الأصحاح الحادي والعشرون
إن الحقيقة الكبرى التي حاول دانيال النبي أن يؤثر بها على ضمير بيلشاصر الكافر؟ في الليلة الأخيرة من ملكه في بابل؟ هي التي يستعرضها العدد الأول من أصحاحنا هذا؟ مع فارق بسيط في أسلوب العرض. فقد حاول دانيال جاهداً أن يحمل الملك الكلداني على الاعتراف بأن الله هو «الذي بيده نسمتك وله كل طرقك»؟ لكن الملك لم يشأ أن يتواضع. وهنا نسمع القول:
1. قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله.
انظر 20: 24. فما من ملك؟ مهما عظم؟ يستطيع أن يعمل بالاستقلال عن الله. وسواء اعترف أم لم يعترف؟ فإن الرب يسيطر عليه كما يتحكم في سير جدول الماء. ذاك الذي «في الزوبعة وفي العاصف طريقه» يستطيع أن يجعل غضب الإنسان يحمده؟ أما بقية ذلك الغضب فيحجزها. وسفر استير هو التطبيق العملي لهذه الحقيقة؟ وعلى وجه خاص الأصحاح السادس (1-10). كما أن كلام الرب لكورش من قبل أن يولد؟ مثل آخر (إش45: 1-7).
2. كل طرق الإنسان مستقيمة في عينيه والرب؟ وازن القلوب.
انظر 20: 6. لعل تبرير الذات هو أكثر الخطايا البشرية ذيوعاً. فالناس يبررون ذواتهم ويتسامحون مع أنفسهم فيما يدينونه في الآخرين بعنف وصرامة. لكن الرب يلاحظ القلب ويرى الكبرياء التي تنخر كالدود. لأنه ليس من يمدح نفسه هو المزكى بل من يمدحه الله. يقول بولس في 1كورنثوس4: 4 «فإني لست أشعر بشيء في ذاتي لكنني لست بذلك مبرراً. ولكن الذي يحكم فيّ هو الرب».
3. فعل العدل والحق أفضل عند الرب من الذبيحة.
لقد كان شيئاً عادياً عند الناس أن ينسوا أن الذبائح والتقدمات لم تكن لتسر الله طالما انعدمت الاستقامة. فإنه دائماً أبداً يضع البر والاستقامة فوق الفرائض الطقسية. وكم من مرة وبخ سيدنا الفريسيين على اهتمامهم بالتفاصيل الطقسية بينما كان يعوزهم العدل والحق. وتلك هي كلمته «أريد رحمة لا ذبيحة». وإشعياء يعلن نفس الحق؟ أي ضرورة إظهار البر؟ وهو يوازن بين الأصوام الطقسية وبين ما يسرّ به الرب (إش5: 5-14). انظر كلمة صموئيل لشاول (1صم15: 22).
4. طموح العينين وانتفاخ القلب نور الأشرار خطية.
طالما يُصِر الإنسان على تمرده ضد الله؟ فلن يفعل شيئاً مقبولاً لديه. وليست العيون المتعالية والقلب المتكبر هي وحدها شر؟ بل حتى ما يبدو حميداً لدى الناس؟ وهو ما يعبَّر عنه بالنور؟ هو أيضاً خطية مادام الإنسان يأبى أن ينحني قدام الله نادماً.
فلو أن إحدى الولايات أو المقاطعات تمردت على حاكمها الشرعي؟ وأخذ المواطنون فيها ينفذون أموراً كثيرة نافعة؟ لكنها تبقى موسومة بطابع التمرد؟ فلا يمكن اعتبارها صواباً. ولكن حينما يلقون بأسلحتهم عند أقدام الحاكم ويعترفون بسلطانه؟ فإن نفس المهام التي أخذوا على أنفسهم إتمامها تنال رضاه. وهكذا الحال مع الإنسان البعيد عن الله؟ ومع أولئك الذين يتحولون إليه بقلب منسحق. انظر وصف الروح القدس لإسرائيل بعد أن رفضوا مسيح الله (رو10: 1-3).
