Skip to main content

الفَصلُ الخامِس عشَر "دَليلُ الزَّواج"

(1كُورنثُوس 7)

عندما كتبَ بُولُس الإصحاح السابِع من كُورنثُوس الأُولى، لم يُواجِهِ فقط مُشكِلَةً مُختَلِفة، بل بدأَ قسماً جديداً من الرِّسالة. لقد سبقَ وأُخبِرَ عن الإنشِقاقات في الكنيسة، وعن الشخصِ الزَّاني، وعن مُقاضاة بعضِهم البعض، ولقد أُخبِرَ عن هذه المشاكِل من أهلِ خُلُوي. هُنا بدَأَ بُولُس يُواجِهُ المشاكِل التي قُدِّمَت لهُ في رسالةٍ إستَلَمَها من هذه الكنيسة.

وبينما كانَ يُجيبُ على أسئِلتِهم حولَ الزَّواج، أعطانا بُولُس ما يعتَبِرُهُ الكثيرُ من الرُّعاةِ دليلاً للزَّواج. ولقد أصبحَ هذا الإصحاحُ دليلاً إستخدمَهُ القُسُوس منذُ كتابتِهِ، عندما كانَ أعضاءُ كنائِسهم يسألُونَ عن الزواج والطلاق وإعادَةِ الزَّواج وقضايا مُشابِهة.

ولكي نفهَمَ التعاليم المُحدَّدَة في هذا الإصحاح، علينا أن نبدَأَ بمُلاحظاتٍ عامَّة. المُلاحظة الأُولى تبدَأُ من العدَدَين الأوَّلَين. كتبَ بُولُس يقُول، "وأمَّا من جِهَةِ الأُمُور التي كتَبتُم لي عنها فَحَسَنٌ للرَّجُل أن لا يَمَسَّ إمرأَة. ولكن لِسَبَبِ الزِّنا لِيَكُن لكُلِّ واحدٍ إمرأَتُهُ ولِيكُنْ لكُلِّ واحِدَةٍ رَجُلُها." تبدو هذه النظرة وكأنَّهَا نظرَةٌ رَهِيبَةٌ عن الزواج، أليسَ كذلكَ؟ ولكن مفتاحَ فهم العددين الأوَّل والثاني، نجِدُهُ في العدد 26، حيثُ كتبَ بُولُس قائلاً، "فأَظُنُّ أنَّ هذا حسنٌ لسببِ الضِّيقِ الحاضِر أنَّهُ حَسَنٌ للإنسان أن يكُونَ هكذا." فما الذي قصدَهُ بُولُس بالضِّيقِ الحاضِر؟

خلالَ الثلاثمائة سنة الأُولى من تاريخِ الكنيسة، إختبَرَت الكنيسةُ عدَّةَ مراحِل من الإضطهادِ القاسِي. كانَ هذا أحد أسباب لقاء المُؤمنين في كنائِس منزِليَّة، قبلَ أن يجعَلَ الأمبراطُور الرُّوماني من المسيحيَّة ديانَةً شرعيَّة يَحِقُّ للمُواطِنين الرُّومان تبنِّيها، وذلكَ عام 313 م. لقد كانت الكنيسة مُؤسَّسَةً سِرِّيَّةً لمُدَّةِ ثلاثةِ قُرون. وهذا الإصحاحُ بكامِلِهِ ينبَغي أن يُقرَأَ على ضَوءِ هذا الضِّيقِ الحاضِر" الذي كانَ يعني إضطهاد المُؤمنين. كانَ هذا أحد الأسباب لِقولِ بُولُس أنَّهُ إذا كُنتَ عازِباً، فالأفضَل لكَ أن تبقى كذلكَ. ولكن إذا كُنتَ عازِباً ولكنَّكَ تتصارَعُ معَ التجارِب، فلِكَي تتجنَّبَ الخطايا اللاأخلاقيَّة، عليكَ أن تتزوَّج. فمن الأفضَل لكَ أن تتزوَّج من أن تتحرَّق بالشهوة. 

مُلاحظة أُخرى عامَّة تتعلَّقُ بالوحي الإلهي لهذا الإصحاح. هُناكَ أماكِنُ في دليلِ الزواجِ هذا، حيثُ كتبَ بُولُس، "ليسَ لدَيَّ أمرٌ من الرَّب في هذا الأمر، ولكنَّني أُعَبِّرُ لكُم عن رَأيِي." أو أنَّهُ كتبَ، "ليسَ أنا، بَلِ الرَّب." تبدو هذه التصريحات وكأنَّها تعني، "لستُ أنا من أقُولُ لكُم هذا، بَل الرَّبُّ هُوَ الذي يقُولُ هذا،" أو "ليسَ الرَّبُّ هو من يقُولُ هذا، بل أنا أقولُ لكُم هذا." إستنتَجَ البعضُ مُخطِئينَ أنَّ أقساماً من هذا الإصحاح، حيثُ يقُولُ بُولُس أنَهُ ليسَ لديهِ أمرٌ من الرَّب، يظُنُّونَ خطأً أنَّ هذه الأقسام غيرَ مُوحَىً بها من الله. ولكن لاحِظُوا الكلمات الأخيرة التي قالَها بُولُس في العددِ الأخير من هذا الإصحاح، "وأَظُنُّ أنِّي أنا أيضاً عندي رُوحُ الله." ما يقصدُهُ بُولُس هُوَ أنَّهُ عندما يُخبِرُنا بما يعتَقِدُ بهِ، فهُوَ يكتُبُ بوحيِ الرُّوحِ القُدُس. (1كُورنثُوس 7: 40)

فإن لم يكُن بُولُس يُخبِرُنا متى يتكلَّمُ هُوَ ومتى يتكلَّمُ الرَّبُ، فما هُوَ معنى كُلِّ هذه التصريحات؟ إنَّ بُولُس يبنَي بحذَر على أساسِ تعليمِ يسوع عن موضُوعِ الزواج. فإن كانَ السؤالُ الذي طرَحَهُ عليهِ الكُورنثُوسيُّون مُتَعلِّقاً بما علَّمَ بهِ يسُوعُ عن الزواج – مثلاً، في متَّى 5 أو متَّى 19 – عندها يكُونُ بُولُس يقُول، "ليسَ عليَّ أن أُجيبَ على هذا السؤال، لأنَّ الرَّبَّ يسُوع هو الذي أجابَ عليهِ قَبلي."

ولكن بعض أسئِلتِهِم كانت تتعلَّقُ بمواضيع لم يتكلَّم عنها يسُوع. أحدُ هذه الأسئلة مثلاً هُو التالي: "لِنفتَرِض أنَّ رَجُلاً وإمرأَةً تزوَّجا عندما كانا كِلاهُما غيرَ مُؤمِنَين. ثُمَّ جئتَ أنتَ مثلاً تكرِزُ بالإنجيل، فخَلُصَ أحدُ الزَّوجَين، أما الآخر فلا. فماذا بإمكانِ هذين الزوجَينِ أن يفعلا؟" إنَّ يسُوعَ لم يعالِج هذا النوع من مشاكِل الزواج.

عندما وجَّهَ بُولُس هذا السُّؤال في الأعداد 12 وما يتبَع، قال، "ليسَ لدَيَّ أمرٌ من الرَّبِّ، ولكن أنا أقُولُ لكُم." ولكنْ تذكَّروا أنَّ هذا تعليمٌ مُوحَىً بهِ من الله، لأنَّ بُولُس يكتُبُ بِوَحيِ رُوحِ الله.

  • عدد الزيارات: 2904