Skip to main content

الفَصلُ الرَّابِع والعِشرُون "مَبادِئُ المحبَّةِ الثلاثة"

(1كورنثُوس 10: 23- 33)

بينما يختُمُ بُولُس أُطرُوحتَهُ الرائِعة حولَ قضيَّةِ أكلِ ما ذُبِحَ للأَوثان، يُكرِّرُ ما سبقَ وذكرَهُ في الإصحاح الثامِن عن الحُرِّيَّة التي تُشبِهُ المسيح. فكُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ، كما يقُولُ، ولكن ليسَ كُلُّ شَيءٍ يبني. ثُمَّ يُصِرُّ على أن نطلُبَ خيرَ الآخرينَ قبلَ أن نسعى لِخَيرِنا.

ثُمَّ يُعطي بُولُس تعليماتٍ مُحدَّدة. "كُلُّ ما يُباعُ في المَلحَمة كُلُوهُ غَيرَ فاحِصِين عن شَيءٍ من أجلِ الضَّمير. لأنَّ لِلرَّبِّ الأرضَ ومِلأَها." (1كُورنثُوس 10: 25- 26) ثُمَّ ينصَحُ بُولُس الشخصَ الذي يُدعى إلى مأدُبَة طعام، أن لا يسألَ هذا الشخصُ، "هل قُدِّمَ هذا اللحمُ للوَثَن؟" بل أن يأكُلَ بدُونِ أن يسألَ أسئِلةً. ولكن إذا إقتَرَبَ المُضِيفُ وقالَ لهُ، "أُريدُكَ أن تعرِفَ أنَّ هذا اللحم كانَ قد قُدِّمَ للوَثَن،" عندها لا تأكُلْ من أجلِ الضَّمير." ويُوضِحُ بُولُس قائلاً، "ليسَ ضميرَكَ أنتَ، بل ضمير الآخر." (29)

هُنا يستَبِقُ بُولُس سُؤالَ الكُورنثُوسيِّين. "لأنَّهُ لماذا يُحكَمُ في حُرِّيَّتي من ضَميرِ آخر؟" (29) فقد تسألَ، لماذا عليَّ أن أُقادَ وأُحَدَّ بما يُفكِّرُ بهِ شخصٌ آخر؟ من أجلِ مجدِ الله! فكُلُّ ما تعمَلُهُ كتِلميذٍ ليسوع المسيح ينبَغي أن يُعمَلَ لمجدِ الله، حتى ولو كانَ أكلاً وشُرباً. وينبَغي أن تتأكَّدَ من أنَّ طريقَةَ حياتِكَ لا تُشكِّلُ عثرَةً لأيِّ شخصٍ آخر – سواءٌ أكانَ يَهُودِيَّاً أم أُمَمِيَّاً أم مُؤمِناً." (1كُورنثُوس 10: 32، 33)

فمُضيفُكَ قد يكُونُ مُرَشَّحاً للخلاص. وبما أنَّهُ قامَ بهذه المُلاحظة، فهُوَ قد يكُونُ يعتَقِدُ أنَّ أتباعَ المسيح لا يأكُلُونَ لحماً كانَ قَد قُدِّمَ لِوَثَن. جوابٌ آخر على هذا السُّؤال هُوَ في كلمة واحدة: "محبَّة." لاحِظْ كيفَ أنَّ كُلَّ مُشكِلَة عالَجَها بُولُس في كنيسةِ كُورنثُوس تَجِدُ لها حلاً في إصحاحِ المحبَّة، بما فيها هذه المُشكلة.

تبرُزُ هُنا ثلاثَةُ مبادِئ كانت تقُودُ الأخلاقَ الشخصيَّة التي وصفها بُولُس ونصحَ بها في الإصحاحِ التاسع. فهُوَ لم يطلُبْ خيرَهُ الشخصيّ، بل خيرَ الآخرين. ولقد وضعَ اليَهُودِي، الأُمَمي، المُؤمنَ النامُوسي، والأخَ الأضعَف في مركَزِ إهتماماتِ حياتِه. وهُوَ لم يطلُب مجدَهُ الشخصي، بل مجدَ الله – حتَّى في أصغَرِ الأُمُور، مثل الأكل والشُّرب. فما هُوَ الذي يُمجِّدُ الله؟ وما هُوَ الذي يُؤدِّي إلى خلاصِ الآخرينَ وبُنيانهِم؟ وهل أنا أسعَى وراءَ خَيري أم خير الآخرين؟ هذه مبادِئُ رائعة ينبَغي أن تُسيطِرَ على حياة المُؤمنين الأخلاقيَّة.

