3- الحجج الخاصة بالقربان والخدمة والمذبح
1 – قال بولس الرسول عن نفسه: "حتى أكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الأمم، مباشراً لإنجيل الله ككاهن، ليكون قربانَ الأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس" (رومية 15: 16) – فهذه الآية تنص على وجود قربان في العهد الجديد، وكونه قرباناً دليل على أنه ذات جسد المسيح ودمه (الرد على العشاء الرباني ص 101).
الرد (أ) إن القائلين بالاستحالة يعتقدون أن العشاء الرباني لديهم يكون مقبولا أمام الله. إذا توافر في عمله الشرطان الآتيان:
(الأول) وجود كاهن معيّن في نظرهم تعييناّ رسمياً، سواء أكان هذا الكاهن تقياً أم شريراً. وقد بلغ الإخلاص ببعضهم لهذه العقيدة شأواً بعيداً حتى أنه قال: إن الإستحالة تتم سواء أكان الكاهن ملاكاً رحيماً أم شيطاناً رجيماً (سر العشاء الرباني ص 64)[25].
لكن يتضح من الآية التي نتأملها، أن الرسول يجعل قبول "قربان الأمم" الذي يتحدث عنه، متوقفاً على أساسين مختلفين عن المعروفين عند القائلين بالإستحالة. وهذان الأساسان هما (1) إخلاصه كخادم للمسيح (2) مباشرته لإنجيل الله – ولذلك لا يجوز للقائلين بالإستحالة أن يأخذوا هذه الآية دليلا على أن المراد بالقربان الوارد فيها، هو العشاء الرباني.
(ب) وإذا كان هذا القربان ليس هو العشاء الرباني، فترى ماذا يكون؟
الجواب: إذا تأملنا الآية المعروضة أمامنا، سواء أفي ذاتها أم مع غيرها من الآيات الواردة قبلها وبعدها، يتضح لنا أن المراد بهذا القربان لا يمكن أن يكون شيئاً سوى الأمم أنفسهم، أو بالحري المؤمنين من هذه الأمم. وذلك للسببين الآتيين (1) إن الروح القدس (المذكور في هذه الآية أنه يقدس القربان)، لا يحل في المادة مثل الخبز والخمر، كما ذكرنا في الفصل السابق، بل يحل في المؤمنين أنفسهم، وذلك لكي يقدسهم ويطهرهم (يوحنا 14: 16، 1 كورنثوس 3: 16) (2) إن تشبيه المؤمنين بالقربان أو الذبيحة هو من التعبيرات التي كان الرسول يستعملها في أقواله. فقد قال من قبل للذين كتب لهم هذه الآية "أطلب إليكم برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة..." (رومية 12:1). ووجه الشبه بين المؤمنين وبين القربان (أو الذبيحة) هو أن كليهما مقرّب إلى الله ومقدس له، أو بالحري مخصص له كما ذكرنا فيما سلف. وقد شهد أغسطينوس بهذه الحقيقة فقال "جميع القديسين هم الذبيحة العامة التي تقدم لله بواسطة المسيح رئيس الكهنة"، كما قال "الذبيحة الحقيقية تقوم بأن النفس وهي مضطرمة بنار المحبة السماوية، تكرس ذاتها لله تكريساً كاملا" (ريحانة النفوس ص 100).
(ج) كما أننا إذا رجعنا إلى التراجم الانجليزية، التي يميل أصحابها إلى الترجمة المعنوية دون الحرفية، نجد أنهم ذكروا صراحة أن هذا القربان هو الأمم أنفسهم (أنظر نسختي Moffatt & Translation World New) وإذا كان الأمر كذلك، أدركنا أن قول الرسول "قربان الأمم" أو "ذبيحة الأمم" في هذه الآية, يشبه كلّ الشبه قوله "ذبيحة الإيمان" في الآية "انسكب أيضاً على ذبيحة إيمانكم وخدمته" (فيلبي 2: 17), إذ كما أنه لا يقصد بهذه الآية, أن الإيمان يقدم ذبيحة, بل أنه نفسه هو الذبيحة التي كان الرسول يخدمها وينسكب عليها أمام الله كذلك لا يقصد بالآية الأولى أن الأمم يقدمون قرباناً أو ذبيحة, بل أنهم أنفسهم قربان أو ذبيحة لله كما ذكرنا.
(د) أخيراً نقول إن الكلمة اليونانية المترجمة "قربان" في الآية "ليكون قربان الأمم مقبولاً.." التي نتأملها الآن ليست هي الكلمة المترجمة "قربان" في الآية التي تقول "فإن قدمت قربانك إلى المذبح" (متى 5: 23) أو التي تقول "من حلف بالقربان" (متى 23: 18). لأن كلمة "قربان" الواردة في الآية التي تقول "قربان الأمم", هي باليونانية "بروسفيرا", بينما كلمة "القربان" الواردة في الآيتين الأخريين هي باليونانية "دورون" والكلمة الثانية تعني "قربان" فقط, بينما الأولى تعني "قربان" كما تعني تقريب "القربان[26]". ولذلك وردت في بعض الترجمات الإنكليزية (مثلاً) Offering أي "قربان" أو Offering up أي "تقريب القربان", (ترجمة: Moffatt & Darby).
لذلك فإن الآية التي نحن بصددها تترجم "ليكون قربان الأمم مقبولاً" بمعنى أن الأمم أنفسهم يكونون القربان المقبول, كما تترجم "ليكون تقريب الأمم, كقربان لله, مقبولاً" – وهاتان الترجمتان وإن اختلفتا في الألفاظ, لكن لهما معنى واحد, وهو أن غرض الرسول من مباشرة إنجيل الله بين الأمم, هو أن يكونوا قرباناً لله. وتقريب الناس لله على مذبح التكريس له لكي يعبدوه ويحيوا وفق إرادته, لهو أفضل قربان لديه تعالى.
2- قال الرسول عن المسيح "وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً, والبعض أنبياء, والبعض مبشرين, والبعض رعاة ومعلمين, لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح, لكي لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين محمولين بكل ريح تعليم, بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال" (أفسس 4: 11 – 14). فالخدمة هنا تتضمن خدمة العشاء الرباني أو بالحري القداس (الرد على العشاء الرباني ص 95).
الرد (أ) إن القائلين بالإستحالة يعتقدون أن الذين يقومون بالعشاء الرباني هم الأساقفة والقسوس والشمامسة والمرتلون الموجودون في كنائسهم, لكن يتضح من الآيات التي نتأملها أن الله لم يسند القيام بالخدمة الواردة فيها إلى مثل هؤلاء الأشخاص, بل أسندها إلى الرسل والأنبياء والمبشرين والرعاة والمعلمين, ولذلك لا يجوز للقائلين بالاستحالة أن يستنتجوا أن الخدمة في هذه الآيات, يراد بها خدمة العشاء الرباني.
