6- الحجج الخاصة بوجوب الإيمان بالاستحالة أو الحلول، دون بحث أو مناقشة
1- الاستحالة نوعان: استحالة حسية وأخرى سرية. فالأولى مثل تحويل الماء إلى خمر في بلدة قانا الجليل، والثانية مثلما يحدث في العشاء الرباني، أو مثلما حدث في النار التي ألقي فيها الفتية الثلاثة، فإنها تحولت حينئذ إلى نسيم عليل مع بقائها ناراً كما كانت قبل إلقائها فيها. لذلك ليس هناك مجال للاعتراض على عقيدة الاستحالة لعدم وجود أثر منظور يدل عليها في العشاء الرباني [الإفخارستيا ص68، 69 وسر العشاء الرباني ص25.
الرد (أ) لا يجوز إطلاقاً أن يتخذ المرء الموضوع الذي يريد البرهنة على صدق رأيه فيه، هو بذاته حجة له. ولذلك فالقول إن الاستحالة السرية مثلما يحدث في العشاء الرباني، هو قول مرفوض شكلاً وموضوعاً.
(ب) أما من جهة النار التي ألقى فيها الفتية، فإنها لم تتحول إلى نسيم عليل كما يقول صاحب هذه الحجة، بل ظلت كما كانت من قبل ناراً مستعرة. والدليل على ذلك أنها أحرقت الرجال الذين ألقوا هؤلاء الفتية فيها، كما أحرقت القيود التي كان الفتية المذكورون مربوطين بها (دانيال 13: 22- 24) . إذاً فكل ما حدث هو أن الرب بمرافقته لهؤلاء الفتية (3: 25) ، حفظهم من تأثير النار عليهم، كما حفظ بطرس بعد ذلك من الغرق بواسطة مرافقته له على الماء، مع بقاء الماء ماءً سائلاًكما هو (متى 14: 29) .
(ج) فضلاً عن ذلك فان تحول النار إلى نسيم عليل بالنسبة إلى الفتية (إن جاز هذا التعبير) ، لا يصح أن يتخذ قياساً لإثبات حدوث استحالة في العشاء الرباني مع بقائه كما هو خبزاً وخمراً في الجوهر والمظهر، لأن هذه النار مع بقائها ناراً في مظهرها، لم تمس الفتية بأذى، الأمر الذي يدل على أنها وإن لم تتغير بالنسبة لهم في مظهرها، إلا أنها تغيرت في جوهرها. وبذلك تكون الاستحالة التي حدثت في هذه النار (إن جاز أن تسمى استحالة ) هي استحالة حسية وليس استحالة سرية. ولكن العشاء الرباني لا يحدث فيه تغيير على الإطلاق، لا في الخواص العرضية أو الخواص الجوهرية، لأن المذاق والرائحة فيه يظلان كما هما مثل الشكل واللون تماماً- ولذلك لا يجوز أن تُتخذ هذه النار دليلاً على إمكانية تحول العشاء الرباني إلى ذات جسد المسيح ودمه، مع بقاء مادتي هذا العشاء كما هما دون تغيير ظاهري أو جوهري.
2- الاستحالة التي تحدث في العشاء الرباني هي استحالة سرية، ولذلك فإن ما يتغير فيه ليس المظهر بل الجوهر، والجوهر لا يكمن إدراكه [الأفخارستيا ص 17و18و85].
الرد: (أ) من دراسة أقوال المؤمنين بالاستحالة والحلول يتضح أنهم لا يقصدون بجوهر العشاء الرباني ماهيته أو كنهه وطبيعته كما يتبادر إلى الذهن الذي يفهم ما هو جوهر الشيء، بل يقصدون بجوهر هذا العشاء عقيدتهم بشأنه. وهذا ما يتعارض مع المعنى المعروف لدينا كل التعارض، وإن دل على شيء فانه يدل على استعمالهم بعض الألفاظ في غير معناها الأصلي لتأييد وجهة نظرهم. أما لو أنصفوا في التعبير لما قالوا إن العشاء الرباني يتحول لديهم جوهراً لا مظاهراً، بل قالوا إنه يتحول لديهم عقيدة لا حقيقة، لأن التغيير في جوهر الشيء (أو بالحري فيما ماهيته أو كنهه) يتبعه حتماً تغيير في أعراضه وخصائصه جميعاً، الأمر الذي لا يحدث عندهم في العشاء الرباني.
