Skip to main content

الكنيسة الأسقفية

ولكن هل حافظت الكنيسة الأسقفية على الحق أحسن من الطوائف المنشقة، وهل فيما تجريه مراسيم التعيين سواء بواسطة الإكليروس أو العلمانيين أو الحكومة ما يقال أنه احتفاظ بالحق؟ والعذر الواهي الذي يخلقه أصحاب هذا النظام وليد الإرادة الذاتية هو أن الأشخاص الذين تعينهم الحكومة أو أرباب الأملاك أو الكليات أو الاتحادات الكنسية يتم تعيينهم بالصفة العادية (أي أن الحكومة لم تغير من الأوضاع الكنسية شيئاً بل وضعت الختم بالموافقة عليها) ولكن هل يوجد ظل للشبه بين هذه الأنظمة العالمية وبين الترتيب الإلهي للمواهب الروحية التي يعطيها المسيح كما تراها مبينة في (أف 4)؟ أنا لا أعتقد مطلقاً أن شخصاً غير المسيح الرب الذي صعد إلى الأعالي له الحق أن يعطي هذه المواهب. فهل تعتمد أيها القارئ على شخص آخر؟ هل تتوقع صعوداً غير ذاك الذي صعده المسيح؟ وهل تحنو عليها فقط من أجل خلاص نفسك؟ أو أنك تثق فيها وفي الروح الذي أوحاها للإرشاد من جهة الخدمة والمهام الكنسية أيضاً؟ وأي المسائل أدعى لاهتمام الرب أكثر من هذا؟ ولأي أمر نحن نفتقر أكثر من هذا؟ إنني كمؤمن أشعر بكل تأكيد بحاجتي إلى كلمة الله لسلوكي اليومي مهما كانت ظروفي أو دائرة عملي أو واجباتي. فهل تؤمن – بل هل تستطيع أن تؤمن – أن تلك الكلمة الحية والباقية إلى الأبد لا دخل لها في موضوع روحي خطير الشأن عظيم الأهمية نظير خدمة الكلمة. ألا تؤمن أنك تحت التزام أن تسمعها وتنحني أمام سلطانها؟

وخلاصة ما قلناه هو أن الكتاب المقدس يعلن لنا مبدأين عظيمين اعترفت بهما الكنيسة الأولى وهما: (1) أن الرب يمنح عطايا نعمته – عطايا لا تحتاج إلى تداخل بشري. (2) وأنه أعطى ترتيباً لاستعمال السلطان الرسولي في المواضع التي كانت تستدعي تداخل الإنسان: نظير تعيين الشيوخ بواسطة الرسل أو الأشخاص الذين أخذوا وصية من الرسل لينوبوا عنهم في حالات خاصة (ونعلم أنه لم يكن سوى تيموثاوس وتيطس من قاما بعمل أحد الرسل بتفويض شخصي لكل منهما من ذلك الرسول). واضح أنه لا يوجد في زماننا الحاضر ولا نواب رسل نظير تيطس الذي كلفه الرسول ليعمل عملاً من أعماله الرسولية. ولذلك فلا يستطيع القارئ – إذا كان خاضعاً لكلمة الله – أن يتوقع وجود شيوخ في صورتهم الرسمية الكاملة. وإذا ادعى واحد بوجود مثل هؤلاء الشيوخ فإنه يعمل حسناً لو تكرم وأدلى لنا ببراهينه من الكتاب المقدس. على أن ما ذكرناه فيما سبق فيه الكفاية على ما أعتقد لدحض هذا الادعاء. فغير ممكن أن يجد القارئ في يومنا هذا أشخاصاً معينين بصفة رسمية قانونية لهذا المركز ما لم تتوفر السلطة القانونية الرسمية المعطاة من الرب لتعيين أولئك الأشخاص. وأنني أهمس في آذان أعضاء الطوائف النصرانية وأقول لهم: إن هذه السلطة الضرورية لإقامة الشيوخ لن تتوفر لكم على الإطلاق وهذه هي نقطة الضعف في مذاهبكم الواهية. فلا رسل عندكم ولا نواب رسل مكلفين من قبلهم بتعيين الشيوخ. ولذلك فإن نظام التعيين عندكم ينهار عن آخره لافتقاره إلى السلطة الكافية لقانونية التعيين. وإلا فهل تجسرون أن تقولوا عن شيوخكم أن الروح القدس قد جعلهم أساقفة؟ إنكم مكابرون إذ ليس عندكم من يُخوِّل له الكتاب المقدس حق التعيين أو الرسامة.

