الرسل والأنبياء
هؤلاء هم أولى العطايا المذكورين في أفسس 4: 11، الذين أعطاهم المسيح - الذي ارتفع إلى السماء - لكنيسته، كما قيل "وأعطي البعض (أن يكونوا)[1] رسلاً والبعض أنبياء". والرسل والأنبياء هم الذين استخدمهم الله للناس. وقد قصد الله باستخدامهم أن يضع بهما قاعدة راسخة تبنى عليها الكنيسة. لذلك أمكن لنا أن نسميها بالعطايا التأسيسية.
وفي أفسس 2: 20 يتكلم عن الكنيسة باعتبارها مبنية على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية. وطبعاً، فإن المسيح هو الأساس بحسب المعنى الكبير للكلمة: "على هذه الصخرة أبني كنيستي". أما الرسل والأنبياء فكما ذكر واحد عنهم، فقال: [لقد اتخذ الله الرسل والأنبياء كوسائل، ليس لإظهار فكره من نحو الكنيسة فحسب، ولكن أيضاً لكي يضع بسلطان حدود فلاحته في الأرض. وللتمييز بين الرسل والأنبياء، فقد ظهر كل منهما بطابع مميز، فاتصف طابع الرسل بالسلطان الخاص للعمل، أما الأنبياء فبطابع الكشف عن فكر الله وإرادته بخصوص هذا السر العظيم _ أي كنيسته] (وليم كيلي).
ولقد احتل الرسل مكاناً فريداً في تأسيس الكنيسة، وبالطبع فإن هذا المكان لا يمكن أن ينتقل للآخرين، فلقد كانوا شهود عيان لقيامة الرب. انظر أعمال 1: 22، 1 كورنثوس 9: 1، 15: 5 _ 8. ولذلك فلا يمكن أن يكون هناك "خلافة رسولية" كما تدّعي بها بعض الكنائس اليوم. فالرسول بالمعنى التام والدقيق للكلمة هو الشخص الذي عيّنه الرب، وقد شهد لقيامته.
أما الذين أعطوا أن يكونوا رسلاً فهم الإثني عشر ومعهم بولس، ولقد عهد الرب إليهم بغرس الكنيسة، وبإطعامها في مراحل تكوينها الأولى، وبإمدادها على مدى تاريخها في الأرض، (مضافاً إلى ذلك بقية كتابات الوحي) بقيادة رشيدة لا تخطئ، أعني بها الكتابات الرسولية الموحى بها تماماً من الله. ولذلك فإن لم يكن الرسل معنا بأشخاصهم اليوم، فإنهم معنا بكتاباتهم _ باعتبارها عمل تأسيسي وقيادي في الكنيسة.
وجدير بالذكر أن الأنبياء المذكورين هنا لا يشار بهم إلى أنبياء العهد القديم، بل أنبياء العهد الجديد، الذين اتبعوا المسيح. لقد تكلموا عن الله مباشرة، وغالباً ما كانوا يبينوا فكر الله من جهة الحاضر أو المستقبل بطريقة غير اعتيادية. إن عمل النبي هو أن يضع الحق أمام النفوس بطريقة محددة وظاهرة ليربطهم مباشرة بالله. وعلى سبيل المثال. فقد ذكر أن يهوذا وسيلا كانا نبيين في أعمال 15: 32 فوعظا وشددا الإخوة. ولما لم يكن الكتاب كله قد كتب عندما بدأت الكنيسة، ولم يكن متيسراً بالطبع وجود الرسل في كل مكان، فقد أقام الله أنبياء، كانوا _ في أحوال معينة على الأقل _ وسائل إعلان إلهي.
أما الآن فقد اكتمل الإعلان، وأصبحت لدينا كلمة الله الكاملة، ولم نعد نحتاج إلى مزيد، لذلك فإن الحاجة إلى هؤلاء الأنبياء _ في أسمى عمل لهم _ قد انتهى بكمال تسجيل الوحي المكتوب. ولكن يوجد أيضاً معنى جانبي لعمل الأنبياء، في أيامنا هذه، وهو إحياء الحق وإظهار قوة عمل الروح القدس في القديسين جميعهم، وذلك بتذكيرهم بما كان قد أعلنه مرة، ولكنه ضاع وسط أكوام التعاليم الغربية. ولذلك فإن استعادة الحقائق، كحقيقة التبرير بالإيمان، وحقيقة كون الكنيسة جسد المسيح، وحقيقة مجئ المسيح الثاني باعتبارها الرجاء المسيحي، مثل هذه الحقائق _ على سبيل المثال _ تشابه عمل الأنبياء في هذا المجال. وإن كنا نتردد في اعتبار من يقومون بذلك بأنهم من الرسل أو الأنبياء.
إن الرسل والأنبياء _ بحصر اللفظ – لم يكن مقصوداً بهم أن يستمروا، ولو أن شيئاً مشابهاً لعمل الرسول يمكن أن يقام في أوقات مناسبة. وعلى سبيل المثال، فإن لوثر مثّل لذلك، إذ بواسطته كانت إعادة جزئية لدعوة قديسي الله عامة للحق الأساسي الذي اختفى منذ مدة طويلة، وخبا لمعانه ونوره أمام القديسين. وهذه صورة جزئية لما عمله الرسول.
[1] عبارة (أن يكونوا) غير موجودة في أقدم النسخ، ذلك لأن التركيز هنا على الأشخاص باعتبارهم مواهب روحية (المعرب).
- عدد الزيارات: 5114