واسطة توصيل الموهبة
ولكن عندي لك سؤال آخر أيها القارئ أرجو أن تجيب عليه: أي الأمرين ينطبق على الكتاب المقدس: أن نفعل ما كان يليق بالمسيحي في كل زمان أن يفعله، أو أننا نقلد نائباً رسولياً، أي الأمرين يرتاح إليه ضميرك وقلبك وإيمانك؟ لنفرض أن جماعة من أولاد الله فتشوا الكلمة فوجدوا أنه يوجد بجانب الامتيازات العامة التي لجميع القديسين والواجبات الملقاة على عاتقهم، بعض مواهب للخدمة وبعض خدم كانت تستلزم أن يملأها أحد الرسل أو نائب له. ثم أرادت تلك الجماعة أن تمتلك هذه المواهب والخدم لنفسها فماذا تعمل لامتلاكها، هل تترك ما كُتِب للكنيسة في كورنثوس أو للقديسين في أفسس وتقلد ما لم يُكتَب لكنيسة بل لأفراد نظير تيموثاوس أو تيطس؟ أفليس خيراً لتلك الجماعة أن تتواضع فتستشير كلمة الله من جهة مواهب المسيح؟ نرى أنها لا تحتاج قبل ممارستها إلى موافقة من الأرض، لا بل إنها لا تجيز مطلقاً أي تداخل من البشر. اللهم إلا في حالة واحدة حيث توجد قوة ظاهرة من الروح القدس بواسطة وضع أيدي الرسل. وإنني أسلم تماماً بالاستثناء في هذه الحالة. فتيموثاوس كانت قد سبقت عليه النبوات بتعيينه للعمل الذي دعاه لأجله الرب (قارن أع 13: 1 و 2) ومن ثم فالرسول بولس إذ كان مقوداً بالنبوة وضع يديه عليه فأوصل إليه سلطة مباشرة بالروح القدس توافق الخدمة الخاصة التي كان عليه أن يتممها – وقد اشترك الشيوخ الذين كانوا موجودين حينئذ مع الرسول في وضع الأيدي. ولكن لنلاحظ أن هناك فرقاً في التعبير الذي يستخدمه الروح القدس، ومن ذلك الفرق ندرك أن توصيل الموهبة يتوقف على وضع يدي الرسول فقط دون الشيوخ. فالكلمة المستعملة في الأصل اليوناني بالنسبة للشيوخ الذين كانوا مع بولس تفيد الاشتراك (مع)، في حين أن الكلمة المستعملة بالنسبة للرسول نفسه واسطة توصيل الموهبة (بواسطة): أي أن الذي أوصل الموهبة لتيموثاوس هو الرسول. ولا نقرأ قط في كل الكتاب المقدس أن الشيوخ كانوا في حادثة ما آلة لتوصيل الموهبة. نعم – فسواه كان توصيل المواهب الروحية، أو تكليف بعض الأفراد بخدمات خاصة تكليفاً رسمياً، فكلا الأمرين لم يكن من عمل الأساقفة بل من حقوق الرسل فقط. وها قد رأى القارئ معنا أن تيموثاوس حصل على موهبة نتيجة لوضع يدي الرسول عليه، وهي نتيجة خاصة وحادثة فريدة، ولكن من ذا الذي يستطيع أن يعطي موهبة في أيامنا هذه بواسطة وضع اليد كما عمل الرسول؟ وإذا ادعى شخص بأنه يستطيع فهل تتردد لحظة في أن ندعوه مخادعاً؟ وإذا كنا نقول بحق على من يدعي زوراً بحقوق الملوك الأرضيين أنه خائن فكم بالأحرى تكون خيانة أضل سبيلاً إذا ادعى الناس بحق عطاء الروح القدس، أو منح قوة ظاهرة من قوته الإلهية باسم الرب، بل إنها خيانة لا تغتفر!!
وإنه لأمر خطير جداً أيها القارئ العزيز أن نستخف بروح الله بهذه الدرجة المحزنة!! وفي أيامنا الحاضرة يوجد أناس تقودهم جرأة غبية فلا يختشون من الادعاء بحق إعطاء الروح القدس، أو مواهب الخدمة بواسطة وضع اليد. ولكن ادعاءاتهم، والحمد لله، منقوضة وباطلة من أساسها ولذلك لا تأثير لها على الأمناء.
على أن النقطة المهمة التي يجب أن نلاحظها في الموضوع هي أن مواهب الخدمة هذه قد أُعطِيَت من الرب بواسطة تأهيله للأشخاص وإرسالهم وليس بأي شكل أو مظهر آخر. فلنحترس من الأخذ والرد فيما اقتضته مشيئته وحكمته السامية وقد تسأل أيها القارئ: كيف نستطيع أن نميز وجود الموهبة؟ لا شك أننا نستطيع ذلك عن طريق إحساسنا بالتأثير الذي تحدثه على الضمير الممارسة الحقه لتلك الموهبة. ودعني أسألك بهذه المناسبة: كيف تعرف المسيحي الحقيقي؟ عندما تجد الناس يتكلمون أو يتناقشون نظرياً، يصعب عليك التمييز بينهم. ولكنك إذا أردت العمليات فذهبت إلى قسيس تقي يستطيع أن يريك طرقاً كثيرة بها يمكنك معرفة المسيحيين الحقيقيين فيمن يسميهم قطيعه. أصغ إلى الشخص المسيحي وهو يصلي ساجداً أمام الله تسمعه يخاطبه كابن لإلهه وأبيه بينما يجوز أنك إذا تناقشت معه بعد ذلك يخالف ما صرّح به في الصلاة فلا يستطيع أن يجزم ببنوته لله بسبب سوء التعليم، ولكن ما أجمل فرص التعبد التي فيها يتكلم الناس بالحق بقلوب بسيطة. دعهم يخاطبون الله بعيداً عن نظاماتهم تنكشف لك حقيقة أمرهم. من ذلك نرى أن في الواقع لا توجد صعوبة كبيرة في معرفة المتجددين من غيرهم. ثم أرسل مؤمناً إلى شخص مريض فهلا يستطيع معرفة الكلام اللائق به أن يقوله؟ ألا يسعى بأسرع ما يمكن لمعرفة ما إذا كان للمريض سلام في المسيح أم هو مشتاق لخلاص نفسه أم هو غافل بالمرة عن حقيقة ذنبه وهلاكه؟ فإذا وجده في الحالة الأخيرة أنذره بالدينونة ووضع أمامه الصليب وطلب منه أن يقبل المسيح.
- عدد الزيارات: 2614