Skip to main content

الاصحاح الخامس - العــلاقات العائليــة في البيوت المسيحية

الصفحة 2 من 2: العــلاقات العائليــة في البيوت المسيحية

العــلاقات العائليــة في البيوت المسيحية

(22) " أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ "

يبدأ الروح القدس هنا بالكلام عن الروابط والعلاقات العائلية في البيوت المسيحية، والرب الذي يعنى بسلامة وبركة خاصته كأفراد تهمه سلامة وبركة المؤمنين كعائلات، فكما أنه يريد أن يكون له مكانه في قلوبنا فانه يريد أن يكون له مكانه أيضاً في بيوتنا، وما أسعد البيت المسيحي الذي للرب مكانه اللائق به فيه! والوسيلة الوحيدة لضمان إلهناء في العائلة هي في الخضوع للرب ولكلمته.

أن تصغى لكلمة الله وتفتح قلبها لتسكن فيها كلمة المسيح في هذا الأمر كما في كل أمر آخر.

قد تكون زوجة ما أكثر فطنة وفهما من زوجهاً، ولكنها تستطيع بخضوعها له – الخضوع المقترن بالفطنة الموهوبة لها من الله – أن تكون بركة له، لا بل يجب على الزوجة أن تخضع لزوجهاً حتى ولوكان غير مؤمن حقيقي فإنها تستطيع بسيرتها الطاهرة أن تربحه للمسيح (1بط3 : 1و2). على أن هذا ليس معناه أن يتزوج المؤمن بغير المؤمنة ولا المؤمنة بغير المؤمن بل " تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ فِي الرَّبِّ فَقَطْ " (1كو7 : 39) " لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ " (2كو6 : 14و15).

لقد تكلم الله إلى حواء قائلا " وَإلى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهو يَسُودُ عَلَيْكِ " (تك3 : 16) ذلك لانها كانت قد تخطت الحدود الموضوعة لها من الله عندما استسلمت لغواية الشيطان وبذا برهنت على ضعفها وعلى أن مكانها اللائق بها هو الخضوع، وهذا ما أشار اليه الرسول بولس ضمنا في قوله " لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلَكِنْ لَسْتُ اذنُ لِلْمَرْأَةِ أن تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أولاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْولَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي " (1تي2 : 11-14) لذا يشدد الرسول بولس على لزوم خضوع المرأة لأن آدم أكل من الشجرة بمحض إرادته أما حواء فإنها أغويت وهذا يدل على أن المرأة أكثر من الرجل تعرضا لأن تنقاد بعواطفها اكثر مما بتفكيرها.

على أن للنساء التقيات مركزهن المبارك بين شعب الرب ولاسيما في البيوت التي فيها تمارس الصلاة العائلية وفيها تقرأ كلمة الله وتطاع طاعة قلبية.

ان خضوع المرأة لرجلها ليس هو عبودية أو مذلة وانما هو خضوع المحبة القلبية، وانه مما يزين الزوجة المسيحية ويجملها هو خضوعها لرجلها " كما للرب " أعنى أن خضوعها لزوجهاً هو خضوع للرب نفسه وهذا واضح من قول الرسول

نفسه في رسالته إلى أهل كولوسى " أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ"

(ص3 : 18) وهذا يرينا أيضاً أن خضوع المرأة لرجلها يجب أن لا يتعدى الطاعة للرب ولكلمته لانه ينبغى أن يطاع الله اكثر من الناس. عندئذٍ يكون خضوع المرأة لرجلها هو جزء من خضوعها للرب نفسه.

(23و24) " لأَنَّ الرَّجُلَ هو رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أن الْمَسِيحَ أيضاً رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهو مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلَكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذَلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ "

يذكر الرسول هنا السبب الذي لأجله يجب على المرأة أن تخضع لرجلها، فكما أن ربنا يسوع المسيح هو رأس الكنيسة الذي يهتم بسلامتها وبركتها مدة وجودها في هذا العالم، كذلك الزوج المسيحي، فانه رأس المرأة وقد أعطى له هذا المركز لا ليسيطر عليها ويعاملها بعنف أو قسوة بل بالحري ليعتنى بها ويهتم بسلامتها وإسعادها. إلا أنه واضح من الناحية الأخرى أن واجب المرأة هو الخضوع لرجلها في كل شىء كما تخضع الكنيسة للمسيح.

