Skip to main content

الفصلُ الثالِث والعِشرُون "نماذِج وتحذيراتٌ"

(1كُورنثُوس 10: 1- 22)

في كُورنثُوس الأُولى 10، يرجِعُ بُولُس للحدِيثِ عن موضوع أكل ما ذُبِحَ للأوثان. لأُولئكَ الذين إعتَقَدُوا أنَّهُ من الصَّواب أكل هذا اللحم، عبَّرَ بُولُس عن تحذير. "أنظُرُوا إسرائيلَ حسبَ الجسد. أليسَ الذين يأكُلُونَ الذَّبائِح هُم شُرَكاءُ المذبَح؟" (1كُور10: 18) بِكَلماتٍ أُخرى، "ألا تُدرِكُونَ بماذا تُشرِكُونَ أنفُسَكُم عندما تأكُلُونَ هذا اللحم المُقدَّم للأوثان؟ فهل يُمكِنُ أن تكُونُوا في شَركَةٍ معَ المسيح ومعَ خُبزِ المسيح، الذي يُشيرُ إلى جسدِهِ، وأن تستَمِرُّوا بالمُشاركة في عبادَةِ الأوثان وكُلَّ ما يُرافِقها؟"

بعدَ أن ذكرَ أمثِلَةً من العهدِ القديم، بما في ذلكَ عبادة الأوثان التي تورَّطَ بها شعبُ اللهِ القَديم عندما كانُوا في البَرِّيَّة، قالَ بُولُس في العدد 11، "فهذه الأُمُور جميعُها أصابَتهُم مِثالاً وكُتِبَت لإنذارِنا نحنُ الذين إنتَهَت إلينا أواخِرُ الدُّهُور."

إنَّ كلمة "مِثال" تأتي من الكلمة اليُونانيَّةTupos  ، التي تعني "نمُوذج." فالنمُوذج هُوَ مثل نمُوذج المطبعة، أي رمزٌ يترُكُ إنطِباعاً على صفحَةٍ مطبُوعة. فهذه الأمثِلة أو النماذِج التي يذكُرُها بُولس هي بالواقِع صُورَةٌ مجازِيَّةٌ صغيرة، مقصُودٌ منها أن تترُكَ إنطِباعاً على المُؤمنين الكُورنثُوسيِّين وعلينا نحنُ اليوم.

"إذاً من يَظُنُّ أنَّهُ قائمٌ فَليَنظُرْ أن لا يسقُط." (12) فإن كُنتَ تَظُنُّ أنَّكَ لن تسقُطَ أبداً، إتَّخِذ من مِثالِ شعبِ إسرائيل القَديم تحذيراً لكَ. لأنَّكَ أنتَ أيضاً قد تسقُطُ في الخطيَّة. علينا أن نحذَرَ من الوُقُوعِ مُجدَّداً في أخطاءِ شعبِ اللهِ في العهدِ القديم. فأحدُ أسباب تسجيل تاريخِهم، هُوَ لكي لا نعود نحنُ ونقع في أخطائِهم نفسها. ولم يكُن الإسرائيليُّونَ القُدامى التائِهونَ في البَرِّيَّة هُم الذين أخطأُوا فقط، بل أيضاً سُليمان مثلاً، وقعَ في الكثير من الأخطاء. وفي نهايَةِ حياتِه قال ما معناهُ، "لا تعمَلوا كما عمِلتُ أنا. بل تعلَّمُوا من خُبرَتي، لكي تتجنَّبُوا العواقِب التي عانَيتُ منها. إجعَلُوا من حياتِي تحذيراً لكُم." (مزمُور 127: 1، 2؛ وجامِعة)

إنَّ كُلَّ تَجرِبَةٍ تعرَّضَ لها داوُد، مُمكِن أن تتعرَّضَ لها أنتَ أيضاً. وكلُّ تجرِبة تعرَّضَ لها سُليمان، قد تتعرَّضُ لها أنت. وكُلُّ تجرِبَة تعرَّضَ لها شعبُ اللهِ القَديم، قد تتعرَّضُ لها أنتَ بِدَورِكَ. لماذا؟ لأنَّهُم كانُوا أُناساً، وكذلكَ أنتَ إنسان. فاللهُ يستخدِمُ اليوم المصادِرَ نفسَها التي إستخدمها آنذاك – كائناتٍ بَشَريَّة غير كامِلة. فالأشخاصُ غيرُ الكامِلين سوفَ يتعرَّضُونَ دائِماً للتجرِبة، وقد يسقُطُون.