(ب) إن التحول عندما يكون حقيقياً يكون واضحاً جلياً، سواء أكان سرياً أم حسياً، أو إلا كان تحولاً خيالياً وهمياً، وفي هذه الحالة لا تكون له قيمة أو اعتبار. فمثلاً: لو أن المسيح لم يحول الماء إلى خمر بهيئة واضحة في قانا الجليل، لما صدّق أحد أنه حولها، ولا آمن أحد من تلاميذه برسالته تبعاً لذلك (يوحنا 2: 11) إذاً فالتحول من الناحيتين الكتابية والعقلية، لا يكون تحولاً إلا إذا ظهر الدليل العملي عليه كما ذكرنا- ولذلك إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نجد أن المسيح لم يطلب منا إطلاقاً أن نؤمن بأمور تتعارض مع حكم حواسنا عليها (إن كانت هذه الأمور تقع تحت حكمها) ، بل كان ينبر على وجوب استخدام حواسنا في الحكم على الأمور المذكورة، حتى لا يكون إيماننا بها إيماناً شكلياً أو وهمياً بل إيماننا فعلياً أو حقيقياً. فمثلاً عندما ظهر للتلاميذ في الغرفة التي كانوا مختبئين فيها وأبوابها مغلقة، وارتابوا في أمره ظانين أنه روح، قال لهم"انظروا يديّ ورجليّ... إني أنا هو... جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي". وحين قال هذا، أراهم يديه ورجليه لكي يشاهدوا بعيونهم آثار المسامير التي سمر بها على الصليب. ولكي يزيل كل أثر لما عساه أن يولد الريب أو الشك في نفوسهم، أخذ جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد العسل وأكل قدامهم"، كما كان يفعل من قبل (لوقا 24: 39- 43) .
وفي ضوء ما تقدم نقول: لو كان المسيح حوّل الخبز والخمر إلى ذات ص184 جسده ودمه (على فرض جواز حدوث ذلك) ، لكان قد حولها إلى ذات جسده ودمه بهيئة مدركة ملموسة، حتى لا يكون هناك شك من جهة هذا التحول لدى تلاميذه أو غير تلاميذه.
(ج) ولو فرضنا جدلاً أنه حوّل الخبز والخمر إلى ذات جسده ودمه دون أن يغير خواصهما، لغرض لم يشأ أن يذكره لنا، لكن قد أخبرنا بما فعله حتى نؤمن بهذا النوع الجديد من الاستحالة. وما كان أحد من المؤمنين يتسرب إليه الشك من جهة هذا النوع منها، إذا المفروض فينا كمؤمنين، هو أن نؤمن بكل شيء يقول الرب أنه عمله، سواء أرأينا نتيجة عمله كله هذا أم لم نرها. بما أن الخبز والخمر يظلان كما هما دون تغيير أو تبديل، وإن المسيح لم يخبرنا إنه حولها إلى ذات جسده ودمه بأي شكلٍ من الأشكال، وفي الوقت نفسه تدل كل القرائن على أن حديثه عن التناول من جسده ودمه كان حديثاً مجازياً كما اتضح لنا في أوائل هذا الباب، إذا لا يجوز أن نقول من عندنا إطلاقاَ أنه حول الخبز والخمر إلى ذات جسده ودمه بطريقة ما.
3- إن المادة كما يقول العلماء لا يمكن إدراك كنهها. فضلاً عن ذلك فإنّ الحقن الطبية تحوي جواهر المواد المستحضرة منها، ومع ذلك تختلف في شكلها الخارجي عن شكل تلك المواد. ولذلك لا يجوز الاعتراض على القول أن الخبز والخمر المستعملين في العشاء الرباني هما ذات جسد المسيح ودمه [الأفخارستيا ص 18و98].
