الفَصلُ الخامِس "مُبَرَّرُونَ بالإيمان" - الجميعُ يُمكِنُهُم أن يتبرَّرُوا بالإيمان
الجميعُ يُمكِنُهُم أن يتبرَّرُوا بالإيمان
يَرجِعُ بُولُس سَريعاً إلى الأخبارِ السَّارَّة، التي تُشَكِّلُ زخمَ وقصدَ هذا التَّصريحِ المُوحَى بهِ عن لاهُوتِ العَهدِ الجديد. عندما ندرُسُ هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى بِعنايَةٍ، نُدرِكُ أنَّ بُولُس يُقدِّمُ خُطَّةً منَ الله، يستَطيعُ من خلالِها الخُطاةُ أن يُعلَنُوا أبراراً منَ الله، أي وكأنَّهُم لم يُخطِئُوا أصلاً.
اللهُ هُوَ مُؤَلِّفُ هذه الخُطَّة. يتَّضِحُ هذا الأمرُ في كُلِّ ما كتبَهُ بُولُس في هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى. في الإصحاحِ الثَّامِن، يَقُولُ بُولُس بِوُضُوحٍ، "اللهُ هُوَ الذي يُبَرِّرُ." (8: 33) فذبيحَةُ يسُوع المسيح، كحَمَلِ اللهِ، هي أساسُ هذه الخُطَّة (3: 25؛ 4: 25). وقيامَةُ يسُوع المسيح هي الضَّمانَةُ أنَّ الذي ماتَ على الصَّليب كانَ حملَ اللهِ الذي ماتَ من أجلِ خطايا العالَم (رُومية 4: 25).
الإيمانُ هُوَ المبدأُ الذي بهِ نُطَبِّقُ مُعجِزَةَ التَّبرير على خطايانا الشَّخصِيَّة (3: 28، 30). فالإيمانُ هُوَ مجالٌ هامٌّ جدَّاً من تبريرِنا، إذ يُخَصِّصُ بُولُس مُعظمَ الإصحاحِ الرَّابِع من هذه الرِّسالَة لمِثالِ إبراهِيم – أبي المُؤمنين. عندما يُريدُ اللهُ أن يُوصِلَ فِكرَةً رائِعَة، يُغَلِّفُها بفمهُومِ شَخص. وهُوَ يعتَبِرُ الإيمانَ مفهُوماً هامَّاً. لهذا، يُخَصِّصُ اللهُ إثنَي عشَرَ إصحاحاً من سِفرِ التَّكوين، ليُخبِرَنا بِقِصَّةِ إبراهيم، لأنَّهُ كانَ تعريفاً حَيَّاً للإيمان.
في العهدِ الجديد، عندما يُريدُ كُتَّابُهُ المَسُوقينَ بالرُّوحِ القُدُس أن يُخبِرُونا عنِ الإيمان، قبلَ أن يكتُبُوا أيَّةَ شَيءٍ يُخبِرُونَنا دائماً تقريباً عن إبراهيم. فهذه الشَّخصِيَّة الشَّهيرَة في العهدِ القَديم مَذكُورَةٌ أيضاً في العهدِ الجديد، أكثَرَ من أيَّةِ شخصيَّةٍ منَ العهدِ القديم.
نِعمَةُ اللهِ هي مَصدَرُ كَونِنا أُعلِنَّا أبراراً من قِبَلِ الله (رُومية 3: 24). فالحقيقَةُ المَجيدَةُ أنَّ نِعمَةَ اللهِ هي مَصدَرُ تبريرِنا، مُوضَّحَةٌ أيضاً من خلالِ حياةِ إبراهيم. عندما نقرأُ أنَّ إبراهيمَ آمنَ باللهِ، فحُسِبَ لهُ بِرَّاً، يَشرَحُ بُولُس أنَّ هذه الكلمة تعني أنَّ البِرَّ أُعطِيَ ولم يُكتَسَب أو يُستَحَقُّ من قِبَلِ إبراهيم.
يستَخدِمُ بُولُس لاحِقاً في الإصحاحِ التَّاسِع يعقُوبَ كمِثالٍ على النِّعمة. فالنِّعمَةُ هي عمَلُ اللهِ فينا ولأجلِنا، بِدُونِنا أو بِدُونِ أيِّ مُساعَدَةٍ منَّا. فرَحمَةُ اللهِ تحجُبُ عنَّا ما نستَحِقُّهُ، بينما نعمَةُ اللهِ تُغدِقُ علينا الخلاص وكافَّة أنواع البَرَكاتِ التي لا نَستَحِقُّها، أو لا نُحَقِّقُها بجُهُودِنا الشَّخصِيَّة. يَقُولُ بُولُس هُنا أنَّنا لن نَجِدَ مصدَرَ خلاصِنا لا في أعمالِنا ولا في إستِحقاقاتِنا، بل ببَساطَةٍ في نعمَةِ الله.
الأعمالُ هي البُرهانُ الذي يُصادِقُ على الإيمان الحقيقيّ (2: 6- 10). فبِحَسَبِ يَعقُوب، الإيمانُ الذي يُخَلِّصُنا هُوَ دائماً إيمانٌ يعمَل (يعقُوب 2: 14 – 26). قالَ أحدُهُم، "الإيمانُ وحدَهُ يستَطيعُ أن يُخَلِّص، ولكنَّ الإيمانَ الذي يُخَلِّص لا يَكُونُ أبداً وحدَهُ." فنحنُ نخلُصُ بإيمانٍ تُرافِقُهُ دائماً وتُصادِقُ عليهِ أعمالٌ صالِحَة. رُغمَ أنَّ زُخمَ هذه الرِّسالة هو أنَّنا نتبرَّرُ بالإيمانِ وليسَ بالأعمال، لاحِظوا التَّشديدَ في هذه الرِّسالَة وباقِي رسائِل بُولُس المُوحاة، على المكانة الهامَّة للأعمالِ في رِحلَةِ المُؤمنِ الإيمانِيَّة (2: 6- 10).
بِحَسَبِ بُولُس، الخُطاةُ لا يَخلُصُونَ أبداً بالأعمالِ الصَّالِحَة، ولكنَّنا نخلُصُ لأعمالٍ صالِحَةٍ قد سبقَ اللهُ فأعدَّها لِكَي نسلُكَ فيها (أفسُس 2: 8- 10). هُناكَ تشديدٌ قَوِيٌّ جدَّاً في كُلِّ كتاباتِ بُولُس على أنَّنا لم نخلُصْ ولا نَستطيعُ المُحافَظَةَ على خلاصِنا بالأعمالِ الصَّالِحة. هذا هُوَ أيضاً زخمُ وفحوى رسالَتَي بُولُس إلى أهلِ رُومية وغلاطية.
- عدد الزيارات: 10338