الفصلُ الأوَّل نظرَةٌ عامَّة إلى إنجيل لُوقا
إنَّ كاتِبَ إنجيل لُوقا لم يكُن يهُودِيَّاً، ولم يكُنْ واحداً من الإثني عشر. بل كانَ يُونانِيَّاً، ولقد وجَّهَ إنجيلَهُ إلى شخصٍ كانَ يُونانِيَّاً أيضاً. يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ أنَّ لُوقا إستَنَدَ إلى مريم أُم يسُوع، وإلى يعقُوب أخي يسوع، وإلى عدَّةِ شُهودِ عيانٍ آخرين كمصادِر لمعلُوماتِهِ عندما قامَ ببحثِهِ وكتبَ هذا الإنجيل. ولقد أشارَ بُولُس إلى لُوقا "كالطبيب الحَبيب" وكمُرافِقٍ لهُ في رحلاتِه. من الواضِح أنَّهُ سافَرَ معَ بُولُس لكَي يُعالِجَ عوارِضَهُ المرَضِيَّة الناتِجة عن "شوكتِهِ في الجسد" (2 كُورنثُوس 12). لقد أشارَ بُولُس إلى لُوقا ثلاث مرّاتٍ في رسائِلهِ المُوحاة (كولوسي 4: 14؛ 2 تيمُوثاوُس 4: 11؛ وفيلمون 24).
ولوقا هو أيضاً كاتِبُ سفر أعمال الرسُل. ويوجِّهُ لوقا سفر أعمال الرسُل إلى الشخص نفسِهِ الذي وجَّهُ لهُ إنجيلَ لوقا، أي ثاوُفِيلوس. وبما أنَّ إسم ثاوُفِيلوس يعني "مُحِبُّ الله،" يظُنُّ بعضُ المُفسِّرين أن هذين السفرَين لم يُوجَّهَا إلى أيِّ شخصٍ مُعَيَّن يُحِبُّ الله، بينما يعتَقِدُ الآخرونَ أنَّ ثاوُفيلوس كانَ رجُلاً حقيقيَّاً كانَ لوقا يعرِفُهُ.
لقد كانَ كاتِبُ هذا الإنجيل رجُلاً مُثَقَّفاً. ولربَّما كانَ يُعتَبَرُ عالِماً في زَمانِه. وهو يستخدِمُ عبارَاتٍ طبِّيَّة أكثَر من هيبُّوقراطِيس الذي يُعتَبَرُ "أب الطبّ الحديث،" ويستخدِمُ قواعِدَ لُغَويَّة يُونانيَّة أفضَلَ من باقي كُتَّاب أسفارِ العهدِ الجديد، بما فيهم الرسُول بُولُس. لقد كانَ كاتِباً مَوهُوباً ومُؤرِّخاً دقيقاً.
عِندَما سجَّلَ لُوقا رحلات بُولُس التبشيريَّة، إستخدما ضمير "نحنُ،" و "هُم" بالتبادُل. إنَّ دراسةً دقيقة لهذه المقاطِع التي تحتَوي الضمير "نحنُ" في سفرِ الأعمال، ستُرينا متى كانَ لُوقا برفقَةِ بُولُس في رحلاتِهِ التبشيريَّة. كتبَ بُولُس للكُورنثُوسيِّين أنَّ اللهَ لم يدعُ لِلخَلاص الكثير من الأشخاص الذين يعتَبِرُهُم العالَمُ حُكَماء (1كُورنثُوس 1: 26- 29). كانَ هُوَ ولُوقا إستِثناءً على هذه القاعِدَة، التي قد تكونُ تفسيراً آخَرَ لعلاقتِهما المُقَرَّبَة.
يُسجِّلُ إنجيلُ لُوقا عشرينَ مُعجِزَةً عمِلَها يسوع، سِتَّاً منها ترِدُ فقط في إنجيلِ لُوقا. ويُسجِّلُ ثلاثةً وعشرينَ مثلاً، ثمانيةَ عشر منهُم ترِدُ فقط في إنجيلِ لُوقا.
