Skip to main content

الأصحاح السادس

الصفحة 1 من 7

(1) " أَيُّهَا الأولاًد، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ "

تعتبر التسعة الأعداد الأولى من هذا الاصحاح مرتبطة بالجزء الأخير من الاصحاح السابق (5 : 22-33) ذلك لان الرسول هنا يستمر في الكلام عن الواجبات العائلية في بيوت المؤمنين لقد شرح الرسول بإفاضة في الأعداد السابقة الواجبات المتبادلة بين الزوج وزوجته، إذ أن البيت يبدا دائماً بالزواج، ثم يأتي بعد ذلك دور الأولاًد الذين هم ثمرة الزواج، لذا يحدثم الرسول عن الواجبات المتبادلة بينهم وبين والديهم، وهنا نرى أن موضوع الخضوع أو الطاعة لم ينته بعد، فإن كان واجب الأولاًد هو الخضوع أو الطاعة لوالديهم. هذا ما يجب أن يتميز به الأولاًد – البنون والبنات – الذين نشأوا في بيوت مسيحية. اننا نجد في رسالتي رومية و تيموثاوس الثانية قائمتين من الخطايا، الواحدة عن خطايا الأمم الوثنيين الذين لم يعرفوا الله الحى الحقيقى، ومن بين تلك الخطايا انهم " غير طائعين للوالدين " (رو1 : 29-31) والثانية تصف خطايا الناس في الأزمنة الصعبة في هذه الأيام الأخيرة – أيام لأودكية، ومن بين هذه الخطايا انهم " غَيْرَ طَائعِينَ لِوَالِدِيهِمْ " (2تى3 : 2). هذه علامة من ضمن العلامات التي تصف الأيام الأخيرة. أن قلب الإنسان البعيد عن الله هو هو، فكما كانت حالته بين الوثنيين قديما لا زالت كما هي في هذه الأيام – أيام المسيحية الاسمية والمدنية الكاذبة. أما كلام الرسول هنا فانه موجه إلى الذين عرفوا الرب يسوع، وهذا واضح من قوله " أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ " إذ لا ننتظر الطاعة " في الرب " ممن ليست لهم معرفة بالرب أو علاقة به.

وهناك سببان يذكران في كلمة الله عن لزوم طاعة الأولاًد لوالديهم : السبب الأول " لأَنَّ هَذَا حَق " والسبب الثاني هو " هَذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ " (كو3 : 20). لقد كان ربنا يسوع المسيح المثال الأعظم في ذلك، كما في كل شىء آخر، فقد كان مطيعا وخاضعا لأمه وليوسف رجلها كما هو مكتوب " ثُمَّ نـزلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إلى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعاً لَهُمَا " (لو2 : 51). ليت جميع الأولاًد يتمثلون في ذلك بالرب يسوع عالمين أن " لأَنَّ هَذَا حَق " فإن كانت الطاعة هي حق فإن عدم الطاعة هو شر.

(2و3) " أَكْرِمْ اباكَ وَأُمَّكَ، الَّتِي هِيَ أول وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأرض "

يوجه الرسول بولس إلتفات المؤمنين إلى هذه الحقيقة الهامة وهي أن طاعة الأولاًد لوالديهم لها أهميتها وتقديرها عند الله، فقد أعطى الله قديما الناموس أعنى الوصايا العشر، وعندما نقرأها نجد أن الأربع الوصايا الأولى، مع ما لها من أهمية عظمى، ليست مقترنة بأي وعد، ولكن الوصية الخامسة، وهي الخاصة بإكرام الأولاًد لوالديهــم " هي أول وصية بوعد " " أَكْرِمْ اباكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أيامكَ عَلَى الأرض " (خر20 : 12). فإن كان هذا تقدير الله لطاعة الأولاًد لوالديهم في عهد الناموس فهل يكون تقديره لهذه الطاعة أقل في عهد النعمة؟ فكما أن طاعتنا للرب لها مجازاتها كذلك طاعة الأولاًد لوالديهم لها مجازاتها الحسنة " لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأرض " هذا وعد مبارك يجب أن يثق فيه ويمسك به الأولاًد الانقياء الذين يطيعون والديهم ويكرمونهم. وكما أن للطاعة مكافأتها فإن لعدم إطاعة الوالدين واكرامهم عاقبتها الوخيمة " مَنْ سَبَّ اباهُ أو أُمَّهُ يَنْطَفِ) سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ " (أم20 : 20) " اَلْعَيْنُ الْمُسْتَهْزِئة بِابيهَا وَالْمُحْتَقِرَةُ إِطَاعَةَ أُمِّهَا تُقَوِّرُهَا غِرْبَانُ