الرد: (أ) إلى هنا انتهت هذه الحجة، وبذلك يكون صاحبها قصد أن يخبرنا أن الدواء الواحد قد يكون على هيئة حبوب أو حقن أو شراب وحسب الظاهر يختلف كل من هذه عن الآخر كل الاختلاف، بينما العناصر فيها جميعاً واحدة في جوهرها. كما قصد أن يخبرنا أن العكس لابد أن يكون صحيحاً أيضاً، أي قد تكون مادة تشبه الأخرى كل الشبه في شكلها ورائحتها ومذاقها وتأثيرها، ومع ذلك تكون مختلفة كل الاختلاف عنها، كما هي الحال في العشاء الرباني لديه، فانه يعتقد أن ظاهره خبز وخمر بينما حقيقته جسد ودم.لكن هذا الرأي لا نصيب له من الصواب، إذاً انه يتعارض مع الواقع المعروف لدينا كل التعارض، لأننا نرى أنه إذا اتفقت بعض المواد في شكلها ولونها (مثل أقراص النعناع والأسبرين والسلفا) فإنها تختلف في مذاقها أو تأثيرها أو رائحتها، أو في هذه الثلاثة معها.
(ب) أما من جهة الحجة الخاصة بالمادة فنقول إن ما كان العلماء يعجزون عن إدراكه في المادة قديماً ليس هو نوعها بل تركيب ذراتها، فإنهم لم يعجزوا يوماً في الحكم على مادة من حيث أنها خبز أو لحم (مثلاً) ، بل كانوا يعجزون عن معرفة تركيب الذرات التي يتكون منها الخبز واللحم وغيرها من المواد. وما كانوا يعجزون عن إدراكه قد أدركوه الآن فقد عرفوا أن الذرة تتكون من نواة تدور حولها الكترونات خاصة بها، ولذلك فهذه الحجة لا مجال لها على الإطلاق.
4- "الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (عبرانيين 11: 10) ، ولذلك يجب أن نؤمن بتحول العشاء الرباني إلى ذات جسد المسيح ودمه، كما تنص التقاليد حتى وإن كنا لا ندرك هذا التحول بحواسنا. فالذي حوّل الماء مرة إلى خمر في قانا الجليل، لا يعسر عليه أن يحول العشاء الرباني إلى ذات جسده ودمه الأكرمين. فليكن لنا إذاً إيمان مرثا ومريم في قدرة المسيح، فهما مع بقاء أخيهما لعازر في القبر مدة أربعة أيام، آمنتا أنه سيقوم بقوة المسيح [الأفخارستيا ص 99 وأسرار الكنيسة السبعة ص87].
الرد: (أ) الإيمان يجب ألا يكون بغير ما يجب الإيمان به، وما يجب الإيمان به هو من وحي الله الذي بين أيدينا، وبما أن هذا الوحي لا ينص على أن العشاء الرباني يتحول إلى ذات جسد المسيح ودمه سرياً أو حسياً، يجب ألا نؤمن أنه يتحول إليهما بأي شكل من الأشكال، وإن آمنا بهذا التحول، لا نكون مؤمنين بكلمة الله، بل بغير كلمة الله، وهذا ليس من الإيمان بشيء.
أما القول بأن الإيمان يجب أن يكون بكل من الكتاب المقدس والتقاليد، أو بالحري أقوال القديسين القدماء، فليس بصواب، لأن القديسين وإن كانوا قد بلغوا درجة سامية من التقوى، إلا أنهم لم يخرجوا عن كونهم بشراً مثلنا، والبشر ليسوا معصومين من الخطأ. ولذلك لا يجوز لنا أن نتخذ أقوالهم حجة نبني عليها إيماننا، بل علينا أن ندرسها في ضوء الكتاب المقدس، فإن وجدناها تتوافق معه أفدنا مما فيها من شرح وتعليم، وإن وجدناها لا تتوافق معه يجب أن نغض الطرف عنها.
