الفَصلُ العاشِر "نماذِج من الشَّهادَة"
(1كُورنثُوس 4: 6- 21)
في العددِ السابِع من الإصحاحِ الرَّابِع، يطرَحُ بُولُس ثلاثَةَ أسئِلَةٍ عميقة. السُّؤالُ الأوَّلُ هَو، "من هُوَ الذي يجعَلُكَ مُختَلِفاً عن كُلِّ شَخصٍ آخر؟" فإحدَى أعظم مُعجِزاتِ الله هي أنَّ البَشرَ يختَلِفُونَ عن بعضِهِم البَعض من حيثُ الشكل، وللهِ خُطَّةٌ مُختَلِفَةٌ لكُلٍّ منهُم. مثلاً، في نِهايَةِ إنجيلِ يُوحنَّا، سألَ بُطرُسُ يسُوعَ عمَّا كانت خُطَّتُهُ ليُوحنَّا. فأجابَهُ الرَّبُّ، "إن كُنتُ أشاء أنَّهُ يبقَى حتَّى أجِيء، فماذا لكَ؟ إتبَعني أنت." (يُوحنَّا 21: 22)
أكثر من ستَّة مِليارات من البَشر يعيشُونَ على الأرضِ اليَوم، ورُغمَ ذلكَ كُلُّ واحِدٍ منَّا فَريدٌ. فكُلُّ واحِدٍ منَّا لهُ بصمات أصابِع مُختَلِفة عن الآخر. وخاناتُ أصواتِنا يُمكِنُ تحدِيدُها بواسِطَةِ أجهِزة إلكترونيَّة مُتَطَوِّرة، لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منَّا لهُ خانَةُ صوتٍ تختَلِفُ تماماً عن الآخر. وهيكليَّةُ أسنانِنا تختَلِفُ من شخصٍ إلى آخر. وحَمضُنا النَّوَوِي يُؤكِّدُ تماماً أنَّهُ عندما خلقَكَ اللهُ وخلقَني وخلقَ البلايين المُتَبقِّيَة من الناس، خلقَ كُلَّ واحدٍ منَّا وكسَّرَ القالِب الذي صنعَهُ فيه. وهُوَ لا يزالُ يعمَلُ هذا منذُ أن خلقَ أوَّلَ رجُلٍ وامرأة.
والسؤالُ الثاني الذي طرَحَهُ بُولُس في العددِ السابِع هُو، "وأيُّ شَيءٍ لكَ لم تأْخُذْهُ؟" فليسَ هناكَ شَيءٌ لم تأخُذْهُ من الله. فكِّرْ بنَفسِكَ كم كُنتَ سَلبِيَّاً في خلقِكَ، أي أنَّكَ لم يكُنْ لكَ أيُّ دَور. فهل أنتَ مَن إختَرتَ أن تُولَدَ؟ وهل أنتَ مَن إختَرتَ والِدَيك؟ وهل أنتَ مَنْ قرَّرتَ في أيِّ جزءٍ من العالم وفي أيَّةِ حقبَةٍ من التارِيخ أردتَ أن تولَدَ؟ وهل أنتَ مَنْ حدَّدتَ إمكانِيَّاتِكَ، ومواهِبَكَ الرُّوحيَّة؟ إن كُنتَ ستُفكِّرُ بكُلِّ هذا، لن يكُونَ هُناكَ شَيءٌ لَدَيكَ الذي لم تأخُذْهُ من الله.
وكانَ السؤالُ الثالِثُ الذي طرحَهُ بُولُس، "وإن كُنتَ قد أخذتَ فلماذا تفتَخِر كأنَّكَ لم تأخُذْ؟" فأيُّ حَقٍّ لكَ أن تفتَخِرَ بأيَّةٍ مَوهِبَةٍ لديكَ – طَبيعيَّة أو رُوحيَّة- وكأنَّكَ لم تأخُذْ هذه الموهِبَة أصلاً من الله؟
إقرَأْ بِعِنايَة أجوِبَةَ بُولُس على هذه الأسئِلة التي طرحَها على نفسِها وعلى باقي الرُّسُل. "نحنُ جُهَّالٌ من أجلِ المَسيح... نحنُ ضُعفاءُ... نحنُ بِلا كرامة! إلى هذه الساعة نجُوعُ ونعطَشُ ونعرى ونُلكَمُ وليسَ لنا إقامَةٌ. ونتعَبُ عامِلينَ بأيدِينا. نُشتَمُ فنُبارِك. نُضطَّهَدُ فنحتَمِلٌ. يُفتَرى علينا فنَعِظُ. صِرنا كأقذارِ العالم ووسخ كُلَّ شَيءٍ إلى الآن." (1كُورنثُوس 4: 10- 13)
من الواضِح أنَّ هذا كانَ ثَمَن إتِّباع المسيح. لقد كانَ بُولُس والرُّسُل الآخرون "نماذِجَ في الشهادَة." ولكنَّ بُولُس لم يكُنْ يكتُبُ هذا ليجعَلَ الكُورنثُوسيِّينَ يستاؤُون. بل كانَ ذلكَ تذكِيراً بأنَّهُ عليهِم أن يُركِّزُوا أفكارَهُم وقُلُوبَهُم على القِيَم السَّماوِيَّة، وليس َعلى الكُنُوز الأرضِيَّة. ولكن مُباشَرَةً قبلَ أن يذهَبَ يسُوعُ إلى الصَّليب، صلَّى قائِلاً، "أيُّها الآب، لقد أتَتِ الساعة. مَجِّدْ إبنَكَ، لِكَي يُمَجِّدَكَ إبنُكَ أيضاً." (يُوحنَّا 17: 1)
Dr. A. W. Tozer، الذي كانَ قَسِّيساً تقيَّاً جداً، غالِباً ما علَّمَ قائلاً أنَّ كُلَّ تِلميذٍ ليسُوع ينبَغي أن يُصَلِّيَ كالتالي: "أيُّها الآب، مَجِّدْ نفسكَ وأرسِلْ لي مقدارَ الكلفَةِ لأدفعَها. أيُّها الآب، مجِّدْ نفسَكَ مهما كانَ الثَّمن الذي سيترتَّبُ عليَّ أن أدفَعَهُ." فكُلُّ تِلميذٍ ليسُوع ينبَغي أن يكُونَ راغِباً بأن "يحمِلَ صَليبَهُ." ولتحقيقِ هذه الغاية، كانَ بُولُس ورِفاقُهُ من الرُّسُل مثالاً رائعاً لنا جميعاً. لهذا ترجَّى بُولُس الكُورنثُوسيِّين وغيرهُم أن يتبَعُوا مِثالَهُ. (1كُورنثُوس 4: 16)
- عدد الزيارات: 2928