الْوَادِي وَتَأْكُلُهَا فِرَاخُ النَّسْر " (أم30 : 17). ليت كل الأولاًد – بنين وبنات – يطيعون والديهم ويكرمونهم فيتمتعون برضى الله عليهم ويختبرون عمليا هذا الوعد الجميل " لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأرض "

(4) " وَأَنْتُمْ أيها الاباءُ، لاَ تُغِيظُوا أولاًدكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ "

أن كان واجب الأولاًد هو الطاعة لوالديهم، " لأَنَّ هَذَا حَق " ولأنه " مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ " فإن واجب الوالدين هو أن لا يعاملوا أولاًدهم بالقسوة والعنف، وفي هذا يحتاج الاباء والأمهات أن يكونوا قريبين من الله وفي شركة معه ليمنحهم الحكمة التي يحتاجون اليها في تربية أولاًدهم التربية المسيحية الحقة. لاشك أنه من الخطورة بمكان أن يتهاون الوالدون ويتساهلون في تربية أولاًدهم، الأمر الذي يجلب عليهم متاعب وآلاما لا حصر لها، كما يجلب عليهم أيضاً قضاء إلهيا مثلما حدث لعالى الكاهن وبيته (1صم2 : 27 : 36) إلا أنه من الناحية الأخرى يجب على الوالدين أن لا يكونوا قساة على أولاًدهم، وحتى عندما يستلزم الأمر أستعمال الحزم والتأديب يجب أن لا يكون ذلك بروح الغضب، بل أن يكون الباعث عليه المحبة التي لا تريد سوى خير الأولاًد وبركتهم. أن كثيرين من الاباء يعاملون أولاًدهم بالقسوة ويتسرعون في معاقبتهم ويضربونهم باستمرار وبغضب وهياج. ابهذه الكيفية يعاملنا الله ابونا؟ أن هؤلاء الوالدين يكونون سبب عثرة لأولاًدهم ويبعدونهم عن الله " أَيُّهَا الاباءُ، لاَ تُغِيظُوا أولاًدكُمْ لِئلاَّ يَفْشَلُوا " (كو3 : 21). فليحذر الوالدون من الكلام مع أولاًدهم بروح الغضب، كما يجب عليهم أن لا يأمروهم بشىء فوق طاقتهم كما لوكانوا كبار نظيرهم، بل يراعون مدى فهمهم ومداركهم التي تتفق مع أعمارهم.

إن واجب الوالدين هو أن يربوا أولاًدهم " بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ " متذكرين بأنهم كانوا أولاً أولاًدا قبل أن يكونوا والدين، وكم كانوا في حاجة إلى صبر وطول أناة والديهم في تربيتهم لهم، وهذا ما يحتاجه أولاًدهم منهم الآن. يجب على الاباء الأمهات أن يصلوا كثيراً لأجلهم ومعهم. يجب أن يسهروا على سلامتهم روحيا وعقليا وجسديا من بدء حياتهم – في سن الطفولة وفي كل مرحلة من مراحل حداثتهم ولاسيما في سن المراهقة. أن واجب الوالدين هو أن يجلسوا كثيراً مع أولاًدهم ويوجهوهم التوجيه الحسن ويرشدوهم إلى الكتب التي يجب عليهم أن يقرأوها ويحذروهم من قراءة الكتب التي تؤذى حياتهم الروحية والأخلاقية، وأن يعرفوا ما هي هو اياتهم التي يحبونها، وما هو نوع الأصدقاء الذين يعاشرونهم، وبالجملة يجب عليهم أن يهذبوهم التهذيب المسيحي الذي لا يمكن أن يستعاض عنه بشىء آخر. عليهم أن يرشدوهم إلى ما يعلمه الكتاب المقدس عن الإيمان بالمسيح وعن العيشة المسيحية، فلا يتركون هذا الواجب المقدس لمدرسة الأحد أولاًجتماعات الشبان ولا للكنيسة، بل عليهم أن يغرسوا هم أولاً بذار الكلمة الإلهية في قلوبهم الغضة وبذا يقودونهم إلى قبول الرب يسوع مخلصاً لهم. أن أي ميراث أرضى يتركه الوالدون لأولاًدهم لا قيمة له، إذ أن أهم وأثمن ما يمكن أن يقدموه لأولاًدهم هو أن يربوهـم " بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ " لا بالكلام فقط بل بالقدوة الحسنة. يجب أن يرى الأولاًد في والديهم أحسن مثال لحياة القداسة والعيشة التقوية.