(ب) أما من جهة معجزة تحويل الماء إلى خمر في قانا الجليل، فنحن نؤمن بها، لأن الوحي قال:"فلمّا ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمراً" (يوحنا 2: 9) . لكن العشاء الرباني، فضلاً عن أنه ليس هناك دليل عملي يثبت حدوث أي تحول فيه، فإن المسيح لم يقل إن التلاميذ تناولوا العشاء المتحول إلى جسد المسيح ودمه ، قياساً على ما قاله عند تحول الماء إلى خمر في قانا الجليل، لذلك يجب ألا نقول من عندنا إطلاقاً إن المسيح حول هذا العشاء إلى ذات جسده ودمه.
(ج) كما أن الإيمان لا يكون إلا بأمر حدث دون أن نراه، أو بأمر لم يحدث بعد، ويكون الله نفسه قد أعلن لنا في كتابه عن حدوث الأول في الماضي، أو عن حدوث الثاني في المستقبل. والأول مثل خلق العالم من لا شيء (عبرانيين 11: 3) ، والثاني مثل القيامة من الأموات (1كورنثوس 15: 35- 50) . أما ما نراه وقد حدث فعلاً أمامنا، فلا يستدعي أن نؤمن به، بل أن نتحقق منه بحواسنا، لأن الإيمان ليس هو الإيقان بأمور تُرى بل بأمور لا ترى (عبرانيين 11: 1) وللإيضاح نقول: إن المسيح قبلما أقام لعازر من القبر، طلب من مريم ومرثا أن تؤمنا أنه سيقوم ( يوحنا 11: 40) ، لكن بعد ما أقامه، لم يطلب منهما إطلاقاً أن تؤمنا أنه قام، لأنه كان في وسعهما أن تتحققا بنفسيهما من قيامته.
وعلى هذا القياس نقول: بما أن الذين يعتقدون بالاستحالة أو الحلول يقولون إن العشاء الرباني يتحول إلى ذات جسد المسيح ودمه أو إن ذات جسده ودمه يحلان فيه، إذاً يجب عليهم ألا يؤمنوا أو يطلبوا من أحد أن يؤمن بالاستحالة أو الحلول، بل أن يبحثوا عن الأدلة الكتابية أو العملية التي تثبت صدق رأيهما، ويظهروها لأنفسهم وغيرهم حتى يتحققوا جميعاً منها. وبما أن العشاء الرباني يظل عندهم كما هو خبزاً وخمراً مظهراً وجوهراً. كما هي الحال عند غيرهم من المسيحيين، فضلاً عن ذلك ليست هناك آية واحدة في الكتاب المقدس تنص على حدوث استحالة أو حلول في هذا العشاء، لذلك ليس هناك ما يبرر الإيمان بالاستحالة أو الحلول بأي حال من الأحوال. لأن الإيمان المسيحي ليس هو الإيمان الأعمى (كما يقول بعض الناس) ، بل إنه الإيمان المبصر، إذ أن الله أعطانا بصيرة لكي نعرف الحق (1يوحنا 5: 4) .
(د) أخيراً نقول إننا لا ننكر أبداً أنه من الممكن أن يحول الله الخبز والخمر إلى جسد ودم، لكن ما ننكره هو القول إن الله حولهما أو يحولهما إلى ذات جسد المسيح ودمه، إذ فضلاً عن أنه ليست هناك آية واحدة تدل على ذلك، فإن الله يكون بهذا التحول قد عمل مسحاء غير المسيح، وهذا ما نفينا جواز حدوثه في الفصل الأول من هذا الباب. فنحن نرفض الإيمان بالأمور التي تفوق العقل كما يتهمنا البعض، بل نرفض الإيمان بالأمور التي تتعارض مع الوحي أو مع الوحي والعقل معاً.
