الفَصلُ الثاني والعِشرُون "أركُضُوا لكَي تنالُوا"
(1كُورنثُوس 9: 24- 27)
يختُمُ بُولُس الإصحاح التاسِع مُستَخدِماً إيضاحاتٍ من عالَمِ الرِّياضة، لكَي يُشجِّعَ المُؤمنين الشَّباب في كُورنثُوس بأن يثبُتُوا في إيمانِهم. "ألَستُم تعلَمُونَ أنَّ الذين يَركُضُونَ في الميدان جَميعُهُم يَركُضُون ولكنَّ واحِداً يأخُذُ الجعالة. هكذا أُركُضُوا لِكَي تنالُوا. وكُلُّ من يُجاهِدُ يضبُطُ نفسَهُ في كُلِّ شَيء. أمَّا أُولئكَ فَلِكَي يأخُذُوا إكليلاً يفنَى، وأمَّا نحنُ فإكليلاً لا يفنَى. إذاً أنا أركُضُ هكذا كأنَّهُ ليسَ عن غَيرِ يَقين." (1كُور 9: 24- 26)
المَثَلُ الأَوَّلُ الذي يستخدِمُهُ الرسُول بُولُس من الرِّياضة، هَو عن مُباراة الركض. لِنَفتَرِض أنَّ المُتسابِقينَ يتبارُونَ في سباقِ عشرة كيلومترات. إنَّهُم يَحُثُّونَ خُطاهُم مُثَبِّتينَ أنظارَهُم على الهدف الذي في نهايَةِ السِّباق – أي الشريط الذي سيقطَعُونَهُ عندما يجتازُونَ خطَّ النِّهايَة. وإذا تحكَّمُوا بِسُرعَِتِهم بِشكلٍ صَحيح، ففي اللحظَةِ التي يَجتازُونَ فيها خَطَّ النِّهايَة، سيَكُونُونَ حاضِرينَ للتَّضحِيَةِ بأيِّ شَيءٍ يُريدُونَهُ لِكَي يربَحُوا هذا السِّباق. إنَّ التحكُّمَ بالسُّرعَة هُوَ أمرٌ في غايَةِ الأهمِّيَّة لرِبحِ السباق. فالعدَّاؤُونَ لا يُريدُونَ أن يبذُلوا قُصارَى جهدِهم من البِدايَة، وإلا تخُورُ قواهُم في منتَصَفِ الطريق، وقبلَ النهايَة. ولا يُريدونَ أن يُنهُوا السِّباق مُحتَفِظينَ بطاقَةٍ لم يستخدِمُوها كانَ يُمكِن أن تجعلَهُم يفوزون.
يُطبِّقُ بُولُس هذا المَفهُوم على فلسفة الخدمة الذي أبرَزَهُ لنا في هذا الإصحاح (19- 23). كانَ هدفُهُ كمُرسَل أن يُبَشِّرَ العالم، وكانَ سيعمَلُ أيَّ شَيءٍ يلزم، ضمنَ نامُوسِ المسيح، لكي يُحقِّقَ هدفَهُ. لقد عرفَ أنَّ مُكافأتَهُ – أي الأشخاص الذينَ قبِلُوا الإنجيل بسبب وعظِهِ – ستكُونُ أبديَّةً.
في العدد 26 إستَخدَمَ بُولُس إيضاحاً آخرَ من عالَمِ الرِّياضة: "هكذا أَُضارِب كأنِّي لا أضرِبُ الهواء." ثُمَّ يُتابِعُ قائِلاً، "بل أقمَع جسدي وأستَعبِدُهُ حتَّى بعدَ ما كرزتُ للآخرين لا أصيرُ أنا نفسي مرفُوضاً." (27) لَرُبَّما كَرَجُلٍ شابٍّ كانَ بُولُس رِياضيَّاً، لأنَّهُ يستخدِمُ عدداً من هذه الإيضاحات في رسائِلِهِ. في أفسُس 6، مثلاً، يتكلَّمُ عن المُصارَعة. في هذا المقطع، وبعدَ مُقارَنتهِ لنظرتِهِ للحياةِ والخدمة معَ الطريقة التي يجري بها العدَّاءُ في سباق الماراتُون، شبَّهَ نظرتَهُ إلى حياتِهِ وخدمتِهِ بالطريقَةِ التي يَستَعِدُّ بها المُصارِعُ للمُصارعة.
فعندما يستَعِدُّ المُصارِعُ للمُصارَعة، يقضى شُهُوراً وهُوَ يُعِدُّ ستراتيجيَّةً للمُصارعة. فهُوَ يدرُسُ أفلاماً عن غَريمِهِ، علَّهُ يجِدُ نقاطَ الضعفِ فيه – مُقتَنِصاً فُرَصَهُ للنَّجاح. وهو يعرِفُ نقاطَ قُوَّتِهِ وضعفِه. كُلُّ هذا الإستِعداد هُوَ جزءٌ من ستراتيجيَّتِهِ لرِبحِ المُصارعة.
فمثلُ العدَّاء الذي يعدُوا مسافاتٍ طَويلة، ومثل المُصارِع، وأيِّ بَطَلٍ رِياضِيٍّ آخر يستَعِدُّ للحدَث، كانَ بُولُس بنفسِ الطريقة يُركِّزُ على هدَفِهِ. عندما خلَّصَهُ المسيحُ على طريقِ دِمشق، دعاهُ للخدمة. ولكي تتحقَّقَ هذه الخدمة، أنشأَ بُولُس خُطَّةً للطريقَةِ التي سيحيا بها حياتَهُ – فهُوَ سيكُونُ كُلَّ شَيءٍ لكُلِّ إنسان، لكَي يقودَ أكبَرَ عددٍ من الناس إلى المسيح. وكما يُخضِعُ البَطَلُ الرِّياضِيُّ جسدَهُ لتدريبٍ صارِم، هكذا فعلَ بُولُس. فهُوَ لم يُرِدْ أن يكتَشِفَ في نهايَةِ السِّباق – هذا السباق الذي كانَ قد دعا آخرينَ ليُشارِكُوه فيه – أنَّهُ قد عمِلَ أيَّ خطأٍ مِمَّا يُفقِدُهُ أهليَّتَهُ لمُتابَعَةِ السَّعي.
أَوَدُّ لو أنَّ كُلَّ تابِعٍ للمسيح تكُون لهُ هذه الفلسفة للحياةِ والخِدمة. هذا ما ينبَغي أن يكُونَ الموقف الذي لَدَينا حِيالَ الحياة التي من أجلِها خَلُصنا وإليها دُعِينا. فكم كانَ اللهُ سيتمجَّد، وكم كانَ المسيحُ سيُعظَّم، وكم كانت المأمُوريَّةُ العُظمى ستتحقَّق، لو أنَّ المزيد من المُؤمنين كانت لديهم فلسفةُ الخدمةِ والحَياة التي عبَّرَ عنها بُولُس في هذه الأعداد.
- عدد الزيارات: 2972