الإصحاح التاسع عشر
الثلاثة الأمثال الأولى مترابطة معاً ترابطاً وثيقاً ويحسن أن نتناولها معاً:
1. الفقير السالك بكماله خير من ملتوي الشفتين وهو جاهل. 2. أيضاً كون النفس بلا معرفة ليس حسناً والمستعجل برجليه يخطأ. 3. حماقة الرجل تعوج طريقه وعلى الرب يحنق قلبه.
هذه مقارنة بين طريق الحق وطريق العناد والجهل. فخير للإنسان أن يكون فقيراً مجهولاً؟ لكن سالكاً قدام الله بالاستقامة وكمال القلب؟ من أن يتكلم بصوت مرتفع وهو أسير الجهل والالتواء.
لا يصح مطلقاً أن يكون الجهل محل إعجاب. كما أن مبدأ أهل العالم الذي يقول وينادى بأنه "إذا كان في الجهل هناء وسعادة فمن الحماقة أن تكون حكيماً" لهو مبدأ كاذب وغبي وسخيف. فالتجرد من المعرفة ليس بالأمر المستحًب؟ كما أن مجرد الغيرة والحماسة ليس كافياً لحفظ صاحبها في طريق الصواب. فقد يكون الإنسان مخلصاً؟ لكنه إخلاص مغلوط؟ كما كان الأمر مع شاول الطرسوسي قبل تجديده (أع26: 9). كما أن الذي يركض دون معرفة مشيئة الله؟ يضيف إلى خطيته خطية؟ حماقتة تقوده إلى الضلال؟ وخداع قلبه يثور ضد الرب؟ فهو عاكف على طريقه ولا يقبل التوبيخ. انظر يونان وهو يعمل في عناده (يون1: 3؟4: 8؟9).
4-الغنى (أو الثروة) يكثر الأصحاب والفقير منفصل عن قريبه.
الإنسان الذي في ميسرة يجد كثيرين ممن يطمعون في صداقته؟ بينما المعوز يجد من فقره سبباً لانفصال قريبه عنه. ذلك أن هذا العالم؟ مهما أحسنّا الظن به؟ فإنه عالم بارد خال من المشاعر.
على أن هناك مفهوماً آخر مبرراً وجائزاً؟ وهو كسب أصدقاء عن طريق الثروة. فقد أوصى الرب تلاميذه قائلاً « اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية» (لو16: 9)؟ فإن الغني إذا استعمل للتخفيف عن الآخرين؟ وفي نور الدهر الآتي؟ فإنه يكون وسيلة لبركة كثيرة. فحينما تنتهي حياة مثل هذا الشخص؟ الذي يستخدم أمواله على هذه الصورة الجميلة؟ فانه سيجد في انتظاره جمهوراً من الأصدقاء ممن كانوا غرض وموضوع إحساناته المسيحية على الأرض؟ يرحبون به في بيت المفديين الأبدي. لاحظ الأعداد 6؟7؟17 من إصحاحنا. هذا وأن البار لا يراعي الأغنياء اكثر مما يراعي الفقراء. (انظر أيوب34: 19؟ يع2: 1-9).
5-شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب لا ينجو.
إن دينونة الله هي بحسب الحق؟ وهو تعالى يهتم يومئذ بأن «كل تعد ومعصية ينال مجازاة عادلة». قد يبدو أن النصرة حليف الكذب في الوقت الحاضر؟ لكن الحق لا بد أن ينتصر في الوقت المعين. انظر الشهود ضد نابوت اليزرعيلى (1مل21: 8-13).
6. كثيرون يستعطفون وجه الشريف وكل صاحب لذي العطايا. 7. كل اخوة الفقير يبغضونه فكم بالحري أصدقاؤه يبتعدون عنه. من يتبع اقوالاً فهي له.
