Skip to main content

الأصحاح الحادي والثلاثون

القسم الخامس: 31: كلام لموئيل الملك الذى علمته إياه أمّه

1. كلام لموئيل ملك مسّا. علمته إياه أمّه.

المعتقد بوجه عام أن هذه التسمية "لموئيل" هي لسليمان من أمّه؟ ومن المحتمل أن يكون هذا الاعتقاد صحيحاً. فلم يكن بين الذين جلسوا على عرش يهوذا وإسرائيل من حمل هذا الاسم. كما لم نقرأ عنه ضمن ملوك الأمم المحيطة. وهذا الاسم لم يذكر إلا في أصحاحنا. ومن الجائز أنه كان يطلق على سليمان من بثشبع. ومعناه "مع الله" أو "لله".

ومن المؤثر حقاً أن نُعطَي الفرصة لكي نستمع إلى إرشادات تلقنها أم لابنها الأمير الشاب. ومن الناحية الأخرى هو أمر له قيمته العظمى أن تعمل النعمة في تلك الأم؟ إذا كانت هي فعلاً بثشبع؟ بحيث أن تلك التي تَلَوْثَ تاريخها وتلطخ؟ تستطيع أن تكون لوليدها مرشداً وناصحاً في أمور بالغة الخطورة. ولا ريب في أن خسارتها في بكرها الذي طواه تأديب الرب؟ زاد في عينيها من قدر "يديديا" (أي المحبوب من الرب)؟ وزاد من إعزاز قلبها لذاك الوليد (2صم12:  24). ومن المرجح أنه نشأ على ملازمة أمه؟ بحيث تعلّم أن يقدر كثيراً إرشاداتها واهتمامها الحبي. وكم كان من الحق مديناً لها من أجل تلك التقوى التي طبعت باكورة حكمه؟ الأمر الذي ستظهر قيمته الحقيقية أمام كرسي المسيح. على أننا واثقون من أن تأثير الأم التي تخشى الله؟ يفوق كل وصف.

والعدد الافتتاحي من تعليمها يتضمن اهتمامها البالغ في تقديم النصيحة المطلوبة:

2. ماذا يا ابني؟ ثم ماذا يا ابن رحمي؟ ثم ماذا يا ابن نذوري؟

إن لفظ "ماذا؟" مكرراً ثلاث مرات له قوة القول "ماذا أقول؟". فقد كانت تتوق أن يكون لها فكر الله عما جاهدت في أن تثبته على قلبه الفتى. فقد كانت الأقوال في نظر أم لموئيل شيئاً مقدساً؟ لأنها أحسّت إحساساً عميقاً بالحاجة إلى تنشئة وليدها بطريقة سليمة؟ وكانت تخشى أن تسيء هدايته وإرشاده بطريقة ما.

القول "يا ابن نذوري"؟ يحتاج إلى تعليقات ضخمة. إن أم لموئيل؟ ربما؟ نظير حنة؟ كانت تصلي من أجل ولدها قبل مولده وبعده. فإنها إذ تذللت وندمت؟ قد تدربت تدريباً عميقاً إزاء تلك الخطية الحديثة العهد؟ والتي شاركت فيها عملياً؟ فإنها ولا شك تجد الأسباب الكافية للاهتمام البالغ لمستقبل ذاك الوليد؟ وقد خابت وفشلت أمه خيبة شائنة. هكذا كان إحساسها العميق. ربما كان هو الحافز على بذل النذور التَقَوية؟ بخصوص الوديعة التي تُركت لعهدتها. أما إن النذور نفسها لا تتفق والإعلان المسيحي؟ فهذا لا يؤثر على الموضوع بشيء. فقد كانت سليمة وفي محلها في تدبير الناموس؟ وكانت تعبيراً عن عزيمة قلب تلك الأم على تنشئة ولدها في خوف الله.