(ب) ومما يثبت أن "الخدمة" هنا لا يراد بها "خدمة العشاء الرباني أو القداس"؛ إن الكلمة اليونانية المقابلة لكلمة "الخدمة" في هذه الآيات ليست "ليتورجيا" التي تعني "خدمة" بمعنى "صلاة" كما هي الحال في الآيات الواردة في (لوقا 1: 23, رومية 13: 6, 15: 19, عبرانيين 8: 2), بل أن هذه الكلمة هي "دياكونيا" أي "خدمة" بالمعنى العادي المعروف لدينا وهو القيام بمساعدة ما لأجل فائدة الآخرين وخيرهم. وقد استعملت في الكتاب المقدس بهذا المعنى للتعبير عن "خدمة الفقراء" أو بالحري "تقديم المساعدات المادية لهم", مثلما جاء في (أعمال 6: 1, 2كورنثوس 9: 1), كما استعملت للتعبير عن "خدمة إنجيل الله" أو بالحري "العمل على إذاعته بين الناس لكي يتمتعوا بفوائده", مثلما جاء في (أعمال 6: 4, 2كورنثوس 4: 1) ولذلك فإن كلمة "الخدمة" الواردة في الآيات التي نحن بصددها لا يراد بها إلا خدمة الإنجيل, لأنها مسندة إلى الرسل والأنبياء والمبشرين والرعاة والمعلمين, الذين لا عمل لهم إلا بالقيام بهذه الخدمة (أعمال 6: 2).
(ج) كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن الغرض من الخدمة في الآيات التي نتأملها, ليس تذكر الرب أو غرضاً آخر من الأغراض الخاصة بالعشاء الرباني التي ذكرناها في الباب الأول, بل أن الغرض من هذه الخدمة (مع الغرض من تكميل القديسين وبنيان جسد المسيح, الذي هو المؤمنون الحقيقيون) هو لكيلا يكون هؤلاء المؤمنون مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بل ثابتين في الإيمان وراسخين فيه, تبين لنا بدليل ليس بعده دليل, أن المراد بالخدمة المذكورة هنا هو خدمة إنجيل الله كما ذكرنا, لأن هذا الغرض خاص بها وحدها.
3- إن العشاء الرباني ليس تكراراً لذبيحة الصليب حتى يجوز الإعتراض عليه, بل إنه ذبيحة الصليب عينها. ولا فرق بين الاثنين سوى أن ذبيحة الصليب تمت بواسطة اليهود, أما العشاء الرباني فيتم على المذبح بواسطة كهنة العهد الجديد. وأن ذبيحة الصليب كانت انتقامية دموية, أما العشاء الرباني فلا انتقام فيه أو سفك دم, لأنه ذبيحة غير دموية. وأن ذبيحة الصليب لا تؤكل, أما العشاء الرباني فيؤكل. وأن ذبيحة الصليب قدمت مرة واحدة, أما العشاء الرباني فيقدم باستمرار. وأن ذبيحة الصليب كانت لخلاص الجنس البشري ووفاء للعدل الإلهي, أما العشاء الرباني فهو لاستعطاف الله حتى يصفح عن الخطاة (الذين يقدم هذا العشاء لأجلهم) ويمنحهم الحياة الأبدية (الافخارستيا ص 22 و 216)
الرد (أ) هذه الحجة لا تتفق مع الوحي أو العقل للأسباب الآتية:
(أولاً) القول إن ذبيحة الصليب قدمت بواسطة اليهود ليس بصواب لأن اليهود لم يقدموا المسيح للصلب انتقاماً منه لأنهم كانوا يعتقدون أنه مجدف. أما تقديمه لله كذبيحة فكان بيده وحده, فقد قال المسيح "أنا أضع نفسي عن الخراف (أي أضعها من تلقاء ذاتي)" (يوحنا 10: 15).
(ثانياً) إن الاختلافات التي قال المؤمنون بالإستحالة بوجودها بين ذبيحة المسيح على الصليب وبين العشاء الرباني, هي اختلافات جوهرية تدلل بأنهما ليسا واحداً.
(ثالثاً) القول بأن العشاء الرباني هو ذبيحة غير دموية فضلاً عن أنه ليس له أساس في الكتاب المقدس, فهو قول يناقض بعضه بعضاً, لأنه يشبه القول إن فلاناً حي جسدياً وميت جسدياً.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذه المناسبة أن الاصطلاح "ذبيحة غير دموية", كان يطلق في القرون الأولى على الصلاة بوصفها مقدمة لله دون أن يكون بها دم مثل الذبائح الحيوانية, فقد قال يوسابيوس "ابن الله الوحيد يتقبل من المؤمنين... الذبائح غير الدموية, غير المادية, المقدمة في صلواتهم" (تاريخ الكنيسة ص 456), فاقتبس القائلون بالإستحالة هذا الاصطلاح (كما أعتقد), ووصفوا به العشاء الرباني وحده, ثم فسروه بأنه يدل على "عدم وجود دم في هذا العشاء, دون أن يسفك منه دم" مع أن وجود الدم في أي ذبيحة يجعلها حتماً ذبيحة دموية, سواء أكان هذا الدم موجوداً فيها بذبح, أم دون ذبح, إذ قالوا إنهم يذبحون المسيح بطريقة غير دموية (وإن شئت, فقل بطريقة شكلية), فقد جاء في قرارات مجمع نيقية أنه "على المائدة المقدسة يوضع حمل الله الرافع لخطايا العالم, ويذبح من خدام الله ذبيحة غير دموية" (أسرار الكنيسة السبعة ص 104). ولعل هذا هو السبب الذي من أجله يثقبون الخبز الذي يعدونه للعشاء الرباني بخمسة ثقوب, ويقولون إنها إشارة إلى الثقوب الخمسة التي ثقب بها جسد المسيح, وهي ثقب الحرية التي طعن بها, وثقب الشوك الذي وضع على رأسه, وثقوب المسامير الثلاثة التي سمر بها في يديه وقدميه مجتمعة معاً. أما في الكنيسة اليونانية فيقال إن هذه الثقوب تصنع بواسطة حربة في أثناء القداس (اللآلئ النفيسة ج1 ص 370).
(ب) وإذا كان الأمر كذلك، فما السبب الذي دعاهم إلى القول إن العشاء الرباني هو ذبيحة غير دموية؟
الجواب: أعتقد أن القائلين بالإستحالة وجدوا أنهم إن قالوا إن هذا العشاء ذبيحة دموية, يكون حتماً غير ذبيحة الصليب, لأن الذبيحة بعدما تقدم مرة, لا يكون بها بعد دم يمكن سفكه منها مرة أخرى, - لكن فاتهم أن الإصرار على أن العشاء الرباني هو ذبيحة غير دموية, فضلاً عن أنه يناقض بعضه بعضاً, فإنه يسلب هذا العشاء الخاصية الأساسية للذبيحة الكفارية, ويجعله جثة ميتة لا يليق تقديمها لله كذبيحة, أو يرتجى من ورائها صفح أو غفران, لأنه مكتوب "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين 9: 22).
