المبشرون
"وأعطى .. البعض مبشرين". هذه العطية، مع بقية العطايا الواردة في آخر هذا العدد (أفسس 4: 11)، لا تزال مستمرة معنا وتعمل حتى الآن في العالم. فالمبشر هو الأداة التي يستخدمها الله في اجتذاب النفوس إلى المسيح. والشخص الذي يمنحه الرب هذه الموهبة لا يتقيد بمكان معين، بل يكون مستعداً للذهاب هنا وهناك، حيثما يقوده الرب بالروح ليخدم حاجات النفوس.
"والمبشرون" كما تعني الكلمة هم الذين ينادون بالأخبار السارة ويكرزون بإنجيل نعمة الله، ويوقظون المتهاونين والمتغافلين، ويربحون النفوس للمسيح. ومع أن كل مؤمن ليس بالضرورة أن يكون مبشراً، إلا أنه يجب أن يتوفر لدى الجميع المحبة من نحو النفوس، والاستعداد لقيادة الخاطئ وتوجيهه للمسيح.
أما اللذين منحهم الروح القدس موهبة التبشير، فلهم عواطف حقيقية من نحو النفوس، ويتعاملون معهم بصبر طويل لخلاصهم ويتمخضون بهم لولادتهم بالإنجيل، إنهم متعلمون كيف يقدمون الإنجيل وكيف يجمعون النفوس، ولديهم القدرة للتمييز بين الأشواق الحقيقية وبين الانفعالات الوقتية، وكذلك النفوس الصادقة التي لها الاختبارات الحقيقية وغيرها من التي لا يظهر منها سوى الإعتراف. إن فرح المبشرين هو في الإتيان بالخطاة إلى المسيح، وأن يروا هؤلاء الذين كانوا في العالم وقد صاروا في كنيسة الله.
(والمبشر هو رجل صلاة، لأنه يعرف تماماً أن كل العمل هو من الله، أما الوسائل المستخدمة فهي ذات قيمة محدودة جداً. إنه رجل إيمان، يعرف كيف يعتمد على الله الحي، كما أنه تلميذ للكتاب، فلا يُقدم إلا الحق للنفوس. وهو رجل شجاع، لا يخشى أن يذهب إلى حيث تنتظره القيود والسجن ليحمل إنجيل ربنا المبارك المجيد للهالكين. إنه كذلك رجل القوة، مستعد أن يتكلم بالكلمة في وقت مناسب وغير مناسب. ثم إنه رجل المثابرة الذي لا ييأس إذا لم يجد ثمراً سريعاً لعمله. وأخيراً فهو رجل التواضع، الذي لا يجد افتخاره في نفسه، بل يقول من القلب "لا أنا بل نعمة الله التي معي" ) (صموئيل ريدوت)
إن اهتمام المبشر الخاص هو لأجل الهالكين وغير المخلصين، أما دائرة عمله فهو العالم، وذلك بالمباينة مع دائرة عمل الراعي والمعلم وهي في الكنيسة وبين أولاد الله. والمبشر أشبه بقاطع الأحجار الذي يذهب إلى المحاجر ليقتطع الأحجار من الجبال، ثم يأتي بها لتتشكل وتُصقل. فالمبشر يجد النفوس في محجر الخطية فيحضرهم للمسيح، ذاك الذي يُخّلصهم ويضمهم بالروح القدس إلى جسد المسيح، أي الكنيسة. ويرى المبشر الحقيقي أن هؤلاء الأطفال المولودين حديثاً – وهم أولاده في الإيمان – قد أُدخلوا في شركة وعناية كنيسة الله أيضاً، حيث تمارس مواهب الراعي والمعلم لبنيانهم وتغذيتهم.
والمبشر المتعلم من الروح لا يطلب من النفس التي اهتدت حديثاً أن تنتمي إلى الكنيسة التي يختارها هو له، ولا الكنيسة المنتمية إليها عائلة هذا الشخص – كما يحدث في أغلب الأحيان. ولكن يريه أنه وقد أصبح في الكنيسة وعضواً بها، فعليه أن يتعرف على الذين هم في دائرة سكنه ممن يُكونون الجماعة المحلية لكنيسة الله. كما يجب عليه أن يفحص المكتوب ليعرف فكر الله ونظامه من جهة الشركة في الكنيسة، مثلما اتبع كلمة الله من جهة الخلاص.
وفي أعمال 21: 8 نقرأ عن فيلبس المبشر، ولدينا في أعمال 8 تسجيلاً لأحد أعماله، وتعطينا هذه الفقرة توضيحاً لطبيعة وعمل هذه الموهبة. ونرى أيضاً في الرسول بولس فاعلية الموهبة في المبشر، مع أنه كان يمتلك أيضاً موهبتي الراعي والمعلم، كما كان رسولاً أيضاً، وكان قصده أن يُبشر "إلى ما وراءكم" (أي إلى ما وراء مقاطعة كورنثوس) (2 كورنثوس 10: 16). هذه الكلمات التي يجب أن يتخذها كل مبشر شعاراً له.
وبالتأكيد حينما نتذكر كلمات الرب "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول، إنها قد ابيضت للحصاد". وقوله: " (حقاً) إن الحصاد كثير The harvest Truly is great ولكن الفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعله إلى حصاده" (يوحنا 4: 35، لوقا 10: 2) نضطر لكي نصلي لإقامة مبشرين حقيقيين، وإرسال أولئك الذين سبق أن دعاهم الرب ومنحهم المواهب قبلاً. فالحاجة ماسة والعمل مبارك حقاً. أيها المبشر، "أضرم موهبة الله التي فيك". "أكرز بالكلمة .. اعمل عمل المبشر" (2 تيموثاوس 1: 6، 4: 2 و 5).
- عدد الزيارات: 3556