ولكنَّ بُولُس يُعطينا أملاً في العددِ التالي. "لم تُصِبكُم تجرِبَة إلا بَشَريَّة. ولكنَّ اللهَ أمينٌ الذي لا يدَعُكُم تُجَرَّبُونَ فوقَ ما تَستَطيعُون بَل سيَجَل معَ التَّجرِبَة أيضاً المَنفَذ لِتَستَطيعُوا أن تحتَمِلُوا." (13) لنُلاحِظ أنَّ العدد التالي يُظهِرُ لنا أنَّ المنفَذَ هُوَ الهُرُوب.

الشَّهَواتُ الخاطِئة التي تأتي إلى حياتِكَ ليست جديدةً ولا مُختَلِفة. أشخاصٌ آخرونَ واجَهُوا هذه التجارِب عينها. ولكن بإمكانِكَ أن تَثِقَ بالله لكي لا يسمَحَ للتجرِبة بأن تقوى لدرجَةٍ لا تعُودُ تقوى على مُقاومتِها أو تحمُّلِها، لأنَّهُ وعدَ بهذا وسيُحقِّقُ وعدَهُ.

ذكرَ بُولُس خطايا مُحدَّدة إقتَرَفها شعبُ اللهِ القَديم، وأرادَ هُوَ من الكُورنثُوسيِّين أن يتحاشُوها: عبادَة الأوثان، النجاسة الجنسيَّة، تجرِبَة الرَّب، والتذمُّر. ثُمَّ في العدد 14 ذكرَ مُجدَّداً عبادَةَ الأَوثان، عندما رجعَ إلى قضيَّة أكل اللحم المُقدَّم للأوثان، وكيفَ يُؤثِّرُ هذا على الأخِ الأضعَف. "لذلكَ يا أحِبَّائي أهرُبُوا من عبادَةِ الأَوثان." (14) فأكلُ اللحمِ الذي قُدِّمَ للأَوثان يعني المُشارَكة بسُلوكٍ غير أخلاقي.

من المُستَحيل أن نُعبِّرَ بالتمام كم كانت هذه المُمَارَساتُ نَجِسَةً. لقد كانت عبادَةُ الأوثانِ مُرتَبِطَةً بعالَمِ الرُّوح. "بل إنَّ ما يذبَحُهُ الأُمَم إنَّما يذبَحُونَهُ للشَّياطِين." (20) لهذا قالَ للكُورنثُوسيِّينَ أن يهرُبُوا، وأن يبتَعِدُوا عن الهياكِل وكُلِّ ما لهُ علاقَة بها.

يُشكِّلُ هذا أيضاً نصيحَةً عظيمَةً لنا: إهرُبُوا مُباشَرَةً من هذه التجارِب. ولا تُفكِّرُوا بأنَّكُم عمُودَ قُوَّةٍ، وأنَّهُ بإمكانِكم أن تهرُبُوا من التجارِب التي تعصُفُ بحياتِكُم. تذكَّرُوا أنَّهُ ولو كانَت رُوحُكم تُريدُ ذلكَ، ولكنَّ الجسدَ ضعيف. فلا تستسلِمُوا للجَسَد. إنَّ التعليمَ عن التجربة هُوَ أن نُصلِّي بأن لا نقعَ في تَجرِبَة. ففي الصلاةِ الرَّبَّانِيَّة أو صلاةِ التلاميذ، علَّمنا يسُوعُ أن نُصَلِّيَ يوميَّاً، "ولا تُدخِلنا في تجربِة." (متَّى 6: 13؛ 26: 40، 41)

  • عدد الزيارات: 2884