الأصحاح العشرون
من ذا الذى يقدر أن يُعدد الويلات والقلوب المحطمة؟ والأجساد الذابلة قبل الأوان؟ والنفوس الهالكة؟ نتيجة لعدم المبالاة بالإنذار الوارد في افتتاحية هذا الأصحاح!
1. الخمر مستهزئة. والمُسكر عجّاج ومن يترنح بهما فليس بحكيم.
ما من رذيلة ابتُلي بها العالم؟ وخلفت له قدراً كبيراً من التعاسة والألم مثل إدمان الخمر. فإن ضحايا الكأس يُحصوَن بمئات الملايين؟ ومع ذلك فمازال الشيطان لا يجد أدنى صعوبة في استمالة الشبان الطائشين لكي؟ يطأوا يومياً تلك الطريق عينها التي طالما أغوت تلك الحشود الكثيرة للتلف والبوار.
للخمر - كأي شيء خلقه الله - مكانها الخاص. والكتاب نفسه يُقرّ بقيمتها الدوائية وباستعمالها قانونياً متى اقتضت الحال (1تي5). ولكن إذا أُسئ استعمالها؟ فسرعان ما تصبح شَركاً يحطم الإرادة ويتلف الحياة.
«الخمر مستهزئة»؟ تغرر بالشاب لإفساده؟ وتخدع الشخص الذي يزعم في فورة اندفاعه أنه قادر أن يعبّ الخمر منغمساً كما شاء؟ وأن يقلع عنها ويعافها عندما يرغب. بل هنالك بضع شخصيات من المؤمنين أغوتها بنت الحان فجلبت عليها الحزن والهوان. انظر نوح ولوط (تك20: 9؟21؟ 19: 30-36). راجع أيضاً ملاحظات ص 23: 29-35.
2. رعب الملك كزمجرة الأسد. الذي يغيظه يخطئ إلى نفسه.
راجع 19: 12. مكتوب «السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله» (رو13: 1) ومن هنا ضرورة الإقرار بسلطانهم؟ والخضوع لكل ترتيب بشري من أجل الرب (1بط2: 13). فمن يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله؟ ويغيظ الملك فيخطئ إلى نفسه؟ لأن غضبه ينصب على المتمردين.
ونستطيع أن نطبق الأقوال على ذلك الملك؟ الذي كل الملوك الآخرين هم رمز وصورة له. فمن ذا يقيس قوة غضبه يوم يجلس على كرسيه الملكي ليجري الدينونة على من يزدري بنعمته؟ لقد اختبر حانون «غضب الملك» يوم رفض معروفه (2صم10).
3. مجد الرجل أن يبتعد عن الخصام وكل أحمق ينازع.
راجع 17: 14. شيء غريب تلك الكبرياء التي تجعل الإنسان لا يعترف بخطئه؟ أو يتراجع بالنعمة من أجل السلام؟ حتى لو أحس أنه على صواب؟ بشرط عدم تعريض المبادئ الإلهية للخطر. وفي هذا الصدد ما أحوجنا إلى تلك الكلمة: «ليكن حلمكم (أو خضوعكم) معروفاً عند جميع الناس» (في4: 5). إن رجل الله على استعداد دائماً للتسليم والتنازل عن حقوقه؟ حتى لا يطيل الخصام. ولكن الأحمق يستطرد في الخصومة؟ ويتدخل في أمور ماكان يجب أن يساهم فيها؟ وهوذا رجل مثل يوشيا؟ رغم أنه كان مكرساً؟ ولكنه فشل؟ لأنه لم يتعلم هذا الدرس (2أي35: 20-24).
4. الكسلان لا يحرث بسبب الشتاء فيستعطي في الحصاد ولا يُعطى.
إن الكسلان؟ وهو على استعداد لأن يهجر عمله لأية علة؟ يهمل زراعة حقله؟ بينما جيرانه دائبين على العمل. فمتى جاء الحصاد؟ لا يعطى حقله ثمراً؟ فيستعطي من جيرانه الأوفر حظاً. والواقع أنه لا دخل لما يسميه الناس "حظاً" في هذا الأمر؟ فإن اجتهادهم له مجازاة؟ كما أن تكاسلهم له نتائجه الطبيعية (قارن 19: 15؟24).
