الفَصلُ السَّابِع ذِكرياتٌ ومُعجِزات
هُناكَ تحريضُ قوي يمتدُّ عبرَ سفر التثنية بكاملِه، يأمرُ بإطاعةِ نواميس الله. فعندما أطاعَ الشعبُ نواميس الله، باركهم الله. وعندما لم يُطيعوا نواميس الله، حُرِمُوا من بَرَكاتِ الله. لقد أبرزَ موسى لهم هذه الحقيقة بِصَراحَةٍ وفصاحَة، وحضَّهُم على طاعةِ كلمةِ الله. إحدى كلمات سفر التثنية المفتاحيَّة هي "الطاعة".
القصدُ الرَّئيسُ من عِظَةِ مُوسى الأُولى في سفرِ التَّثنِيَة كانَ مُساعَدَةَ هذا الشَّعب العِبريِّ على تَذَكُّرِ كيفَ عمِلَ اللهُ في حياةِ جِيلِ أهلِهم الذين سبَقُوهُم، وأن يتذَكَّرُوا المُعجزات التي حقَّقَها اللهُ لهُم. لقد ترجَّى مُوسى أن يَكُونَ للمُعجزاتِ التي أنجَزها اللهُ معَ أهلِهم في مَسيرَتِهم في البَرَّيَّة، أثراً عميقاً ودائماً على حياةِ الجيل الذي كانَ يُخاطِبُهُ آنذاك، وأن يُخبِرُوا هُم بِدَورِهم الجيلَ اللاحِقَ من أولادِهم عن هذه المُعجِزاتِ الإلهيَّةِ العظيمة.
ولقد وعظَ مُوسى أيضاً بشكلٍ قَويٍّ قائِلاً لِلشَّعبِ بأن لا ينكُثُوا عهدَهُم معَ الله. فالعهدُ هُوَ عقدٌ أو إتِّفاقٌ بينَ اللهِ وشعبِهِ. وشُروطُ هذا العقد قد تمَّ شَرحُها بِوُضُوح. فإن لم يُحافظ الشعب على شروط العقد، يبطُلُ هذا العقد. فاللهُ غير مُلزَمٍ أن يُبارِكَهم عندما لا يكونون طائِعين.
الإصحاحُ الخامس هو تكرارٌ للوصايا العشر. قارنْ ما بين التصريح الأوَّل بالوصايا العشر في خروج 20، وبَينَ تَكرارِ هذه الوصايا العشر في تثنية 5. إذا قارنتَ بِعنايَةٍ بينَ هذين السِّجِلَّينِ للوصايا العَشر، سوفَ تكتَشِفُ نظرَةً جديدَةً على نواميسِ اللهِ هذه. ففي هذه التَّكرارِ للوصايا، يَطلبُ مُوسى منَ الشَّعبِ العِبريِّ أن يَكُونَ لدَيهم قُلُوبٌ طائِعَةٌ للهِ، وأن يُطِيعُوا وصاياهُ. وإذا فعلُوا ذلكَ، سوفَ يَكُونُ كُلُّ شَيءٍ على ما يُرام معَهُم في المُستَقبَل، ومعَ أولادِهم عبرَ الأجيال.
لقد وعظَ مُوسى في سفرِ التَّثنيَةِ قائِلاً لشعبِ اللهِ: "عليكُم أن تُطيعوا كل وصايا الرب إلهِكم، وتتبعوا تعاليمَه بتفاصيلِها، وتسيروا في الطريق التي وضعها أمامكم. وعندها فقط سوفَ تعيشون طويلاً وتزدهرون." (تثنِيَة 27: 9- 11)
عظَةُ مُوسى العظيمَةُ في الإصحاح السادس، التي أصبَحت بمثابةِ قانون الإيمان اليهودي الأساسي، تُسمَّى بِ "شِمَاع"، (الذي يعني "إسمَعْ" بالعِبريَّة)، لأنَّ هذه العظة تبدَأُ بالقَول، "إسمَعْ يا إسرائيل." وهدفُ هذهِ العِظَة هو إخبار الجيل الثاني أن يُخبِروا الجيلَ الثالث لشعبِ الله بقِيَمِهم وبكلمةِ الله. نجدُ أساسَ ما نُسمِّيه التربية المسيحية في هذه العظة الجميلة لموسى.
يُقدِّمُ لنا الإصحاحُ الثَّامِنُ من سفرِ التَّثنِيَة عظةً أُخرى عظيمة وفصيحة من عِظاتِ مُوسى. وهي عِظَةٌ عن كلمة الله وأهميَّة طاعتِها. يُظهِرُ لنا مُوسى هُنا كيفَ يُمكِنُنا أن نتعلَّمَ كلمةَ الله. تُخبِرُنا هذه العظةُ العظيمَةُ عن مقاصِدِ كَلِمَةِ الله. فلقد أعطانا اللهُ كلِمَتَهُ لأنَّهُ يُريدُنا أن نعرِفَ كيفَ نعيش. فلقد خلقَنا اللهُ وهُوَ يعرِفُ كَيفَ يُمكِنُنا أن نحصلَ على حياةٍ مُتَمَّمَة. لقد جاءَ يسُوعُ قائلاً، "جِئتُ لِتَكُونَ لهُم حياةٌ وليَكُونَ لهُم أفضَل (أو: لِتَكُونَ لهُم حياةٌ فَيَّاضَة.)" (يُوحَنَّا 10: 10) يُخبِرُنا مُوسى في هذه الرِّسالَة العظيمة كيفَ يُمكِنُنا أن ندخُلَ إلى ملءِ هذه الحياةِ الفَيَّاضَة. (تثنيَة 8: 1- 14)
ويَعِظُ مُوسى أيضاً قائِلاً أن كلمةَ الله تتكلَّمُ عن الحياة. وهذا يعني أنَّكَ إذا أردتَ أن تفهمَ كلمةَ الله، فهناكَ على الأقَلّ طريقتانِ لدرسِها. أوَّلاً، يُمكِنُكَ الذهابُ إلى كليَّة لاهوت أو مدرسة كتاب مُقدَّس، ويُمكِنُكَ أيضاً التخصُّص عقلِيَّاً وأكادِيميَّاً في الكتاب المقدس. ولكن بحسب مُوسى، هذه ليست الطريقة الوحيدة لدراسة كلمة الله. فإن كانت كلمةُ الله هي عن الحياة، فهذا يعنى أن الطريقةَ الثانية لفهمِ كلمة الله هي دراسة الحياة. إنَّ كلمةَ الله تُعطينا بصيرةً في الحياة، والحياةُ تمنحنا بصيرةً في كلمةِ الله.