فماذا إذن؟ ألا يوجد بيننا أشخاص يليقون لأن يكونوا شيوخاً أو أساقفة إذا ما وجد الرسل الذين ينتخبونهم؟ الشكر لله: فإنه يوجد بيننا أشخاص غير قليلين يليقون لهذه الخدمة. فيندر أن تتأمل في إحدى جماعات أولاد الله بدون أن تسمع منهم عن بعض الأشخاص المتقدمين في السن، الذين يفتشون على الضالين، وينذرون الذين بلا ترتيب، ويعزون المنحنيين، وينصحون ويوبخون ويرشدون النفوس. أليس هؤلاء الأشخاص هم الذين يليقون لخدمة المشيخة ويرشدون النفوس. أليس هؤلاء الأشخاص هم الذين يليقون لخدمة المشيخة فيما لو توفرت السلطة القانونية التي تعينهم؟ أنا لا أقول أننا نسميهم شيوخاً أو قسوساً بل نعتبرهم جداً من أجل عملهم ونحبهم ونعترف بهم كمن يدبرون أخوتهم في الرب. وإنني أسألك أيها القارئ العزيز بكل وقار: هل تعترف بشخص يدبرك أنت وإخوتك؟ هل تعترف ببعض من خدام الرب الذين يرشدونكم؟ وهل تتصور أن مثل هذا الاعتراف بهم يعتبر تعدياً على مبادئ الله؟ إنني بالأحرى أحذرك من اقتباس بعض الأقوال التي تروق لك في كلمة الله مما تدين لها دون غيرها بالاحترام والخشوع. لأننا إذا تصرفنا هكذا نكون عاملين على تأسيس طائفة نظير الطوائف الموجودة حولنا. ومن الجهة الأخرى أحذرك من إدخال هذه الخلافة المزعومة التي لا نقرأ عنها قط في الكتاب المقدس، وعمن أجاز لنا – بدون الرجوع إلى كلمته – بأن نعترف بهذا أو ذاك كخليفة رسولي بواسطة تصديقنا لدعوى حصوله على الرسامة. وواضح أن تعيين الشيوخ، بغض النظر عن توفر حسن النية فيه، هو تقليد لما عمله الرسل. وما لم يكن هذا التعيين صادراً من سلطة قانونية فهو ليس فقط غير مصرح به بل هو اختلاس لسلطة قد فات أوانها وأصبحت الآن خاصة بالرب يسوع المسيح وحده. فالفرق بين المركز الصحيح والمركز الباطل في حالة الكنيسة الحاضرة ليس هو أن شخصاً قد تعين بصفة قانونية وأن آخر يعوزه ذلك التعيين القانوني، إذ ليس في الواقع من تتوفر فيه هذه السلطة في أيامنا الحاضرة. فهل تعترف أيها القارئ بالحاجة إلى هذا التعيين القانوني؟ أو أنك ممن يحاولون إخفاء هذه الحقيقة المذللة الواضحة وهي أنكم لا تملكون سلطة التعيين التي يُقرُّها الكتاب المقدس؟ ومع ذلك فأنتم سائرون في مكابرتكم تعينون من تريدون مع أن لا رسل عندكم ولا نواب رسل! فأي النظامين أضل سبيلاً وأكثر فوضى؟ أن نعمل كما تعملون أو أن نعترف بحقيقة فقرنا، ونتصرف أمام الله والناس معترفين بافتقارنا إلى رسل أو نواب رسل، وبأننا لا نستطيع – إزاء هذا الافتقار – أن نحصل على شيوخ منتَخَبين قانونياً ومعَيَّنين رسمياً؟ على أنني أكرر ما قلته وهو أنه يوجد بيننا أناس لهم مؤهلات الشيوخ الرسميين ويستطيعون أن يستخدموا هذه المؤهلات قانونياً فيما لم توفرت سلطة كافية لتعيينهم رسمياً. ثم أن المبدأ العام الذي يذكره لنا الكتاب في (رو 12) هو أن المدبر – أو المرشد بين القديسين – تحت التزام أن يمارس موهبته باجتهاد (كما أن المعلم أو الواعظ أو سائر أصحاب المواهب المذكورين في ذلك الإصحاح مسئولون أن يؤدوا خدماتهم المعينة لهم من الرب) حتى لو وُجِد في ظروف يكون فيها تعيينه رسمياً لتلك الخدمة أمراً غير ممكن.

  • عدد الزيارات: 3024