5. المشورة في قلب الرجل مياه عميقة وذو الفطنة يستقيها.
راجع 18: 4. قرأنا أكثر من مرة أن الأحمق وحده هو الذي في صخب كثير؟ يصب سيلاً من الأقوال في كل مناسبة (راجع ص17: 27؟28و18: 7). لكن الأمر يختلف مع الذكي؟ فأقواله قليلة ولا يتكلم إلا في المناسبة؟ ليس لعدم المعرفة الصحيحة أو القصور عن التعليم؟ بل هو يفضل أن ينتظر وقته. وهناك في أغوار قلبه؟ كما في بئر؟ يخفي المشورة والحكمة بسبب وقاره. قد يظنه الجهال أدنى منهم؟ لكن ذو الفهم يقدر أن يستقي ما هو للفائدة؟ وفي اللحظة المناسبة. انظر يوسف وفرعون (تك41).
6. أكثر الناس ينادون كل واحد بصلاحه؟ أما الرجل الأمين فمن يجده؟ 7. الصديق يسلك بكماله؟ طوبى لبنيه بعده. 8. الملك الجالس على كرسي القضاء يذري بعينيه كل شر. 9.من يقول إني زكيت قلبى تطهرت من خطيتي؟ 10. معيار فمعيار مكيال فمكيال كلاهما مكرهة عند الرب. 11. الولد أيضاً يُعرف بأفعاله هل عمله نقي ومستقيم؟ 12. الأذن السامعة والعين الباصرة الرب صنعهما كلتيهما.
واضح أن بين كل مثل في هذا القسم رابطاً أدبياً؟ لأن الأمثال جميعها تتناول موضوع الطهارة واختبارها. فأكثر الناس يعلنون كل واحد استقامته وأفضاله؟ كما فعل أيوب قبل أن يرى الرب. لكن الرجال الأمناء الذين يبررون الله - رغم كذب ادعاء الإخرين - هم في الواقع قليلون. وأليهو شخصية من هذا النوع؟ لأنه كان يتكلم بالنيابة عن الله. فأيوب في الأصحاحات من 29-31 يدافع عن نفسه؟ وأليهو في الأصحاحات 32-37 يبرر الله.
أما الرجل البار فعلاً (وقد صار هكذا بالنعمة) فيعلن البر بسلوكه؟ وليس بمجرد إقرار شفتيه. وأولاد مثل هذا الإنسان يُبَاركون بعده. وإبراهيم مثل لامع لهذه الحقيقة (تك17: 1-9).
وإن كان هناك مَنْ هو عادل؟ فهو الملك الذي يجلس على كرسي القضاء ويذري بعينيه كل شر. ولكن حتى بين هؤلاء (أو بين الناس بوجه عام) من ذا يجسر أن يقول «إني زكيت قلبي؟ تطهرت من خطيتي»؟
إن المعايير الغير المتعادلة شهادة على انعدام الكمال من جانب الكثيرين. وجميعهم أشرار في نظر الرب. انظر ص16: 11 ولاحظ عدد 23 من هذا الأصحاح
وحتى في بالنسبة للولد؟ فإن طرقه وأفعاله تفصح عن طبيعته؟ كما في حالة صموئيل الصغير في الهيكل (1صم3: 18-21). فماذا يقال عن المتقدمين في السن وعليهم المسئوليات؟
واضح إذاً؟ أنه ليس إنسان باراً في ذاته. لكن الرب يمنح المتكلين عليه؟ العين المبصرة؟ والأذن المصغية؟ لكي يروا ويصنعوا مشيئته ويسمعوا صوته. حيث أنه عند التخلي عن الادعاء بالطهارة الذاتية؟ فالذين يقبلون المسيح يجدون في شخصه العزيز تلك الطهارة.
13. لا تحب النوم لئلا تفتقر. افتح عينيك تشبع خبزاً.