يُعتَبَرُ إنجيلُ لُوقا الإنجيل المُفَضَّلَ لأنَّ المسيحَ الذي يَصِفُهُ لنا لُوقا هُوَ إنسانِيٌّ، عَطوف، يهتَمُّ ويتَّحِد تماماً مع إنسانِيَّتِنا. كطَبِيبٍ، كانَ لِلُوقا ضَميرٌ إجتِماعِيُّ عظيم، ولقد أعطاناَ قصَّةً عن حياةِ المسيح، الذي كانَ واعِياً تماماً للقضايا الإجتِماعِيَّة. وبينما يُشدِّدُ لُوقا على اللمسَةِ الإنسانيَّة، يُخبِرنا أنَّ مرثا كانت غاضِبَةً لأنَّ مريم لم تُساعدها على إعدادِ الوليمة للمسيح عندما كانَ يزورُهما للغداء (لُوقا 10: 38- 42). وبينما إستَخدَم لُوقا عينَ المُؤرِّخ التي ترى التفاصيل، وقلبَ الطبيب الذي يطفحُ بالعَطف، أخبَرنا أنَّ عينا الرَّبّ إلتقتا بعينَي بطرُس عندما صاحَ الدِّيك وكانَ بطرُس قد أنكَرَ ربَّهُ للمرَّةِ الثالِثة (22: 60، 61).
نرى عبرَ إنجيل لُوقا بكامِلهِ لمسةَ يسُوع الإنسانيَّة. وعندما تجمَعُ كُلَّ ما تراهُ هُناكَ، يكُونُ لديكَ وصفٌ وصُورَةٌ عقليَّة عن يسوع التي تُساهِمُ كثيراً في سجلِ إبن اللهِ وابنِ الإنسان، تماماً كما كانَ يسُوعُ حينَها وكما هُوَ الآن. إنَّ رسالةَ الإنجيل الثالِث هي إنسانِيَّة الله-الإنسان. فالتشديدُ هُوَ أنَّ هذا الإنسان، الذي كانَ الله، وحَّدَ نفسَهُ بإنسانِيَّتِنا.
كَمُؤرِّخٍ دقيق وكاتِبٍ ماهِر، قدَّمَ لُوقا سِجلاً دَقيقاً مُنَظَّماً لصديقِهِ ثاوُفِيلُوس. وأنا مُتَيقِّنٌ تماماً أنَّهُ كانَ شخصاً حقيقيَّاً مَشهُوراً، أحبَّ اللهَ وكانَ محبُوباً من لُوقا (1: 3). في مُقدِّمتِهِ للسفرِ التاريخي الوحيد في العهدِ الجديد، وصفَ هذا الإنجيلَ الثالِث كَسِجِلٍّ "عن جميعِ ما إبتدَأَ يسُوعُ يعمَلُهُ ويُعلِّمُ بهِ، إلى اليومِ الذي إرتفعَ فيهِ." (أعمال 1: 1و 2)
يُخبِرُنا هذا المُؤرِّخُ عن ميلادِ المسيح وعن الثلاثين سنة الأُولى من حياتِهِ، أكثر ممَّا يُخبِرنا عنهُ أيٌّ من كُتَّابِ الأناجيل الأُخرى. إنَّ الإصحاحَين الأوَّلَين في إنجيلِهِ يُخصِّصانِ مائةً وإثنين وثلاثين عدداً لخرقِ الصمتِ عن هذه المرحلة في حياةِ يسُوع. إنَّ إنجيل لُوقا هُوَ سِجِلٌّ تاريخيٌّ دَقيقٌ ومُنظَّم عنِ الأُمور التي عمِلَها يسُوع وعلَّمَ بها من وِلادتِهِ إلى صُعودِه. يعتَقِدُ الكثيرونَ من عُلماءِ الكتابِ المقدَّس أنَّ العددَ التالي هو العددُ المفتاحِيُّ لإنجيلِ لُوقا: "لأنَّ إبنَ الإنسانِ قد جاءَ لكَي يطلُبَ ويُخلِّصَ ما قد هلَك." (19: 10)
- عدد الزيارات: 3608