وإن قالوا إنه ذبيحة غير دموية, لأن الدم سفك مرة على الصليب, تكون المغفرة بواسطة ذبيحة الصليب وليس بواسطة العشاء الرباني. وإن قالوا إن العشاء الرباني هو نفس ذبيحة الصليب, ففضلاً عن أن هذا القول لا يؤيده وحي أو اختبار كما ذكرنا, فإن ذبيحة الصليب يكون قد تكرر تقديمها هي بعينها لله, وهذا لا يجوز كتابياً أو قانونياً لسببين:
(الأول) إن الذبيحة التي تقدم مرة لله، لا يجوز تقديمها هي بعينها مرة أخرى له.
(الثاني) إن الذبيحة التي قدمت مرة على الصليب كافية كل الكفاية للتكفير عن الخطية إلى الأبد, وليس هناك ما يدعو إلى تقديم غيرها أو إعادة تقديمها هي بذاتها تحت أي شكل من الأشكال (إن جاز حدوث ذلك)، للحصول على غفران ما، ولذلك أعلن الوحي بكل صراحة "أنه لا يكون بعد (ذبيحة الصليب) قربان عن الخطية" (عبرانيين 10: 18). ومن ثم يكون العشاء الرباني عندهم هو ذبيحة (إن جاز أن يسمى ذبيحة) غير ذبيحة الصليب، اعترفوا بهذه الحقيقة أم لم يعترفوا، ولذلك فإنه لا يجلب صفحاً أو غفراناً.
(ج) فضلاً عن ذلك فإن خلاص الجنس البشري ووفاء العدل الإلهي المذكورين في الحجة التي نحن بصددها، ليسا عملين منفصلين عن الصفح عن الخطايا والحصول على الحياة الأبدية، حتى لا يتم العملان الأولان إلا بذبيحة الصليب، ولا يتم الآخران إلا بالعشاء الرباني كما يقولون. إذ أنه لا خلاص بدون الصفح عن الخطية، ولا وفاء للعدل الإلهي بدون الحصول على الحياة الأبدية. وإذا كان الأمر كذلك، أدركنا أن الصفح عن الخطية والحصول على الحياة الأبدية (مثل إجراء الخلاص لنا ووفاء العدل الإلهي عنا) يتحققان معاً بالتمام لكل المؤمنين الحقيقيين على أساس ذبيحة المسيح التي قدمها مرة على الصليب كما أعلن الوحي (يوحنا 3: 16)، ولذلك لا تكون هناك حاجة إلى ذبيحة غير هذه الذبيح، ولا إلى هذه الذبيحة نفسها مكرر تقديمها تحت أي شكل من الأشكال كما أعلن الوحي (عبرانيين 10: 18).
4- إن المسيح لم ينتظر حتى يأتي اليهود ويصلبوه، فيكون كمن أرغم على تقديم نفسه للموت، بل غنه استقبل آلام الصلب في نفسه بحالة روحية قبل وقوعها عليه عملياً بواسطة اليهود (وذلك كما يستقبل المحكوم عليه بالإعدام حكم الإعدام في نفسه قبل تنفيذه فيه عملياً)، ولذلك يعتبر شعورالمسيح بهذه الآلام، وتنفيذها فيه عملياً قبل الصليب، عملاً واحداً. إذاً فقد حدث بذل حقيقي وتضحية فعلية سرية من المسيح بمقتضى القدرةالفائقة عند تأسيس العشاء الرباني، وإذايكون هذاالعشاء هوذبيحة الصليب شيئاً واحداً (الافخارستيا ص 24- 230).
الرد (أ) يؤلمناأشد الألم أن نسجل هنا أنقول صاحب هذه الحجة (إنه حدث من المسيح بذل حقيقي وتضحية فعلية عند تأسيس العشاء الرباني) يدل على اعتقاده بأن آلام المسيح الكفارية كانت وقتاً ما ليست آلاماً فعلية بل آلاماً وهمية، وخاطر مثل هذالا يرد إلا في تعبيرات الهراطقة الذينذهبوا إلى أن آلام المسيح كانت تهيؤات وهمية، لأن جسده (في نظرهم)، لم يكن جسداً مادياً بل أثيريا – ذلك لأنه ليس في تأسيس المسيح للعشاء الرباني، أو بالحري في كسره للخبز وتقديمه للكأس، أي دليل واقعي على حدوث موت أوفداء، حتى كان يجوزالقول إن المسيح بذل ذاته للموت في هذا العشاء، أو تنفذ فيه الموت أثناء تأسيسه له، بأي شكل من الأشكال. فضلا عن ذلك فإن تأثر المحكوم عليه بالاعدام، قبل تنفيذه فيه عملياً، لا يعتبر في نظر الحقيقة أو القانون أنه نفذ فيه فعلاً. وإذا كان الأمر كذلك، فإن قول صاحب هذه الحجة (إن شعور المسيح بآلام الصلب قبل تنفيذها فيه، يعتبر وتنفيذها فيه على الصليب عملاً واحداً) ليسبصواب على الاطلاق كما ذكرنا.
(ب) أما الأمور التي تدل حقاً على أن المسيح لم يرغم على تحمل آلام الصليب، بل أنه تقبلها بإرادته ومحض اختياره، فقد تجلت قبل تأسيس العشاء الرباني، وذلك عندما رضى أن يتجسد من العذراء، وعندما ثبت وجهه للذهاب إلى أورشليم، على الرغم من علمه بتربص اليهود له فيها، ومحاولة تلاميذه الحيلولة بينه وبين الذهاب إليها (يوحنا 11:8). ثم تجلت بعد تأسيس العشاء الرباني، عندما سلم نفسه للجند بإرادته ( يوحنا 18: 4 -8)، وعندما قبل أن يعاني آلام الصلب دون أن يتقبل مخدراً يخفف من حدتها (متى 27: 34)، وعندما امتنع عن استخدام سلطانه الذاتي في القضاء على أعدائه أو في العودة إلى السماء التي آتى منها – وقضاؤه على أعدائه لم يكن يكلفه أكثر من كلمة ينطق بها (متى 26: 53)، والسماء كانت على استعداد للترحيب به في أي وفت أراد، إذ أنها ملكه وتحت أمرته وسلطانه، وكان قد غادر بإرادته، ومن ثم كان له أن يعود إليها بإرادته أيضاً (يوحنا 8: 32 ).
(ج) فضلا عن ذلك فإن شعور المسيح النفسي بآلام الصلب، لم يبدأ عند تأسيس العشاء الرباني، كما يقول صاحب هذه الحجة، لأن المسيح كان يحس بها في الأزل، وذلك على نحو يتفق مع تنـزهه وروحانيته المطلقة وقتئذ، لأنه كان يعلم منذ الأزل، أنه سيقدم نفسه كفارة عن البشرية (1بطرس 1: 18). كما كان يحس بهذه الآلام في أوائل الزمن، فأحس بها عندما تعرى آدم بسبب خطيته، واستلزم الأمر أن يكون له قميص من جلد (تكوين 3: 21) لا يمكن الحصول عليه إلا بعد سفك دم حيوان برئ. وكان يحس بها بعد ذلك في الذبائح المتعددة التي كانت تقدم في العهد القديم كفارة عن الخطاة (لاويين1 – 7)، وفي النبوات الكثيرة التي كانت تقال وقتئذ عما كان عتيداً أن يقاسيه لأجلهم في الجسد من آلام (مزمور 22و 69 واشعيا 53).