انظر ع4؟ 6: 9-11؟ 24: 33؟34. كثيرة هي الإنذارات ضد التكاسل والرخاوة. النوم يكسو الإنسان بالخرق البالية؟ إنما العامل والمجتهد هما اللذان يكافآن عن تعبهما. «استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح» (أف5: 14)؟ هذه كلمات منشطة يوجهها الروح القدس للمؤمنين الذين ينامون في عالم كان المفروض أن ينتبهوا فيه إلى قيمة الوقت الذي يمضي عاجلاً «فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أف5: 15؟16). لقد كانت الراحة وراء سقوط داود في خطيته المحزنة (2صم 11: 1؟27).
14. ردىء؟ ردىء يقول المشتري وإذا ذهب فحينئذ يفتخر.
هذا النوع من الخداع كم هو شائع! وهو طابع البُطل الذي يميز المشتري. فإنه يبخس السلعة التي يهفو إليها قلبه ليبتاعها بأفضل الشروط؟ وفي أخِر الأمر يصل إلى الموافقة على الثمن الذي يعرضه؟ فيمضي إلى سبيله مبتهجاً بذكائه ومهارته؟ فخوراً بقدرته على الشراء بأسعار منخفضة. على أن هناك عيناً أقدس من عين الإنسان تنظر إليه وتلاحظ كل حركة وكلمة وفكر؟ ويوم الحساب قادم سريعاً. انظر أفرايم (هو12: 7؟8).
15. يوجد ذهب وكثرة لآلئ. أما شفاه المعرفة فمتاع ثمين.
إن الذهب واللآلئ لا قيمة لها بالقياس إلى الشفاه التي تحفظ معرفة. فلا ثمن يمكن أن يُقوّم به حق الله الثمين؟ تلك الحكمة النازلة من فوق. (انظر 2: 1-5ومز119: 72 ).
16. خذ ثوبه لأنه ضمن غريباً ولأجل الأجانب ارتهن منه.
راجع ص6: 1-5؟ 11: 15. إن الخراب والدمار يتعقبان خطوات من - بغير حكمة - يضمن آخر؟ أو من يتعامل مع المرأة الأجنبية. أما طريق السلامة الوحيد فهو أن يتبرأ الإنسان من كليهما. إن مسايرة الزمن والناس؟ معناها الترحيب بالهزيمة. لكن الذي يستطيع أن يقول "لا" ويُصرّ عليها حين يكون عرضة للانحياز إلى أحد الجانبين؟ فهو وحده يكون في أمان. ومن لا يسمع لابد أن يختبر مرارة نفسه. انظر يهوذا (تك 38).
17. خبر الكذب لذيذ للإنسان ومن بعد يمتلئ فمه حصى.
إنما إلى لحظة عابرة تنجح الخديعة. أما نتيجتها التامة ففيما بعد. وبدلاً من الوجبة اللذيذة الدسمة؟ يمتلئ فمه بالحصى؟ الإمر القاسى والمخيب للآمال. (انظر مت26: 14-16؟ 27: 3-5).
18. المقاصد تثبت بالمشورة وبالتدابير اعمل حرباً.
إن الاندفاع والتهور أمران يؤسف لهما. فقبل أن تبدأ عملاً؟ من الأحسن أن تحسب النفقة؟ وتستشير من يُعرف عنهم الحكمة والفطنة. والرب؟ له المجد؟ توسع في هذا المثل حين قال «وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولاً ويتشاور هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفاً. وإلا فما دام ذلك بعيداً يرسل سفارة وليسأل ما هو للصلح» (لو14: 31؟32). انظر رحبعام وشمعيا (2أي1: 11-4).
19. الساعي بالوشاية يفشي السر. فلا تخالط المفتح شفتيه.