ظن البعض أن يأخذوا من هذه الفقرة مستنداً لتبرير النذور؟ ولكنهم يخطئون؟ حتى وإن كان الناذر ينذر بنيّة حسنة وعن تقوى مخلصة؟ لأن النذور تعارض تعليم العهد الجديد؟ حرفاً وروحاً. ففي عهد الناموس؟ حيث كان الله يتعامل مع الإنسان تحت المسئولية؟ كان النذر يتمشى مع طرقه تعالى؟ وكان الله من ناحيته يشرع التشريعات الخاصة بالنذور وضرورة إيفائها (لا27). لكن شيئاً من ذلك لا يرد في تعليم العهد الجديد خاصاً بكنيسة الله.

إن الوالدين يستطيعون بلا ريب؟ بل وهذا من واجبهم؟ أن يأتوا بأولادهم في الصلاة طالبين الحكمة في تربيتهم في خوف الرب وإنذاره. وهذا؟ في عهدنا الحاضر؟ عهد النعمة؟ يطابق النذور والتعهدات التي كان يتعهد بها الوالدون في العهد القديم.

وقبل مبارحة موضوع النذور؟ أود أن أقول للقارئ؟ إذا كان واحداً قد انخدع بسبب الجهل والروح الناموسية؟ فنذر نذراً؟ عرف فيما بعد أنه يتعارض مع حق الله؟ فلزام عليه أن يتقدم للرب بقلب منكسر؟ معترفاً بخطئه. ولا يقيد نفسه بما نذر؟ لأن هذه كانت غلطة كبيرة. ولاحظ أن كلمات الجامعة 5:  4-6 القائلة «أوف للرب نذورك» متعلقة بعهد الناموس. ونحن المسيحيين «لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة» (رو14: 6).

3. لا تعط حيلك للنساء ولا طرقك لمهلكات الملوك.

لقد كان التحذير أميناً؟ تحذير لموئيل ضد الاستباحة. وما كان أفضل لسليمان لو أنه استمر في طريق التعفف والتعقل؟ متذكراً وصية الرب:  «لا يكثر له نساء» (تث17: 17). لقد أظهر في مطلع حياته طاعة لوصية الله؟ واحتراماً لتحذير أمه. ولكنه في سنواته الأخيرة؟ طوح بالحكمة؟ وكانت النتيجة «أن نساءه حولن قلبه عن الرب».

4. ليس للملوك يا لموئيل ليس للملوك أن يشربوا خمراً ولا للعظماء المسكر. 5. لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة. 6. أعطوا مسكراً لهالك وخمراً لمري النفس. 7. يشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه بعد. 8. افتح فمك لأجل الأخرس في دعوى كل يتيم. 9. افتح فمك. اقض بالعدل وحام عن الفقير والمسكين.

من شاء أن يحكم أمة؟ فليحكم نفسه أولاً. ففي هذا تجلت خيبة نوح يوم وضع على رأس الأرض المتجددة. وهنا تحذر بثشبع ابنها من الآثار الشريرة التي تتخلف عن متابعة الانغماس في تعاطي الخمر والمسكر. فليس للملوك أن يستسلموا للمسكر؟ لأنه يظلم الفكر ويشل المواهب. وإذ يشربون بإفراط فإنهم عرضة لنسيان الشريعة؟ وهكذا يصبحون غير لائقين لفحص القضايا بالعدل.

لقد كان الملك قديماً ممثلاً؟ ليس فقط للسلطة التنفيذية؟ بل وكذلك للسلطة القضائية والتشريعية. والمضايقون والمضطهدون لن ينالوا عدالة من ملك مخمور مسلوب الإرادة؟ ومن هنا ضرورة الاعتدال؟ وصفاء الذهن اللذين يصاحبان الامتناع عن كل ما يلهب الدماغ ويعتم الفهم.

