الإصحاح الخامس والعشرون: الخطاب الثالث لبلدد - خواء الإنسان
(ع4-6) خواء الإنسان.
"فكيف يتبرر الإنسان عند الله؟" هذا عين ما سبق أن قاله أيوب في الإصحاح التاسع. فهو إنما يردد هنا ما قاله أيوب قبله بطريقة أفضل. فإن أيوب يدخل في الموضوع دخولاً كاملاً ويواجه بقوة حتى أنه يقرر الحاجة القصوى إلى مصالح بين الله والناس. مما يدل على أن أيوب كان لديه من النور ما يفوقهم جميعاً.
"كيف يزكو (أو يتطهر) مولود المرأة" ذلك أيضاً ما تحدث عنه أيوب قبل ذلك.
"هوذا القمر لا يضيء والكواكب غير نقية في عينيه فكم بالحري الإنسان الرمة ابن آدم الدود"... ذلك كله حق ولكنه لا ينطبق على الحالة موضوع تأملنا.
وإذا استطاع بلدد بقليل من اللمسات المليئة أن يرسم صورة لعظمة الله فها هو يتحول إلى حقارة وتفاهة وضآلة الإنسان. "فكيف يتبرر الإنسان (المائت، الزائل) عند الله؟ "كيف لواحد، فيه من ذات موتانا، شهادة على طبيعته الخاطئة، أن يقف أمام القدير؟ كيف لمولود المرأة، وله الطبيعة الموروثة من أب متمرد، أن يزكو في نظر الله؟ أليس صحيحاً أن كل إدراك سليم لعظمة الله وجلاله ينشئ في النفس إحساساً بالخطية والنجاسة؟ لقد كان الأمر هكذا مع أيوب وهؤلاء الأصحاب في آخر المطاف.
اعتبر القمر: أن نوره يخبو في حضرته المقدسة. والكواكب المضيئة ليست بنقية في عينيه. فكم بالحري الإنسان الخاطئ – دودة في التراب!. إن بلدد يتخير السماوات خلال الليل دون الشمس في النهار، ليقيم مقارنته هذه النبيلة. وفي يومه نسج داود على منواله حيث قال "إذا أرى سماواتك عمل أصابعك والقمر والنجوم التي كونتاه! فمن هو الإنسان حتى تذكره؟" (مزمور8).
فمع أن ضوء القمر والنجوم ليس من القوة بما يعادل ضوء الشمس، غير أنه أكثر بهاءاً ولمعاناً بالقياس إلى الظلام المحيط، أو بالاحرى بالمباينة معه. وهذه هي بصفة خاصة الحالة في الأجواء الشرقية المشرفة على البادية فالقمر والنجوم يتحدثن عن الله بطريقة خاصة، وعن طرق المقارنة والتباين تُذكر الإنسان بضآلته وحقارته وخوائه. وعندنا، الجواب الإلهي على تساؤل بلدد وداود "من هو الإنسان؟" اجل، فيسوع الذي صلب نراه مكللاً بالمجد والكرامة.
وهكذا، وبينما يبدو بوضوح أن بلدد يكرر أقوال أليفاز (ص4: 18، ص15:15، 16) فإن خاتمته تسمو بكثير على أفكاره وشكوكه. وإننا لنرتاح فيما يقوله، لا فيما يفكر، عن صاحبه المسكين المتألم. ولن نتهم بلدد بالضعف أو التقليد، بل نخضع أرواحنا تحت ضوء تلك السماوات الهادئ الساكن، السماوات التي تشهد بفراغنا وخوائنا.
- عدد الزيارات: 11207