راجع ملاحظاتنا عن 11: 13و18: 8 و25: 23. إن ذاك الذي يتملق في الوجه يشي في الظَهر. وبالأقوال الملساء والأساليب الملتوية يحاول أن يكسب ثقة فريسته؟ مظهراً استحسانه؟ وهكذا يطلق لسانه من عقاله حتى يتحدث بأمور كان من الأصوب احتجازها. وبعد ما خادعه واكتشف ما في قلبه؟ يذهب للآخرين ويصب في آذانهم ما عرفه؟ ويتملقهم بنفس الأسلوب؟ موحياً لهم بأنهم الوحيدون الذين يفضي إليهم بتلك المعلومات. هل من أخلاق أدعى للمقت والاحتقار من هذه؟ وإذ يتجرد مثل هذا الشخص من المبدأ الأدبي ومن التقوى؟ فإنه إذا ما وجد في وسط جماعة مسيحية فإنه يكون مصدر مساوئ لا يعبّر عنها. والخطة المأمونة هي الرفض القاطع للاستماع إلى هذا "المفتح" أو "المتملق بشفتيه". وإذ ذاك نخلص من أحزان كثيرة. فإن الشخص الذي يمتدح المستمع إليه بينما هو يشي بآخر؟ خليق بأن نعامله بالروح التي أظهرها داود إزاء الرجل العماليقي الذي أبلغه خبر موت شاول (2صم1: 1-16).
20. من سب أباه أو أمه ينطفئ سراجه في حدقة الظلام.
راجع 19: 26. صحيح أنه ليس كل الآباء كاملين في طرقهم؟ على أنهم – نظير السلطات المدنية – جديرون بالكرامة من أجل عملهم. هم يأخذون مكان الله بالنسبة للأولاد. فإكرام الأب والأم؟ إكرام لله الذي خلقنا ونظّم قيام العائلات؟ وأسكنها في وحدة في بيت. ولذلك فمن يسبّ أبويه سيجد نوره قد انطفأ؟ ونفسه قد طواها الظلام. حتى ولو ظهر فشل الأم أو الأب؟ فإن الابن الحكيم يعمل على ستر عارهما؟ وإنما الابن الغبي هو الذي يذيع فضيحتهما. وهكذا كان حام (تك9: 22).
21. رُب مُلْك معجل في أوله. أما آخرته فلا تُبارَك.
انظر 21: 6 و28: 20. إن الكنـز المكدس على حساب الضمير والشرف؟ لا يؤتي إلا قليلاً من العزاء. لأن بركة الرب التي «تغني ولا يزيد معها تعباً» لا تكون على ذلك الكنـز «حجلة تحضن ما لم تبض محصل الغنى بغير حق. في نصف أيامه يتركه وفي آخرته يكون أحمق» (إر17: 11). وأولئك الذين يعقدون العزم أن يجمعوا ثروة مهما تكن الكلفة؟ سيتعلمون بمرارة النفس أنهم أخطأوا الكنـز الحقيقي الدائم الذي يمكن أن يهب القلب شبعاً وسروراً في اقتنائه. اقرأ كلمة الله للأغنياء الذين جمعوا ثرواتهم بمقاومة الفقراء (يع5: 1-6).
22. لا تقل أني أجازي شراً. انتظر الرب فيخلصك.
ليس أشق على بعض المؤمنين من أن يتعلموا كيف يستودعون الرب كل شئونهم؟ وبخاصة حينما يشعروا أنهم مظلومون. بيد أنه واضح من الكتاب المقدس أن القديس لا يفعل خطية أعظم من أن يتناول مسائله بمثل الطريقة التي يشير بها العدد الذي أمامنا. فليس أوضح من الوصية القائلة «لا تجازوا أحدا عن شر بشر... لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكاناً للغضب لأنه مكتوب لي النقمة؟ أنا أجازي؟ يقول الرب» (رو 12: 17-19). إذاً؟ محاولة مقابلة الشر بالشر؟ إزاء أقوال كهذه؟ إنما هو تمرد مباشر ضد الله؟ ولا عجب أن نكون بهذا قد جعلنا من الكلمة ثوباً كله رقع! أما القديس الذي يعترف بأن كل شيء هو بسماح الرب ولخيره؟ فيحني رأسه أمام العاصفة؟ عالماً أن الله على استعداد للتدخل في اللحظة المناسبة. فإن الانصراف عن الإنسان الذي أحزننا؟ واهتمامنا بأن نرى من خلف هذه العاصفة أن مقاصد أبينا تتم؟ هذا يمنح راحة وعزاء للنفس المجرّبة. وهذا الخلق هو الذي صان داود حين كان شمعي بن جيرا يسبّه ويرشقه بالحجارة (2صم16: 5-12). إن القصة كلها من رقة العاطفة بحيث يعز عليّ إلا أن أقرأها جميعاً وبخاصة هذه الكلمات الفاحصة من فم داود المجرَّب؟ التي تنبئ عن نفس متذللة تعرف مكانها أمام الله «دعوه يسب لأن الرب قال له سب داود» ثم قوله فيما بعد «دعوه يسب لأن الرب أمره». اقرأ 2صمموئيل 16: 5-12.