لقد قال الرب يسوع " هَكَذَا لَيْسَتْ مشيئة أَمَامَ ابيكُمُ الَّذِي فِي السماوات أن يَهْلِكَ أَحَدُ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ " (مت18 : 14) بل أن أمره الصريح هو " دَعُوا الأولاًد يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السماوات " (مت19 : 14).

ولنا مثال جميل على تربية الأولاًد تربية مسيحية في البيت وثمار هذه التربية في " تيموثاوس " فقد كتب له الرسول بولس " وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفاً مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ. وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أن تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإيمان الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ " (2تي3 : 14و15) ف تيموثاوس قد تعلم ولاشك من الكتب المقدسة الطاعة واكرام الوالدين وهو طفل على ركبتي أمه وركبتى جدته (2تي 1 : 5) لقد ربياه بتأديب الرب وانذاره. انه تعلم الكتب المقدسة في البيت أولاً. ولابد أن والديه وجدته سينالون المجازاة والمكافأة أمام كرسى المسيح.

(5) " أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ "

يستمر الرسول في كلامه عن الخضوع والطاعة، فكما هو واجب الأولاًد أن يطيعوا والديهم، كذلك هو واجب العبيد أن يطيعوا سادتهم، ومما لا ريب فيه أن هذا لا ينطبق على العبيد والسادة في البيت فقط، بل أيضاً على العامل وصاحب العمل – على الصانع وكذلك على الموظف ورئيسه، وهذا واضح من قوله في نفس هذا الفصل " عَبْداً كَانَ أَمْ حُرّاً " (ع8) واذا ما راعى الكل هذا المبدأ الإلهي فإن ذلك يحل مشاكل معقدة كثيرة بين العمال وأصحاب العمل – مشاكل كثيراً مما يترتب عليها اضطرابات بل وثورات أيضاً.

في الوقت الذي كتب الرسول فيه هذه الأقوال كان نظام العبيد الأرقاء سائدا في كل العالم ولاسيما في الدولة الرومانية التي كانت لها السيادة العليا وقتئذ، ومع أن ذلك النظام لم يكن بحسب إرادة الله، لأن مشيئته هي أن جميع البشر يعيشون أحرارا، إلا أنه مما لا يتفق مع مبادىء الإنجيل تحريض العبيد ليثوروا ضد سادتهم، ومع ذلك فاننا نجد في رسالة الرسول بولس إلى فليمون فكر الله من جهة تحرير العبيد، لا بالعنف والقوة بل بالمحبة والسلام، لذا يحث الرسول بولس فليمون على أن يقبل أنسيمس العبد الابق " لاَ كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ : أَخاً مَحْبُوباً، وَلاَ سِيَّمَا إِلَيَّ. فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعاً! فإن كُنْتَ تَحْسِبُنِي شَرِيكاً فَاقْبَلْهُ نَظِيرِي " (ع16و17) وهذا نفس ما أشار اليه الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس " اَلدَّعْوَةُ الَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ فِيهَا. دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أن تَصِيرَ حُرّاً فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ. لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهو عَبْدٌ فَهو عَتِيقُ الرَّبِّ " (ص7 : 20-22).

إن الأمر الصريح هو أن العبيد يطيعون سادتهم " بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ " أي الخوف من إهمال القيام بواجباتهم، فإن واجبهم يحتم عليهم أن يؤدوا أعمالهم بكل أمانة " فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ " أعنى بكل إخلاص " كَمَا لِلْمَسِيحِ " وهذا ما يملأ قلوبهم رضى وسرورا.

(6و7) " لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مشيئة اللهِ مِنَ الْقَلْبِ، خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ "

يحدثنا القول بأن " خِدْمَةِ الْعَيْنِ " هي نوع من عدم الأمانة في العمل، فاذا ما قام العامل بعمله عندما يرى أن صاحب العمل أو رئيسه يراقبه وذلك لكى يرضيه، ثم يهمل القيام بعمله عندما يبتعد عنه، فانه في هذه الحالة لا يكون أمينا في القيام بواجبه. أما المؤمن الذي يعتبر أنه " كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ " فانه يمارس عمـله بكل أمانة لا كمن " يُرْضِي النَّاسَ " بل ليعمل " مشيئة اللهِ مِنَ الْقَلْبِ " انه يقوم بعمله بكل أمانة واجتهاد " بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ " فهو يعمل عمله، مهما كان شاقا، واضعا نصب عينيه المسيح وليس الناس الذين يخدمهم، وهذا ما يجعل للخدمة، مهما كانت حقيرة في نظر الناس، قيمة عظيمة في نظر العامل كما هي في عينى الله نفسه.