(راجع ع 4). هنالك علي الدوام جماهير من الناس يخدمون الشريف ويقومون بدور الأصدقاء لمن يحسن إليهم. ولكن ما أعظم الفارق بين هذا الصنف من الناس؟ وبين روح سيدنا الذي اتهم بأنه يقبل خطاه ويأكل معهم (لو15: 1)؟ ذاك الذي لم يرغب في بسمات العظماء؟ كما لم ترهبه عبوسة وجوههم! وبروحه أوصى من يريدون أن يتبعوه في خطواته؟ أن يكون طابعهم «غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين» (رو12: 16).
نحن نعمل كأهل العالم حين نفضل الأغنياء والعظماء علي المعوزين وغير النبلاء بحسب الظاهر. لكن ليذكر المسيحي أن سيده قد ظهر علي الأرض كواحد من الفقراء؟ احتقره اخوته وابتعد عنه أصدقاؤه؟ مع أنه كان يلاحقهم بالتوسلات اللطيفة؟ ولزام علي أولئك المرتبطين الآن معه بالنعمة في البركة؟ أن يبقوا في أذهانهم الاهتمام الحبي بالمحتاجين والمعوزين.
8. المقتنى الحكمة يحب نفسه؟ الحافظ الفهم يجد خيراً.
إن الكلمة العبرية المترجمة هنا "حكمة" يُقصد بها الرأي السليم أو الذوق السليم (انظر15: 21). الذي يسعى إلى اقتناء الحكمة يحسن إلى نفسه؟ والذي يجد الفهم يجب أن يحفظه؟ أي يحرسه كما يحفظ كنـزاً ثميناً (ص20:16)؟ فيجد خيراً جزيلاً. إن السلوك في الاستقامة الأدبية؟ والتمسك بالفهم يمنح الإنسان سلاماً حقيقياً وسعادة دائمة. (انظر 2تيموثاوس3: 14؟15).
9. شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب يهلك.
هذه العبارة ليست تكراراً للعدد الخامس الذي يقول أن المتكلم بالأكاذيب لا ينجو؟ فهو هنا فيحدثنا عن القضاء الذي يلحق به؟ إنه يهلك؟ بمعنى أن كل آماله تقطع وتنتزع؟ أما هو فيمضي إلى ظلام. وإذ ينكسر تحت وطأة دينونة الله؟ يعاني هناك ويلات العذاب الأبدية التي لا يعبَّر عنها (رؤ21: 8).
10. التنعم لا يليق بالجاهل كم بالأولى لا يليق بالعبد أن يتسلط على الرؤساء.
كلا الأمرين في غير محله. فإن تحكم وتسلط العبد على الرؤساء؟ وتربية أو تنشئة الجاهل في الرفاهية والتنعم؟ كلاهما ليسا لائقين. قد تنشأ ظروف يفقد الرئيس فيها كل معونة؟ مما يضطره إلى الاعتماد على رأي واحد ممن هم أقل منه مكانة؟ لكن العبد الحكيم يستخدم هذه السلطات بالتدبر؟ محتفظاً بمكانه كمرؤوس؟ ولو إن كل شيء يكون بين يديه. ويوسف مثال جميل لهذه الحقيقة (تك47: 14-20).
11. تعقل الإنسان يبطئ غضبه وفخره الصفح عن معصية.
انظر ص 14: 29. إن الطبع غير المرَّوض؟ الذي يتجلى في الغضب المتعجل غير المحكوم عليه؟ يدل على أن صاحبه رجل لم يتعلم في مدرسة الله ذلك الدرس العظيم؟ درس الحكم على الذات وضبط النفس. فإن المتحذلق المتعجرف المغرور بالذات؟ هو الذي لا يقدر أن يتجاوز أو يصفح عن أذى يلحق به؟ بل يصبّ جام غضبه على من أذنب إليه؟ متى سنحت له الفرصة. لكن الإنسان صاحب الرأي السديد والتعقل قد تعلم أن يصفح عن الأخطاء والإهانات المقصودة؟ التي قد تكون بمثابة إهانات تستفز عديم الحكمة لمزيد من السخط. وفي هذه الناحية؟ يظهر عيسو؟ رغم الفشل الذي ظهر في نواحي أخرى كثيرة في حياته؟ بمظهر جميل؟ حيث استقبل يعقوب أخاه استقبالاً حسناً؟ في فضل وشهامة؟ دون أن يشير إلى غلطة أخيه ومعصيته (تك33: 4-9).