هذه المبادِئ هي لكُلِّ مُؤمن، ولكن عندما يكُونُ المُؤمنُونَ حديثي الإيمان، قد لا يفهَمُون هذه المُطلقات الأدبيَّة الأخلاقيَّة. وبينما ينضُجُون، سيقبَلُونَ المبادِئ التي قادت فلسفة حياة وخدمة أعظم مُرسَل وراعي ومُعلِّم وكاتِب في كنيسةِ العهدِ الجديد.

على تابِعِ المسيح لكي يكُونَ قائداً في كنيسة، أن يُطبِّقَ ويُؤمِنَ بفلسفة الحياة والخدمةِ هذه، التي طبَّقها بُولُس وأوضحها في الإصحاحات 8، 9، و10 من كُورنثُوس الأُولى. فالمحبَّةُ هي ثمرُ الرُّوح، وبُرهانُ النُّضج الرُّوحيّ. والمحبَّةُ ينبَغي أن تكُونَ بُرهانَ مِصداقِيَّةِ كُلِّ مُؤمن. المحبَّةُ هي في وسطِ هذه الفلسفة الأخلاقيَّة التي تتمحوَرُ حَولَ المسيح وحولَ الآخرين. فإن كُنتَ تُؤمنُ وتعيشُ على أساس هذه الفلسفة الأخلاقيَّة، فإنَّ المسيحَ والتبشيرَ وبُنيان الآخرين ستكُونُ في مركَزِ إهتماماتِكَ وفي محوَرِ حياتك.

كُلُّ شخصٍ تعرِفُهُ هُوَ فرصَةٌ للتبشيرِ أو للبُنيان. وسواءٌ أكانَ الشخصُ مُؤمِناً أم غير مُؤمن، فإنَّ رغبَتَكَ ينبَغي أن تكُونَ لخدمتِهِ كعبدٍ من أجلِ بُنيانِهِ وخلاصِه. وعليكَ أن تُصمِّمَ على أن لا تعمَلَ شيئاً قد يمنَعُ الناس من المجيءِ إلى المسيح، إن كانُوا غير مُؤمنين. وإن كانُوا مُؤمنين، فإنَّ شُغلَكَ الشاغل ينبَغي أن يكُونَ أن لا تعمَلَ أيَّ شَيءٍ ممَّا قد يصدُمَهُم، أو يُشكِّلُ عثَرَةً أمامَ إيمانِهم، أو يمنَعُهم من النُّمُوّ.

هذه المبادِئ: مجد الله، تبشير غير المُؤمنين، وبُنيان المُؤمنين، هي التي بها سنَجدُ حلاً "للقَضايا الرَّمادِيَّة"، التي لا يدينُها الكتابُ المقدَّسُ ولا يمدَحُها، فيما يختَصُّ بعلاقاتِنا... فعندما تُواجِهُ واحدَةً من هذه القضايا الصعبَة، مثل أكل اللحم الذي قُدِّمَ للأوثان، فكِّرْ بالذين يُشاهِدُونَكَ تعمَلُ ذلكَ. ثُمَّ إمتَحِنْ نفسَكَ. هل تتمحوَرُ حياتُكَ حولَ نفسِكَ، أم حولَ المسيح وحولَ الآخرينَ لمجدِ الله، ولخلاصِ الضَّالِّين، ولبُنيانِ المُؤمنين؟

أُشجِّعُكَ أن تجعَلَ من أولويَّاتِ الخدمة عندَ بُولُس، والتي شاركنا بها في الإصحاح التاسع، وفي خاتِمَةِ الإصحاحِ العاشِر، أن تجعَلَ منها أوليَّاتِكَ المُطلَقة. إتِّخِذْ الإلتِزام بأن تكُونَ عبداً لكُلِّ كائنٍ بَشَريٍّ تلتَقي به. ضَعْهُ في مركَزِ إهتِمامِكَ، وتعهَّدْ بأن تَصيرَ كُلَّ شَيءٍ لكُلِّ شخصٍ، لكي يخلُصَ الجميع. ثُمَّ، إتَّخِذْ الإلتِزام بأن لا تُقدِمَ على أيِّ عمَلٍ يُمكِنُ أن يُشكِّلَ عثرَةً للمُتَدَيِّنِين، للوَثَنيّين، أو للمُؤمنين الذي ستلتَقيهِم في حياتِكَ.

  • عدد الزيارات: 2885