(د) وعندما اتى إلى العالم بهيئة منظورة، أخذ يحس بهذه الآلام عنه "هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا1: 29). وعندما قال هو"هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16). وعندما قال "لأن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى 20:28). وعندما قال "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت فهي تأتي بثمر كثير" (يوحنا 12: 14) وكل ذلك كان قبل تأسيس العشاء الرباني بأزمنة طويلة.
(ه) أخيراً نقول: إننا إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نراه يسجل لنا مرات متعددة أن المسيح كان يعلن لتلاميذه من وقت إلى آخر أنه سيبذل نفسه فدية لأجلهم على الصليب (متى 20: 19 و 38، 26: 2، ...، ...)، لكنه لا يسجل لنا إطلاقاً أن المسيح بذل جسده ودمه بطريقة سرية وقدمهما لتلاميذه تحت شكلي الخبز والخمر. ولو فرضنا جدلاً أن هذا البذل قد حدث، وأن الوحي لم يخبرنا لسبب من الأسباب، لما كان المسيح قد بذل نفسه مرة ثانية على الصليب، إذ تكون المرة الأولى فيها الكفاية للتكفير، لأن الحق الإلهي ليس ما نشاهده نحن أو نحكم به نحن، بل إنه ما يفعله الله ويراه، بغض النظر عن حكمنا وحكم غيرنا من المخلوقات، إذ أنه ليس لنا إلا أن نؤمن بكل عمل يقول الله لنا إنه عمله، سواء أرانا هذا العمل أم لم يُرنا إياه، ولذلك فهذه الحجة ليس لها نصيب من الصواب كما ذكرنا.
5- قيل عن المذبح في الكتاب المقدس إنه مائدة (ملاخي 1: 7)، وبناء على ذلك تكون مائدة الرب الوارد ذكرها في (1 كورنثوس 10: 21) مذبحاً. وبما أنها مذبح، يكون العشاء الرباني الذي يوضع عليها ذبيحة. وبما أنها ذبيحة، يكون ذات جسد المسيح ودمه (الإفخارستيا ص 233).
الرد (أ) إن المذبح يجوز أن يسمى مائدة، لكن المائدة لا يجوز أن تسمى مذبحاً، لأن المائدة أعم من المذبح، ولذلك فإنها تطلق عليه وعلى غيره أيضاً. وللإيضاح نقول إنه من الجائز أن يسمى النجار صانعاً، لكن ليس من الجائز أن يسمى كل صانع نجاراً، لأن الصانع أعم من النجار، إذ أنه يشمل النجار وغير النجار .. وبما أن الكتاب المقدس لم يقل عن مائدة الرب إنها مذبح، لا يجوز لنا إطلاقاً أن نسميها مذبحاً، أو أن نستنتج الإستنتاج الذي ذهب إليه صاحب هذه الحجة.
(ب) فضلاً عن ذلك، فإننا إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، يتضح لنا أن الاصطلاح "مائدة الرب"، لا يراد به الأداة التي يوضع عليها العشاء الرباني، بل يراد به "العشاء الرباني" نفسه (إذ ان المائدة في حد ذاتها ليست ذات موضوع في المسيحية، لأنه لا يشترط فيها مثلاً أن تكون مصنوعة من نحاس أو خشب. أو أن تكون صغيرة أو كبيرة, أو مرتفعة أو منخفضة، أو مستديرة أو مربعة) فقد قال الرسول: "لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين" (1 كورنثوس 10: 21)، وما نشترك فيه ليس شيئاً من خشب أو غيره من المواد التي تستخدم في صناعة الموائد، بل إنه العشاء الرباني نفسه، ولذلك ليس هناك مجال لهذه الحجة على الإطلاق.
6- قال المسيح "فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك. فاترك قربانك قدام المذبح، واذهب أولاً واصطلح مع أخيك" (متى 5: 23- 24)- فهذه الاية تدل على أن في العهد الجديد قرباناً ومذبحاً، لأنه لا يمكن أن يكون القربان والمذبح هنا، هما القربان اليهودي والمذبح اليهودي، وذلك لسببين: (الأول) إن القربان اليهودي والمذبح اليهودي انتهت مهمتهما بمجيء المسيح، وليس من مهمتها. (الثاني) إن المسيح قال لليهود قبل هذه الآية "قد سمعتم أنه قيل للقدماء ... وأما أنا فأقول لكم .."، أي أقول لكم أمراً جديداً لا علاقة له بالعهد القديم وذبائحه. وإذا كان الأمر كذلك يكون القربان الوارد في هذه الآية هو العشاء الرباني، ويكون المذبح هو المذبح المسيحي الذي يوضع عليه العشاء المذكور. وهذا دليل على أن العشاء الرباني ذبيحة، أو بالحري على أنه ذات جسد المسيح ودمه (الإفخارستيا ص 233).
الرد (أ) المذبح والقربان المذكوران في هذه الاية، هما "المذبح اليهودي" و"القربان اليهودي"، وذلك للأسباب الآتية:
(1) إن مجرد نظرة إلى هذه الآية (والآيات الموجودة قبلها وبعدها)، ترينا أن المسيح كان يتحدث مع اليهود عن عمل كانوا يمارسونه وقتئذٍ، وليس عن عمل كانوا سيمارسونه في المستقبل، إن كانوا سيؤمنون بشخصه. كما أن القربان اليهودي والمذبح اليهودي لم تنته مهمتهما بمجيء المسيح إلى الأرض، بل بتقديم المسيح نفسه على الصليب كفارة عن البشرية. والدليل على ذلك أن المسيح كان يوصي بتقديم القرابين والذبائح اليهودية أثناء خدمته على الأرض، فمثلاً عندما شفى الأبرص، قال له: "إذهب أرِ نفسك للكاهن، وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم" (متى 8: 5).
(2) إن المسيح عندما نطق بهذه الآية، لم يكن قد أنبأ اليهود بعد بشيء عن العشاء الرباني، ولذلك لا يعقل إطلاقاً أن يكون المسيح قدّم لهم الوصية الواردة بها عن العشاء المذكور، لأن الوصية لا تكون سابقة للإعلان عن الموضوع الخاص بها.
كما أن المسيح لم يكن وقتئذٍ يخاطب أشخاصاً عينهم لعمل العشاء الرباني (كالكهنة عند القائلين بالإستحالة)، بل كان يخاطب اليهود عامة. فضلاً عن ذلك فإن القربان الذي ذكره، كان من ممتلكات الشخص الذي يقدمه وليس من ممتلكات غيره، فقد قال المسيح "إذا قدمت قربانك". ولذلك فلا يراد بهذا القربان إلا القربان الذي كان اليهود يقدمونه من الحيوانات التي يمتلكونها. لأن العشاء الرباني عند القائلين بالإستحالة ليس ملكاً للكهنة لديهم، بل إنه من تقدمات الشعب إليهم.