5. أفكار المجتهد إنما هي للخصب وكل عجول إنما هو للعوز. 6. جمع الكنوز بلسان كاذب هو بخار مطرود لطالبي الموت. 7. اغتصاب الأشرار يجرفهم لأنهم أبوا إجراء العدل.
إن الغنى المحصل بالأمانة والكد يُسِر ويشبع صاحبه. لكن جامع الثروة العجول؟ بالكذب والخديعة؟ مضافاً إليهما في الغالب الاغتصاب؟ يجلب على نفسه حزناً وعاراً. قد يمتلك إنسان مخازن من الذهب والفضة لا حد لها؟ لكنه يكون تعيساً؟ نظير ذلك البدوي الذي وهو يحتضر جوعاً؟ وجد في طريق إحدى القوافل حقيبة؟ ولما أخذ يفتحها في نهم وشغف لعله يجد فيها شيئاً من التمر؟ إذا باليأس يحطمه حتى بكى قائلاً "ليس بها سوى لآلئ"! كانت تلك الجواهر تقدَّر بآلاف الجنيهات؟ ولكنها عجزت عن أن تطعم متضوراً يهلك جوعاً. هكذا الأمر مع الثروة المحصلة بطرق غير شرعية؟ إنها لا تُشبع؟ ومن يقتنيها يكون في حالة الفقر المدقع. وحياته لن تكون سوى دورات من التعذيب والخيبة؟ وفي آخر الأمر يترك للأنين القديم «الكل باطل وقبض الريح». انظر جامعة5: 1-17.
8. طريق رجل موزور هي ملتوية وأما الذكي فعمله مستقيم.
إن طرق المجرم المذنب ملتوية مثل الحية؟ ولا ريب في أنه يوجد خطأ مقصود وشرك من وراء كل سبيل ملتوية؟ لذلك هو يكثر من الاعتذار والتعليلات. أما السائر مع الله فإنه فوق كل تعيير؟ لأنه ينفر من كل صور الشر. أجل؟ إن من يعمل الطاهر والمستقيم حياته مثل كتاب مفتوح يفسر نفسه؟ يغلق أفواه الجميع؟ حتى أعدائه. وكان دانيال من هذا الصنف؟ فلما حاول الوزراء والمرازبة؟ أن يجدوا عليه علة من جهة المملكة «لم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنباً لأنه كان أميناً ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب» (دا 6: 4) وآخاب مثل خطير على التواء طريق المذنب (1مل16: 32).
9. السكنى في زاوية السطح خير من امرأة مخاصمة وبيت مشترك.
انظر ص19: 13. طوبى للأسرة التي يُعترف فيها بترتيب كلمة الله من حيث الروابط المتعددة التي تربطهم معاً. فإن كان الزوج يفي زوجته حقها من الخير؟ وإذا تحلت الزوجة بزينة الروح الوديع الهادئ؟ فمن المحقق أن يكون الأولاد في خضوع؟ ويكون البيت صورة حلوة لذلك البيت الأبدي الذي ننتظره. ولكن حيث تسعى المرأة المشاغبة أن تسيطر؟ ولا تقنع إلا بتنفيذ رأيها في كل شيء؟ فهي حالة مقبضة. وزاوية السطح الهادئة عندئذ خير من الإقامة مع امرأة كهذه. ومرة وجد أيوب وداود الأمر هكذا (أي2: 9؟10؟ 2صم6: 20-23).
10. نفس الشرير تشتهي الشر قريبه لا يجد نعمة في عينيه.