(8) " عَالِمِينَ أن مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْداً كَانَ أَمْ حُرّاً "

للأمانة في القيام بالعمل الذي يعينه الرب لكل واحد منا مجازاتها ومكافأتها من الرب نفسه، فالعبد الذي يطيع سيده أو العامل الذي يطيع رئيسه ويقوم بواجبه بأمانة واخلاص لابد أن ينال المكافأة من الرب حتى ولو كان ذلك الرئيس لا يقدر أمانته وإخلاصه في عمله، فإن الرب لن ينسى تلك الأمانة وذلك الاخلاص " لاَ تَضِلُّوا! اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فإن الَّذِي يَزْرَعُهُ الإنسان إِيَّاهُ يَحْصُدُ أيضاً " (غل6 : 7) فليتيقن كل مسيحي أمين في عمله، مهما كان مركزه حقيرا في هذا العالم، بأن للامانة مجازاتها الصالحة في الحياة الحاضرة والعتيدة أيضاً.

بعض الناس في هذا العالم أغنياء والبعض فقراء. البعض سادة والبعض عبيد أو خدم. البعض رؤساء والبعض مرؤوسون، كذلك البعض أمناء والبعض غير أمناء، ولكن كل هذه الفوارق ستزول ولا يبقى لها أثر، وكل إنسان سيعطى حسابا أمام الله عن حياته التي عاشها في هذا العالم. عندئذٍ سيسمع كثيرون من المؤمنين الأمناء، الذين كانوا فقراء ومجهولين في هذا العالم، كلمات الرب المبهجة " نِعِمَّا أيها الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ.ادْخُلْ إلى فَرَحِ سَيِّدِك " (مت25 : 23) فليتشجع وليتعز كل مؤمن عائش بالامانة ولو كان مركزه حقيرا في هذا العالم، عالما " مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ " هل يعاملك رئيسك بدون تقدير لأمانتك؟ ثق بأن الله لن يغفل أو يهمل هذه الأمانة فلا يكافئك عليها. هل يقسو رئيسك عليك ويظلمك كما حدث ليوسف قديم؟ (تك39) عش أمينا في أداء عملك واثقا بأن الله لابد أن يجازيك " سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهو يُجْرِي وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ. انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ " (مز37 : 5-7).

(9) " وَأَنْتُمْ أيها السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ الأمور، تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أن سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أيضاً فِي السماوات، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَاباةٌ "

يختتم الرسول بولس هذا الجزء الخاص بالعلاقات والواجبات المتبادلة في البيت المسيحي بتوجيه النصح للسادة فلا يوجهه إلى طرف واحد بل إلى كل طرف في البيت المسيحي، فانه في العلاقة الزوجية، كما يعظ النساء بأن يخضعن لرجالهن، كذلك يعظ الرجال بأن يحبوا نساءهم ن وكما يعظ الأولاًد بأن يطيعوا والديهم، كذلك يعظ الوالدين بأن لا يغيظوا أولاًدهم بل أن يربوهم بتأديب الرب وانذاره، وهنا كما يعظ العبيد أو المرؤوسين بأن يطيعوا سادتهم (أو رؤساءهم) كذلك يعظ السادة (أو الرؤساء) بأن يكونوا لطفاء ومترفقين بعبيدهم (أو مرؤوسيهم).

" وَأَنْتُمْ أيها السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ الأمور " أن الرب الذي سيحاسب ويجازى العبيد هو هو بعينه الرب والسيد الذي سيحاسب ويجازى السادة أيضاً، وكل واحد منهم سينال إما المجازاة الحسنة أو العقاب المؤلم من الرب الذي هو سيد السادة والعبيد على السواء إنه سيد المرؤوس كما هو سيد الرئيس، فلا يليق بالسادة المؤمنين أن يعاملوا مرؤوسيهم بالتهديد كما ولا بالمواعيد الكاذبة.