12. كزمجرة الأسد حنق الملك وكالطل على العشب رضوانه.
«حيث تكون كلمة الملك فهناك سلطان»؟ ولذلك فان حنقه؟ أي غضبه؟ مدعاة للخوف؟ ورضوانه حافز للاجتهاد والسعي إليه. وكم بالأحرى تنطبق هذه الأقوال كل الانطباق على الملك العتيد؟ الأسد الخارج من سبط يهوذا؟ حين يجيء يوم غضبه العظيم؟ فما أشقى يومئذ حالة أولئك الذين لا يعرفون نعمته؟ التي هي للتائب مثل الطل على العشب! وكلتا الصورتين نراهما في تصرف فرعون مع رئيس السقاة ورئيس الخبازين (تك40).
13. الابن الجاهل مصيبة على أبيه ومخاصمات الزوجة كالوكف المتتابع.
الشق الأول يرتبط مع ص17: 25؟ وما أتعس البيت الذي يوجد تحت سقفه ابن جاهل وزوجة مخاصمة! ومن المرجح أنهما يتفقان معاً؟ فحين تنازع الزوجة زوجها في السلطان وتنحاز لأولادها للوقوف في وجه تأديبه المعقول؟ فالنتيجة بالنسبة لهم لن تكون خيراً.
وإنه لأمر شائع جداً أن نرى الأبوين يتنازعان ويتخاصمان على مرأى ومسمع من أفراد البيت؟ الأمر الذي يؤدي بالبنين والبنات إلى أن يتعلموا أن يزدروا بسلطان الأب؟ ويتحدّوا توبيخ الأم إن حاولت ذلك. وهكذا ينشأون ويشبّون على روح متمردة؟ لا تعترف بالقانون؟ عاكفين على سلوك طرقهم الخاصة ومصّرين على رفض الخضوع للتأديب المعقول. وجدير بالوالدين المسيحيين أن يمعنوا النظر جيداً في النصائح والإرشادات المقدمة لكل فريق في رسائل أفسس وكولوسي وبطرس الأولى. ونرى صورة مؤسفة للزوجة الصاخبة المخاصمة في ميكال ابنة شاول (2صم6: 16-23؟ 1أي15: 19).
14. البيت والثروة ميراث من الآباء أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب.
انظر ص18: 22. قد يرث الإنسان بيت وثروة؟ ولكن ليس من يعطي زوجة متعقلة سوى الرب. فالله هو الذي يجمعهما معاً؟ ولهذا فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. والذي قال من البدء «ليس جيداً أن يكون آدم وحده فاصنع له معيناً نظيره» (تك2: 18)؟ لا يزال يعنيه أمر سعادة شعبه. لذلك يستطيع رجل الإيمان أن يعتمد عليه؟ وهو مطمئن؟ لكي يهبه شريكة حياة ملائمة. وعندما يندفع الإنسان؟ وهو غير راغب في انتظار الله؟ فيختار لنفسه؟ عند هذه النقطة تقع الأخطاء المريرة التي لا علاج لها في الغالب. ولا تنس أن الزواج بين المسيحيين ليس هو بالضرورة زواجاً في الرب. ولكن حينما تكون الإرادة خاضعة؟ ويكون المؤمن قد عرف فكر الله؟ حينئذ يكون الزواج في الرب. انظر قصة زواج رفقة وكيف رتب الرب الأمر كله (تك24).
15. الكسل يلقي في السبات والنفس المتراخية تجوع.