كم هو جميل ومبهج حقاً أن الروح القدس، في سياق الكلام عن الواجبات المتبادلة بين الزوج وزوجته، يتحدث بإفاضة وبأسلوب سماوي بديع عن العلاقة الاسمي التي بين المسيح الرأس والكنيسة التي هي جسده، وإنه لمما يشرف العلاقة المقدسة بين الزوج وزوجته أو بالحري الزواج المسيحي هو أنه صورة للعلاقة المجيدة التي بين المسيح وكنيسته.

لقد رأينا في الاصحاح الأول هذه العلاقة مرسومة في صورة " جسد " والمسيح المقام من بين الأموات والممجد عن يمين الاب في السماويات هو رأس هذا الجسد وأن المؤمنين الحقيقيين هم أعضاء هذا الجسد. وكذلك رأينا في الاصحاح الثاني هذه العلاقة مرسومة في صورة " بناء " والمسيح هو " حجر الزاوية " وأن المؤمنين مبنيون معا مسكنا لله في الروح، أما في هذا الفصل (ص5) فاننا نرى هذه العلاقة المقدسة مرسومة في الصلة الكائنة بين الرجل وزوجته. أن الرب يسوع هو العريس السماوي والكنيسة هي عروسه التي أحبها وأسلم نفسه لأجلها. وسيجيء الوقت وهو قريب، عندما تزف العروس امرأة الخروف لعريسها المبارك (رؤ19 : 7-9، 22 : 17).

(25) " أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أيضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجلهَا "

أن كان واجب الزوجة هو أن تخضع لزوجهاً كما تخضع الكنيسة للمسيح، فإن واجب الزوج هو أن يحب زوجته كمحبة المسيح للكنيسة.

والروح القدس، في هذا الفصل، يقدم المسيح نفسه للزوج كما للزوجة أيضاً مبينا أن مقياس خضوع المرأة لرجلها هو خضوع الكنيسة للمسيح، وأن مقياس محبة الرجل لامرأته هو محبة المسيح للكنيسة.

لقد أحب المسيح الكنيسة بمحبة لم يستطع الموت أن يعطلها بل بالحري أظهر قوتها – أحبها وأسلم نفسه لأجلها. عندما يظهر الزوج لزوجته محبة كهذه فإن الزوجة تجد سرورها في خضوعها له. أن المسيحي الحقيقي الذي يظهر المسيح سيده في حياته يسر بإظهار المحبة الباذلة والمضحية لأجل زوجته وبذا يستأسر قلبها وعواطفها فتجد هي من جانبها أن سرورها في أرضائه والخضوع له. وهل هناك أجمل واسعد من بيت كهذا؟

هل ينتظر الزوج الطاعة القلبية من زوجته إذا كان قآسيا عليها؟ " أَيُّهَا الرِّجَالُ، احِبُّوا نِسَاءَكُمْ، وَلاَ تَكُونُوا قُسَاةً عَلَيْهِنَّ " (كو3 : 19) وهل تستطيع القسوة أن تقود الزوجة إلى الطاعة؟ أن المحبة وحدها هي التي تؤثر في قلب الزوجة وتقودها إلى الطاعة الحقيقية.

"أَحَبَّ الْمَسِيحُ أيضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجلهَا"

يا له من مثال مقدس يضعه الروح القدس أمام الأزواج! مثال سماوي مبارك، فبقدر ما أحب المسيح الكنيسة واسلم نفسه لأجلها هكذا يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم.

لقد كان المسيح كل شىء في حياة الرسول بولس، وفي خدمته، فانه عند الكلام عن واجب الرجال من نحو نسائهم لم يستطع إلا أن يضع أمامهم الشخص المبارك الذي سبى قلبه وامتلك كل كيانه – الرب يسوع المسيح عريس الكنيسة ورأسها الممجد الذي أحبها و وضع حياته لأجلها. أن كانت محبة الرجل لامرأته تسبى قلبها وعواطفها فتقابل محبته بالخضوع الحبى له، فكم بالاحري يجب أن تكون محبتنا وخضوعنا لرأسنا وعريسنا المبارك محبة كاملة وخضوعا قلبيا تاما!

" وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجلهَا " إنه لم يعط مما عنده للكنيسة بل أعطي نفسه، ولم يتألم لأجلها فقط بل بذل نفسه – بذل حياته لأجلها. ما أعجب محبتك أيها الرب يسوع! فلأجلنا بذلت حياتك لتحيينا نحن الأموات. أسلمت نفسك لتكون لنا حياة وليكون لنا أفضل. لاسمك المعبود كل سجود وحمد واكرام.