وإذا كان لأحد أن يشرب لدرجة السكر؟ فإنما هو ذلك الذي يوشك أن يهلك؟ ذو النفس المرة. والعددان السادس والسابع ينطويان على قدر من التهكم المستتر عن تلك النظرية الخاطئة بان المسكر يفيد البائس؟ إذ يجعله ينسى فقره ولا يذكر تعبه. لكن العلاج الصحيح لقاضي المظلومين هو أن يسمع دعواهم بصبر؟ وأن يحكم بالعدل؟ الأمر الذي لا يتسنى له وهو تحت تأثير الخمر. عليه أن يفتح فمه للذين لا يقدرون أن يتكلموا عن أنفسهم؟ وأن يخلِّص الذين هم في خطر الهلاك؟ الهلاك الذي لا يستحقونه. انظر ص24:  11؟12.

موضوع الأعداد الباقية من الأصحاح؟ هو المرأة الفاضلة. وهذا الجزء هو بمثابة قصيدة شعرية. يبدأ كل عدد منها (فى الأصل العبرى) بواحد من الحروف الأبجدية العبرية بحسب ترتيبها. ولقد كان هذا الأسلوب الإنشائي محبباً عند العبرانيين؟ ونراه كثيراً في سفر المزامير ومراثي إرميا.

10. امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ. 11. بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى غنيمة. 12. تصنع له خيراً لا شراً كل أيام حياتها.

يقصد بكلمة "فاضلة" الاقتصاد والوفاء. صحيح؟ إن فكرة العفة تُتضمن في هذه الصفة؟ لأن الزوجة الوفية أمينة لزوجها؟ لكن ليست هي الفكرة التي في ذهن الكاتب. إن المرأة الفاضلة هي امرأة يمكن الاعتماد عليها في كل الطوارئ؟ وإذ هي على درجة عالية من الكفاية والنشاط والإحساس بكرامة وأهمية خدمة البيت؟ فإن قيمتها لا يمكن أن تقارن بقيمة اللآلئ مهما يكن قدرها عالياً.

وبزوجة كهذه يثق قلب زوجها؟ إذ يجد في محبتها وعواطفها غير الأنانية كنـزاً عظيماً بحيث «لا يحتاج إلى غنيمة»؟ ولا يفتقر مهما تكن الظروف التي يوجد فيها. ثم إن تأثيرها هو أبداً للخير؟ وليس للشر كل أيام حياتها. وهذه صورة جميلة للعلاقة المتبادلة بين المسيح والكنيسة. فالكنيسة تعترف بالرب كرأسها المجيد ويبهجها أن تحبه وأن تتعبد له. والرب من جانبه يجد فيها فرحه؟ وميراثاً لا تقدر قيمته.

13. تطلب صوفاً وكتاناً وتشتغل بيدين راضيتين. 14. هي كسفن التاجر تجلب طعامها من بعيد. 15. وتقوم إذ الليل بعد وتعطي أكلاً لأهل بيتها وفريضة لفتياتها.

المرأة الفاضلة؟ إذ تجد أعمق فرحها في خدمة المحبة؟ تُسرّ بأن تغزل بيديها صوفاً وكتاناً؟ كساء لأهل بيتها. وما أجمل ما قاله أحدهم: "العادة في الشرق أن النساء يقمن بغزل الأصواف والخيام بأياديهن؟ وهو فخر لهن إذ يرين أزواجهن وأولادهن يرفلن في ثياب من صنعهن؟ بل أن الأزواج يجدون دفئاً في الشتاء ورطوبة في الحر فيما يلبسون من صوف وكتان؟ ولا سيما إذ يعلمون أن يدين عزيزتين هما اللتان نسجتا ما يلبسون".

وما تعدّه من أطعمة شهية يحلو مذاقه لأسرتها. وهي لا تقنع بالخدمة الهينة؟ بل باستمرار تجلب «جدداً وعتقاء»؟ كما تأتي سفن التجار وتفرغ عند أعتاب دورنا كنوز الأراضي القاصية.