عندما يدَعُكُم اللهُ تجوعون وتَتألَّمُونَ من خِلالِ عواصِفِ الحياة، نلتَفِتُ إليهِ لِنُدرِكَ أنَّهُ هُوَ مَصدَرُ الحياة ومنبَعُ كُلّ ما نحتاجُهُ، لِنحيا الحياة التي أرادَها لنا عندما خلَقَنا. فمن خِلالِ تجربة التَّيَهان في البرِّيَّة الصعبة، ومن خلالِ تجارِبِ الحياة القاسِية، يُعَرِّفُنا اللهُ أنه ليسَ بالخُبزِ وحدَهُ يحيا الإنسان. ولكنَّ الإنسانَ يحيا بإطاعةِ كلِّ كلمةٍ أُعطِيت لهُ من الله. بنُو إسرائيل القُدامَى لم يتعلَّموا كلمةَ الله في كليَّةِ لاهوت ولا في مَجمَعٍ، بل تعلَّموها في مجالِ إختبارِ الحياة الواقِعيَّة.
مُلاحظة أخرى علينا أن نتَعلَّمَها من الإصحاحِ الثَّامِن من سفرِ التَّثنِيَة، هي أن نحترسَ من مخاطِرِ البحبوحَةِ والإزدِهار. هل سبقَ وأدركتَ أنَّ الإزدهارَ والبحبُوحَةَ مُمكِن أن يُشَكِّلاً تَحدِّياً صَعباً؟ لقد تعلَّمَ شَعبُ اللهِ القديم كلمةَ اللهِ من خلالِ تأديباتِ اللهِ القاسِيَة. فعندَما أُدِّبُوا على عِصيانِهم، تعلَّمُوا أنَّ كلمةَ اللهِ كانت مفتاحَ الحياة. فمُوسى الآن يُحَذِّرُهُم بأنَّهُ عليهِم أن يُطَبِّقُوا ما تَعَلَّمُوهُ في المراحِلِ الصَّعبَةِ من حياتِهم، على تلكَ المراحل التي يُبارِكُهم اللهُ فيها بِوَفرَةٍ: "لا تَنسُوا الدُّروسَ التي تَعَلَّمتُمُوها في مصائِبِكُم وأزمِنَةِ تجرِبَتِكُم. وعندما تَصِلُونَ إلى مرحَلَةِ الإزدِهار، فتلكَ هي المرحلة التي تتطَلَّبُ منكُم الكثيرَ منَ الحَذَر." يُعَبِّرُ العهدُ الجديدُ عن هذه الحقيقَة بالكلماتِ التَّالِية، "مَن يَظُنُّ أنَّهُ قائِمٌ، فليَنظُرْ أن لا يَسقُطَ هُوَ أيضاً." (1كُورنثُوس 10: 12)
بعدَ عِظتِهِ العظيمة عن كلِمَةِ الله، يُقدِّمُ مُوسى عظَةً أُخرى عظيمة عن نعمةِ الله. وبهدَفِ التَّشديد، قالَ موسى للشعب أنَّهم لم يَتِمَّ إختيارُهم من قِبَلِ اللهِ لكَونِهم صالِحينَ أو لِكَونِهم قد أرضُوا اللهَ، "الرَّبُّ إلهُكُم لم يُعطِكُم هذه الأرض الجيِّدَة لكَونِكُم أبراراً، لأنَّكُم لَستُم كذلكَ. بل أنتُم شَعبٌ شَرِّيرٌ وقاسي الرَّقبَة." (تثنية 9: 4- 6).
هذه صُورَةٌ جميلَةٌ عن نعمَةِ الله. فرَحمَةُ اللهِ تحجِبُ عنَّنا ما نستَحِقُّهُ. ونعمَةُ اللهِ تُغدِقُ علينا عطفَ وبركاتِ اللهِ التي لا نَستَحِقُّها. واللهُ لا يُبارِكُنا لكَونِنا أبراراً. بل يُبارِكُنا لأنَّهُ هُوَ البَارُّ، ولأنَّهُ يُحِبُّنا. هذا ما تعنيهِ كلمة "نعمة."
يُعطِينا مُوسى وصفاً واضِحاً وصريحاً لنعمَةِ اللهِ في هذه العظة العظيمة في الإصحاحِ التَّاسِع من سفرِ التَّثنِيَة. وسوفَ ترَونَ تشديداً على النِّعمة عبرَ الكتابِ المُقدَّسِ بِكامِلِهِ، لأنَّ نِعمَةَ اللهِ هي القُوَّة الدِّيناميكيَّة المُحرِّكَة التي نَجِدُها في مصدَرِ خلاصِنا. فنعمَةُ اللهِ لا تُكتَسَبُ أو تُنجَزُ بواسِطَةِ أداءٍ إيجابِيٍّ من جانِبِنا.
- عدد الزيارات: 3021