وإني أشك في أن يكون داود في كل تاريخه الروحي قد وصل إلى مستوى من الثقة المقدسة في الله أرفع من هذا المستوى وهو في أعمق تجربة. فإن سباب شمعي المليء بالحقد؟ وعلى قارعة الطريق؟ وفي فترة حزينة كهذه؟ لابد أنه طعن روحه بجراح أليمة. لكنه أحنى رأسه خضوعاً. وعوض أن ينتقم من شمعي أو يبرر ذاته من اتهاماته؟ سار في طريقه في ثقة الخضوع؟ وعلى فمه قولة كريمة «دعوه يسب» لأنه تقبل الكل من الرب نفسه.
لم يكن شمعي سوى أداة سلّطها الشيطان؟ لكن بسماح الرب؟ وذلك لتأديب داود. وهو ينظر إليه من هذه الزاوية ويغض الطرف عن العلل الثانوية ناظراً للعلة الكبرى؟ الرب نفسه. هذا شيء مبارك جداً؟ وليت كل قديس مجرّب يحتذي هذه القدوة.
وقد جاء اليوم الذي تذلل فيه شمعي عند أقدام الرجل الذي أشبعه سباباً؟ وأقرّ على مسمع من الجماهير بأنه أخطأ «لأن عبدك يعلم أني قد أخطأت» (2صم19: 16-23)؟ وماذا كان من داود؟ لقد امتدح حلمه الملكي في المغفرة؟ وتلك نصرة أعظم من نصرة الانتقام. على أنه فيما بعد؟ طبقاً لسياسة الله العادلة؟ حكم عليه بالموت من أجل خيانته التي اتصف بها؟ وذلك في أيام سليمان. ومكتوب «وأما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة» (كو3: 25). وفى ضوء ما تقدم فلا دخل لي بالقضاء؟ وليكن دورى هو الخضوع لكل طرق الله والاعتراف بأن يده في كل ما يزعجني.
23. معيار فمعيار مكرهة الرب. وموازين الغش غير صالحة.
انظر ع10. إن المعايير المختلفة هي اختبارات منوعة لأشياء متخالفة بحسب علاقتها بالإنسان. لكن المسيحي يجب أن يتصف بقياس واحد من البر؟ بميزان صادق؟ بمعايير أمينة. نحن غالباً ما نجد الناس يطبقون هذه المعايير المتنوعة في قياس أخلاق بعض الأشخاص. نبرر الغلطة إذا صدرت منا؟ ونحكم عليها الحكم القاسي إذا صدرت من غيرنا. ولكن الغلطتين توزنان في موازين القدس بمعايير واحدة. والله يريد أن تكون موازيننا على نمط موازينه؟ أما العكس فمكرهة عنده. اقرأ عن نصف الشاقل (خر30: 15).
24. من الرب خطوات الرجل. أما الإنسان فكيف يفهم طريقه؟
يقرّ النبي إرميا بهذه الحقيقة الخطيرة ذاتها «عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقه؟ ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته». ولذلك نسمعه يقول «أدّبني يارب ولكن بالحق؟ لا بغضبك؟ لئلا تفنيني» (إر 10: 23؟24). أما فيما يختص بنا فيمكن أن يقال لنا «إنكم لم تعبروا هذا الطريق من قبل»؟ وهي حقيقة تنطبق على كل خطوة من رحلتنا في هذا العالم. ففي كل يوم ندخل مشاهد جديدة واختبارات جديدة؟ ومن هنا حماقة الاعتماد على حكمتنا القاصرة في محاولة فهم طريقنا. واحد هو الذي يعلم النهاية من البداية؟ وعنده الكل حاضر أبدي؟ فمن غيره يهدي خطواتنا؟ إذاً؟ فطوبى للمؤمن الذي يسلم للرب كل طرقه؟ ويغني بقلب واثق ونفس مستريحة راحة مقدسة «في يدك أوقاتي». ولمثل هذا قال الرب «أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها؟ أنصحك. عيني عليك» (مز32: 8). على أن هذه القيادة اليومية إنما هي نصيب المؤمن الخاضع الطائع. أما الآخرون فلابد أن يختبروا قيادة أخرى؟ هي لجام وزمام الظروف والضيقات. انظر إسرائيل عند الأردن (يش3: 4).
