الفَصلُ الخامِس "مُبَرَّرُونَ بالإيمان" - الجميعُ تحتَ الخَطِيَّة
الجميعُ تحتَ الخَطِيَّة
يُتابِعُ بُولُس بعدَ ذِكرِ هذه الأخبارِ السَّارَّة، بِذكرِ الأخبارِ السَّيِّئَة، عندما يختُمُ قائِلاً: "لأنَّهُ لا فَرق؛ إذِ الجميعُ أخطأُوا وأعوَزَهُم مجدُ اللهِ..." اللُّغاتُ الأصليَّة التي كُتبَ فيها الكتابُ المُقدَّس، لديها بِضعَةُ كلماتٍ تمَّتْ ترجَمَتُها جميعاً بكلمَةٍ واحِدَة هي "خَطِيَّة." تُشيرُ هذه الكلماتُ أحياناً إلى سَهمٍ أخطأَ الهَدَف، أو إلى مَفهُومِ الخُرُوجَ إلى ما وراء المجال المَسمُوح بهِ، أو إلى كَسرِ القواعِدِ والقَوانِين.
عندما يكتُبُ بُولُس قائِلاً أنَّنا جميعَنا أخطَأنا، يستخدِمُ للتَّعبيرِ عن الخطيَّة كلمَةً تَصِفُ سَهماً يُقَصِّرُ عنِ الوُصُولِ إلى الهَدَف. وإنسِجاماً معَ ما كتبَهُ بُولُس سابِقاً، يَقُولُ هُنا أنَّنا جميعاً خُطاةٌ، لأنَّنا نُقَصِّرُ عن المُستَوى الذي وضَعَهُ لنا اللهُ في كُلِّ كَلِمَتِهِ المُوحاة.
في الكتابِ المُقدَّس، المُستَوَى الذي وضَعَهُ اللهُ لِشَعبِهِ هُوَ أنَّ كُلَّ فكرَةٍ، كَلِمَةٍ، وعمَلٍ يَقُومُ بهِ شعبُ اللهِ، ينبَغي أن يأتِيَ بالمَجدِ لإلَهِهم. عندما نُقَصِّرُ عن هذا المُستَوَى، نَكُونُ خُطاةً. بِبَساطَةٍ، هذهِ طريقَةٌ أُخرى للقَولِ أنَّهُ علينا أن نحفَظَ المأمُوريَّة العُظمَى، التي هي محبَّة الله من كُلِّ القَلبِ ومن كُلِّ القُدرَةِ ومن كُلِّ الفكرِ، طوالَ اليومِ وكُلَّ يَومٍ نعيشُهُ في حياتِنا (1كُورنثُوس 10: 31؛ متَّى 22: 35- 40؛ تثنِيَة 6: 5).
هذه هي الإستِعارَةُ المجازِيَّةُ المُفضَّلَة لدَيَّ عن مفهُومِ الخَطيَّةِ في كلمَةِ الله. فعلى مدَى عشراتِ السنِين التي قَضَيتُها كراعِي كنيسة، واجَهتُ نَوعانِ من النَّاس الذين يحتاجُونَ أن يسمَعُوا هذا التَّعريف الكِتابِيّ للخَطِيَّة. فهُناكَ أُولئكَ الذينَ يَقُولُونَ أنَّهُم يشعُرُونَ بالصَّدمَةِ عندما أعِظُ وأُعَلِّمُ قائلاً أنَّهُم خُطاة. وهُوَ يُؤمِنُونَ بأنَّ الخُطاةَ هُم فقط أُولئكَ الذين يسرُقُونَ المصارِفَ، ويقتَرِفُونَ الزِّنَى أو القتَل. وبما أنَّهُم لا يعمَلُونَ هذه الفظائِع، فإنَّهُم يشعُرُونَ بالصَّدمَةِ عندما أقُولُ لهُم أنَّهُم خُطاة.