وكلمات الرسول بولس هذه واضحة كل الوضوح فانه يقول للسادة " افْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ الأمور " أعنى نفس الأمور التي طلبها من العبيد، أي أنهم (أي السادة) يتعاملون مع عبيدهم (أو مرؤوسيهم) " كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مشيئة اللهِ مِنَ الْقَلْبِ، خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ. عَالِمِينَ أن مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْداً كَانَ أَمْ حُرّاً " (ع5-8). فاذا كانت الامانة والاخلاص مطلوبين من العبيد فانهما مطلوبان أيضاً من السادة، وكما أن العبد (أو المرؤوس) يجب أن يخدم بأمانة عاملا ما فيه خير ومصلحة سيده، (أو رئيسه) كذلك يجب على السيد أو الرئيس أن يعمل ما فيه خير وفائدة مرؤوسه، فلا يليق به أن يسود عليه بالقسوة أو التهديد بل باللطف والعطف. أن العنف أو القساوة هما من صفات الأشرار الذين لم يختبروا محبة الله ورحمته " الصِّدِّيقُ يُرَاعِي نَفْسَ بَهِيمَتِهِ أَمَّا مَرَاحِمُ الأَشْرَارِ فَقَاسِيَةٌ " (أم12 : 10) فإن كان الصديق يشفق على بهيمته فكم بالأحري يجب عليه أن يشفق على ابن آدم نظيره حتى ولوكان عبدا له؟ أن من واجب السادة أو الرؤساء أن يكونوا مترفقين بمن يخدمونهم، فلا يظلمونهم في أجورهم أو في أي حق من حقوقهم، كما لا يليق بهم أن يرهقوهم في القيام بعمل فوق طاقتهم. يجب عليهم أن يعنوا بصحتهم وبكل ما فيه خيرهم وسلامتهم روحيا وجسديا ومن كل وجه. وياله من تحذير خطير يوجهه الرسول يعقوب إلى السادة! " هَلُمَّ الآنَ أيها الأَغْنِيَاءُ، ابكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَأوتِكُمُ الْقَادِمَةِ...هوذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إلى اذنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ " (يع5 : 1-4)

" عَالِمِينَ أن سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أيضاً فِي السماوات، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَاباةٌ "

فكما أن سيدنا، تبارك اسمه، يعاملنا بالمحبة والرفق كذلك يجب على السادة المؤمنين أن يعاملوا مرؤوسيهم بنفس الكيفية التي يعاملنا بها الرب. فكما أن العبيد هم تحت سلطان ورئاسة سادتهم كذلك نحن أيضاً تحت سلطان ورئاسة ربنا وسيدنا الذي هو الآن في السموات. وكما يحاسب الرئيس مرؤوسيه على ما عملوه كذلك نحن وكل السادة أو الرؤساء سنعطى حسابا أمام كرسى المسيح، فهو لابد أن يجازى السادة القساة كما سيجازى العبيد غير الامناء، إذ " لَيْسَ عِنْدَهُ مُحَاباةٌ " ان من واجب جميع المؤمنين – السادة والعبيد أو الرؤساء والمرؤوسين أن يراعى كل منهم واجبه المسيحي، وإلا فاننا نكون سبب عثرة للبعدين عن المسيح.

كم هو جميل أن نراعى أن هذه الرسالة تبدأ وتدور حول مقامنا السماوي كأعضاء في جسد المسيح المقام من الأموات والممجد عن يمين ابيه في السماويات، وكيف أن الاب قد باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. ومع ذلك فاننا نجد بين اعضاء الجسد الواحد أشخاصا فقراء في هذا العالم يشغلون مركز عبيد لسادة قد يكون البعض منهم قساة وظالمين، ولكن شكرا لله الاب والرب يسوع المسيح على النعمة التي رفعتهم ورفعتنا جميعا وعلى الرجاء المبارك الموضوع أمامنا، فإن العبد المسيحي سيكون مع المسيح ومثله في المجد – سيكون العبد (في الأرض) واحدا من الذين يرنمو ن الترنيمة الجديدة في السماء قائلين. " وَجَعَلْتَنَا لِإلهنا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأرض " (رؤ5 : 10). ليت كلا منا يعيش بالامانة للرب في المركز الذي وضعه فيه هنا، منتظرين كلنا اللحظة السعيدة التي فيها يأتي الرب لينهي غربتنا في هذا العالم ويوجدنا معه في المجد الأبدي.