25. هو شرك للإنسان أن يلغو قائلاً مقدس وبعد النذر أن يسأل.
الإشارة هنا – كما يبدو – تتجه إلى أمرين مرتبطين معاً؟ ينطويان على تهكم جارح قُصِد به التأثير على الضمير. فالتسرع في القول عن شيء أنه مقدس قبل الفحص والسؤال؟ ثم التعهد بنذر عن أمر ما يُسأل عنه فيما بعد؟ هذان أمران من الحماقة والخطر؟ يتخلف عنهما حزن وتعب. وفي موضع آخر يتحدث سليمان عن هذه الغلطة بالذات في جامعة 5: 4-7.
إن عادة النذور تتعارض تماماً مع روح التدبير المسيحي الذي تملك فيه النعمة. فتحت الناموس كان ممكناً للإنسان أن يتعهد بمثل هذه التعهدات؟ يوم كان الله يطلب من الإنسان شيئاً. وقد كان نذر بولس نذر النذير؟ قطعه على نفسه قبل تجديده (أع18: 18). ومن الأهمية بمكان أن يستوثق الناذر من أن تعهده أو نذره بحسب فكر الله؟ وذلك قبل تنفيذه. وبهذه المناسبة انظر نذر يفتاح المتسرع ونتائجه المريرة (قض11: 30-40).
26. الملك الحكيم يشتت الأشرار ويدير عليهم النورج.
لم يتثبت عرش من العروش في سلام مع انتشار الأثمة والظالمين بين الشعب. فمن الضروري إذاً لصون المجتمع؟ وسلام الأبرار؟ كما ولاستقرار الحكم؟ أن يباد أولئك المقاومون. ولذلك فإنه قبل إقامة الملكوت الألفي سوف يُقتَلع الأشرار من الأرض (انظر إش 63؟ رؤ19).
27. نفس الإنسان سراج الرب يفتش كل مخادع البطن.
روح الإنسان ليس مجرد نفخة بلا شخصية. مكتوب أن الرب هو «جابل روح الإنسان في داخله» (زك12: 1). فبالروح يقدر أن يفكر ويخطط؟ وأن يزن الوقائع والأدلة؟ وأن يدرك الأشياء المادية والأمور الروحية. «لأن مَنْ مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟» (1كو 2: 11). وواضح هنا أن الروح هو مركز الفهم والادراك. فهل من الصواب إذاً استبدال "روح" بكلمة "نفخة" في أي عدد من هذين الاقتباسين؟ ليقال فيهما أن الله جبل نفخة أو نسمة الإنسان كشيء له ذاتية في داخله؟ وأنه بواسطة هذه النفخة أو النسمة يدرك الأمور الخاصة به؟ وبرغم ما يدعيه السفسطائيون ضد الكتاب؟ فواضح أنه يعلِّم بشخصية أو ذاتية روح الإنسان.
يقال عن الروح هنا سراج الرب؟ ولا يقال نور الرب. فالسراج (أو المصباح) هو الآنية التي تحمل النور المنبثق من الله؟ وهو من الله فروح الإنسان تتقبل النور وتحفظه؟ فتنير كل جزء من كيانه الأدبي؟ وهذه الخاصية هي التي تميزه وتمنحه الأولوية والسيادة على كل الخلائق الدنيا. فما أوسع الشقة القائمة بين أدنى أنواع الإنسان بما له من كفايات ومقوّمات النور الإلهي؟ وبين أرقى أنواع الحيوان التي لابد أن تبقى إلى الأبد بلا حس أو وعي للتعليم الروحي!