انظر ملاحظاتنا عن ص12: 24؟13: 4. من المؤسف أن كثيرين منا لا يستطيعون أن يتحققوا أن الكسل خطية. فان إضاعة الوقت مسألة لا بد أننا سنؤدي عنها حساباً أمام كرسي المسيح. صحيح أن الراحة الضرورية صواب وفي محلها. ومرة قال الرب يسوع لتلاميذه «تعالوا أنتم منفردين... واستريحوا قليلاً»؟ غير أن الكسل شيء آخر؟ فهو عبث بالفرص التي لن تعود؟ هو عجز عن تقدير قيمة الوقت. وفي الحياة الطبيعية سيحس الكسلان يوماٌ بلدغات العوز؟ وهكذا الأمر صحيح عن التطبيق الروحي. فالمؤمن؟ الذي يسبب نقص نشاطه التقوى؟ لا يحرص علي الحصول على غذاء مناسب لنفسه؟ لا بد أن يصل إلى العوز؟ ويختبر شدائد المجاعة. انظر كلمات بولس في افسس5: 16 وكولوسى4: 5.
16. حافظ الوصية حافظ نفسه والمتهاون بطرقه يموت.
هذه حقيقة طالما استعرضها الكتاب. فمن عطف الإنسان وإشفاقه علي نفسه أن يطيع وصايا الرب؟ لأن الكلمة؟ هي كلمة الحياة؟ وتركها موت. ولذلك فإن الإنسان الذي يحتقر طرق الله ويختار لنفسه؟ هو إنسان قصير النظر؟ وهو إنما يختم علي هلاكه ويجلب علي نفسه الغضب الذي يستحقه. انظر شمعي (1مل2: 36-46).
17- من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه.
إنه لأمر كريم حقاٌ أن نتأمل في الرب كنصير الفقير. ولقد ترك الفقراء في العالم ليمتحن بهم قلوب الأثرياء. وهو يتقبل ما يفعلونه لإغاثة المحتاج بعامل الرحمة والشفقة؟ وكأنهم يفعلونه له. فالمال والخيرات الأخرى التي نقدمها بعواطف المحبة لأولئك الذين هم في ضيق؟ لن تضيع أبداً. إنه يسجل كل فلس؟ ويعتبر نفسه مسئولاٌ أن يرد الكل؟ ونحن نثق أن الفائدة ستكون أكبر من أية فائدة نحصل عليها بطريق أخرى. إن حب الخير صافياً؟ هو ثمر المحبة الصادقة لله. وحينما تنسكب محبته في القلب بالروح القدس؟ ينشأ في النفس اهتمام بجميع الناس. وفعل الخير والتوزيع أمر يُسرّ الرب جداٌ؟ ولن يضيع اجره؟ ولو كان مجرد تقديم كأس ماء بارد باسمه. إن أرملة صرفة صيدا كانت أفقر من أن تخدم إيليا في ضيقته؟ ولكنها وجدت عوض خدمتها كوز زيت لا ينقص وكوار دقيق لا يفرغ (1مل17: 10-16).
18. أدِّب ابنك لأن فيه رجاء؟ ولكن على إماتته لا تحمل نفسك.
إن التأديب الحازم والمقترن بالشفقة؟ طابع يجب أن يتميز به البيت. أما العقوبات الوحشية التي قد تعرض الحياة للخطر؟ فإنها خطأ كبير وتناقض روح الله. ومثل هذا التصرف إنما يقسّي قلب الابن العنيد؟ عوض العمل عن إصلاحه. ومكتوب «أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم»؟ وهي كلمة إنذار لابد منها لكثير من العائلات. فالمطالب غير المعقولة؟ والعقوبات المبالغ فيها؟ هذه كلها ينبغي تجنبها بكل اجتهاد. ومن الناحية الأخرى؟ كم من أطفال كان يمكن إنقاذهم؟ لو حصلوا في أيام طفولتهم الأولى على تدريب تقوي بعناية. لقد تُركوا لينشأوا على حرية غير مقيدة؟ إلى أن رأى الأب في آخر المطاف أن ابنه صار أكبر من أن يؤدب؟ وإذ جعله موضع معاملة صارمة امتلأ قلبه بالحنق وصار غريباً في الحياة عن أبيه الحسن النية ولكنه غير حكيم للغاية. إن "اليد الحديدية في قفاز من القطيفة"؟ رمز للتأديب المدقق في أسلوب النعمة. أما ترك الطفل لشأنه؟ فذلك إهمال لمستقبل إنسان عُهد أمره لعنايتنا. ومن الناحية الأخرى فإن القسوة التي لا ضرورة لها خطأ أيضاً إذا ما حاولنا أن نستخدمها لإصلاح الغلام. لكن الوسيلة الحكيمة؟ هي التي تعلمها كلمة الله؟ وتأتي بالنتائج المرجوة؟ وإنه من الخير؟ أن نجعل أولادنا يتحققون من أننا لا نقصد بهم ولهم؟ سوى نفعهم وخيرهم؟ وليس مجرد تأديب ننفّس به نحن الآباء عن غيظنا الهائج؟ الأمر الذي أفقد كثيرين احترام الأحداث. انظر معاملة شاول غير الحكيمة ليوناثان؟ تلك المعاملة التي فصلت عنه ابنه بالقلب عوض كسب ثقته (1صم20: 30).
