الفَصلُ الأوَّل سِفرُ اللاوِيِّين - بناءُ الخَيمة
بناءُ الخَيمة
الآن وقد أدرَكنا القَصدَ من هذه الخَيمة، دَعُونا نُلقِي نظرَةً عن كَثَب على هيكَليَّةِ بنائها. كان لهذه الخيمة سِياجٌ أو سُورٌ حولَها، مصنُوعٌ من مادَّةٍ تُشبِهُ قماشَ القِنَّب. والمِنطَقَة التي كانت داخِلَ السُّورِ والتي كانت تُحيطُ بالخَيمَةِ المَسقُوفَة، كانت تُسمَّى بالباحَةِ الخارجيَّة. فيما بعد، أصبَحَت هذه الباحَةُ الخارجيَّة في هيكَلِ سُليمان واسِعَةً جدَّاً (أي حوالي خمسة هكتارات ونصف). ولكنَّ الباحَةَ الخارجيَّة في خيمَةِ العِبادَةِ في البرِّيَّة لم تَكُنْ بهذا الإتِّساع.
كانت تُوجَدُ بِضعُ قِطَعِ أثاثٍ في خيمَةِ العِبادَة، التي كانت لها دلالاتٌ رمزِيَّةٌ. فمِنَ المُهِمِّ أن نُلاحِظَ أنَّ كُلَّ قِطَعِ الأثاث كانت لها مسكاتٌ على جوانِبِها. كانَ هذا ضَروريَّاً إذ توجَّبَ على اللاوِيِّين آنذاكَ أن يحمِلُوا قِطعَ الأثاثِ هذه خلالَ تَيَهان الشَّعبِ في البَرِّيَّة.
أوَّلُ قِطعَةِ أثاثٍ نَجِدُها داخِلَ البابِ في الباحَةِ، كانت تُسمَّى بالمَذبَحِ النُّحاسِيّ. وكانَ هذا المَذبَحُ يُشبِهُ إلى حَدٍّ ما مِشوايَةً ضَخمة. وكانت النَّارُ تبقى مُتَوقِّدَةً تحتَ هذا المذبَحِ النُّحاسِيِّ طوالَ الوقت. فعندما كان يأتي خاطِئٌ ما إلى الخَيمَةِ طالِباً غُفرانَ خَطَاياهُ، كانَ يُلاقِيهِ كاهِنٌ عندَ بابِ باحَةِ الخَيمة. فالحيوانُ الذي كانَ يأتي بهِ الشخصُ الطَّالِبُ الغُفران، كانَ يُذبَحُ بِحَسَبِ الوصفِ المُعطَى في سفرِ اللاوِيِّين. ثُمَّ كانَ يُوضَعُ الحَيوانُ المَذبُوحُ مِن قِبَلِ الكاهِنِ على المذبَحِ النُّحاسِيِّ. أمَّا الشخصُ الخاطِئُ فكانَ يبقَى مُنتَظِراً عندَ بابِ الباحَة. ولم يَكُنْ يَحِقُّ لهُ بتاتاً الدُّخُولُ إلى الجُزءِ المُغطَّى منَ الخيمة. بل كانَ الكاهِنُ يدخُلُ إلى ذلكَ الجُزء منَ خَيمَةِ العِبادَة بالنِّيابَةِ عنِ الخاطِئ. وبعدَ أن يضعَ الكاهِنُ الذبيحَةَ الحيوانِيَّة على المذبَحِ النُّحاسِيّ، وبينما كان دُخانُ الذَّبيحَةِ يصعَدُ إلى حضرَةِ اللهِ، كانَ الكاهِنُ يتقدَّمُ إلى قطعَةِ الأثاثِ الثَّانِيَة في الباحَةِ، والتي كانت تُسمَّى بالمِرحَضَة. وكانت أشبَهَ بحوضٍ صَغير. وكانَ الكاهِنُ يَقُومُ بِغسلِ وتطهيرِ نفسِهِ بِحَسَبِ الطُّقُوسِ في هذهِ المِرحَضَة، بالنِّيابَةِ عنِ الخاطِئ، الذي كانَ لا يزالُ مُنتَظِراً عندَ بابِ الباحَةِ الخارِجيَّة.