(3) إن كلمة "قدام" في قول المسيح: "... فاترك قربانك قدام المذبح"، تدل على أن المراد بالمذبح هنا، هو المذبح اليهودي أيضاً، إذ أن هذا المذبح هو الذي كان من الجائز أن تترك الحيوانات قدامه. أو أمامه في حالة ذهاب مقدمها لمصالحة أخيه. أما العشاء الرباني عند القائلين بالإستحالة، إذا ترك في مثل هذه الحالة، فإنه لا يترك قدام مذبحهم بل عليه – والأصل اليوناني يدل على أن حرف الجر هنا هو "قدام" أو "أمام"، وليس "على" أو "فوق"، وهذا ما يؤيد التفسير الذي ذكرناه. فضلاً عما تقدم فإن قول المسيح قبل الآية التي نتأملها: "ومن قال لأخيه رقا (بمعنى يا فارغ العقل)، يكون مستوجب حكم المجمع" (متى 5: 22)، يقضي على الحجة التي نحن بصددها، لأن المجمع الذي له سلطة الحكم على من قال لأخيه "رقا"، لم يكن له وجود إلا في النظام اليهودي كما نعلم، وتبعاً لذلك يكون المذبح المذكور في الآية التي نتأملها هو المذبح اليهودي ولا شك.
(ب) أما قول المسيح لليهود "سمعتم أنه قيل للقدماء ... وأم أنا فأقول لكم"، فلا يقصد به مطلقاً أنه يقول لهم أمراً مخالفاً لوصايا الناموس، لأن المسيح لم يأتِ لينقض الناموس بل ليكمله (متى 5: 17). والغرض من تكميل الناموس هو نقله من المعنى الحرفي (أو الشكلي) الذي أجمع اليهود على فهمه به، إلى المعنى الروحي الذي أراد الله أن يفهم هذا الناموس على أساسه. فمثلاً كان اليهود يعتقدون أن الزنا الذي نهى الله عنه، هو فعل النجاسة فحسب، فأعلن المسيح خطأ هذا الإعتقاد وقال لهم: إن "كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (متى 5: 27)، لأن علاقة الإنسان بالله، يجب ألا تكون العلاقة الظاهرية، بل العلاقة الروحية. ومن هذا يتضح لنا أن المسيح أراد بالنصيحة التي قدمها لليهود عن المذبح والقربان، أن يوجه أنظارهم إلى أن اقترابهم إلى الله بالذبائح التي أمرهم بتقديمها على يد موسى النبي، يجب أن يكون بقلوب صافية بينها وبين الناس صلح وسلام، لأنه لا خير في ذبيحة مقدمة من أشخاص ممتلئة قلوبهم بالضغينة والشر.
(ج) فضلاً عن ذلك، فإن رجال الدين عرفوا منذ القرون الأولى أن المذبح والقربان في الآية التي نحن بصددها يراد بهما المذبح اليهودي والقربان اليهودي، وأن المؤمنين في العهد الجديد لا يفيدون من النصيحة (أو الوصية) الخاصة بهما، إلا من الناحية الروحية وحدها. ولذلك قالوا "قربان الله هو الصلاة والشكر (وليس هو العشاء الرباني، أو ذبيحة مادية للتكفير عن الخطية)، فإذا كان بينك وبين أخيك وجد (أو بالحري حزن)، أو لأخيك عليك طلب، فصلاتك لا تستجاب قدام الله، ولا يقبل شكرك" (الدسقولية ص 94).
7- قال الرسول: "يسوع المسيح هو أمساً واليوم وإلى الأبد. لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة، لأنه حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة (أو ذبائح) لم ينتفع بها الذين تعاطوها (أو بالحري استعملوها). لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه. فإن الحيوانات التي يدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تحرق أجسامها خارج المحلة، لذلك يسوع أيضاً لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب" (عبرانيين 13: 9 – 13)- فهذه الآيات تدل على أن في العهد الجديد مذبحاً. وبما أن هناك مذبحاً في هذا العهد، يجب أن تكون هناك ذبيحة كفارية فيه. وهذه الذبيحة لا يمكن أن تكون شيئاً سوى العشاء الرباني. وهذا دليل على أنه ذات جسد المسيح ودمه (الافخارستيا ص 208).
الرد: إن قول الرسول "لنا (نحن المسيحيين) مذبح"، بالمقابلة مع الأطعمة أو الذبائح التي لم ينتفع بها الذين تعاطوها، وقوله بعد ذلك عن المذبح المذكور إنه لا سلطان للذين يخدمون المسكن (أي اليهود) أن يأكلوا منه"، دليل على أن هذا المذبح هو أحد أمرين:
(1) إما أنه ليس مذبحاً بل ذبيحة، لأن الذبيحة هي التي تذكر بالمقابلة مع الأطعمة أو الذبائح، ولأنها أيضاً هي التي يأكل منها البعض ولا يأكل منها البعض الآخر. ويكون إطلاق اسم "المذبح" عليها في هذه الحالة، هو من باب إطلاق اسم "المكان" على الأشياء الموجودة فيه أو عليه، كما نقول في حديثنا العام "لنا مائدة شهية"، قاصدين بهذه المائدة الأطعمة التي عليها. (2) وإما أن هذا المذبح، هو ذبيحة وفي الوقت نفسه هو مذبح أيضاً، وفي هذه الحالة لا يكون مذبحاً مصنوعاً من الحجارة أو غيرها من مواد البناء،بل يكون "موجوداً" يعمل عمل المذبح، وفي الوقت نفسه يعمل عمل الذبيحة.
والآن لنسأل أنفسنا (أولاً) هل يراد بهذه الذبيحة (أو المذبح) العشاء الرباني (كما يقول المؤمنون بالإستحالة) أم يراد بها (أو به) يسوع الوارد اسمه مرتين في هذه الآيات؟ (ثانياً) وإن كان يراد بها (أو به) يسوع، فما السبب في قول الوحي عنه في هذه الآيات إنه مذبح وليس ذبيحة كما قال في غيرها من الآيات؟ (ثالثاً) ثم إن كان يراد بها (أو به) يسوع، فهل الأكل منه، يكون بالمعنى الحرفي أم الروحي؟ (كما يقول المؤمنون بالإستحالة)، فماذا يكون موقفنا إزاءه بناء بناء على الآيات السابق ذكرها؟ وللإجابة على هذه الأسئلة نقول:
(أولاً) المراد بالمذبح أو الذبيحة ليس العشاء الرباني، بل المسيح نفسه. وذلك للأسباب الآتية:
(1) إن العشاء الرباني لا يرد ذكره مطلقاً في هذه الآيات، ولا في أي آية من الرسالة إلى العبرانيين المقتبسة منها هذه الآيات. فضلاً عن ذلك فإن هذا العشاء طعام يؤكل بالفم، بينما هذه الآيات تنص على أنه "حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة"، وطبعاً أياً كان نوع هذه الأطعمة، لأن الرسول لم يستثن من الأطعمة التي أشار إليها طعاماً ما.
(2) إن الكتاب المقدس لا يذكر مطلقاً أن العشاء الرباني هو ذبيحة، بل وينفي أيضاً وجود أي قربان أو ذبيحة بعد الصليب، فقد قال بعبارة صريحة في هذه الرسالة: "لا يكون بعد قربان عن الخطية" (عبرانيين 10: 18).