مُشكِلَتُهُم هي في تعريفِهِم للخَطِيَّة. فعِندَما يفهَمُونَ تعريفَ اللهِ لِلخَطِيَّة – مفهُوم كَونِنا خُطاةً لأنَّنا نُقَصِّرُ عن المُستَوى الذي وضعَهُ اللهُ لِشَعبِهِ – سيُدرِكُونَ أنَّهُم خُطاةٌ حتَّى ولو لم يقتَرِفُوا تلكَ الخطايا الفَظيعة التي يربُطُونَها بكَونِ الإنسانِ خاطِئاً بِنَظَرِهِم. بل هُم خُطاةٌ لأنَّهُم يُقَصِّرُونَ عن تحقيقِ ما خلقَهُم اللهُ لأجلِهِ: تمجيد الله في كُلِّ فكرٍ وقَولٍ وعمَلٍ طوالَ اليومِ، وكلَّ يَومٍ يعيشُونَهُ.
الشَّخصُ الآخر الذي يحتاجُ إلى هذا التَّعريف هُوَ الذي يُؤمِنُ أنَّهُم إختَبَرُوا ما يعتَبِرُونَهُ "التَّقدِيس." فبالنِّسبَةِ لهُم، التَّقديسُ يعني أنَّهُم لم ولا ولن يُخطِئُوا، لأنَّهُ كانَ لدَيهِم خطيَّة إلى أن إجتازُوا بإختبِارِ التَّقديس. (1يُوحَنَّا 1: 8- 10). لدى هَؤُلاء مُشكِلَة في تعريفِهِم للتَّقديس. فكما أشَرتُ سابِقاً في تفسيري للتَّحِيَّة التي بدأ بها بُولُس رسالَتَهُ، دعا بُولُس الكُورنثِيِّينَ بأنَّهُم "مُقَدَّسينَ"، ثُمَّ نعتَهُم بلائِحَةٍ طويلَةٍ منَ الخطايا في كنيستِهِم. يُعَلِّمُنا هذا أنَّ التَّقديس لا يعني الكمال المُنزَّه عنِ الخَطيَّة.
لديهِم أيضاً مُشكِلَةٌ في تعريفِهِم للخطيَّة. إنَّهُم يحتاجُونَ ليُدرِكُوا أنَّ الخَطِيَّةَ هي التَّقصيرُ عن المُستَوى الذي وضعَهُ اللهُ والمسيحُ لنا لكَي نَكُونَ كامِلين (متَّى 5: 48؛ تكوين 17: 1). فإذا إدَّعَى شخصٌ مُعَيَّنٌ أنَّهُ لم يَعُدْ يُخطِئ، وأنَّهُ لن يُخطِئَ أيضاً، قد يكُونُ تعريفُهُ لِلخَطيَّة محصُوراً بإقتِرافِ الزِّنى، السَّرِقَة، القَتل وما هُوَ أسوأ من ذلكَ. ولكن عندما يُوافِقُ أمثالُ هؤُلاء الأشخاص على التَّعريفِ الذي يُقَدِّمُهُ بُولُس للخطيَّة في هذا المقطَع، سيُدرِكُونَ أنَّ الإدِّعاءَ بأنَّهُم لا يُخطِئُونَ، هو بمثابَةِ إدعائِهم بأنَّهُم كامِلُون.
عندما كمَّلَ يسُوعُ نامُوسَ اللهِ بتعليمِ رُوحِ نامُوسِ مُوسى على جَبَلِ الجليل، رَفَّعَ نامُوسَ اللهِ عالِياً، لدَرجَةِ أنَّ نامُوسَ مُوسى هذا صارَ يكسِرُ كُلَّ واحِدٍ منَّا، ويَسُدُّ أفواهنا إلا عنِ التَّضَرُّعِ بصلاةِ الخاطِئ طالِبينَ رحمَةَ اللهِ (متَّى 5: 17- 48). الأخبارُ السَّارَّةُ هي أنَّنا عندما نُصَلِّي صلاةَ الخاطِئ، طالِبينَ رحمةَ الله، يُخبِرُنا يسُوعُ بأنَّهُ بإمكانِنا أن نذهَبَ إلى بيتِنا مُبَرَّرِينَ، - أي مُعلَنِينَ أبراراً من قِبَلِ الله (لُوقا 18: 10- 14).
- عدد الزيارات: 10336