نحن عادة نجد في الآخرين ما نبحث عنه. فالذي يطلب في قريبه صلاحاً وفضيلة؟ من المحقق أن يجد بعض ما هو خليق بالمدح؟ ومن يجول ملتمساً الشر سيجده في معظم الناس الذين يحدق النظر فيهم؟ ولن يجد أحد نعمة في عينيه حتى لو كان أرقى وأسمى منه. ومن هذه العينة سنبلط (نح6: 5-9).
11. بمعاقبة المستهزئ يصير الأحمق حكيماً. والحكيم بالإرشاد يقبل معرفة.
إن إطلاق العنان لمن يقاوم الحق يُعزز مركزه في عيني الجاهل. لذلك لنا القول «الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف» (1تي5: 20). هم عرضة للنفور من التقويم؟ غير أن هذا؟ إنما يؤكد الحاجة إليه؟ لأن الحكيم يستفيد من التعليم ويقبل معرفة. انظر نتيجة توبيخ بولس لعليم الساحر وقارنه بمقاومته لبطرس وبرنابا (أع13: 8-13؟ غل 2: 11-16).
12. البار يتأمل بيت الشرير ويقلب الأشرار في الشر.
أعتقد أن الإشارة هنا إلى نصرة البار النهائية على الأثمة. فإن البار لا يتضايق ولا يقلق حينما يرى نجاح الأشرار في الوقت الحاضر؟ فهو يعلم أن أفراحهم جوفاء؟ وأيام افتخارهم قليلة؟ وقريباً سيدوسهم لأنه هكذا رتب الله. على أن هذا العدد أيسر فهماً لدى اليهودي منه لدى المسيحي؟ لكنه صحيح على أية حال. فإن الإثم لا يزدهر طويلاً. فالبار سيهدم ويقلب بيت المستسلمين للشر؟ وحتى "ياهو" يمكن أن يكون أداة في يد الله لإتمام ذلك (2مل9).
13. من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضاً يصرخ ولا يستجاب.
في ص19: 17 توكيد الرب لمن يعطف على الفقير بأنه يردّ له ويجازيه. وهنا نرى العكس؟ فالشخص الذي لا يصغي إلى صراخ المحتاج؟ سوف يصرخ في وقت الحاجة ولا يُسمع له. على أن البائسين والمكروبين يجدون في الله الذي خلقهم الصديق الأمين. فإن اهتمامه حقيقي؟ يلاحظ كل ما يعمل لهم وما يعمل ضدهم؟ وبخاصة إذا كانوا من أهل الإيمان. اقرأ عن دينونة الأمم (مت25: 31-36).
14. الهدية في الخفاء تفثأ الغضب والرشوة في الحضن تفثأ السخط الشديد.
لا شيء يطفئ البغضاء والسخط مثل فعل الخير للشخص الذي ينوي على السوء؟ بشرط أن يكون بهدوء وبلا ندامة؟ حتى لا يعلم الآخرون بأمره. إذ أنه من الخطأ ذكر العمل الطيب وتقديمه علناً؟ حيث قد يؤخذ على أنه تصنُع لا حقيقة ويقصد به الخديعة. لكن ما يجري بين طرفين سراً لا يمكن تأويله أو تحريفه إن لم يعرفه الآخرون. وهكذا حاول يعقوب أن يحوّل غضب يوسف عن اخوته الذين كانوا قد أساءوا إليه (تك43: 11-14).
15. إجراء الحق فرح للصديق والهلاك لفاعلي الإثم. 16. الرجل الضال عن طريق المعرفة يسكن بين جماعة الأخيلة.
حينما يكون الإنسان باراً فإنه يُسرّ بالبر؟ بينما الظالم يعتقد أن العدالة الأدبية قد تؤدي إلى التلف والخراب. خذ واحداً من رجال الأعمال؟ تعلم كيف يرتب أموره بالكمال والأمانة جهراً وسراً. فالانحراف عن مثل هذه المبادئ يكون في عينيه أليماً؟ وينشيء له أحزاناً وأوجاعاً. ولكن كم من أشخاص يأخذونها قضية مسلّمة أن النجاح في ميادين العمل لا يمكن أن يلازم التمسك بالحق والاستقامة. وإن أنت حاولت أن تتصرف هكذا تبدو في نظرهم منحدراً في طريق الخسارة.