(3) إن المسيح عندما عمل العشاء الرباني. لم يبْنِ مذبحاً أو لبس لباساً كهنوتياً، أو... أو...، كما كان متبعاً عند عمل الذبائح الكفارية. فضلاً عن ذلك، فإنه لم يقل لتلاميذه أن يصنعوا هذا العشاء لمغفرة خطاياهم، الذي هو الغرض الأساسي من عمل الذبيحة[27], ولذلك لا يمكن أن يكون المذبح (أو الذبيحة) هنا، هو (أو هي) العشاء الرباني، لا من الناحية الكتابية، أو حتى من الناحية العقائدية عند القائلين بالاستحالة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى نرى:
(1) أن كلمة "الأطعمة أو الذبائح" وردت بالمقابلة مع "المذبح" (كما ذكرنا فيما سلف)، وأن كلمة "الحيوانات" وردت بالمقابلة مع "يسوع"، وبما أن "الحيوانات" هي "الأطعمة أو الذبائح". يكون "يسوع" هو المذبح.
(2) إن المسيح وحده هو الذي كان يرمز له بالذبيحة والمذبح معاً في العهد القديم[28]. فبوصفه الذبيحة هو الذي حمل خطايانا (1 بطرس 2: 24، غلاطية 3: 13)، كما كانت الذبيحة تحمل الخطية بصفة رمزية نيابة عن الذين كانوا يقدمونها في العهد القديم (خروج 29: 10). وبوصفه المذبح (أو بالحري مذبح النحاس أو المحرقة) كان هو المعلن لقداسة الله، وكراهيته للخطية. لأن النار كانت تشتعل على هذا المذبح ليلاً ونهاراً، لحرق ذبائح الخطية وغيرها من الذبائح التي كانت توضع عليه (لاويين 6: 12- 13) والله في قداسته وكراهيته للخطية مشبه بالنار، فمكتوب عنه أنه نار آكلة (عبرانيين 12: 29).
(3) إن كهنة اليهود الذين كانوا يخدمون المسكن الأول (أي الهيكل) كان في سلطانهم، إن أرادوا، أن يأكلوا العشاء الرباني الذي يعمله المسيحيون، وأن يهدموا مذبحهم إن كان لهم مذبح. لكن الذي لم يكن في سلطانهم أن يفعلوه، هو الأكل من المسيح، أو بتعبير آخرالإفادة من كفارته طالما هم في يهوديتهم. وبما أن هذه الآيات تنص على أنهؤلاء الكهنة ليس لهم سلطان أن يأكلوا من مذبحنا، يكون المراد بهذا المذبح هو المسيح نفسه كما ذكرنا.
وقد شهد توما الأكويني الفيلسوف الكاثوليكي أن المذبح هنا لا يراد به المذبح المادي المعروف عند القائلين بالإستحالة، فقال: "المذبح هو الصليب الذي قدم المسيح عليه كفارة لأجلنا، أو هو المسيح نفسه الذي بواسطته نقدم تقدماتنا لله، لأن المسيح هو (المرموز له) بالمذبح الذهبي الذي جاء ذكره في سفر الرؤيا الإصحاح الثامن" غير أنني أرى أن المذبح هنا لا يراد به مطلقاً خشبة الصليب لأن الرسول أعلن أننا نأكل من هذا المذبح، وخشبة الصليب لا نأكل منها بأي معنى من المعاني. أما الذي نأكل منه روحياً حتى نشبع فهو المسيح بوصفه الفادي، الذي احتمل قصاص الخطية عوضاً عنا وصالحنا مع الله إلى الأبد. كما أنني وإن كنت أوافق توما الأكويني على أن المذبح رمز للمسيح، لكن سياق الحديث يدل على أن المراد بالمذبح هنا، ليس مذبح الذهب الذي كان كهنة العهد القديم يقدمون البخور عليه، بل مذبح النحاس (أو المحرقة) الذي كانوا يقدمون عليه الذبائح الكفارية عن الخطايا.
(ثانياً) إن المسيح أشير إليه كالمذبح بعدما أشير إليه كالذبيحة والقربان في الآيات الواردة في (عبرانيين 9: 26، 10: 12) للأسباب الآتية:
(أ) إن المذبح مثال عام للمسيح، بينما الذبيحة مثال خاص له، إذ أن المذبح يوجد قبل تقديم الذبيحة ويظل بعد تقديمها، وهو يتضمن في معناه وجودها. وكان الله يسنده إلى نفسه (خروج 20: 26)، كما كان مكان ظهور الله للناس (عاموس 9: 1) وتقابلهم معه (ملاخي 2: 12). فضلاً عن ذلك فإنه أعظم من الذبيحة لأنه هو الذي يقدسها (متى 23: 17). ونظراً لأنه ليس هناك من هو أعظم من المسيح لكي يقدس ذبيحته، لذلك كان من البديهي أن يكون هو المذبح، بجانب كونه الذبيحة.
(ب) إن المذبح كان موضع اعتزاز القديسين وفخرهم. فقد قال داود النبي مثلاً "فآتي إلى مذبه الله، إلى الله بهجة قلبي" (مزمور 43: 4)، والمسيح هو موضع اعتزازنا وفخرنا. فقد قال الرسول "من افتخر، فليفتخر بالرب" (1 كورنثوس 1: 31)، كما قال "حاشا لي أن افتخر إلا بصليب (أو بالحري بصلب) ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 6: 14).
(3) إن المذبح كان ينقذ من الموت كل مجرم يتمسك بقرونه (1 ملوك 1: 5)، والمسيح يخلص من الموت الأبدي كل خاطئ يؤمن به إيماناً حقيقياً (يوحنا 3: 6). فضلاً عن ذلك فإن المذبح كان رمزاً للعلاقة مع الله في كل حين (لأن الذبائح لم تكن تقدم في كل حين، بل في أوقات معينة فحسب)، والمسيح هو الدليل الدائم على وجود علاقة لنا مع الله، ليس في وقت دون آخر، بل في كل الأوقات دون استثناء. ونظراً لأن هذا المذبح كان رمزاً للمسيح، كان يجب مراعاة ما يأتي بخصوصه:
(1) إنه كان يصنع من خشب السنط والنحاس (خروج 27: 1- 28)، وخشب السنط هو الخشب الوحيد الذي ينبت في البرية ولا يعتريه عطب على الإطلاق، ولذلك كان رمزاً مناسباً لناسوت المسيح الفريد في العالم، والذي لم تتسرب غليه الخطية على الإطلاق. والنحاس لشدة وسرعة توهجه بالحرارة، كان رمزاً مناسباً لإعلان دينونة الله على شر الإنسان (حزقيال 1: 4، رؤيا 1: 15)، هذه الدينونة التي احتملها المسيح فعلاً عندما قدم نفسه كفارة على الصليب (رومية 8: 3). كما أن النار لم تكن تشتعل فقطعلى سطح هذا المذبح بل وفي جوقه أيضاً (خروج 27: 8)، وكان ذلك رمزاً للمسيح الذي تحمل في جسده ونفسه (في ظاهره وباطنه) نار قصاص الخطية عوضاً عنا أجمعين (مزمور 22: 14).
