Skip to main content

الفَصلُ التَّاسِع "مُدَبِّرُو الأسرار"

(1كُورنثُوس 3: 21- 4: 5)

يصِلُ بُولُس الآن إلى إستنتاجِهِ حيالَ المُشكِلة الأُولى التي عالجَها في كنيسةِ كُورنثُوس، وهي مُشكِلة الإنشِقاق بينَ المُؤمنين بسبب تحزُّبِهم حولَ قادَةِ كنيستِهم. نجدُ إستنتاجَهُ أو خاتِمَتَهُ هذه في 1كُورنثُوس 3: 21، "إذاً لا يَفتَخِرَنَّ أحَدٌ بالنَّاس. فإنَّ كُلًَّ شَيءِ لكُم. أبُولُس أم أبُلُّوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضِرة أم المُستَقبَلة كُلُّ شَيءٍ لكُم. وأمَّا أنتُم فَلِلمَسيح والمَسيحُ لله. (21- 23)

يَقُولُ بُولُس أنَّ اللهَ يعرِفُ الأشياءَ التي تحتاجُها لكي يَصِلَ بكَ إلى الخَلاص ولكي تنمُوَ في الإيمان. وهُوَ سيحرَصُ على أن تحصلَ على كُلِّ ما تحتاجُهُ لكي تتحقَّقَ هذه المُعجِزاتُ في حياتِكَ. فإذا كانَ اللهُ يعرِفُ أنَّكَ تحتاجُ لِبُولُس، سيُرسِلُ لكَ بُولُس. وإذا عرفَ اللهُ أنَّكَ تحتاجُ إلى أبُلُّوس، فسيُرسِلُ لكَ أبُلُّوس. وإذا عرفَ أنَّكَ تحتاجُ إلى صفا (بُطرُس)، فسيُرسلُ بطرُسَ. إنَّ اللهَ سيستخدِمُ كُلَّ الأحداث في حياتِكَ ليجعَلها تعمَلُ معاً من أجلِ خيرِكَ. فهُوَ المُحرِّكُ الأوَّل والأساسِي في كُلِّ هذا. لهذا ختمَ بُولُس حُجَّتَهُ بإخبارِ هؤُلاء الكُورنثُوسيِّين أن لا يفتَخِرُوا حيالَ هؤلاء الرِّجال الذين أرسلَهُم إليهم.

قالَ بُولُس في الإصحاحِ الرَّابِع، "هكذا فَليَحسَبنا الإنسانُ كَخُدَّامِ المَسيح ووُكَلاء سَرائِرِ الله." (1كُورنثُوس 4: 1) ما يقصُدُ بُولُس قولَهُ هُنا هُو، "نحنُ لسنا سِوى خُدَّام (عَبيد) للمسيح. ولقد جِئنا إلى كُورنثُوس لأنَّ المسيحَ أرسَلَنا إلى كُورنثُوس. وكُلُّ ما حدَثَ في كُورنثُوس، حدَثَ بسببِ الله وليسَ بسبَبِنا نحنُ."

في الإصحاحِ الثاني،كتبَ بُولُس عن "حكمة الله في سِرّ." فالسِّرُّ هُوَ حقيقَةٌ مخفِيَّة ستُعلَنُ في النِّهاية. ويُمكِنُ إعتِبارُ الإنجيل سِرَّاً بِمَعنَيَين. فالإنجيلُ سيُعلَنُ عندما سيرجِعُ يسُوعُ المسيح ثانِيَةً، وعندما سيُختَتَمُ تاريخُ البَشَريَّةِ في المسيح. لدى الكتاب المقدَّس الكثير ليقُولَهُ عن المُستَقبَل. وعندما يُخبِرُنا بُولُس لاحِقاً في هذه الرِّسالة عن الحياة بعدَ القَبر، يقُول، "هُوَّذا سِرٌّ أقُولُهُ لكُم." (15: 51) فأحداثُ المُستقبَل هي سِرٌّ بالنِّسبَةِ لنا الآن، ولكنَّها يوماً ما سوفَ تُعلَنُ. 