والشاب المقدم على الحياة العملية عرضة للتأثر بهذه الفكرة الشريرة الباطلة. بينما نرى في اختبارات الجماهير العديدة من الناس ما يعزز شهادة الكتاب؟ أن النجاح الحقيقي الوحيد إنما ينشأ من المعاملة العادلة. ومَن يضل عن طرق الحكمة الصحيحة يبقى في جماعة الموتى. لأن «المتنعمة ماتت وهي حيّة» (1تي6: 5)؟ فلا يمكن التمتع بالحياة؟ الجديرة بأن تسمى حياة؟ إلا لأولئك المستقيمين الذين جعلوا الرب أمامهم في كل حين. انظر يهوذا الإسخريوطي في أعمال 1: 18.
17. محب الفرح إنسان معوز. محب الخمر والدهن لا يستغني.
إن المسرف(محب الفرح)؟ والمنغمس في الملذات (محب الخمر والدهن)؟ ليسا في طريق الثروة والراحة للمستقبل. أما الشخص المقتصد والذي ينكر نفسه؟ فإنه بالاعتناء والتدقيق؟ يمهد لنفسه السبيل إلى ظروف ميسرة في سنواته القادمة. لكن الشاب الذي يقضي أوقاته في الحماقة؟ ساعياً وراء ملذات مُريبة وسط زمرة غير حكيمة؟ إنما يختزن لمستقبله التعاسة والعوز. ذاك الذي يُشبع شهيته بالأطعمة الدسمة الكثيرة النفقات في شبابه؟ عرضة لأن ينتهي به الحال إلى حياة خشنة في شيخوخته. بينما أولئك الذين كانوا من الحكمة بحيث تخلوا عن الإسراف في شبابهم الباكر؟ سوف يكونون على مدى السنين في مركز يمكنهم من الاستمتاع بما أدخروه بواسطة الجهد الدائب والاعتناء والتدقيق. أما الشخص الذي يحب الحماقة والملذات في تطرف وإسراف؟ فهو عرضة لأن يصل مسرعاً إلى الأعماق التي غرق فيها الابن الضال (لو15).
18. الشرير فدية الصديق ومكان المستقيمين الغادر.
هذه عدالة أصيلة. ولكن منذ أُعلنت النعمة في المسيح يسوع؟ صار البار فدية للغادرين! إن العدالة تُطالب بمعاقبة المجرم لكي ينجو البريء؟ غير أن المحبة بذلت البريء للموت حتى يتبرر المجرم. ولنا صورة تطبيقية لهذا المثل في حصار وخلاص آبل بيت معكة (2صم20: 14-21).
19. السكنى في أرض برية خير من امرأة مخاصمة حردة.
انظر ع9. ليس أجمل من امرأة تتجلى فيها محاسن روح الله الكريم؟ حتى ولو كانت على قدر قليل من الجمال الطبيعي؟ فإنه يزينها ويجمّلها أكثر مما تفعل الزينات العالمية الحمقاء التي تتصف بها الحياة المصطنعة. لكن المرأة المحرومة من التفكير والمجردة من اللطف؟ فهي خالية من ميزات المرأة. والمرأة المخاصمة الغضوبة؟ هي بغيضة بمقدار لا يعبَر عنه؟ فهي بلسانها وطرقها المنحوسة تخلق التعاسة التي لا نظير لها. إن خيمة في البرية منفردة؟ أفضل من قصر في صحبة تلك المرأة. وقد كانت عثليا من هذا النوع البائس؟ فإنها بما اتصفت به من ظلم وخديعة؟ لم يستوقفها شيء عن الوصول إلى أهدافها غير المقدسة (2مل11). انظر ص27: 15؟16.