كلها قد محيت إلى الأبد. الفداء قد كمل والشيطان قد هزم، والغضب والدينونة قد انتهيا، والفرائض التي كانت ضدا لأولئك الذين كانوا تحتها قد سمرت في الصليب، والعداوة قد أزيلت إلى الأبد، وبالتالي تكون " الإنسان الجديد " والاساس الإلهي لكل ذلك بل ولأكثر من ذلك قد وضع بواسطة تسليم المسيح نفسه لأجلنا. لقد افتدينا بدم المسيح الكريم، ولكن هذا الفداء مؤسس على قيمة شخصه الكريم، ففيه أي في شخصه صار لنا هذا الفداء بدمه كما هو مكتوب " الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ " (ص1 : 7). إنه من الأهمية بمكان أن نعرف أن قيمة الفداء مرتبطة بقيمة وسموشخصه الكريم، فإن ما يجعل لعمله المبارك قيمته الفائقة الادراك إنما هو شخصه الجليل. أن ما يملأ نفوسنا حبا له وتعلقا به وتكريسا وخدمة له هو أن لا نذكر فقط العمل الذي عمل بل بالحري الشخص نفسه الذي عمله.

(26) " لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ "

عجيبة حقاً هي محبة المسيح للكنيسة! انها محبة أزلية! وما أمجد ما عملته محبته هذه، فإنها قادته إلى بذل نفسه لأجلها. هذا العمل المبارك قد أكمل فوق صليب الجلجثة. إنه عمل كمل قد تم مرة واحدة ولن يتكرر " لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إلى الأبد الْمُقَدَّسِينَ " (عب10 : 14) إلا أن محبته هذه لم تقف عند حد ما عمله في الماضى، بل كان بذلك نفسه لأجلها " لكى يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة " انه بموته (في الماضى) قد خلصها، وبكلمته (في الحاضر) يقدسها ويطهرها، وبمجيئه الثاني (في المستقبل) يمجدها.

" لِكَيْ يُقَدِّسَهَا " وهنا يجب أن نراعى أن هناك وجهين للقداسة، فعلى أساس عمله فوق الصليب أصبحنا قديسين وبلا لوم أمام الله، وهذا مركز كامل وثابت وابدي. إلا انه تبارك اسمه، يعمل بروحه فينا باستمرار لكى تكون حياتنا العملية حياة القداسة، وبقدر ما نسمح للروح القدس أن يهيمن على حياتنا بهذا القدر ننمو في حياة القداسة. فلنحرص على أن تكون عيشتنا في القداسة بأستمرار، وعلى أن ننمو فيها " مكملين القداسة في خوف الله "

" مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ " وهذا يرينا ما لكلمة الله من قيمة عظمى وأهمية فائقة. إننا عند إيماننا بالرب يسوع المسيح قد حصلنا على غسل الميلاد الثاني (تي3 : 5) وهذا ما قصده الرب بقوله لنيقوديموس " إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ (أي الكلمة) وَالرُّوحِ (أي الروح القدس) لاَ يَقْدِرُ أن يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ " (يو3 : 5). هذا العمل يتم مرة واحدة ولن يتكرر وذلك عند قبول الرب يسوع المسيح مخلصاً وفاديا. إلا أننا نحتاج إلى تطهير مستمر بواسطة كلمة الله، لأن " الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إلى غَسْلِ رِجْلَيْهِ بَلْ هو طَاهِرٌ كُلُّهُ " (يو13 : 10).

ولا حاجة إلى القول بأن المقصود بغسل الماء " ليس هو ماء المعمودية، فإن الرسول أو ضح لنا معنى هذه العبارة بقوله " بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ " " نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجاهل حَكِيماً.... أيضاً عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا وَفِي حِفْظِهَا ثَوَاب عَظِيمٌ " (مز19).