وكانت خيمَةُ الإجتماعِ المُغطَّاة، تنقَسِمُ إلى قِسمَين. القِسمُ الخارِجيُّ كانت يُسمَّى بالقُدس. وكانَ يُوجَدُ حِجَابٌ غليظ يفصلُ ما بينَ القُدس وما بينَ القسمِ الدَّاخِليِّ منَ الخيمةِ، والذي يُسمَّى بِقُدسِ الأقداس. وكانَ قُدسُ الأقداسِ المَكانُ الذي يَسكُنُ اللهُ فيهِ. كان هذا الحجابُ مصنوعاً من مواد متينة، يُخبِرُنا يوسيفوس أنهُ لو رُبِطَ هذا الحِجابُ بعدَّةِ أحصِنَةٍ تشدُّ به بإتجاهاتٍ مُتعاكِسة، لما تمزَّق. وعندما بُنِيَ هيكلُ سُليمان بعدَ سنواتٍ طويلَة على مثالِ خيمةِ العِبادَة، والذي كانَ لا يزالُ في طَورِ الإستِعمالِ في زمانِ يسُوع، كان حجابُ الهيكل هذا واسِعاً كستارِ المسرح.
يُخبِرُنا العهدُ الجديدُ في أناجيلِهِ أنَّهُ في اللحظَةِ التي ماتَ فيها يسوعُ على الصليب، هذا الحجابُ الذي يفصل بينَ القُدسِ وقُدسِ الأقداس، إنشقَّ عجائبيَّاً إلى نصفين، من فوقُ إلى أسفل (أُنظُرْ مرقُس 15: 38). هذه إحدى أعظم عجائب الكتاب المُقدَّس المُهمَلَة.
كانت تُوجَدُ أربَعُ قِطَع أثاثٍ في خيمَةِ العِبادَة. فبَعدَ أن يَكُونَ الكاهِنُ قد طَهَّرَ نفسَهُ في الباحَةِ عندَ المِرحَضَة، كانَ يدخُلُ إلى الجُزءِ الأوَّلِ منَ الخَيمَةِ المُغطَّاة، أي القُدس.
على يسارِهِ كانَت تُوجَدُ المنارَة، التي كانت لها دلالَةٌ كُبرَى. كانت تُشيرُ إلى الإعلانِ الذي أعطاهُ اللهُ لِشعبِهِ عندما منحَهُم كلمتَهُ – ولقد أظهَرَ لهُم هذا الإعلانُ بالطَّبعِ كيفَ يقتَرِبُونَ إلى الله. وهكذا كانَ الكاهِنُ يعبُدُ اللهَ أمامَ المنارَةِ وكانَ يشكُرُ اللهَ على الإعلانِ الذي أعطاهُ لِشعبِهِ وللخاطِئِ الذي كانَ لا يزالُ مُنتَظِراً أمامَ بابِ الباحَةِ.
وعلى يمينِهِ، كانت تُوجَدُ مائِدةُ خُبزِ الوُجُوه. وكانَ القَصدُ منها تَذكِيرُ الكاهِنِ بما أشارَ إليهِ المَنُّ، أي أنَّ اللهَ يُعطينا خُبزَنا اليَوميّ.
وأمامَهُ مُباشَرَةً، تماماً أمامَ الحجابِ الذي كانَ يُؤدِّي إلى قُدسِ الأقداس، كانَ يُوجَدُ مذبَحُ البَخُّور. وكانَ الكاهِنُ يَقِفُ أمامَ مذبَحِ البَخُّورِ ويُصلِّي صلاةَ الشَّفاعَةِ من أجلِ الخاطئ الذي كانَ لا يزالُ واقفاً في الخارِج. إلى هذا الحدِّ كانَ الكاهِنُ يَصلُ، ثُمَّ كانَ يرجِعُ ليَلتَقِيَ بِخاطِئٍ آخر ويجتازُ عبرَ هذه العمليَّة نفسِها مُجدَّداً.
ومرَّةً واحِدَةً في السَّنة، كانَ الشَّعبُ بأسرِهِ يجتَمِعُ حولَ خيمَةِ العبادة. وبهذه المُناسَبة كانَ رَئيسُ الكَهَنَةِ يجتازُ الحجابَ إلى قُدسِ الأقداسِ ليُقدِّمَ ذَبيحَةً دَمَويَّةً عن خطايا الشَّعب كُلِّهِ.
بينما ننظُرُ إلى خيمَةِ العبادَةِ الصَّغيرَةِ هذه، نحتاجُ أن نُدرِكَ أنَّ كُلَّ قِطعَةِ أثاثٍ مَوجُودَةٍ فيها كانت تُشيرُ مجازِيَّاً إلى يسُوع المسيح. في هذه الحال، دَعُونا ننظُرُ عن كَثَبٍ أكثَر إلى كُلِّ قطعَةٍ من قطعِ الأثاثِ هذهِ.
- عدد الزيارات: 9792