20. كنـز مشتهى وزيت في بيت الحكيم وأما الرجل الجاهل فيتلفه.
انظر ع17. الحكيم لا يعيش للحاضر؟ لكنه بالفطنة ينظر إلى السنوات القادمة؟ حين تضعف قوته ويعجز عن العمل كما كان يعمل في شبابه. فمتى جاءت أيام راحته من العمل فهوذا بين يديه مستودع نفيس ليعول مَن يعتمدون عليه. أما الجاهل فلا يفكر إلا في اللحظة العابرة؟ فيسرف لكنه أخيراً يصل للعوز. انظر 2كورنثوس12: 14.
21. التابع العدل والرحمة يجد حياة حظاً وكرامة.
إن متابعة البر والرحمة في ثبات؟ وإظهارهما في سلوكنا وطرقنا؟ هو السبيل الأمين الوحيد الذي يؤدي إلى ما نبتغيه من الحياة والكرامة. أما مجد هذا العالم الفارغ؟ ومديح الأشخاص الجسدانيين؟ فلا قيمة لهما. أما تكريم الله للمؤمن؟ وتكريم المؤمن لأخيه المؤمن؟ فذلك هو الشيء الباقي إلى الأبد. فهو تعالى؟ يُسرّ بأن يمنح بركاته لأولئك الذين يوقرون كلمته ويطيعون حقه. لأن الحق لم يُعطَ ليكون مصدر متعة ذهنية فقط؟ ولو أنه كذلك؟ إنما أُعطي لكي يتجلى في الحياة على قياس ما تجلى بالتمام في ربنا يسوع المسيح. وإذ تمتزج به الاستقامة الأدبية؟ فإنه يتجلى بالرحمة اللطيفة التي تظهر الحق جميلاً لأولئك الذين يبتعدون عن الحق بسبب قسوة وصرامة تابعيه؟ وحينما تسيطر النعمة والحق على الكيان بهذه الصورة؟ فالنتيجة هي الحياة والحظ والشرف أو الكرامة. انظر آسا ملك يهوذا؟ ولاحظ كيف كان ينجح حينما اهتم بما يرضي الله؟ وما كانت غلطاته المسجلة إلا تعزيزاً لهذه الحقيقة (2أي14-16).
22. الحكيم يتسوَّر مدينة الجبابرة ويسقط قوة معتمدها.
إن القوة الغاشمة؟ والتحصينات المكثفة؟ ليست سوى عبث أمام الحكمة الرفيعة. فالقوة ليست هي وحدها التي يُعتَّد بها ويعوَّل عليها؟ بل العلم والكفاية. فكم من مراكز حصينة أمكن الاستيلاء عليها باستخدام الذكاء والاستراتيجية. فهوذا يبّوس وبابل كانتا منيعتين على كل هجوم؟ لكنهما سقطتا أمام رجل الحكمة والذكاء (1أى11: 4-6؟ إر51: 27-33). وتبدو أهمية الدرس عند تطبيقه على الأعداء الروحيين الذين علينا أن نحاربهم؟ فلكي نفوز بالنصرة على قوى الشر هذه؟ ما أحوجنا إلى الحكمة التي نحصلها من معرفتنا بالله وكلمته. انظر أفسس 6: 10-18.
23. من يحفظ فمه ولسانه يحفظ من الضيقات نفسه.
مرة أخرى يقودنا الروح إلى الموضوع الذي يتناوله سفر الأمثال في طليعة ما يتناول؟ أعني به السيطرة على اللسان. فإن الأقوال غير الحكيمة؟ مهما تكن صحيحة في بعض الأحيان؟ تخلق متاعب وضيقاً كثيراً. فحفظ الفم واللسان؟ كما بحراسة مسلحة؟ معناه مجانبة أحزان وذكريات مريرة. انظر يعقوب2: 3-12. ثم قارن ملاحظاتنا على ص 11: 13؟15: 1؟17: 20؟18: 6-8.