وهي تخجل من التواكل لذا تستيقظ في بكور النهار؟ قبل أن توزع الشمس شعاعات ضيائها على صفحات الأفق. والنساء في فلسطين يسبقن الفجر ليعددن وجبة الإفطار؟ "يطحنّ على الرحى" ليبكر أزواجهن للعمل؟ وحتى يسترحن خلال بقية النهار.

إنما هي المحبة التي تقوم بخدمة حلوة بهيجة كهذه. وحيث تنعدم المحبة؟ فما أشق الخدمة! وهكذا كتب بولس عن نفسه ورفاقه كعبيد للرب يسوع المسيح. وينبغي أن تكون فرحة الكنيسة في أن تعبد الله الحي الحقيقي! منتظرة ابنه من السماء في شوق كثير.

والزوجة؟ التي هذا وصفها؟ تخدم وهي مدركة مركزها ومكانتها؟ وما لم تتقرر هذه الحقيقة في قلبها؟ فالخوف والقلق يكونان دافع الخدمة. وهكذا الأمر مع المسيحي؟ فالخدمة إنما تصدر عن إدراك علاقة مقررة؟ وليس كالأجير يحاول أن يرضي إلهاً لم يتصالح معه. أما وقد صولحنا معه؟ فإننا نعبده بجدة الروح لا بعتق الحرف؟ وهكذا ينعدم الخوف ونخدم بأيدي راضية نتيجة لقوة محبة المسيح التي تحصرنا.

16. تتأمل حقلاً فتأخذه وبثمر يديها تغرس كرماً.

إن المرأة ذات الفطنة؟ تضاعف مقتنيات زوجها باقتصادها ونظرتها البعيدة؟ بعكس العبد غير الأمين الذي وضع المنا في منديل وأخفاه ولم يستعمله. هي مثل يعبيص؟ توسع تخومها وتغرس كروماً؟ خدمة محبة تنتج فرحاً؟ لأن نتاج الكرمة يرمز في الكتاب إلى الفرح. وعروس النشيد تعترف قائلة «أما كرمي فلم أنطره»؟ بعكس الفاضلة التي نتأمل هنا بإعجاب في مختلف جهودها.

17. تُنطق حقويها بالقوة وتشدد زراعيها.

أما منطقة الحقوين فتذكرنا بالخضوع لحق الله؟ الأمر الذي يميز النفس المكرسة. فبواسطة الحق تتمنطق الأحقاء بالقوة؟ والاستعداد للخدمة اليومية. وما من مؤمن يؤدي الخدمة بلياقة ما لم تسيطر كلمة الرب على أحقاء ذهنه. والمرأة الفاضلة تمنطق ثيابها المتدلية؟ وترفعها قليلاً؟ حتى تتحرر قدماها وهي ماضية في عملها؟ عاملة ما تجده يداها.

18. تشعر أن تجارتها جيدة. سراجها لا ينطفئ في الليل.

وفي تعبها فائدة؟ وسراجها لا ينطفئ ليلاً؟ إذ هي تدرك أهمية السهر والنشاط. وكم من أشخاص فشلوا؟ إذ بينما توفر لديهم عامل النشاط؟ وأعوزهم السهر والانتباه؟ سمحوا لسراج الشهادة أن يخبو نوره؟ أو على الأقل يتضائل. وإذ ينسى المؤمن مكانه ونصيبه كواحد من أبناء النور؟ فإنه يوجد نائماً بين الأموات.

19. تمد يديها إلى المغزل وتمسك كفاها بالفلكة. 20. تبسط كفيها للفقير وتمد يديها إلى المسكين. 21. لا تخشى على بيتها من الثلج لأن كل أهل بيتها لابسون حللاً.

بيد تمسك الفلكة وبأخرى تغزل كالعادة في الشرق. وهكذا بالجد والاقتصاد تستطيع أن تخدم؟ يحدوها العطف على الذليل والفقير. ولاحظ أن إحسانها ليس من النوع الذي يهمل البيت؟ لكنها تسهر على راحة أسرتها؟ وبمهارتها تصنع حللاً قرمزية من الصوف الدفئ؟ تسترهم في زمن البرد والثلج.