ولإيضاح الفرق بين الأمور التي تفوق العقل، وبين الأمور التي تتعارض معه، نقول: أو فرضنا أن المسيح بعدما قال للعازر (مثلاً) "هلمّ خارجاً" (يوحنا 11: 43) ، لم يخرج لعازر بل ظلّ ميتاً في قبره. فإن الإيمان بقيامته من بين الأموات في هذه الحالة، لا يكون إيماناً بما يفوق العقل، بل بما يتعارض مع العقل، وفي الوقت نفسه بما يتعارض مع الوحي. وإيمان مثل هذا يرفضه الله رفضاً باتاً، لأنه لا يكون إيماناً بل تجاهلاً للحقيقة وتعامياً عنها. وعلى هذا القياس نقول: بما أنّ المسيح بعدما قال عن الخبز إنه جسده، ظلّ الخبز كما هو خبزاً، وبعدما قال عن الخمر إنها دمه، ظلّت الخمر كما هي خمراً، فضلاً عن ذلك فإنه لم يقل إطلاقاً إنه حولّهما إلى ذلت جسده ودمه سرياً أو حسّياً، يكون الإيمان بالاستحالة أو الحلول في هذه الحالة، إيماناً ضد الوحي وضد العقل، وإيمان مثل هذا لا يسمى إيماناً كما ذكرنا،
5- إن المسيح لم يحول الخبز والخمر إلى ذات جسده ودمه حالة مدركة لئلا تنفر نفوسنا من التناول منهما، أو ننقلب إلى وحوش ضارية إذا تناولنا، ولذلك ليس هناك مجال للاعتراض على الاستحالة السرية [الأفخارستيا ص 98].
الرد (أ) لو كان المسيح حوّل الخبز والخمر إلى ذات جسده ودمه بحالة منظورة، لما كان هناك مؤمن حقيقي ينفر من تناولهما، لأن المؤمن الحقيقي يطيع الله مهما كلفه بعمل يشق عليه القيام به. كما أن أكل قطعة صغيرة من اللحم النيء، أو شرب بعض نقط من الدم ( إن جاز شربه) لا يجعلان الإنسان وحشاً ضارياً. فالأطباء (مثلاً) يوصون بأكل الكبدة دون طهي أو شي، وعدد كبير من الناس يأخذ بنصيحتهم، ولم نسمع مطلقاً أن واحداً منهم افتراس إنساناً وأكل لحمه، ثم انهال على دمه فشربه شرباً.
(ب) فإذا أضفنا إلى ذلك، أن الناس هم في الواقع أحوج ما يكون إلى أن يلقى الله عليهم الكثير من هيبته ورهبته بصورة مدركة ملموسة، حتى يخشوه ويخافوه ويسلكوا بتدقيق وحذر في سبيله، أدركنا أنه لو كانت الاستحالة أو الحلول أمراً حقيقياً، لكان من الخير لنا ولكل البشر أيضاً معنا، أن يتحول العشاء الرباني إلى ذات جسد المسيح ودمه أو يحل هذان فيه، بصورة واضحة جلية. وبما أنه لا يتحول إليهما أو يحلان هما فيه على هذا النحو، إذاً فالمسيح لا يقصد تحويله إلى ذات جسده ودمه، أو الحلول بذات جسده ودمه في هذا العشاء.
6- إن بطرس منغوس وأكاكيوس البطريركين في القرن الخامس رأيا أثناء إصعاد الذبيحة المقدسة (أو بالحري العشاء الرباني) نوراً عظيماً كما رأيا الرب يسوع المسيح كالطفل متكئ على الصينية والكأس، وشاهدا آثار المسامير في جسده، وبعد ما تحدث معهما اختفى عنهما. فضلاً عن ذلك ، فإن أحد الأمراء غير المسيحيين شاهد مرة في يدي الكاهن، بدلا من خبز العشاء الرباني، طفلاً صغيراً يجزئه هذا الكاهن إلى أجزاء، ويضع كل جزء في الصينية فتلطخت إذ ذاك بدم، فوقع على هذا الأمير ذهول وآمن بعد ذلك بالمسيح [الخريدة النفسيةج1ص 554، ج2 ص249]
الرد: (أ) إن أصحاب هذه الحجة يعتقدون أن الاستحالة تتم لديهم مع بقاء الخبز والخمر كما هما في الشكل واللون والطعم والرائحة وكل شيء آخر، وأن الله أراد أن تكون الاستحالة على هذا النحو دون سواه لغاية خاصة لديه، لذلك لا يجوز لهم أن يأتوا بحجة مثل هذه، لأن الرؤى الصادقة تعلن الأمور على النحو الذي أراد الله أن تكون عليه. وإذا كان ذلك كذلك، كان من الواجب أن يعملوا أن الرؤى الواردة في الحجة المذكورة (إن جاز أن تسمى رؤى) لا يمكن إلا أن تكون تصورات ذهنية أو اختراعات بشرية لإثبات عقيدة الاستحالة، لا أكثر ولا أقل، لاسيما وأن هذه "الرؤى" لم يقل بها أشخاص كثيرون، بل ثلاثة أشخاص فحسب. فضلاً عن ذلك فإن قول هؤلاء الأشخاص لم يعرض على مجمع ما ليناقشه ويقطع برأي فيه، بل ترك بين الناس ليتداولوه كما هو.