19. الشديد الغضب يحمل عقوبة لأنك إذا نجيته فبعد تعيد.
عبثاً تحمي إنسان يستسلم للغضب الجامح؟ فمع أنه؟ بفضل شفاعات أصدقائه؟ قد ينجو؟ من وقت لآخر؟ من النتائج التعسة التي لابد أن تتخلف عن فورة طباعه؟ فهو عرضة أن تسوء أخلاقه كذي قبل؟ وأن يستجلب على رأسه مجازاة عادلة؟ كما يورط أولئك الذين يأخذون على أنفسهم أن يدافعوا عنه؟ في متاعب وخسارة (انظر22: 24). واضح أن رجلاً كهذا؟ لم يتذلل أمام الله فهو فقير في نعمة وفضيلة الحكم على الذات. والتصرف القويم هو أن يُترك وشأنه؟ حتى يتعلم من العقوبة ما لا يمكن أن يتعلمه بغيرها. لقد كان شاقاً على صموئيل أن ينحني لهذا الدرس؟ ولكنه أُرغم على ترك شاول حين دعاه الرب دعوة واضحة أن ينفصل عنه (1صم16: 1).
20. اسمع المشورة واقبل التأديب لكي تكون حكيماً في آخرتك 21. في قلب الإنسان أفكار كثيرة لكن مشورة الرب هي تثبت.
إن ازدراء المشورة هو تصرف الحمقى؟ لكن الحكيم يقدّر التأديب؟ وخاصة حينما يكون مطبوعاً بطابع السلطان؟ إنه يعلم أنه مهما تكن مخططات الإنسان؟ ومهما تكن مشاريعه حكيمة؟ فإن مشورة الرب محققة؟ ولابد أن تتم في الوقت المعين. وقد قال الله «رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي» وإنه من الغباوة أن يحاول الإنسان أو يجسر على أن يناوئ مشورة القدير. ولكن طوبى لذلك الذي؟ وهو يعتمد على الله؟ يقبل تأديبه؟ ويطيع مشورته بكل بساطة؟ فيعمل لله ومع الله. انظر مهمة يشوع التي عهدت إليه (يش1: 5-9).
22. زينة الإنسان معروفة والفقير خير من الكذوب.
إن الروح اللطيفة الخيّرة؟ تجد طريقها إلى كل إنسان؟ وهي تزدان بعدم أنانيتها؟ وبتفكيرها في الآخرين؟ غير أن بذل الوعود في أشياء نعجز عن تنفيذها؟ أمر يدعو إلى الملامة. وإنه من الأفضل أن أكون فقيراً؟ وأن أعتذر بصراحة بعجزي عن تنفيذ ما يتمناه قلبي؟ من أن أعد بالكثير؟ وفي آخر المطاف؟ أثبت أنني غير جدير بالثقة. كن على سجيتك؟ ولا تدعي بما ليس فيك؟ لأن هذا مبدأ سليم؟ تكسب من ورائه احترام صاحب الرأي السديد. انظر بطرس والأعرج (أع3: 6).