(10) " أخيراً يا إِخْوَتِي تَقَو وا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ "

وصلنا الآن إلى الجزء الختامى من هذه الرسالة، وهو الخاص بالحرب الروحية مع قوات الظلمة التي تحاول دائماً أن تحرمنا من التمتع ببركاتنا الروحية التي بوركنا بها في المسيح يسوع. فكما أن شعب الرب الأرضي قد اعطاهم الله أرض الموعد، الأرض التي تفيض لبنا وعسلا، وكان عليهم أن ينتصروا على أعدائهم الجبابرة لكى يمكنهم أن يمتلكوا الأرض عمليا ويتمتعوا بخيراتها، كذلك الأمر مع المؤمنين الحقيقيين الآن، فانهم، لكى يتمتعوا عمليا بكل بركة روحية، عليهم أن يجاهدوا للانتصار على قوات الظلمة التي تحاول حرمانهم من التمتع بهذه البركات السماوية.

يظن الكثيرون من المؤمنين خطأ أن أرض كنعان هي رمز للسماء التي يدخلها المؤمن بعد الموت، وأن نهر الاردن يرمز إلى الموت الجسدى، ولكن لدى التأمل في هذا الموضوع نجد أن الأمر يعكس ذلك، فانه بعد دخول الشعب أرض كنعان بدأت الحروب المتواصلة مع أعدائهم الذين قاوموهم بكل قواهم لمنعهم من التمتع ببركات تلك الأرض، فهل بعد انتهاء حياتنا من هذا العالم ودخولنا إلى السماء يكون هناك أعداء وتكون هناك حروب؟ أن كنعان، في الواقع، هي رمز بهذه البركات يجب أن ننتصر على أعدائنا الروحيين – ابليس وأجناده الذين لا يكفون عن مقاومتنا ليحرمونا من التمتع بهذه البركات.

" أخيراً يا إِخْوَتِي تَقَو وا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ " يا لها من كلمات مشجعة لنا نحن المؤمنين! فاننا في ذواتنا ضعفاء، واعداؤنا أقوى منا بكثير ولكن لنا كل الكفاية في الرب وفي شدة قوته، ومن المهم أن نتيقن بأن جميع المؤمنين، حتى ولوكانوا قد قبلوا الرب يسوع مخلصاً لهم من سنين كثيرة ولهم اختبارات وتدريبات روحية مباركة، فانهم لا شىء في ذواتهم، وانهم بأنفسهم أو بقوتهم لا يستطيعون أن ينتصروا على أعدائهم. فليكن لنا جميعا الإيمان بالرب والثقة فيه وفي شدة قوته. لقد رأينا في تأملاننا في الاصحاح الأول (ع19و20) أن عظمة قدرة الله الفائقة نحونا نحن المؤمنين هي حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات...الخ، فالقوة التي لحسابنا الآن هي نفس القوة التي أقامت المسيح من الأموات وأجلسته عن يمين ابيه في السموات، اننا في ذواتنا ضعفاء كالوبار " الْوِبَارُ طَائفةٌ ضَعِيفَةٌ وَلَكِنَّهَا تَضَعُ بُيُوتَهَا فِي الصَّخْرِ " (ام30 : 26) فمهما كان الاعداء الروحيون حبابرة فإن قوتنا هي في " الصخر " صخر الدهور. ولكى نتقوى في الرب وفي شدة قوته، علينا أن نمارس كل وسا)ط النعمة – أن نصلى كثير وأن ندرس كلمة الله ونلهج فيها باستمرار، كما يجب أن تكون لنا شركة مع المؤمنين الاتقياء – القديسين والأفاضل.

(11) " الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أن تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ ابلِيسَ "

تأملنا في الأعداد السابقة في البيت المسيحي، وكلما قرأنا تلك الأعداد الجميلة (ص5 : 22إلى 6 : 9) نجد أنفسنا في جولطيف مملوء بالبهجة والسلام. نعم كم هو جميل أن نقرأ في تلك الأعداد عن العائلة المسيحية حيث الزوج والزوجة يعيشان معا في جومشبع بالمحبة والوئام ولهما الهدف الواحد وهو مجد الرب يسوع المسيح، وحيث الأولاًد يربون بتأديب الرب وانذاره، وحيث السادة والعبيد يعرفون معا مسئوليتهم للسيد الاعظم الذي عاش هنا على الأرض " كالعبد " ولكنه الآن السيد الممجد عن يمين الاب في السموات، الا أن الروح القدس ينقلنا فجأة من هذا المشهد الجميل والمبارك، مشهد البيت المسيحي إلى مشهد آخر يختلف عنه كل الاختلاف – إلى مشهد الحرب الروحية والجهاد المقدس مع ابليس وأجناده الكثيرين، لذا يحثنا الرسول على أن نلبس سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ. وسنرى في الأعداد التالية أجزاء هذا السلاح مذكورة بالتفصيل قطعة بعد قطعة.