(2) والمذبح المذكور كان يمسح بدهن المسحة، الذي كان يرمز للروح القدس (خروج 40: 10 مع 1 يوحنا 2: 20)، وكان ذلك رمزاً للمسيح الذي ولد بالروح القدس ومُسح أيضاً بالروح القدس (لوقا 1: 53، متى 3: 16). كما كان يعتبر قدس أقداس الله (خروج 40: 10)، وكان ذلك رمزاً للمسيح الذي هو قدوس القدوسين (دانيال 9: 24). فضلاً عن ذلك كان يوضع في أول الطريق إلى حضرة الله (التي كان يشار إليها في العهد القديم بقدس الأقداس)، وكان ذلك رمزاً للمسيح الذي هو الباب والطريق إلى الله، والذي لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الآب إلا به (يوحنا 14: 6).
(3) ولقدسية هذا المذبح لم يكن يُسمح لأي إنسان أن يلمسه أثناء نقله من مكان إلى مكان، بل كان يحمل بواسطة العصوين الموجودتين على جانبيه، وكان هذا رمزاً مناسباً إلى أنه لم يكن لكائن ما أن يدنو من المسيح قبل التجسد، كما ذكرنا في الحديث عن تابوت العهد. فضلااً عن ذلك كان من المحظور على الكهنة الذين يخدمون أمام المذبح المذكور أن يصعدوا إليه بدرج على الإطلاق ( خروج 20: 26)، وكان هذا رمزاً مناسباً لعدم استطاعة الإنسان أن يتطاول إلى مركز المسيح دون أن تظهر عيوب هذا الإنسان ونقائصه. كما أنه عندما كان المذبح المذكور يصنع من حجارة لم تكن تنحت على الإطلاق (خروج 20: 26)، وكان هذا رمزاً مناسباً لكمال المسيح الذاتي وعدم حاجته إلى تهذيب أو تجميل, ولذلك يكون المسيح ليس هو الذبيحة فقط، بل وقبل كل شيء هو المذبح[29] أيضاً.
ثالثاً- المراد بالأكل من المسيح ليس الأكل الحرفي بل الأكل الروحي، وذلك للأسباب الآتية:
(1) إن الرسول قال "حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة"، وهذا دليل واضح على أن الأكل من المسيح، الذي به يثبت القلب بالنعمة، هو أكل روحي محض (2) كما أنه لم يقل "لكي يعطينا المسيح جسده لنأكل، تألم خارج الباب"، حتى كان يجوز القول إن الأكل مع المسيح يكون أكلاً حرفياً، بل قال "لكي يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب"، وتقديس المسيح لنا بدمه، تم نهائياً بموته نيابة عنا على الصليب. فمكتوب أننا قد تبررنا وتقدسنا باسم الرب يسوع وبروح إلهنا (1 كورنثوس 16: 11)، ولذلك لا يتطلب منا الأمر في سبيل التقديس أو التبرير أن نأكل في عهد النعمة الذي نعيش فيه الآن شيئاً بالمعنى الحرفي، بل أن نؤمن فقط إيماناً حقيقياً بما عمله المسيح على الصليب لأجلنا، فنحظى بالتقديس والتبرير معاً. (3) هذه الآيات تضع المسيح أمامنا كذبيحة الخطية، أو بالحري كذبيحة الكفارة السنوية عن الخطية. وهذه الذبيحة لم يكن للكاهن أو أحد من الذين يقدمونها أن يأكل منها شيئاً، لأنها كانت تعتبر رمزياً حاملة لخطايا الشعب وملوثة أو منجسة بها، وتبعاً لذلك كانت تخرج خارج المحلة وتحرق بأكملها هناك (لاويين 16: 28). ولذلك فإن الفائدة التي كانت تجنى من هذه الذبيحة كانت فائدة معنوية فحسب، وهذه الفائدة هي الغفران (أو بالحري الغفران الرمزي) الأمر الذي يدل على أن المسيح، فضلاً عن أنه في ذاته طعام روحي لا جسدي، وأن الآيات التي قيلت عن الأكل منه يراد بها جميعاً المعنى المجازي لا الحرفي، فإنه أيضاً بسبب كونه كفارة عن خطايانا، لا يجوز الأكل منه بالفم تحت أي شكل من الأشكال.
أما وجه الشبه بين المسيح وبين ذبيحةالكفارة التي لم تؤكل فهي:
(1) إن المسيح تألم خارج الباب (عبرانيين 13: 12)، وذبيحة الكفارة السنوية هي التي كانت تحرق خارج المحلة أو خارج الباب (لاويين 16: 27) (2) إن المسيح دخل بدم نفسه كرئيس الكهنة الحقيقي إلى الأقداس السماوية (عبرانيين 9: 12)، وذبيحة الكفارة السنوية هي التي كان يدخل رئيس الكهنة اليهودي بدمها إلى قدس الأقداس الأرضي، الذي كان رمزاً للسماء (لاويين 16: 14) (3) إن المسيح قدم نفسه فدية عن جميع الناس (يوحنا 3: 16)، وذبيحة الكفارة السنوية هي التي كانت تقدم رمزاً فدية عن جميع أفراد شعب العهد القديم (لاويين 16: 29)[30].
رابعاً- موقفنا إزاء العشاء الرباني إن كان هو ذبيحة الصليب بعينها:
في ضوء ما تقدم نقول: لو كان العشاء الرباني هو ذات ذبيحة المسيح التي قدمها على الصليب كفارة عن خطايانا (كما يقول المؤمنون بالإستحالة) لكان الله قد أمر بحرقه خارجاً، لأنه يكون في هذه الحالة حاملاً لخطايانا ومنسجماً بها هذه حقيقة واضحة كل الوضوح ولكن المؤمنين بالإستحالة يعترضون عليها بالإعتراضات الآتية:
1- إن الذبائح الحيوانية، وليس تقدمات الخبز والخمر، هي التي كان يجوز حرقها، ومن ثم لا يجوز إحراق العشاء الرباني.
الرد: إذا رجعنا إلى العهد القديم نجد أن قرابين الفطير والدقيق كانت تحرق (لاويين 2: 1، 2 والعدد 6: 13- 17)، وأن الخمر التي كانت تصب على الذبائح كانت تحرق معها (العدد 15: 4 و 28: 7).
2- إن الرمز لا يكون مثل المرموز إليه من كل الوجوه، لأن ذبيحة الكفارة السنوية التي كانت رمزاً للمسيح من جهة كونه الكفارة العامة عن الخطية، كانت تحرق، لكن المسيح نفسه لم يحرق. ومن ثم فإن العشاء الرباني لكونه ذبيحة الصليب نفسها (كما يقولون) يجب ألا يحرق.
الرد: إن الغرض من حرق ذبيحة الكفارة السنوية وغيرها من ذبائح الخطية خارج المحلة، كان إشارة إلى حلول قصاص الله عليها عوضاً عن الخطاة الذين قدمت نيابة عنهم، والمسيح المرموز إليه، وإن كان لم يحرق مثلها، لكنه حمل قصاص خطايانا وآلامها في جسمه ونفسه إلى النهاية، الأمر الذي كان يرمز له بالحرق قديماً. وبما أن العشاء الرباني لا تقع عليه أية آلام مثل المسيح، لذلك يجب أن يحرق لو كان ذبيحة كفارية.