ولكن بُولُس يُفسِّرُ لهؤلاء المُؤمنين في كُورنثُوس، أنَّهُ هُوَ وباقي القادَة، الذين أوصلوا لهم الخلاص، ينبَغي أن يُعتَبَرُوا كَوُكَلاء على أسرارِ اللهِ الحاضِرة والمُستَقبَلَة. هُناكَ الكَثيرُ الذي ينبَغي قولُهُ عن الإنجيل، وعن المقاطِع الكتابِيَّة التي لا يزالُ معناها خَفِيَّاً عَلينا إلى أن يُعلِنَها الرُّوحُ القُدُسُ. بهذا المعنى، كُلُّ الحقيقَةِ الرُّوحيَّة التي يُريدُ اللهُ أن يُِشارِكَها معَنا هي سِرٌّ. ولقد إعتَبَرَ بُولُس نفسَهُ والآخرينَ الذي يُعلِّمُونَ الكلمة وُكلاءَ سرائرِ الله.

يُتابِعُ بُولُس قائلاً، "ثُمَّ يُسأَلُ في الوُكَلاء لِكَي يُوجَدَ الإنسانُ أميناً." 4: 2) أعطانا يسُوعُ في لُوقا 16 مَثَلاً يُعلمُ بِمَفهُومِ التَّلمَذَة. في هذه المثَل وأمثال أُخرى مُشابِهة، يُعلِّمُنا يسُوع أنَّنا جميعَنا وُكَلاء. وكأبناءِ الله، نحنُ نُديرُ أمُوراً تَخُصُّ شخصاً آخر. "لأنَّكُم لستُم لأنفُسِكُم بل قد إشتُريتُم بِثَمن،" كما يقُولُ بُولُس لاحِقاً في هذه الرِّسالة. (6: 19- 20)

الوُكَلاءُ هُم مُديرُو أعمال. فالوكالَةُ تعني أنَّ وقتَنا ليسَ لنا، وأنَّ طاقَتَنا ليسَت لنا. فالوكالَةُ لا ترتَبِطُ فقط بأموالِنا وبِمُمتَلَكاتِنا. وهي تتعلَّقُ بِكُلِّ بُعدٍ من أبعادِ حياتِنا. في هذا المقطَعِ العميق، يربُطُ بُولُس الوكالة بأسرارِ الله الحاضِرة والمُستَقبَلَة.

ما يَهُمُّ هو أن يكُونَ الوَكيلُ أميناً، لأنَّنا يوماً ما سنُعطِي حٍِساباً عن وكالَتِنا. فهل سنكُونُ قادِرينَ أن نفرَحَ بهذه الكلمات من المُعلِّم، "نِعِمَّا أيَّها العبدُ الصالِحُ والأمين؟"

بعدَ أن قدَّمَ بُولُس هذه الفِكرة في العددِ الثاني، قالَ ما معناهُ، "لقد كُنتُم تحكُمُونَ عليَّ وتُشكِّكُونَ بِحُسنِ وكالَتي. بِصراحَة، أنا غيرُ مسرورٍ بما فعلتُم." (تذكَّرُوا أنَّهُ لا يزالُ بُولُس يُخاطِبُ أتباعَهُ في كُورنثُوس، أُولئكَ الذين يَظُنُّونَ أنَّهُ الأعظَم.)

يسألُ بُولُس هُنا، "ماذا تعرِفُونَ عنِّي؟ لا بَل، ماذا أعرِفُ أنا عن نفسي؟ ولماذا لا أحكُمُ أنا على نَفسي. سأُخبِرُكُم لماذا. أنا لا أعرِفُ ما هِيَ دوافِعُ قَلبي. اللهُ وحدَهُ يعرِفُ دوافِعي ولهذا هُوَ الشخصُ الوَحيدُ المُؤهَّلُ ليحكُمَ عليَّ. (إرميا 17: 9، 10؛ مزمُور 139: 23، 24) لِهذا، الرَّبُّ هُوَ الذي يحكُمُ عليَّ. ففيما يتعلَّقُ بالحُكمِ على الآخرين (إيجابِيَّاً، وليسَ بسببِ الخطية)، لا تحكُمُوا في شَيءٍ إلى أن يأتِيَ الرَّبُّ." بالنسبَةِ لبُولُس، عندما يأتي الرَّبُّ، "سيُنيرُ خفايا الظَّلام ويُظهِرُ آراءَ القُلُوب. وحينئِذٍ يكُونُ المدحُ لِكُلِّ واحِدٍ من الله." (1كُورنثُوس 4: 5)

  • عدد الزيارات: 2935