23. مخافة الرب للحياة. يبيت شبعان لا يتعهده شر.
هذا تلخيص موجز للحقيقة الكريمة المعلنة في مزمور 91؟ وهي نصيب الذي يسكن في ستر العلي ويبيت في ظل القدير. فإن القديس الذي يخاف الرب؟ الشبعان والمتمتع بقدرته التي لا حدّ لها؟ وبمحبته التي لا تتغير؟ لا يقلق مطلقاً من جهة أمر من أموره. نعم؟ فإن له أن يبيت شبعان؟ مرتاحاً؟ عالماً أن شراً لن يصيبه؟ لأن كل الأشياء تعمل معاً لخيره. وما يبدو أنه شر؟ إنما يصبح وسيلة بركة؟ إذ يجعل القلب يتمسك بإله كل نعمة. انظر أنشودة بولس المنتصرة في رومية8: 28-39.
24. الكسلان يخفي يده في الصحفة وأيضاً إلى فمه لا يردها.
مع أن وسائل التغذية ومقومات الحياة متوفرة لدى الكسول؟ فإنه على درجة من النعاس والفتور بحيث لا يستفيد مما هو بين يديه. إن التشبيه الذي يذكره سليمان هنا قد يبدو مغرقاً في المبالغة؟ لكنه قصد أن يصور به حالة متطرفة؟ حيث نجد إنساناً جالساً إلى مائدة الطعام؟ وأمامه وفي يده تشكيلة من الأطعمة المغذية؟ لكن يغلبه النعاس ويفضل أن يستسلم للراحة والنوم على أن يحرك يده ليتناول وجبته. إن كلمة الله مائدة مستوفاة من الطعام الشهي؟ ولكن ما أكثر الكسالى الذين مع ما لديهم من وفرة الفرص للتغذي بما فيها من أشياء ثمينة؟ فإنهم لا يعبأون بالبحث للعثور على ما فيها من كنوز. ويبدو أن عجلون ملك موآب رجل من هذا النوع (قض3: 17-25).
25. اضرب المستهزئ فيتذكى الأحمق؟ ووبخ فهيماً فيفهم معرفة.
إن ترك المستهزئ بلا توبيخ؟ قد يكون في أغلب الأحيان شركاً لأقدام الجهال؟ الذين قد يستنتجون أن مخالفات المستهزئ لا يمكن أن تقاوَم؟ ما دامت لم تنل عقوبة. لذلك فمن الصواب واللائق؟ أن يعاقَب من يقاوم الحق؟ وذلك بعرض سخافاته أمام عيون الآخرين. أما إذا كان شخصاً عاقلاً حكيماً؟ فلن تكون هناك صعوبة في توبيخه؟ لأن الحق ذاته له من القيمة في عيني الفهيم؟ أكثر من قيمة كرامته في عينيه. انظر كلمة بولس لتيموثاوس بشأن المنحرفين (1تي5: 20).
26. المخرب أباه والطارد أمه هو ابن مخز ومخجل.
(انظر ع13). في الواقع أنه ليس أمرّ من الأحزان التي يجلبها الابن المتمرد على أبويه. مثل هذا الوليد؟ إنما هو الأنانية متجسدة. هو يخرب أباه؟ لأنه يبدد ثروته ومقتنياته لتعظيم ذاته؟ وفي عناده يبعد ويطرد أمه عنه؟ رافضاً كل توبيخ؟ وهكذا يتلطخ اسم أبويه بالفضيحة والعار؟ وبرغم هذا كله فإنه لا يكترث به. وفي إصراره على التحرر من كل قيد؟ يندفع متهوراً إلى هلاكه. إنها صورة محزنة؟ ومحزنة للغاية؟ وكثيراً ما تتكرر في هذا المشهد التعس؟ وهو بوجه خاص ما يميز الأيام الأخيرة التي نعيش فيها الآن (2تي 3: 2).