والثياب القرمزية؟ أي حمراء اللون؟ تؤخذ مادتها من حشرة تُسحق فيخرج من سحقها صبغة ذات لون قرمزي يعجب به الشرقيون. وهي "الدودة" التي يتكلم عنها مزمور22:  6؟ التي بها يشبِّه الرب المجيد نفسه؟ ذاك الذي ذُبح وسُحق لكي يكتسي مفديوه حللاً بهية مجيدة إلى الأبد (إش53: 5).

وجدير بالملاحظة أن النسطوريين؟ سكان الجبل؟ يلبسون إلى اليوم ثياباً قرمزية مثل القماش الاسكتلندي. وهنا؟ مرة أخرى؟ تتجلى صحة ودقة كلمة الله.

22. تعمل لنفسها موشيات لبسها بوص وأرجوان.

نحن نعرف أن البوص هو الكتان أو البز. أما الأرجوان فكانوا يحصلون عليه من عصارة أصداف السمك الذي يوجد على شواطئ البحر الأبيض. والكتان والأرجوان؟ كما نراهما في خيمة الاجتماع؟ يشيران إلى البِر العملي والمجد الملكي. وفي قصة الغني المذكورة في لوقا16؟ نرى كيف أنه يمكن للإنسان أن يبدو في الظاهر متحلياً بما يشير إلى الاستقامة والامتياز؟ بينما هو في واقع الأمر «شقي وبئس وفقير وأعمى وعريان» (رؤ3:  17). أما المرأة الفاضلة؟ فإنها تتحلى بما ينبئ عن طابعها الحقيقي وخلقها النبيل.

23. زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض.

زوجها أيضاً موقر ومحترم. مكانته بين مشايخ الأرض؟ أي أنه يشغل مقعداً في باب المدينة كقاض (راجع ص22: 22؟ 24:  7). ذلك أن اقتصاد زوجته وتدبيرها وحكمتها تعكس عليه سطوة؟ بالإضافة إلى الاحترام الذي يحظى به. إن زوجة كهذه؟ هي "معينة" لرجلها بكل معنى الكلمة.

24. تصنع قمصاناً وتبيعها وتعرض مناطق على الكنعاني.

وليس عندها فقط ما يكفي لأسرتها ولها من الكساء؟ بل أن جهدها الدائب يعينها على صنع قمصان ومناطق لتجار القوافل الذين يسارعون لشراء مصنوعات يديها؟ ونقلها إلى أماكن نائية لذلك هي تثمر في كل عمل صالح؟ وجهودها الوفيرة تعد ملابس لمن يقيمون بعيداً عن مساكنها.

ومن السهل إدراك الدرس الروحي. فالزوجة الأمينة في خدمة البيت؟ التي تستر ذاتها بثياب التقوى العملية والبر؟ يكون لديها فائض لبركة الآخرين.

25. العز والبهاء لباسها وتضحك على الزمن الآتي.

لقد فسرنا «البوص والأرجوان» في ع22 كرمزين. وإذ نقرأ هنا عن «العز والبهاء» كلباسها؟ فالمقصود هو قوة الخلق؟ أو استقامة القلب والسلوك؟ مع الكرامة والنبل الجديرين بمن يسلك مع الله. فلا عجب إذا قيل إنها «تضحك على الزمن الآتي»؟ لا تخشى المستقبل؟ بل تنظر إليه باطمئنان وابتهاج؟ لأن التقوى والبهجة لا ينفصلان. ومكتوب «فرح الرب هو قوتكم» (نح8: 10)؟ وليست هناك سعادة حقة بعيدةً عن البر؟ كما أنه لا بر ينفصل عن السعادة. فحيث يجد الضمير راحته؟ فإن القلب يغني فرحاً. إن داود حين وقع في الخطية؟ لم يفقد خلاصه بل خسر بهجة الخلاص؟ التي لم تعد إليه حتى وضع الكل في حضرة الله؟ وعاد هو إنساناً «ليس في روحه غش»؟ عندئذ استطاع أن يدعو مستقيمي القلوب ليشاركوه أغاني الابتهاج (قارن مز32؟ مز51).