إن البدائي الهمجي الممعن في البدائية؟ يتلمس الله لأن روحه سراج الرب؟ مهما يكن ضئيلاً النور الذي يضئ. لكن خذ الحيوان ودرّبه إلى أسمى نقطة في الذكاء الحيواني؟ فإنه لا يُظهر أي تقدير للمسئولية إزاء الخالق؟ أو إحساس للمدارك الروحية. هذه الحقيقة تكفي وحدها لأن تهدم إلى الأبد نظرية التطور كما ينادي بها داروين وهكسلي؟ والتي يتقبلها بشغف كثيرون ممن هم على استعداد لأن يركضوا وراء ما يبدو جديداً؟ خاصة إذا بدا من هذا الجديد أنه يُقصي الله من الكون الذي هو له.
وعن طريق الروح يكلم الله الإنسان. وبه يسكب نوره في كل مخدع في كيانه. وهذا هو ما ينشيء الإحساس بالحاجة إلى الله والحنين إليه. لأنه في الحالة الطبيعية «ليس من يطلب الله». ولكن عندما تقبل النفس شهادته وتنحني أمامه بالتوبة؟ فإن روحه القدوس؟ من خلال كتاب الحق؟ «يشهد لأرواحنا (أو مع أرواحنا) أننا أولاد الله». انظر إيليا والصوت المنخفض الخفيف (1مل19: 11-13).
28. الرحمة والحق يحفظان الملك وكرسيه يسند بالرحمة.
رأينا في ع26 أن حكمة الملك أن يجري الحكم على أعدائه. وهنا يذكرنا الوحي بالجانب الآخر من سماته. فإن عرشه يستقر على البر؟ لكن الرحمة هي التي تسنده. فالرحمة والحق ضروريان. نعم. فإن «النعمة والحق بيسوع المسيح صارا»؟ وحين يملك سيتجلى الاثنان في كمال تام (إش32).
29. فخر الشبان قوتهم وبهاء الشيوخ الشيب.
انظر 16: 31. لكل شيء زمان ووقت؟ سواء في النظام الطبيعي أو في تدبير النعمة. فالشاب يسرّ بأعمال القوة ويفتخر بعنفوانه البدني. لكن الشيخوخة هي زمن التأمل والوقار؟ وهذا ما تذكرنا به الشيبة التي هي في الواقع جميلة بهية في مكانها. والرسول يوحنا يتناول في رسالته الأولى الأفكار عينها من زاوية روحية. فالأحداث عنده هم الأقوياء في الإيمان؟ وكلمة الله ثابتة فيهم؟ وقد غلبوا الشرير. أما الآباء فلا يزيد في كتابته إليهم عن القول «قد عرفتم الذي من البدء». فإن معرفة المسيح الاختبارية هي التي تزداد سعة وعمقاً بمرور السنين (1يو2: 13؟14).
30. حُبُر جرح منقية للشرير وضربات بالغة مخادع البطن.
قد يحتاج الأمر عند علاج حالة التسمم إلى زيادةفي الألم والوجع. والجرّاح الماهر لا يعنى دائماً بشفاء الجرح فوراً. فهناك في الغالب التهابات غاية في الإيلام ولكن نتيجتها حسنة. هكذا الحال في معاملات الله؟ حينما يتساهل أولاده مع النجاسة؟ فقد توضع عليهم ضربات وأحزان. الغرض منها أن يتطهر كيان الإنسان من كل شر مستتر؟ وذلك بواسطة الحكم على الذات؟ والاعتراف الكامل في حضرته. إن الكاتب المجهول الذي كتب مزمور المرحضة؟ ليس هو الوحيد الذي استطاع أن يقول «قبل أن أذلل أنا ضللت؟ أما الآن فحفظت قولك» (مز119: 67). فكما أنه ليس بحكيم ذاك المريض الذي يعارض الطبيب في محاولات تنظيف الجرح من الشوائب التى يمكن أن تعطل الشفاء الفعّال؟ والتي إن بقيت يمكن أن تتسبب فى حالة تسمم كلي؟ هكذا المؤمن الجاهل هو الذي يضجر تحت يد الآب المؤدبة ويحاول أن يتخلص من الضربات عوض أن «يسمع للقضيب ومن رسمه» (مي 6: 9).
- عدد الزيارات: 3664