخططون، يحاولون ملاشاة التعاسة من الأرض، غير أن الخليقة حتى في إبان أنينها – إنما تسخر من كل محاولة بشرية لإخضاع وإذلال إرادتها المنحرفة. ومرة أخرى، كم هو مرعب أن يجد أيوب إمكانيات الشر والتمرد جاثمة في قلبه!.
- عدد الزيارات: 16426