24. المنتفخ المتكبر اسمه مستهزئ عامل بفيضان الكبرياء.
إن الروح المتعظم العنيد يتجلى في الأقوال الجامحة والغضب الذي لا يُضبط. أما المتواضع فهو إنسان لطيف لا يستسلم لفورات الغضب أو ثورات السخط. لا شك أن هناك فارقاً بين الذي يتصرف بغضب متكبر؟ وبين من تخونه السيطرة على نفسه ويتفوه بأقوال متعجلة تحت عامل الاستفزاز الشديد؟ فمثل هذا الشخص يملؤه الحزن العميق فيما بعد ويحطمه التذلل من أجل خطيته. لكن الأمر ليس هكذا مع المستهزئ المنتفخ المتكبر؟ فإن ضميره لا يؤنبه من أجل روحه الخاطئة الظالمة؟ بل يتشبث بمسلكه الذي يناقض الوداعة والصبر؟ ناسياً أن «غضب الإنسان لا يصنع بر الله». انظر شمعون ولاوي (تك49: 5-7).
25. شهوة الكسلان تقتله لأن يديه تأبيان الشغل. 26. اليوم كله يشتهي شهوة أما الصديق فيعطى ولا يمسك.
إن الكسلان مثل ذكر النحل في الخلية؟ يشتهي ثمرة العمل لكنه يمقت الجهد الذي يخلق الثمر. هو مشغول بذاته؟ كله آمال؟ لكنه يقاوم السعي. طابعه الشديد هو الأنانية. لكن البار شخص منتج. يحب أن يكسب إنما لكي «يعتني بأمور حسنة قدام جميع الناس» ليسدد أعواز من يعولهم ويكون له أن يعطي من له احتياج؟ متمثلاً في ذلك بالله «الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير». وازن روح عاخان (يش7: 21) مع كنيسة فيلبي (2كو8: 2)؟ راجع أيضاً ص12: 27؟13: 4؟19: 24؟20: 4.
27. ذبيحة الشرير مكرهة فكم بالحري حين يقدمها بغش (أو بقصد شرير).
انظر 15: 8؟9؟26؟ 21: 4. إن ذبيحة الأثيم بغيضة وليست مقبولة في عيني الله؟ وبالأخص حينما تكون مجرد تغطية للرياء. فالقيام بما يُقال عنها واجبات دينية؟ لكي يراهم الناس وليستروا حياة الشر؟ إنما هو إثم له طابع التمرد. وهذا الخُلق؟ هو الذي جعل سيدنا يوبخ بصرامة الكتبة والفريسيين في يومه. فقد كانوا يثابرون على مراعاة الشريعة؟ وإضافات التلمود بشأن تقدمات الهيكل؟ وكانوا يعرّضون عصائبهم؟ ويحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع؟ لكي يظهروا للناس؟ لكنهم في الوقت عينه يسلبون الأرامل الفقيرات؟ وكانوا يتصفون بالطمع والخبث. وفي يومنا الحاضر يكثر خلفاؤهم الذين يلبسون رداء التكريس؟ ويستخدمون ألفاظ التقوى؟ ويقدمون لمشاريع الإحسان العلنية من ثروتهم متباهين؟ لكن حياتهم الباطنية سوداء وأثيمة. ولئن نجحوا مؤقتاً في ستر حقيقة حالتهم عن عيون الناس؟ لكن ذبيحتهم مكرهة في عيني الله.
28. شاهد الزور يهلك والرجل السامع للحق يتكلم. 29. الشرير يوقح وجهه. أما المستقيم فيثبِّت طرقه.