(27) " لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أو شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ "

يا لسموعمل المسيح لأجل الكنيسة فقد أحبها وبذل حياته الغالية لأجلها – لقد تجرع لأجلها كأس الدينونة المروعة، ومع ذلك فلم يكن ذلك سوى وسيلة لتحقيق غاية إلهية وقصد أزلى. نعم أن بذل حياته لأجل الكنيسة، وكذا خدمته لها في الحاضر كالكاهن العظيم الذي يقدسها ويطهرها بغسل الماء بالكلمة، هذه ليست سوى وسائل إلهية مباركة لإتمام المشورة الأزلية وهي أن يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شىء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب. هناك في المجد سيتمتع بوجود كنيسته معه، وهناك ستحظى الكنيسة " العروس امرأة الخروف " بكمال البركة الأبدية.

أنه سيحضرها لنفسه كنيسة مجيدة أي أنها ستشترك معه في مجده، وهذا ما قاله لابيه في صلاته " وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي " (يو17 : 22و24).

وهذا ما رآه الرسول يوحنا في نفيه في جزيرة بطمس، فقد رأي " العروس امرأة الخروف... ولها مجد الله " (رؤ21 : 9و11). سوف لا تحتاج الكنيسة هناك إلى تطهير أو غسل بماء الكلمة لأنه سيحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها كما أنها ستخلص مما يعتريها هنا من وهن وضعف فلن يرى فيها " غضن " أي تجعد أو شىء من مثل ذلك بل سيراها عريسها المبارك في نضارة وجمال كاملين، انها ستصل عندئذٍ إلى حالة القداسة الكاملة فتكون " مقدسة وبلا عيب " انه، تبارك اسمه، يريدنا أن نكون هنا في حالة القداسة في خوف الله عاملا فينا بروحه القدوس وبالكلمة إلى أن نصل إلى المجد وهناك سنرى أمامه وأمام كل الخليقة " بلا عيب "

(28و29) " كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أن يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أيضاً لِلْكَنِيسَةِ "

يضع الرسول أمامنا مقياسا إلهيا للمحبة التي يجب على الرجال أن يحبوا بها نساءهم، فكما أحب المسيح الكنيسة التي هي جسده وأسلم نفسه لأجلها وذلك لكى يسعدها ويشركها معه في مجده، كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. لقد أو ضح الرب يسوع هذه الحقيقة بأسلوب بديع عندما قال للفريسين " أَمَا قَرَأْتُمْ أن الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟ وَقَالَ : «مِنْ أجل هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ اباهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إذا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ " (مت19: 4،6) فالزوج والزوجة هما " جَسَداً وَاحِداً " لذا يجب على الرجال أن يتعاملوا مع نسائهم بحسب هذا المبدأ السامي – أن يحبوا نساءهم كأجسادهم " فإن من يحب امرأته يحب نفسه " أما من يحتقرها ويهينها فأنه في الحقيقة يحتقر ويهين نفسه.

إنه أمر طبيعى أن كل إنسان يحب نفسه، ولا يوجد إنسان عاقل يبغض جسده أو يؤذيه بل بالحري يعتنى به " يقوته ويربيه " اذن يجب على الزوج المسيحي أن يعتنى بزوجته ويعمل كل ما فيه راحتها واسعادها لأنها جسده.

ويضع الروح القدس أمامنا هنا الرب يسوع كالمثال الكامل، فانه باستمرار يعتنى بالكنيسة " التي هي جسده " – يعتنى بها – يقوتها ويربيها مستخدما وسائط نعمته لبركتها. وانه لأمر معز ومشجع أن نعلم أن الرب يسوع، الرأس الممجد في السماء، هو الذي بنفسه يغذى " يقوت ويربى " كل أعضاء جسده مدة وجودهم في هذا العالم. يالها من بركة وياله من ضمان إلهي!

(30) " لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ "

يبين الرسول هنا السبب الذي لأجله يعتنى المسيح بنا فيقوتنا ويربينا. ذلك " لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ " فكما تكونت حواء من آدم كذلك الكنيسة من المسيح. فقد أخذ الرب ضلعا من جنب آدم وعمل منها حواء، حتى قال آدم عنـها "هَذِهِ الْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ " (تك2 : 21-23) كذلك نحن أيضاً قد صرنا قريبين من المسيح " أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ " يا له من قرب عجيب وآتحاد مبارك! لاسمه المعبود كل الحمد.

