الفصلُ الخامِس أمثالٌ عن الشراكَة - مَثَلانِ عن غَنِيَّين
مَثَلانِ عن غَنِيَّين
في الإصحاح 16، نقرَأُ مَثَلَين رَهيبَين أعطاهُما يسُوعُ عن الأغنِياء. هَذَين المَثَلَين ينبَغي أن يُنظَرَ إليهِما في الإطار الذي علَّمَ فيهِ يسُوعُ بمَثَلِ الأشياء الضائِعة في الإصحاح 15. وجَّهَ يسُوعُ هذين المَثَلَين إلى تلاميذِهِ، ولكن عندما إنتَهى من مثَلِهِ الأوَّل، شعرَ الفَرِّيسيُّونَ بالإهانَة. هذا يعني أنَّهُم سَمِعُوا هذه التعاليم، وأنَّ الرَّبَّ وجَّهَ بوُضُوح هاتين القِصَّتَين للفرِّيسيِّين.
المَثَلُ الأوَّلُ عن الرجُلِ الغَنيّ، والمعرُوف بمثَل "الوكِيل غَير الأمين،" يبدُو كإيضاحٍ سَلبِيّ، ولكنَّهُ بالحَقيقَة تصريحٌ إيجابِيٌّ عن المُشارَكة معَ المسيح في بيانِ الناصِرة خاصَّتَهُ. القصَّةُ الثانِيَة، "الغَني ولِعازار" هي تصريحٌ سَلبِيٌّ جداً عن رجُلٍ كانَ النَّقِيضَ المُطلَق للشريك الذي كانَ يسُوعُ يُجنِّدُهُ لنَفسه.
المَثَلُ الأوَّلُ يُربِكُ البَعضَ لأنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّ يسُوعَ في هذا المَثَل يُصادِقُ على تصرُّفاتٍ غيرِ مُستَقِيمَةٍ من قِبَلِ وَكيلٍ مُخادِع. ولكنَّهُم لا يُفسِّرونَ المثلَ بشكلٍ صحيح. فالمَثَلُ هو عن رجُلٍ كانَ وكيلاً، أي مُديرَ أعمالٍ أو أمينَ صُندُوقٍ لشَرِكتِه. هُنا نجدُ واحِدَةً من أهَمِّ الكَلِمات في العهدِ الجديد. فالعهدُ القديمُ يُعلِّمُ بدفعِ العُشُورِ، والتقدِمات بالإضافَةِ إلى العُشُور، ويُعَلِّمُ العهدُ القديمُ شعبَ اللهِ أن يُضَحُّوا بِذبائحَ تُكلِّفُهُم شيئاً (2صَمُوئيل 24: 24). ولكن عندما نَصِلُ إلى العهدِ الجديد، الكلمة المِفتاحِيَّة هي "وكيل." ومفهُومُ "الوكالَة" هو ليسَ أن تُعطِيَ اللهَ عشرة بالمائة ممَّا لكَ أو ممَّا تُحصِّلُهُ. بَلِ تعني الوكالَةُ أنَّ كُلَّ ما أنتَ وكُلَّ ما تَملِك يخُصُّ الله. وهكذا تُصبِحُ القَضِيَّةُ قضيَّة إدارة. فهل تُديرُ ما إئتَمَنَكَ عليهِ الربُّ؟ هذا يشمَلُ مالَكَ، ولكنَّهُ أيضاً يشمَلُ مواهِبَكَ، وقتَكَ، وطاقَتَكَ. بكلماتٍ أُخرى، كُلَّ ما أنتَ وما لديك.
تذكَّرْ أنَّ المَثَلَ يعني "أن تُلقِيَ شيئاً إلى جانِبِ شيء"، وهكذا فهُوَ يعني أن تُلقِيَ قِصَّةً إلى جانِبِ حقيقَةٍ يُريدُ يسُوعُ أن يُعلِّمَها. فالحَقِيقَةُ التي يُريدُ يسُوعُ أن يُعَلِّمَها هي الوكالة. القصَّةُ التي يُلقِيها إلى جانبِ هذه الحقيقة هي بشكلٍ أساسيّ قصَّةَ رجُلٍ غَنِيٍّ جداً كانَ عندَهُ وَكيلٌ أو مُدير أعمال. سمِعَ أنَّ وكيلَهُ لا يُحسنُ إدارَةَ أعمالِه، لا بل أنَّهُ يُبذِّرُ أموالَهُ أو يختَلِسُها. فقالَ الغَنِيُّ لوكيلِهِ أنَّهُ طلبَ تدخُّلَ مُدَقِّقي الحِسابات ليكشفوا الدفاتِر.
وإذا بالوكيل يقولُ في نفسهِ، "الآن، لدَيَّ قُوَّة، ولديَّ أموال سيِّدي. ولكن سُرعانَ ما سيطَّلِعُ هؤلاء المُدَقِّقُون على الحِسابات، حتى أُطرَدَ من عَمَلي وأفقُدَ السيطَرَةَ على أموالِ سيِّدي. فماذا أستطيعُ أن أفعَل؟" فيُفكِّرُ بالخَيارات المَوضُوعَة أمامَهُ ويقول، "الآن أعرِفُ ماذا عليَّ أن أفعَل." وهكذا يذهَبُ في رحلةِ عملٍ لزيارَةِ مَديني سيِّدهِ.
لقد كانَ وكيلُ الظُّلمِ يُفكِّرُ بمُستَقبَلِه. فكانَ يقول، "الآن لدَيَّ وظيفَةٌ وسيطَرَةٌ على هذه الأموال التي ليسَت مُلكِي. فسوفَ أستَخدِمُ هذه الأموال التي ليسَت لي، بطريقَةٍ أنَّني عندَما أُطرَدُ من عَمَلِي وأُجرَّدُ من سَيطَرَتي على مالِ سيِّدي، يكونُ قد صارَ لديَّ أصدِقاءٌ يستَقبِلُونَني بسُرور في منازِلِهم. ويُقدِّمونَ لي الضيافةَ أينما ذهبتُ."
وعندما سمِعَ سيُّدُهُ بما عمِلَهُ وكيلُهُ، لم يمدَحهُ بسببِ إختِلاسِهِ لأموالِه. بل مدحَ وكيلَ الظُّلمِ هذا لأنَّهُ فكَّرَ بمُستَقبَلِه.
- عدد الزيارات: 15083