3- إن العشاء الرباني تقع عليه ذات الآلام التي احتملها المسيح على الصليب، إنما بطريقة سرية غير منظورة للعين البشرية، ولذلك لا يجوز حرقه.
الرد: لو سلمنا جدلاً بقول المعترض، لكان الله قد نهانا عن الأكل من العشاء الرباني لأنه يكون في هذه الحالة ملوثاً بالخطية ومنسجماً بها، مثله في ذلك مثل ذبيحة الكفارة السنوية وغيرها من ذبائح الخطية (لاويين 4: 11، 12و 6: 30و 8: 14- 17)، التي لم يكن يسمح لأحد أن يأكل منها بتاتاً.
مما تقدم يتضح لنا بكل جلاء أنه لو كان العشاء الرباني هو ذبيحة الصليب بعينها، لكان المسيح قد أمر بحرقه أو على الأقل بعدم الأكل منه بتاتاً. أما وقد أوصانا بالأكل منه، فلا يمكن أن يكون هو ذبيحة الصليب بعينها، وبالتالي لا يمكن ان يكون ذات جسد المسيح ودمه.
[25] (الثاني) استعمال هذا الكاهن لأحد القداديس المعترف بها لديهم، دون غيره من الصلوات.
ولا يتسع المجال أمامنا للرد على هذه العقيدة، ولذلك نكتفي بالقول: إن الله قال للكهنة الأشرار في العهد القديم "لست ألتذ باعتكافكم. إن قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضى. وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها" (عاموس 5: 22 – 26). كما قال لهم" البخور هو مكرهة لي، لست أطيق الإثم والاعتكاف. فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن كثرتم الصلاة لا أسمع" (إشعيا 1: 13 – 15). ولذلك لو فرضنا جدلا أن العشاء الرباني يتحول إلى ذات جسد المسيح ودمه، لا يمكن أن يتحول على أيدي جماعة من الأشرار، مهما كانت مراكزهم الدينية. وقد أشار إلى هذه الحقيقة القديس أنطونيوس بإشارة عامة فقال "إن هناك علاقة قائمة بين المواهب وبين السير بالقداسة" (حياة الصلاة الأرثوذكسية ص 171)، أي أنه لا يمكن أن تكون هناك موهبة روحية، إلا إذا توافرت أولا حياة القداسة في صاحب هذه الموهبة.
أما القول (بأن حاجة الخطاة إلى الغفران تدعو الله إلى إجراء الاستحالة، حتى لو كان الكهنة أشراراً)، فلا مجال له على الإطلاق، لأنه فضلا عن أن الغفران لا يمنح بالتناول من العشاء الرباني بل بالإيمان الحقيقي بالمسيح كما ذكرنا فيما سلف، فإن الله لكماله المطلق لا تتغير صفاته ولا تتعارض أعماله مع صفاته، حتى إذا انقلب الكون رأساً على عقب. فالخاطئ يجب أن يتوب ويؤمن بالمسيح إيماناً حقيقياً حتى يرضى الله عنه (مرقس 1: 15)، وكل جماعة مسيحية يجب أن تعزل الخبيث من بينها حتى تتقدم وتنموا (1 كورنثوس 5:13)، وإلا فسيهلك الخاطئ ودمه على رأسه، وستفشل هذه الجماعة في رسالتها وتكون عبرة ومثلا – وانهزام اليهود على الرغم من إطلاق الله اسمه العظيم عليه، خير دليل على أن الله لا يستجيب للذين يعيشون في الخطية على الإطلاق.
[26]Greek-English Lexicon, p. 550– واستعمال الكلمة الواحدة تارة فعلاً وتارة اسماً كثير في اللغات الأجنبية. أما في اللغة العربية فقد تعني الكلمة الواحدة أكثر من معنى واحد فكلمة "العين" (مثلاً) لا يراد بها حاسة البصر فقط, بل يراد بها أيضاً "عين الماء" و"الجاسوس" و"الدينار".
[27]وقد عرف القديسون الذين عاشوا في القرون الأولى أن العشاء الرباني لا يعمل لمغفرة الخطايا، بل للشكر لله من أجل الكفارة التي قام بها في المسيح. فقد قالوا عن الأسقف إنه "يحمل الخبز والخمر اللذين للشكر" (الدسقولية ص 147)، ولذلك كانوا يطلقون على العشاء الرباني "إفخارستيا" أي "شكر".
[28]وبهذه المناسبة نقول إننا إذا تطلعنا إلى خيمة الإجتماع وإلى الأدوات التي كانت توضع فيها، نجد أنها بأسرها كانت رموزاً للمسيح من نواح متعددة، لأن خدماته لكثرتها وتنوعها لم يكن ممكناً أن يرمز إليها فقط بخيمة الإجتماع أو أداة واحدة من الأدوات التي كانت فيها. ولذلك نرى أن: (أ) باب الخيمة كان رمزاً للمسيح بوصفه أول الطريق إلى لله (خروج 35: 15 مع يوحنا 10: 9). (ب) والسرج والمنائر كانت رمزاً للمسيح بوصفه النور الذي يهدي الناس ويرشدهم (خروج 25: 37 مع يوحنا 8: 22). (ج) والخبز كان رمزاً للمسيح بوصفه الطعام الروحي الذي يهب من يتغذى به حياة ابدية (خروج 35: 13 مع يوحنا 6: 41). (د) والحجاب كان رمزاً لجسد المسيح (عبرانيين 10: 20)، ولذلك عندما صلب المسيح انشق الحجاب (لوقا 23: 45). (ه) ومذبح البخور كان رمزاً للمسيح بوصفه الواسطة التي بها نرفع العبادة إلى الله (عبرانيين 13: 15، 1بطرس 2: 5)، فتحوز القبول والرضا أمامه (خروج 37: 35 ومزمور 141: 2 مع يوحنا 13: 15) ونظراً لأن خيمة الإجتماع وأدواتها كانت رموزاً للمسيح، لم يكن يسمح لموسى مع حكمته أن يصنع شيئاً منها حسب استحسانه الشخصي، بل كان عليه أن يعمل كل صغيرة وكبيرة فيها حسب المثال الذي كان الله يعلنه له (خروج 25: 29).
[29]مما تجدر الإشارة إليه هنا أن الرسول لم يستعمل الرموز الخاصة بالمسيح إلا في الرسالة إلى العبرانيين، لأنهم كانوا يعتزون بهذه الرموز كل الإعتزاز ويفخرون بها كل الفخر، ولذلك اقتضى الأمر أن يوجه الرسول أنظارهم إلى المعاني الروحية التي كانت تدل عليها هذه الرموز، وإلى تحقيق هذه المعاني بأكملها في المسيح، حتى يتحولوا عن الرموز المذكورة ويتمسكوا بالمسيح دون سواه، إذ أن الرموز تصبح بلا جدوى بعد مجيء المرموز إليه.
- عدد الزيارات: 6204