على أنه ليس المقصود بقوله هنا " مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ " أن المسيح صار جسدا مثلنا واشترك معنا في لحمنا وعظامنا، بل اننا صرنا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه أي أنه صارت لنا علاقة مع المسيح المقام من الأموات والممجد في السماء، واتحاد به، وليس المقصود علاقته هو بنا كإنسان على الأرض. انه لا يشار هنا إلى ربنا المبارك كمن اشترك معنا في اللحم والدم، مع أن هذا صحيح، ولكننا لا نتعلم هذا هنا في هذه الرسالة بل في الرسالة إلى العبرانيين (ص2). إننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه أي صرنا جزءا منه ومتحدين به الآن وهو الممجد في حضرة الله وليس في صيرورته جسدا هنا على الأرض.

(31) " مِنْ أجل هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ اباهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الِاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً "

يقتبس الرسول هنا نفس الكلمات التي كتبها موسى قديما بمناسبة احضار حواء لآدم " لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ اباهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً " (تك2 : 24) وقد اقتبس الرب يسوع، له المجد، هذه الاقوال عينها و وضع عليها ختم مصادقته إذ أضاف اليها قوله " إذا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. َالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إنسان " (مر10 : 7و8) وأي كلام يمكن أن يضاف إلى أقوال الرب هذه؟ لقد تكلم سيد المعلمين فلنحن أمامه الهامات خضوعا وطاعة، فانه أعاد للعلاقة الـزوجية قدسيتها وجمالها كما كانت قبل دخول الخطية إلى العالم " مِنْ أجل هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ اباهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ " فالعلاقة المقدسة بين الرجل وامرأته هي أقرب من أية علاقة أخرى. انها أقرب من العلاقة الكائنة بين الوالدين وأولاًدهم.

(32) " هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نحو الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ "

تجىء كلمة " سر " في هذه الرسالة، ففي الاصحاح الأول يقول الرسول " إذ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مشيئته " (ع9) وفي الاصحاح الثالث يقول " أَنَّهُ بِإعلان عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ.... الَّذِي بِحَسَبِهِ حِينَمَا تَقْرَأونَهُ تَقْدِرُونَ أن تَفْهَمُوا دِرَايَتِي بِسِرِّ الْمَسِيح ِ....وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هو شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدهور " (ع3و4و9) وهنا يشير إلى سر " عظيم " ولا ريب في أن المقصود بالسر هنا ليس هو العلاقة الزوجية بل الاتحاد المقدس الكائن بين المسيح وكنيسته، وهذا واضح من قوله " وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نحو الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ " على أن العلاقة بين الزوج وزوجته هي بلا شك رباط مقدس قد عمله الله نفسه لان " الَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إنسان " (مر10 : 9).

(33) " أَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هَكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلها".

يكرر الروح القدس هنا حث الرجل وامرأته على أن يراعى كل منهما واجبه من نحو الأخر، وذلك لأهمية هذا الأمر الذي عليه تتوقف السعادة العائلية، فعلى الرجل أن يحب امرأته كنفسه، وعلى المرأة أن تهاب رجلها، واننا لنجد مثل هذا الحث في أماكن أخرى في كلمة الله، وذلك لان الله يريد أن يتمجد لا في حياتنا كأفراد فقط بل وفي بيوتنا أيضاً، فالرسول بطرس في رسالته الأولى (ص3) يعظ النساء بأن يكن خاضعات لرجالهن، والرجال بأن يكونوا " ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائى كالأضعف معطين إياهن كرامة كالوارثات أيضاً معكم نعمة الحياة لكى لا تعاق صلواتكم " ما أخطر هذه العبارة الأخيرة! فانه إذا لم يكن البيت المسيحي بحسب الترتيب الإلهي، ولم يراع كل من الزوج والزوجة مسئوليته من نحو الآخر، ولم تكن العلاقة بينهما كما يجب أن تكون، فإن صلواتهما تعاق فلا تصل إلى عرش الله، أما متى كان البيت المسيحي مزينا بالترتيب الإلهي الجميل فإن المذبح العائلى تتصاعد منه الصلوات. التشكرات والتسابيح كبخور عطر يشتمه الله الاب والرب يسوع المسيح. ويا لها من بركة عندما يجثو الزوج وزوجته وأولادهما معا (اذا كان الله قد اعطاهما أولاداً) للسجود والصلاة والترنيم ولدرس كلمة الله معا والتغذى بها. ليت هذه تكون حالة جميع بيوت المؤمنين " طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ... طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ. امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائدتِكَ. 4هَكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ " (مز 128).

الصفحة
  • عدد الزيارات: 7792