في الاصحاح الرابع من هذه الرسالة (ع24) يحثنا الرسول على أن نلبس ما يليق بنا كقديسين، أما هنا فيحثنا على أن نلبس ما يليق بنا كجنود للرب يسوع – أن نلبس سلاح الله الكامل – السلاح الذي أعده الله نفسه " إذ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللَّهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ " (2كو10 : 4). أن سلاح الله الكامل هو الذي به نقدر أن نثبت ضد مكايد ابليس. هذه هي إرادة الله من نحو كل مؤمن، أن يكون ثابتا " ضِدَّ مَكَايِدِ ابلِيسَ " ولنلاحظ أن الروح القدس يشير هنا إلى الثبـات ضـد " مكايد " ابليس أكثر مما إلى قوة ابليس. لقد انتصر الرب يسوع على قوة ابليس كما على مكايده (أو حيله وأساليبه) ذلك لانه عدوقد هزم بالصليب " لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ ابلِيسَ " (عب2 : 14) ويجب علينا أن ننظر اليه كعدو مهزوم. هذا ما أشار اليه الرسول يعقوب بقوله " قاومُوا ابلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ " (ص4 : 7) فمكايد ابليس هي التي يجب أن تثبت ضدها. انه عدو مخادع " وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إلى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! " (2كو11 : 14). انه عدو الله والمسيح وبالتالي هو عدو المؤمنين المدرب على المكايد والمخادعات. أن له ما يقرب من ستة آلاف سنة يعمل فيها بحيلة ومكايده، فقد ظهر أولاً لحواء في الحية التي هي أحيل جميع حيوانات البرية، وهو للآن " الحية القديمة " ، لكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح. اذن " الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أن تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ ابلِيسَ "

(12) " فإن مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السماويات "

لا ريب في أن الحروب التي تحدث بين البشر في العالم، ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الاختراعات الجهنمية الفتاكة، هي مروعة ومدمرة، ولكن القول هنا بأن مصارعتنا ليست مع لحم ودم، أي ليست مع البشر المنظورين مثلنا، يرينا بأن الحرب الروحية مع قوات الظلمة غير المنظورة هي أشد وأقسى، فإن الحروب البشرية هي بين إنسان وإنسان أو بين جيش وجيش، أو بين طائرات وطائرات وما إلى ذلك، بينما الحرب الروحية هي ضد ابليس وأجناده. إنها حرب ضد مملكة الظلمة الكبيرة " مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السماويات " ولا يمكننا أن ننتصر على هؤلاء الاعداء إلا إذا لبسنا " سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ " أن أعداءنا الروحيين هؤلاء يعملون بلا هوادة ولا مهادنة على حرماننا من العيشة لمجد الرب سيدنا وبالتالي من التمتع ببركاتنا الروحية السماوية. فمصارعتنا مع قوات الظلمة هي أقسى وأشد من المصارعة مع اللحم والدم إذ أن ابليس وكل مملكته مجندون باستمرار ضدنا نحن المؤمنين، ومن يجهل هذه الحقيقة يعرض حياته الروحية للاذى والخطر.

في رسالة بطرس الرسول الأولى، حيث يرى المؤمنون " كَغُرَبَاءَ وَنـزلاَءَ " في هذا العالم (ص2 : 11) يحثهم الرسول على التعقل والصحو " اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ ابلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائرٍ، يَجُولُ (في الأرض) مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هو " (ص5 : 8). أما هنا في رسالة أفسس فإن أعداءنا يرون " فِي السماويات " حيث المؤمنون قد بوركوا " بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السماويات فِي الْمَسِيحِ " (ص1 : 3) المسيح الذي قد تمجد عن يمين ابيه " فِي السماويات " (ص1 : 20) وهم (أي المؤمنون) قد أجلسوا معا " فِي السماويات فِي الْمَسِيحِ " (ص2 : 6)، حيث الرؤساء والسلاطين " فِي السماويات " يتعلمون بواسطتهم (أي بواسطة الكنيسة) حكمة الله المتنوعة. فالحرب الروحية اذن هي مع " رئيس سُلْطَانِ الْهواءِ " وأجناده غير المنظورين (ص2 :2). ولكن شكرا لله على معدات النعمة الغنية، فإن كنا لسنا كفاة من أنفسنا لمواجهة هؤلاء الأعداء الروحيين ولكن كل الكفاية هي في الرب يسوع وفي شدة قوته–هذا الذي به " يعظم انتصارنا "