وطالما بقيت النفس في خصومة مع الله؟ وطالما كان منها إصرار على خطية معروفة؟ ورفض الاعتراف بالشر والفشل في السلوك في أية حقيقة معلنة في الكلمة؟ فلن يكون لها سوى القلق وفقدان السلام والفرح. إن سر الحياة المسيحية السعيدة بسيط جداً؟ هو السلوك في قوة الروح القدس غير المحزون. فإذا كان هناك توافق مع النجاسة؟ فإن روح الله الساكن في المؤمن يحزن؟ ومستحيل في حالة كهذه أن يوجد سلام في الفكر أو بهجة في القلب. أما إذا أتينا بما يناقض مشيئته المقدسة إلى النور وحكمنا عليه؟ عندئذ يتزين القديس بثياب "العز والبهاء"؟ أي القوة والكرامة؟ فيرفع صوته مرتلاً مرنماً في قلبه للرب (كو17: 2). وهذه الغبطة لن تزول؟ طالما يستطيع المؤمن؟ يوماً فيوماً؟ أن يحسب نفسه ميتاً للخطية ولكن حياً لله بالمسيح يسوع ربنا.

26. تفتح فمها بالحكمة وفي لسانها سنّة المعروف.

كم هو في محله أن نتبين المرأة الفاضلة من خلال هذا العدد؟ وقد انسكبت النعمة على شفتيها. لكن لا ينقصها ملح البر؟ مثل بريسكلا وهي تعلم أبلوس؟ بالاشتراك مع زوجها؟ تفتح فمها بالحكمة؟ وشريعة اللطف على لسانها. وما أبرزها بالمباينة مع المرأة المخاصمة التي التقينا بها مراراً في الأصحاحات السابقة. إن المرأة الفاضلة؟ بسبب صفاء قلبها؟ يسر لسانها أن ينطق بكلمات النعمة والحق. ومن ذا الذي لا يقدّر فرصة الشركة مع قديس له هذه الأخلاق؟ وما أندر وجوده ! حيث؟ بدلاً من التذمر وحكايات الوشاية الرديئة؟ تسكب الشفاه كلمات الرحمة واللطف؟ وتعلن بهجتها في الحق الثمين الذي يسيطر على القلب والنفس؟ فيكون الحديث نافعاً حلواً. إذ يُبنى السامعون بمثل هذه الحكمة واللطف.

27. تراقب طرق أهل بيتها ولا تأكل خبز الكسل.

إن هذا العدد يؤكد شيئاً له قيمة كبيرة لا يعبّر عنها؟ شيئاً من تصرفات الزوجة والأم؟ حيث "تراقب حسناً" طرق أهل بيتها. فتلاحظ باهتمام عادات أولادها وتصرفاتهم كما تلاحظ أحاديثهم. وبغير نكد أو تهيج؟ تمارس تأديب المحبة الحازم على كل واحد منهم؟ فتردع من يستحق الردع؟ وتشجع من هو جدير بالتشجيع. لا يشغلها العمل الكثير عن كسب من يخطئ منهم فيقع في شراك الروح العالمية والكبرياء؟ وإلى جانب هذا لا تأكل خبز الكسل؟ ولكن بالقدوة الصالحة تقود أولادها في طريق السلام. ومع أن لها هذه الشمائل المحببة؟ كم يكون حزن قلبها ثقيلاً؟ وتعنيفات ضميرها قاسية؟ حينما تزل قدما أحد أهل بيتها في طرق الخطية ولو لفترة من الزمن!