(ب) زد على ذلك، فان هذه الرؤى لا تقوم لها قائمة أمام الوحي أو العقل، لأن المسيح لم يُصلب عندما كان طفلا أو تحول إلى طفل عند صعوده إلى السماء، حتى كان من الجائز أن يرى الأشخاص المذكورون طفلان مكان الخبز الذين يقولون انه يتحول الى ذات المسيح. فاذا أضفنا الى هذه الحقيقة أن الرسل أنفسهم لم يروا ما رآه هؤلاء الأشخاص مع أنهم لم يكونوا أقل روحانية أو إدراكاً منهم، اتضح لنا أن هذه الحجة لا نصيب لها من الصواب على الإطلاق.
(ج) أخيرا أقول إنني التقيت بواحد من الذين يقولون أنهم يرون مثل هذه الرؤى، يُدعى "م. جرجس". وشاء الرب بعد ذلك أن أسكن مع هذا الشخص في منـزل واحد لفترة طويلة من الزمن، ولذلك استطعت أن أعرف الشيء الكثير عن كيفية حكمه على الأمور التي تصادفه بالحياة. ونظراً لأن المجال لا يتسع لسرد كل الوقائع التي تدل على ذلك، أكفي بذكر الوقائع الأربع التالية على سبيل المثال: (1) أتاني هذا الشخص مرة خائفاً مذعوراً يقول لي أنه يخشى الدخول إلى غرفته لأنه رأى بها (حسب قوله) شيطاناً. فدخلت معه إليها فلم نرَ شيطاناً أو ملاكاً. فهمس في أذني أن الشيطان اختبأ وراء الدولاب، فأبعدت الدولاب عن الحائط كثيراً، فلم يبد من ورائه شيء على الإطلاق. (2) ومرة رأيته مضطرباً ومرتبكاً، وبالاستفسار منه عن السبب، أخبرني أن الشيطان يسرق منه نقود الكنيسة لكي يسيء إلى سمعته فيها، وبالبحث وجد أنه لم يكن يعلم مقدار ما كان يجمعه من هذه النقود في أول الأمر. (3) ومرة أتى إلى (م) هذا شخصٌ مريض لكي يصلي (م) لأجله، وبعد الصلاة أخبرني (م) أن الله أعلن له أن المريض به روحٌ نجس، وأنه لا يمكن أن يشفى بواسطة الأطباء، ولكن بعد أسبوع ذهب المريض إلى الطبيب، فوجد عنده مرض بالكلى، وبالعلاج شُفي تماماً. (4) ومرة رأيت (م) فرحاً ومبتهجاً وبالاستفهام منه عن السبب، أخبرني أن الله أراه السماء بكل جمالها وبهائها، وأعلن له أنه سيأخذه إليها في بحر شهر، ولكن مرت شهور وسنون ولا يزال (م) هذا على قيد الحياة- الأمر الذي يدل على أن الخواطر التي تطرأ على ذهنه تصبح مجسمة أمامه كحقائق، ولذلك لا يجوز الاعتماد على أرآه أو أراء أمثاله من جهة العشاء الرباني، أو غيره من الموضوعات الهامة.
- عدد الزيارات: 4147