(13) " مِنْ أجل ذَلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أن تُقاومُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أن تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أن تَثْبُتُوا "

يكرر الرسول الاشارة إلى أهمية " سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ " ففي عدد11 يقول " الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ " وهنا في هذا العدد يكرر ذلك بقوله " أحْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ " ذلك لأن كل أجناد مملكة الظلمة مصطفون ضدنا، لذلك يكرر الرسول الحث على أن نحمل السلاح كله " سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ " ، هذا السلاح الذي لا يمكن لقوتنا الذاتية أو لحكمتنا الجسدية أن تحل محله أو تغنى عنه. أن مسئولية كل مسيحي حقيقي هي أن يلبس سلاح الله الكامل وأن يحمله باستمرار. وهنا يجب أن نراعى أن هناك فرقا كبيرا بين لبسنا سلاح الله الكامل وبين اللباس الذي أعده الله لنا بنعمته الغنية. فإن كل واحد منا وضع ثقته في الرب يسوع وفي كفاية عمله لأجله فوق الصليب قد صار " بر الله فيه " أي في المسيح. لقد ألبسه الله أعظم حلة " الحلة الأولى " هذا هو مركزنا أمام الله في المسيح. وهذه الحلة أو هذا اللباس لا نضعه نحن على أنفسنا لأن الله هو الذي ألبسنا إياه، أما عند الحرب أو المصارعة فإن واجبنا نحن هو أن نلبس كل جزء من أجزاء هذا السلاح.

وليصغ كل مؤمن حقيقي إلى قول الرسول هنا " أحْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أن تُقاومُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ " لاشك أنه مادامت رحى الحرب الروحية دائرة باستمرار وفي كل مدة وجودنا في هذا العالم، فإن هذه المدة ينطبق عليها القول " الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ " ولاسيما من بعد صلب ربنا يسوع المسيح حيث سمى العدو ابليس " رئيس هذا العالم "

في الاصحاح الخامس من هذه الرسالة يحث الرسول المؤمنين على السلوك بالتدقيق " لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأيام شِرِّيرَةٌ " أما هنا فالتحذير أقوى وأشد أي يجب أن نحمل سلاح الله الكامل لكى نقدر أن نقاوم " الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ " ومع أن زمان الحرب والمصارعة، أعنى كل مدة وجودنا في هذا العالم، يمكن أن يوصف بأنه " الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ " إلا أن هناك أو قاتا خاصة فيها يختبر المؤمن فرديا قوة الحرب الروحية عليه وشدة مقاومة العدو العنيفة له بصور مختلفة. وعندئذٍ يكون الخطر عظيما إذا لم يكن صاحيا وحاملا السلاح الكامل. ووقت كهذا يمكن أن يقال عنه بحق بأنه " الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ " ويجب أن نراعى بأنه من واجبنا أن نكون مستعدين ومهيئين لمثل هذه الظروف القاسية أو ذلك " الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ " من قبل. فليس واجبنا هو أن نلبس سلاح الله الكامل عندما يجيء يوم شرير كهذا بل أن نكون لابسين هذا السلاح باستمرار حتى لا يفاجئنا العدو بقوته بل بالحري نقدر أن نقاومه وننتصر عليه.

ثم لنراع قوله " وَبَعْدَ أن تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أن تَثْبُتُوا " أي بعد أن تفوزوا بالنصر في " الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ " يجب أن تستمروا حاملين سلاح الله الكامل ومستعدين لأي هجوم آخر يفاجئكم به العدو، ذلك لأننا عند كسب المعركة الروحية، معرضون للاعجاب بأنفسنا والثقة في ذواتنا والاستناد على قوتنا، وفي ذلك كل الخطر على حياتنا الروحية. يجب ألا يغيب عن اذهاننا أن انتصاراتنا الروحية لا تعنى أن الحرب قد انتهت. انها حرب متواصلة ما دمنا هنا في هذا العالم، ولكن شكرا لله فانه بعد قليل سيأتي الرب من السماء ليأخذنا للمجد في بيت الاب، وهناك لا تكون حرب أو جهاًد بل سجود وابتهاج، فبدل لبس السلاح سنلبس هناك الاكاليل، وبدل الجهاد ستكون الراحة المجيدة في السماء.

الجزء الأول من سلاح الله الكامل
الصفحة
  • عدد الزيارات: 15039