28. يقوم أولادها ويطوبونها. زوجها أيضاً فيمدحها. 29. بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقت عليهن جميعاً.

وعلى مر السنين؟ وإذ يتحقق أولادها ما لم يتحققوه في حداثتهم وشبابهم؟ من الحكمة والمحبة اللتين أظهرتهما أمهم في تأديبها الحازم اللطيف؟ فإنهم يقومون ويغدقون عليها الثناء؟ وينسبون ما هم عليه من رخاء وهناء؟ إلى تدريبها وتأديبها التقوي. بينما زوجها؟ المبتهج بواحدة كهذه؟ تشاركه أفراحه وأحزانه؟ يعلن لها في مديح مخلص قائلاً «بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقت عليهن جميعاً». فقد وجد فيها ما يرنو إليه القلب؟ وجد شريكة؟ لها من محاسن النفس والقلب والذهن؟ ما يفوق ويسمو على محاسن الوجه والصورة.

أو لسنا نرى في هذا الثناء صورة للمحبة اللطيفة التي سينظر بها عريسنا السماوي إلى عروسه؟ الكنيسة؟ يوم يحضرها لنفسه في زمن المجد «لا دنس ولا غضن أو شيء من مثل ذلك» (أف5:  27)!

30. الحسن غش والجمال باطل. أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح. 31. أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها أعمالها في الأبواب.

هنا يكمن السر في حياتها التكريسية الفاضلة؟ إنها تتقي الرب. هذا هو ما يميّزها؟ وهو بداية الحكمة ورأسها؟ كما يعلّمنا سفر الأمثال. فأقوالها؟ وأفعالها؟ وطرقها؟ ولباسها؟ ونظامها البيتي؟ الكل قد ترتب في حضرة الرب. قد نرى سواها تفتخر بالجمال؟ أو تسعى للفوز بالرضاء؟ باللسان العذب والمظاهر العذبة الحلوة. على أنه إذا لم توجد أخلاق كريمة تساند هذه المحاسن؟ فسيأتي مسرعاً اليوم الذي فيه يتحول المديح والثناء إلى الهوان والازدراء. بينما تلك التي تتقي الرب وتخشاه؟ يمدحها كل من يقدّر الفضيلة والروح النبيلة. كما أن أعمال إحسانها أيضاً ستفوز بتقدير عام وثناء وحمد.

على أننا نحن الذين حصلنا على نور العهد الجديد؟ نقدر أن نرى في هذا العدد الأخير أكثر من تعليق واحد على حقيقة الظهور أمام كرسي المسيح. فعندما يتبدد ضباب الأرض إلى الأبد؟ عندما تمضي كبرياؤها وإثمها الأحمق؟ فسوف تظهر من تصفها أم لموئيل في حضرة سيدها بابتهاج؟ حاملة معها حزمها. وعند قدميه ستطرح غلات يديها؟ والأعمال التي عملتها نعمته الغنية فيها وبها؟ لكي يراها بعينيه؟ وما أعذب كلمات ترحيبه عند الباب يوم ذاك «نعماً أيها العبد الصالح والأمين... أدخل إلى فرح سيدك».

من منا سيندم إذاً على أيام الجهاد وليالي السهر؟ من منا يود أن يستبدل بطريق القديس ونصيبه؟ مع مسئولياتها وامتيازاتها؟ مكاناً للراحة والمتعة الزائلة لساعات عابرة على الأرض؟ كلا؟ ولا واحد.

وإذ نعيش في ضوء تلك الساعة المقدسة التي تُفحص فيها أعمالنا ويراها ذاك الذي استحق أعمق عواطفنا؟ ليتنا نوفر قدراً من عزم القلب وأشواق النفس؟ للتعلق به وحفظ كلمته وعدم إنكار اسمه ونحن ننتظر رجوعه. له كل المجد.

  • عدد الزيارات: 3717