إن شاهد الزور قد يصل إلى غرضه مؤقتاً؟ لكن هلاكه قادم على عجل. أما الذي يشهد طبقاً لما يسمع ويعرف؟ فهو قادر أن يحفظ مركزه ويتكلم بثبات؟ أي بدون أن يتحداه أحد. هكذا كان الاعتراف الحسن الذي شهد به ربنا يسوع المسيح أمام قيافا وبيلاطس البنطي؟ يوم لم يتفق الشهود الكذبة الواحد مع الآخر (مت26: 59-64؟ 27: 11-14).
أما الشخص الذي لا يعتد بالقانون؟ سواء أكان قانوناً وضعياً من الناس أو شريعة معطاة من الله؟ فإنه يوقح وجهه (يصلّبه ويقسّيه)؟ ويواصل أقواله الزائفة وطرقه العرجاء. لكن المستقيم الذي تتطابق أقواله مع أفعاله؟ تثبت مقاصده.
30. ليس حكمة ولا فطنة ولا مشورة تجاه الرب. 31. الفرس معدّ ليوم الحرب أما النصرة فمن الرب.
إن النفس الواثقة تستريح على هذه الحقيقة؟ وهي أن مشورة الرب لن تنهزم؟ لذلك هي لا تخشى حكمة أعدائها أو فهمهم أو مكايدهم. وما الذي يستطيع أن يفعله الإنسان لكي يؤذي من يحتمي تحت جناحي الرب؟ قال داود «إن نـزل علىّ جيش لا يخاف قلبي» (مز27: 3). فلا العدد ولا العتاد هو الذي يكسب المعركة؟ بل نكسبها إذ يسير أمامنا إله خلاصنا.
وتلك كانت الثقة التي أظهرها آسا يوم حاصرته جيوش زارح الكوشي في معركة مريشة حيث قيل «ودعا آسا الرب إلهه وقال أيها الرب ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة. فساعدنا أيها الرب إلهنا لأننا عليك اتكلنا وباسمك قدمنا على هذا الجيش. أيها الرب أنت إلهنا؟ لا يقوَ عليك إنسان» (2أى14: 11). هذا شيء جميل يسرنا التأمل فيه؟ فلم يكن الأمر في نظر آسا متصلاً بقوة الجحافل؟ بل كانت المسألة مسألة قوة الله؟ وتفاهة مقدرة الإنسان العاجز الفاني. «لا يقو عليك إنسان»؟ تلك حجة آسا وهو ينتقي لفظاً عبرانياً لكلمة "إنسان" لفظاً يؤكد تفاهة هذا الإنسان وافتقاره للقوة. ففي اللغة العبرية عدة ألفاظ كان يمكن لآسا أن يستخدمها. كلمة " أهدهم" وهي اللفظة المألوفة التي تربط الإنسان بأبيه الأول؟ وهي مشتقة من أصل يعني طينة حمراء. وهناك لفظ "جيبار" للدلالة على الإنسان في قدرته؟ وهو مشتق من أصل يعني الشدة والجبروت. وهناك لفظ " إش" للدلالة على الكرامة. بينما اللفظ الذي استخدمه آسا هو " أنوش" مشتق من أصل يعني الهشاشة وعدم النفع. وذلك هو الإنسان في حالته الوضيعة كساقط ومائت. هكذا كان يعني الجيش الأثيوبي العظيم في نظر آسا. كان الأجناد جميعهم لا شيء؟ بالقياس إلى اقتدار قوة الله الذي كان يقود جيش يهوذا وبنيامين. وكانت النتيجة محققة إذ «ضرب الرب الكوشيين أمام آسا وأمام يهوذا فهرب الكوشيون... لأنهم انكسروا أمام الرب وأمام جيشه. فحملوا غنيمة كثيرة جداً » (2أى14: 12؟13).
ليت كل قديس مُجرَّب يلقي نفسه على الإله المخلص؟ الكلي القدرة؟ في كل وقت يداهمه فيهالتعب والمشقة وهكذا يحقق لنفسه أن «النصرة من الرب».
- عدد الزيارات: 4111