27. كف يا ابني عن استماع التعليم للضلالة عن كلام المعرفة.
هذه وصية ذات أهمية بالغة. ذلك أنه من مظاهر كبرياء الشباب أن يزعم الواحد منهم أنه يقدر أن يستمع إلى مختلف النظريات؟ من خير وشر؟ ولا يتدنس بشيء منها. إن مبدأ الفلسفة الانتقائية قد يُشتَم منه سعة الأفق وحرية التفكير؟ لكنه بوجه عام ينتهي إلى انكسار سفينة الإيمان. وإنما أنت تستطيع أن تدرك الخطأ وتتوقاه حينما تعرف حق الله وتجد فيه مسرتك. ومن هنا الحاجة القصوى إلى دراسة الكتاب باهتمام واجتهاد. فإذا ما رأينا واحداً ينطق أو يعلم بما هو مناقض لكلمة الله المعلنة؟ فذلك هو الوقت لرفضه ورفض تعليمه. فأنت لن تقدر أن تحتمل التعاليم الدنسة أو تعاملها بخفة. تذكر أن ما يناقض تعاليم كلمة الرب التي لا تخطئ إنما هو من الشيطان مباشرة. والاستخفاف به إنما يعرضك لتأثيره الشديد. لذلك حذار أن تستمع إليه.
سؤال واحد بسيط لابد من تقديمه لكل من شاء أن يأخذ مكان المعلم في الأمور الإلهية؟ لاكتشاف ما في تعليمه من انحراف أو غرض. ذلك هو «ماذا تظنون في المسيح؟». فمن يجيب على هذا السؤال إجابة غير صحيحة؟ فهو مخطئ على طول الطريق. فإذا أنكر لاهوت الرب يسوع؟ إذا استخف بفاعلية كفارة دمه الكريم؟ إذا بدا في تعليمه ما يحجب كمال ناسوت سيدنا المنـزه عن الخطية؟ بصورة أو بأخرى؟ فإن التعليم كله خطأ من أساسه؟ وستثبت عدم سلامته في كل شيء.
وبالنسبة للمسيحي؟ فإن استمرار استماعه أو تعضيده لإنسان يجدف على سيده؟ فتلك خيانة عظمى. إن مَن لا يجيء بتعليم المسيح يجب أن يُرفض؟ وألا نظهر له أي نوع من أنواع الشركة؟ لأنه يمكث في الظلمة. «وأية شركة للنور مع الظلمة؟». انظر أصحاب التوابع في أيام إشعياء (إش8: 19؟20) والمتهودين والغنوسيين في العهد الرسولي (تي1: 10؟11؟كو2: 8؟2يو 9؟10). كل هذه النوعيات لابد أن توجد في أيامنا؟ وعلى أضعاف مضاعفة. ولكن «أعرض عن هؤلاء».
28. الشاهد اللئيم يستهزئ بالحق وفم الأشرار يبلع الإثم 29. القصاص معد للمستهزئين والضرب لظهر الجهال.
يبدو أن لفظ "بليعال" يستخدم بشكل أو بآخر كناية عن الشيطان؟ ومعناه الحرفي: شيء تافه؟ لكنه يستخدم عموماً للكلام عما هو ضد الله. ولذلك فإن شاهد بليعال؟ لابد أن يكون شريراً فاجراً؟ ولذلك فهو يستهزئ بالحق والتوبيخ؟ فمه يلتهم الإثم؟ هو طعامه؟ وعليه يعيش. لكن الحساب الخطير في انتظاره؟ ولو أنه يبدو الآن مستقلاً لكنه سيتعلم أخيراً أن عقوبات قد أعدها الله له ولمن على شاكلته وجلدات لظهره. قد نرى أن الخديعة والمعصية تأخذان طريقهما بلا رادع إلى حين؟ لكن اللطمة سوف تصيبهما؟ اللطمة التي ستجعل الشاهد التافه يتحقق أنه لا يمكن الاستخفاف بالله إلى الأبد. انظر حنانيا وسفيرة (أع5).
- عدد الزيارات: 4058